تنظيم إقليمي مسلح للإخوان مع اقتراب مئوية الجماعة في مصر

تنظيم إقليمي مسلح للإخوان مع اقتراب مئوية الجماعة في مصر

تنظيم إقليمي مسلح للإخوان مع اقتراب مئوية الجماعة في مصر


27/04/2025

هشام النجار

طغت على جماعة الإخوان الأم وفروعها بالمنطقة العربية سِمة العَسكرة، ودشن الجناح العسكري للجماعة في مصر مرحلة جديدة، تجمع الفاشلين بالسياسة وتوجههُم نحو النشاط المسلح تحت ستار العمل الثوري، بالتزامن مع انهيار آخر نموذجين سياسيين لها، في الأردن وغزة.

ووصف بيان أخير لتيار التغيير داخل إخوان مصر المحسوب على جناح الكماليين الذين تبنوا العنف وشكلوا لجانًا نوعية مسلحة، عناصر خلية الأردن المسلحة بالأبطال بشكل منفرد أو من منطلق اجتهاد عشوائي لمجموعة محبطة وتعيش معزولة في تركيا.

وتشير بعض الشواهد إلى أن البيان جاء في إطار برنامج عمل جديد يُدار بشكل منظم للخروج بتنظيم إقليمي للإخوان بحجة نصرة الفلسطينيين.

في الوقت الذي دافع فيه تيار التغيير عن خلايا إخوان الأردن المسلحة، صدر بيان مماثل عن حركة حماس في السياق ذاته، واعتبرت الحركة أن ما قام به إخوان الأردن يخدم النضال والمقاومة في فلسطين من حيث الرؤية الفقهية التي طرحها علماء الإخوان داخل ما يُطلق عليه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

تكتنف التوجه الجديد العديد من الإشكاليات، في مقدمتها هوية الجهة الخارجية الداعمة، في ظل التموقع داخل مشهد تمكين مختلف ترعاه وتدعمه تركيا التي رعت مشروع الإخوان سيرًا على الخط الديمقراطي وصولًا إلى الحكم عبر صناديق الانتخابات.

وتقف الجهة الإقليمية ذاتها الآن خلف حالة تمكين مختلفة، عنوانُها العسكرة والكفر بالديمقراطية والوصول إلى السلطة والانفراد بها بقوة السلاح تحت سِتار العمل الثوْري.

ترغب أجنحة تتبنّى التغيير العنيف وكفرت بالمسارات السلمية داخل الإخوان أن تنخرط في سياقات العسكرة، وتفارق الحالة السياسية التي عبّرت بها الجماعة عن نفسها وعن هويتها بعد أحداث ما عُرف بالربيع العربي، في محاولة لصناعة نسخ من نموذج التغيير في سوريا في ساحات أخرى بالمنطقة العربية.

ويرتبط هذا التطور بخطط مدروسة وشاملة هدفها نقل عموم أفرع الإخوان إلى منهجية وحركية العمل المُسلح ضد الأنظمة العربية، وطي صفحة مرحلة الفشل السياسي.

يتشكل النموذج الجديد للإخوان في الإقليم تدريجيا مترقبًا الفرص، في وقت لم يعد فيه هناك مَلمَح لحضور فرع من أفرع الإخوان داخل مشهد سياسي واحد بالمنطقة، عقب انهيار سلطة حماس في غزة وبعد قرار السلطات الأردنية الأخير بحل جماعة الإخوان وحظر أنشطتها.

وعلى الرغم من خصوصية حالة حماس داخل المنظومة الإخوانية كونها توجه سلاحها ضد قوة احتلال، إلا أن اشتباكها مع حالة ميليشياوية خارج الحدود يؤشر على مرحلة انتقال جديدة إلى الراعي التركي، ما يعني توجيه النشاط المُنسَّق إلى داخل العمق العربي، بهدف غسل الفشل والهزائم في غزة والداخل الفلسطيني.

والحاصل أن الجناح الأكثر تعبيرًا عن هذا التحول هو الفرع المصري المُقيم بتركيا، حيث اتسم بامتلاك ما مكّنه من وضع إطار تنظيري للمشروع الذي يحمل عنوان "ميدان"، وانتهى أخيرًا عبر فيديو تعريفي تم بثه على منصات خاصة بجناح التغيير إلى وضع خطة متكاملة من شأنها تجهيز البديل تحسبًا لسيناريو أطلق عليه "التغيير المنشود في مصر."

يُراهن التنظيم الجديد الذي يقوده ناشطو العمل النوعي المسلح داخل الإخوان، وفي مقدمتهم يحيى موسى ومحمد منتصر، على تشبيك حالة إخوانية إقليمية مسلحة عابرة للحدود، ترث تجربة الإخوان المتخبطة والمهزومة في تجربة الحكم، وتستوعب الأفرع التي فارقت العمل السياسي ولم يعد لها مستقبل فيه، بضمّها إلى ما يمكن اعتباره تنظيمًا إقليميًا مسلحًا لجماعة الإخوان.

الواضح أن الكيان الجديد عَمَد إلى توسيع المشاركة وعدم حصرها في الكيانات المنتمية للإخوان، وهو ما عكسه انضمام شخصيات محسوبة على التيار السلفي الحركي للكيان الجديد مثل محمد إلهامي وأحمد مولانا وهما ناشطان في ما يُطلق عليه "الجبهة السلفية"، ما يضيف زخمًا لجناح التغيير داخل إخوان مصر مقارنة بركود تعاني منه الأجنحة الأخرى.

ويبدو أن هذا الحراك لا يقتصر على استهداف مصر عبر ما طرحه قادة كيان "ميدان" بزعم التجهيز على مختلف المستويات للتعامل مع تغيير مرتقب ومنشود في مصر بفعل التهديدات الخارجية والأزمات الاقتصادية والسياسية، وذلك وفق خطط قادة الكيان المعلنة.

تشير بعض الشواهد إلى حراك إقليمي باتجاه العسكرة الإخوانية في العديد من الساحات، وهو المصحوب بإطلاق فتاوى تصبغ على التوجه الجديد الصفة الشرعية من قبل مرجعية التنظيم الدولي للإخوان الفقهية مُمَثلة في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهو تكتيك مستوحى من فصائل السلفية الجهادية التي حرصت على بث فتاوى من تعتبرهم شرعيين بهدف شرعنة وتسويغ ما ترتكبه من جرائم قتل وتفجيرات.

من الصعب تصديق أن يكون هذا التوجه المشتبك مع حراك إقليمي وطرح فتاوى تحريضية من هيئات تابعة للتنظيم الدولي للإخوان، خاصًا بجناح وحيد داخل جماعة الإخوان وهو جناح التغيير، ومعروف أيضًا بتيار الكماليين والمكتب العام، خاصة أن الجماعة اعتادت ممارسة لعبة تبادل الأدوار والدفع بمجموعات ترتكب العنف بهدف حلحلة الأوضاع وإحداث تغيير يتيح لها حل أزمتها والقفز مجددًا إلى المشهد.

ورَعَت جماعة الإخوان التوجه للعسكرة الشاملة بعد عزلها عن السلطة في مصر عام 2013، ومارست فعليًا النشاط المسلح منذ 2015.

إذا كانت ذريعة التوجه للعسكرة بعد فض اعتصامات جماعة الإخوان وحلفائها قبل أكثر من عشر سنوات هي مزاعم القصاص واستعادة سلطة الإخوان ومكتسبات مجمل تيار الإسلام السياسي الذي حظي للمرة الأولي بتأسيس أحزاب وبتمثيل نوعي في المشهد السياسي، فسبب التوجه مؤخرًا للعسكرة الشاملة عبر تنسيق ملحوظ بين أفرع جماعة الإخوان في أكثر من ساحة هو الفشل وفقدان الأمل في العودة إلى ممارسة السياسية.

يُفيد هذا التطور الجماعات السلفية المسلحة والحركية وتيار السلفية الجهادية الذي طالما سعى إلى محو الفوارق بينه وبين جماعة الإخوان، وأن تسقط مزاعم تميزها في الساحة السياسية وكونها أكثر خبرة ومرونة واعتدالًا، حيث سُجل انجرار الإخوان للعنف والعسكرة بعد ثورة يونيو 2013 أو حاليًا كاعتراف بصوابية قناعات أجنحة السلفية الحركية والجهادية التي تتبنى العنف للوصول إلى السلطة وتكفر بالسياسة.

يُعدّ هذا التحول انتصارًا لجناح ما عُرف تاريخيًا بالنظام الخاص (التنظيم السري المسلح) بجماعة الإخوان، الذي تطور بعد عام 2015 ليصبح تحت عنوان “اللجان النوعية المسلحة” شاملة العديد من الخلايا المسلحة الإرهابية مثل “حسم”، وصولًا إلى النسخة الحالية تحت عنوان "ميدان."

وليس معنى ذلك أن جماعة الإخوان منقسمة لجناحين أحدهما يتبنى العنف والآخر يرفضه، إنما ما جرى قديمًا وحديثًا أن قيادة الجماعة شكلت أجنحة مسلحة من داخلها للقيام بأعمال عنف واغتيالات، وكانت تتبرأ منها عندما تستنفد أغراضها وتحترق ورقتها، في حين تمردت الخلايا المسلحة على هذا الواقع، محاولة السيطرة على مقاليد الجماعة، وقد يتحقق حلمها بعد فترة نزاع تاريخي دام عقودًا طويلة.

بعد سنوات قليلة (1928-2028) ستكون مرت على تأسيس جماعة الإخوان مئة عام، ومع اقترابها من هذه الذكرى تحصل تحولات كبيرة ومهمة، فلأول مرة تفقد القدرة على المناورة بين واجهتها السياسية وأجنحتها العسكرية السرية.

وفي حين استطاعت قيادة الجماعة كبح طموح قادة الأجنحة المسلحة والتضحية بهم ترجيحًا لمصلحة الجماعة في المشهد، قد تشهد المرحلة المُقبلة انقلابًا مُدوِيًا لصالح تعْمِيم وسيطرة العَسْكرة وقادة الجناح المسلح، الذي لم يعد سريًا وصار واجهة الجماعة وهويتها في الإقليم.

فرغم كل البيانات والمواد المرئية التي أصدرها ناشطو جناح التغيير داخل الإخوان، تظل خططهم نظرية على الورق؛ كونهم مُرتَهنين لخيال ينتظر ما يُطلقون عليه لحظة ثورية مثل لحظة يناير 2011، وهو هدف بعيد المَنال في ظل فضاء سياسي واجتماعي نفر من الثورات وينبذ الإسلاميين حتى في نسختهم المُناوِرة، فما الظن بنسخة تتبنى العنف؟

العرب




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية