توافقات بين الدبيبة والإخوان أطاحت بالمشري

توافقات بين الدبيبة والإخوان أطاحت بالمشري

توافقات بين الدبيبة والإخوان أطاحت بالمشري


08/08/2023

الحبيب الأسود

طرأ تغيير مهم على المشهد السياسي الليبي من خلال الإطاحة بأحد أبرز رموزه، وهو خالد المشري، من رئاسة مجلس الدولة الاستشاري بعد خمس سنوات كان له فيها تأثير واضح في مجريات الأحداث بالبلاد في أبعادها السياسية والاجتماعية وفي خلفياتها الأيديولوجية وفي سياقات الاستقطاعات الداخلية والتحالفات الإقليمية والدولية.

وفاجأت الإطاحة بالمشري أغلب المراقبين والمتابعين للشأن السياسي الليبي، فيما بررت أوساط مطلعة ذلك باتفاق حصل خلال الأيام القليلة الماضية بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة وقيادة حزب العدالة والبناء، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، بمشاركة عدد من الشخصيات المؤثرة في طرابلس ومصراتة. وكان الهدف من ورائه قطع الطريق أمام التوافقات الأخيرة الحاصلة بين المشري ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح بخصوص التعديل الدستوري الثالث عشر ومخرجات لجنة 6+6 المتعلقة بالقانون الانتخابي وفي مقدمتها البند المتعلق بتشكيل حكومة انتقالية مصغرة لقيادة المرحلة القادمة والإشراف على تنظيم الانتخابات.

وآلت رئاسة مجلس الدولة للدورة القادمة إلى المهندس محمد تكالة الذي ينتمي بدوره إلى حزب العدالة والبناء، وهو ما يشير إلى أن المجلس لا يزال تحت سيطرة تيار الإسلام السياسي رغم الانقسامات الحاصلة داخل جماعة الإخوان، والتي أدت خلال السنوات الماضية إلى عزلة التنظيم وفقدانه ما كان يحظى به سابقا من قبول شعبي.

ورغم تعدد المسؤوليات التي تولاها تكالة خلال السنوات الماضية إلا أنه كان يتحرك في صمت وبعيدا عن الأضواء، إلى أن تم انتخابه الأحد رئيسا لمجلس الدولة، وذلك بعد مشاورات جرت على أكثر من صعيد، وتوافقات كانت تستهدف بالأساس المسار التوافقي بين الرئيس السابق للمجلس خالد المشري ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح.

وكان الدبيبة أول المهنئين لتكالة بتوليه رئاسة مجلس الدولة، وقال في تغريدة “أشد على يده ليكون للمجلس دور منحاز لإرادة الليبيين بإجراء انتخابات وإنهاء المراحل الانتقالية”.

ويعتبر تكالة من أشد الرافضين للتعديل الدستوري الثالث عشر الذي تشكلت بموجبه لجنة 6+6 المكونة من مجلسي النواب والدولة لكتابة القوانين الانتخابية، ومن المحسوبين على التيار المساند للدبيبة سواء داخل مجلس الدولة أو داخل جماعة الإخوان، وهو ما أدى إلى توتر العلاقة بينه وبين المشري والذي صل إلى حد التلاسن وتبادل الاتهامات.

وفي الأسبوع الماضي وجه الدبيبة ردا قويا إلى رئيسي مجلسي النواب والدولة بعد اعتمادهما خارطة طريق تقضي بتشكيل حكومة جديدة موحدة لتتولى تسيير الانتخابات القادمة، وقال في كلمة له في اجتماع الحكومة بمدينة غدامس إن “الانتخابات هي محطة مهمة لانتقال ليبيا إلى تاريخ جديد يؤسس للتداول السلمي للسلطة”، مضيفا أنه يمد يده لجميع من يرغب في السلام والاستقرار، “للوصول إلى انتخابات حقيقية وعادلة”.

وأكد الدبيبة خلال الاجتماع أنه لن تكون هناك مراحل أخرى، ولا حكومات موازية، ولا ميزانيات وهمية، مهددا “كل من يحاول العبث باختراع مناورات جديدة للتمديد هدفه إفساد حالة الاستقرار وإفشال الانتخابات”.

وشهدت العلاقة بين الدبيبة ومجلس الدولة حالة من الاحتقان، وصلت إلى درجة منع عدد من أعضاء المجلس من السفر وسحب جوازاتهم من قبل جهاز الأمن الداخلي التابع للحكومة ، ورد المشري على ذلك بالقول إنه بعد تصويت مجلس الدولة على خارطة الطريق، التي تتضمن تغيير الحكومة “جنّ جنون الحكومة والقوى المسيطرة بسلطة الأمر الواقع، وطلبت من الأجهزة الأمنية التابعة لها عرقلة جهود المجلس، لأنه يسعى لإيجاد حكومة موحدة، واليوم منع عدد من أعضاء مجلس الدولة كانوا ذاهبين إلى تركيا في مهمة رسمية من السفر، وجرت مصادرة جوازاتهم”، متهما الدبيبة بأنه “يوهم الناس بأنه لا يريد الحروب، وهو أكثر شخص يسعى لحرب للبقاء في منصبه وإنفاق المال بلا حسيب أو رقيب”.

وبعد تدهور العلاقات بين الرجلين كان على الدبيبة الحسم نهائيا في وضعية المشري والإطاحة به من مجلس الدولة، وعقد تحالفات من أجل ذلك، والمجيء بقيادة جديدة للمجلس غير قابلة للتوافق مع مجلس النواب في اتجاهات تتناقض مع مصلحة حكومة الوحدة المنتهية صلاحياتها وحلفائها وأصحاب المصلحة من تأخير الانتخابات إلى أجل غير مسمى.

وقبل ساعات من انتخاب تكالة ريسا جديدا لمجلس الدولة قال الحراك المدني لإعادة الشرعية للشعب، المساند لحكومة الدبيبة، إنه يحمل أعضاء مجلس الدولة مسؤولية ما ستؤول إليه المنطقة الغربية في حال إعادة انتخاب خالد المشري، وأضاف أنه لن يعترف بأي خارطة طريق يعتمدها مجلس الدولة سواء كانت بطرق شرعية أو غير شرعية، معلنا أنه لن يقبل إلا بخارطة طريق متكاملة تؤسس للمرحلة النهائية وعمادها الانتخابات النيابية فقط.

وأضاف الحراك أنه ستكون له مواقف حازمة من المجلس بكافة الطرق القانونية، داعيا المؤسسات القضائية والدائرة الدستورية في المحكمة العليا إلى ممارسة اختصاصها، ومتهما المشري بالانحراف والتخلي عن أهم ثوابت الدولة المدنية، بإتاحته ترشح من مارس القمع لإجهاض ثورة فبراير لرئاسة ليبيا، وفق نص البيان.

وكانت رسالة الحراك واضحة في تعبيرها عن موقف الدبيبة والأطراف المساندة له، فيما تحدثت أوساط مطلعة عن أدوار تركية وإيطالية في الإطاحة بالمشري، وعن توافق تام بين جماعة الإخوان وتيار رئيس دار الإفتاء الصادق الغرياني وعدد من أمراء الحرب وقادة الميليشيات على ضرورة إحداث تغيير على رأس مجلس الدولة، وذلك بهدف إعادة خلط الأوراق على المسارين السياسي والانتخابي وإلغاء الاتفاقات الحاصلة بين مجلسي النواب والدولة وفي صلب لجنة 6+6، وإبقاء الأوضاع على ما هي عليه.

وتدعم بعثة الأمم المتحدة والعواصم الغربية موقف الدبيبة للبقاء في الحكم إلى حين تنظيم انتخابات برلمانية العام القادم، مع إمكانية إدخال تعديلات على الحكومة الحالية، وتأجيل الاستحقاق الرئاسي إلى حين تحقيق أوسع قاعدة من التوافقات السياسية والاجتماعية في البلاد.

وفي الأثناء يرى البعض من المحللين أنه كل ما يجري حاليا يعكس انسجاما في المواقف بين الدبيبة وفريقه بالمنطقة الغربية وقيادة الجيش في بنغازي، لاسيما في ظل الاجتماعات المتواصلة بين ممثلي الطرفين، وظهور رغبة مشتركة بينهما في استبعاد الانتخابات وبقاء الوضع على ما هو عليه طالما أن النفط يتدفق والإيرادات توزع على أصحاب القرار من الجانبين.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية