تنظيم القاعدة في سوريا.. تحديات واقع غير مسبوق

تنظيم القاعدة في سوريا.. تحديات واقع غير مسبوق

تنظيم القاعدة في سوريا.. تحديات واقع غير مسبوق


28/05/2023

يواجه تنظيم القاعدة تحديات غير مسبوقة فرضها النظام الدولي الحالي، والترتيبات الإقليمية الجديدة، والانقسامات البينية الحادة التي تواجهه في بؤره الرئيسية، بعد فقده جميع العناصر المؤثرة الذين كان آخرهم أيمن الظواهري.

فشل غير مسبوق للقاعدة

يمكننا أن نجمل التحديات التي تواجه القاعدة في فشلها ببناء تنظيم قتالي خاص في سوريا، ففي 5 كانون الأول (ديسمبر) 2017 انشقت مجموعة عن جبهة تحرير الشام باسم "جيش البادية"، وظهرت مجموعة أخرى باسم "جيش الملاحم"، وفي 27 شباط (فبراير) 2018 أعلن قادة من الصفوف الأولى للقاعدة عن تأسيس "تنظيم حراس الدين" بقيادة أبو الهمام السوري، وأصبح للتنظيم مجموعات أخرى أهمها "جيش الساحل" و"كتيبة الغرباء" و"سرايا الساحل" و"سرية عبد الرحمن بن عوف" و"كتيبة البتار" و"سريتا الغوطة ودوما" وغيرها، وهو ما شكّل تهديداً لخطط أبو محمد الجولاني، بعد أن أعلن الظواهري دعمه لهذه التنظيمات.

وبالتوازي مع التشكيلات السابقة نشأت جماعة حرّاس الدين، وكانت هناك جماعة أخرى ترفع راية القاعدة وهي أنصار الإسلام، وهي جماعة سلفية جهادية (كردية) تأسست شمال العراق مطلع الألفية الثالثة بعد اندماج عدة تنظيمات إسلامية فيما بينها (التوحيد - حماس - الإصلاح) ودخلت إلى سوريا أواخر عام 2012 وتواجدت في الساحل وريف حلب، لكن اعتقلت جبهة تحرير الشام عدداً من قياداتها، ومنهم: عبد المتين الكردي وخطاب التركي وأبو عمار الكردي ومغيرة الكردي وجند الله التركي وتراب التركي وأبو مسلم الكردي وغيرهم، وكل ذلك أضعف الأنصار كما أضعف الضلع الثاني للقاعدة في سوريا (حرّاس الدين) الذي يعاني حالياً في سوريا لعدة أسباب:

أ. رفض الأردنيين قيادة السوريين اعتماداً على فشل التجارب السابقة، ومنها تجربة قيادة الجولاني.

ب. حرب الاغتيالات واصطياد القيادات من قبل الطيران الأمريكي، عن طريق طائرات “R9X” أ ” Hellfire AGM-114R9X، القادرة على الاغتيال دون تفجير وبلا شظايا، وقد طالت بنجاح ودقة كوادر للتنظيم في سوريا.

أبو محمد الجولاني

ج. الاعتقالات والحصار التي تشنها جبهة تحرير الشام على حراس الدين، والتي تنفجر كل وقت، إضافة إلى وجود قيادات تاريخية للقاعدة وللحرّاس في السجون.

وقد فقدت القاعدة قيادات مؤثرة خلال العام الماضي، ولم تنجح في استبدال تلك الرؤوس بمن يقومون بالأدوار نفسها، خاصة في سوريا، التي نجحت فيها جبهة تحرير الشام في تحجيم (حرّاس الدين) واعتقال قيادات مؤثرة، بل وتنفيذ حكم الإعدام فيهم، كما ورد في صفحة (مزمجر الشام)، ممّا أدى إلى حدوث خلخلة بنيوية كبيرة به، سواء على مستوى التأثير الدعوي والاستقطابي، أو على المستوى العسكري العملياتي، وهذا ما جعل التنظيم يشن أكبر حملة إعلامية على (أبو محمد الجولاني) وجبهته، ويتهمه أنّه (بشار الأسد) الجديد.

فقدت القاعدة قيادات مؤثرة خلال العام الماضي، ولم تنجح في استبدال تلك الرؤوس بمن يقومون بالأدوار نفسها، خاصة في سوريا

وأصبحت القاعدة في مواجهة مباشرة مع هيئة أبي محمد الجولاني، الذي حاول مؤخراً السيطرة على الشمال الحلبي، ويحاول التمدد شمالاً، وحوّل الساحة كلها إلى استهدافات مكثفة ضحيتها الوحيدة هي عناصر القاعدة.

وبدأ التنظيم يرسل رسائل مباشرة لعناصره بالوعي، وأنّهم في ظل معركة وجودية، في ظل خروج فروع عن السيطرة، كما ورد في صفحة قناة (أبو الحسن الشامي) وغيرها من الصفحات.

تحديات لا حلول لها

من أهم التحديات التي تواجه القاعدة أيضاً تغير الخارطة الميدانية، وتقلص الموارد المالية، إذ باتت الساحة السورية منقسمة إلى (4) مناطق رئيسية: منطقة الشرق التي تسيطر عليها (قسد)، المدعومة أمريكيّاً، ومنطقة الشمال التي تديرها تركيا، ومنطقة الجنوب المتواجدة فيها أمريكا وبعض الفصائل الوطنية، ومنطقة الوسط والساحل وبعض الجنوب والشرق الخاضعة لسلطة الحكومة السورية.

تركيا تقترب بشكل بطيء من المصالحة مع النظام السوري، وفي هذا ستكون الضربة القاتلة للقاعدة والتنظيمات القريبة منها بما فيها هيئة تحرير الشام

وكذلك المصالحة مع النظام السوري، بدءاً من عودته إلى الجامعة العربية، وتأثير ذلك على عودة المهاجرين واللاجئين، وإغلاق الحدود الإقليمية، ووقف الدعم، ممّا سيؤثر على انتهاء الأزمة السورية، ويدفع الدول الإقليمية في المساهمة للقضاء على الإرهاب في الدولة السورية.

والأدهى أنّ تركيا تقترب بشكل بطيء من المصالحة مع النظام السوري، وفي هذا ستكون الضربة القاتلة للقاعدة، والتنظيمات القريبة منها، بما فيها هيئة تحرير الشام، التي تستبق ما سيحصل بالتمدد في شمال حلب، وعمل تحالفات جديدة.

وفقاً لموقع تلفزيون الآن بدبي، فإنّ الاستخبارات التركية أمدّت الجهاز الأمني لهيئة تحرير الشام بأجهزة تعقب وشرائح إلكترونية لزراعتها لقيادات حراس الدين، كي يتم تتبعهم والتوصل إلى أماكنهم، موضحةً أنّ هناك ضابطاً في الاستخبارات التركية يُعرف بـ (أبو داود)، وهو نائب سابق للعقيد التركي البارز (غازي التركي) يتولى متابعة ملف حراس الدين، بالتنسيق مع قيادات بهيئة تحرير الشام، أبرزهم القيادي الأمني أبو محجن الحسكاوي، والقيادي بالجناح الدعائي والسياسي للهيئة زيد العطار.

في الختام، يرى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في دراسة لـ (هارون ي. زيلين) أنّ التنظيم سيواجه نوعاً من المفاضلة بين الاعتراف الذي يحظى به بسبب نشاطه العابر للحدود، والذي يمكن أن يجذب انتباهاً وتهديدات غير مرغوب فيها على صعيد مكافحة الإرهاب، وبين عملياته المحلية التي تتجنب إلى حدٍّ كبير التدقيق الدولي. ويأتي التهديد الأشد وقعاً الذي يشكله تنظيم القاعدة من فروعه الأقوى في غرب أفريقيا وشرقها، ذات القدرات المتفاوتة. وبالنظر إلى المستقبل، ستظل المنظمات الإرهابية العالمية تشكل تهديداً مترابطاً، إلا أنّ العوامل التي ستُساعد تنظيم القاعدة على الاستمرار في عملياته لفترة أطول من سواه -أي الوحدة بين قيادته، وجهاز إعلامي متماسك وجذاب- قد تصبح أكثر صعوبة مع الواقع الحالي.

مواضيع ذات صلة:

اليمن: تخادم الحوثي والقاعدة برعاية إيرانية

إرهاب داعش والقاعدة في أفريقيا يتمدد ولا ينحسر

القاعدة والحوثي... أدلة جديدة تظهر العلاقة الوطيدة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية