تنافس أوروبي لفرض العقوبات على إيران

تنافس أوروبي لفرض العقوبات على إيران

تنافس أوروبي لفرض العقوبات على إيران


23/01/2023

"تنافس أوروبي لفرض العقوبات على إيران..". هيمن هذا العنوان، ومضمونه، على افتتاحية عدد من الصحف الإصلاحية في إيران، مؤخراً، لا سيّما بعد التداعيات السياسية التي فرضتها عملية إعدام مساعد وزير الدفاع الإيراني السابق، علي رضا أكبري الذي يحمل الجنسية البريطانية، بتهمة "الإفساد في الأرض والعمل ضد الأمن القومي للبلاد من خلال التجسس لصالح أجهزة المخابرات التابعة للحكومة البريطانية"، وهي التهمة التقليدية التي تصعد بخصوم الملالي، تحديداً مزدوجي الجنسية، لمنصة الإعدام.

ووفق التسريبات الصوتية لعلي رضا أكبري، التي تم تداولها على نطاق واسع، فقد تم الكشف عن تعرضه لاعترافات قسرية، بينما الاتهامات الموجهة له مزورة. كما خضع للتعذيب بهدف إرغامه على القبول بالاتهامات. 

اللافت أنّ النظام الإيراني، ومنذ اندلاع التظاهرات بعد مقتل الفتاة الكردية الإيرانية، مهسا أميني، على يد أفراد دورية "شرطة الأخلاق"، يعمد إلى رفع درجة التوتر مع الغرب والولايات المتحدة، وقد قام بإتهام قوى خارجية، منها بريطانيا وأمريكا وإسرائيل وحتى السعودية، بتقديم الدعم للمحتجين، والمساهمة في تصعيد السخط الشعبي ضد النظام. 

قامت لندن بفرض عقوبات على المدعي العام الإيراني، محمد جعفر منتظري، ووصف رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، عملية إعدام أكبري بأنّها "عمل قاس وجبان نفذه نظام همجي"

غير أنّ إعدام المسؤول الإيراني السابق، الذي يتزامن مع أحكام إعدام أخرى لناشطين على خلفية المشاركة في التظاهرات بينما وصفتها المنظمات الحقوقية الأممية بأنّها "مسيسة"، يضع إيران من جديد أمام حملة عقوبات قد تصل إلى تصنيف الحرس الثوري على قائمة الإرهاب، حسبما ترجح صحيفة "الغارديان" البريطانية.

وفي سياق متصل، نقلت صحيفة "صنداي تلغراف" البريطانية عن مصدر رفيع في الحكومة البريطانية قوله إنّ "النظرة المستقبلية" قد تبدلت، بشكل كبير، مقارنة بفترة بدء مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي، ومن ثم، فإنّ لندن تراجع سياساتها تجاه طهران، وبخاصة الملف النووي.

 اندلاع التظاهرات بعد مقتل الفتاة الكردية الإيرانية، مهسا أميني، على يد أفراد دورية "شرطة الأخلاق"

وتابع: "خلال الوقت الذي كنا نتعامل فيه مع محادثات إحياء الاتفاق النووي، تغير المشهد والوضع بالكامل، والسبب الرئيسي في ذلك هو سلوك النظام الإيراني".

وبينما قامت بريطانيا بفرض عقوبات على المدعي العام الإيراني، محمد جعفر منتظري، فإنّ رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، وصف عملية الإعدام بأنّها "عمل قاس وجبان نفذه نظام همجي". وقد أكد سوناك على أنّ هناك مجموعة من الإجراءات التي سيتم تنفيذها ضد إيران، بما يؤشر إلى وجود سياسات جديدة محتملة لمواجهة ممارسات الملالي العدوانية.

وشدد سوناك على أنّ حكام إيران "لا يحترمون حقوق الإنسان لشعبهم"، مؤكداً على تعاطفة "مع أصدقاء علي رضا وعائلته".

اصطفاف غربي ضد ملالي طهران

ودانت السفيرة الأمريكية في بريطانيا، جين هارتلي، عملية إعدام أكبري، بينما وصفتها بـ"المروعة والمثيرة للاشمئزاز"، مؤكدة على اصطفاف واشنطن مع لندن بخصوص "إدانة هذا العمل الوحشي". وقال الدبلوماسي الأمريكي، فيدانت باتيل، إنّ "إعدام (أكبري) سيكون غير معقول"، كما اعتبر التهم الموجهة إلى المسؤول الإيراني السابق، بأنّها "ذات دوافع سياسية". واستدعت وزارة الخارجية الفرنسية مبعوثاً إيرانياً في باريس، للتعبير عما وصفته بالغضب من الإعدام.

ووفق بيان للاتحاد الأوروبي فإنّ "عقوبة الإعدام تنتهك الحق غير القابل للتصرف في الحياة، والمذكور في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهي أقصى عقوبة قاسية ولا إنسانية".

السفيرة الأمريكية في بريطانيا جين هارتلي: عملية إعدام أكبري مروعة ومثيرة للاشمئزاز

ولمّح أكبري في رسالة صوتية مسربة، نشرتها "بي بي سي"، في نسختها الفارسية، إلى عملية استدراجه لإيران بناء على دعوة دبلوماسية، حيث كان يعيش في الخارج منذ بضع سنوات، لافتاً إلى أنّه "بمجرد وصوله إلى هناك، اتهم بالحصول على معلومات استخبارية سرية للغاية من أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، مقابل زجاجة عطر وقميص".

وقال أكبري، الذي تم استدراجه بحسب التسجيل المسرب من قبل دبلوماسي إيراني ضمن فريق المفاوضات النووية مع القوى العالمية، إنّه قد "تم استجوابه وتعذيبه" من قبل عملاء المخابرات "لأكثر من 3500 ساعة".

وأردف: "باستخدام الأساليب النفسية والبدنية، كسروا إرادتي ودفعوني إلى الجنون وأجبروني على فعل ما يريدون". فيما أكد على أنّه "بقوة السلاح والتهديد بالقتل جعلوني اعترف بإدعاءات كاذبة وفاسدة". ووصف إعدامه بأنّه "للانتقام من بريطانيا".

الباحث عبد السلام القصاص لـ"حفريات": تكثيف العقوبات ضد إيران سيكون له تأثير مختلف مع تنامي الاحتجاجات بعد مقتل أميني؛ فالنظام يقف في لحظة تاريخية مفصلية

إذاً، تبدأ لندن بمجموعة من التحركات المغايرة ضد إيران، والتي بدأت باستدعاء سفيرها في إيران، ثم مراجعة دعمها للاتفاق النووي وكذا احتمالية تصنيف الحرس الثوري ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، وهي "الإجراءات والقرارات التي تنوي المملكة المتحدة اتخاذها ضد إيران، بل إنّ هناك مساعي الآن يبذلها مجلس العموم البريطاني لإغلاق جميع المراكز الدبلوماسية لإيران وسفرائها في الدول الأوروبية"، حسبما ذكر المحلل السياسي والدبلوماسي السابق، جلال ساداتيان، في مقابلة مع صحيفة "ستاره صبح". وتابع: "هناك مساع لإغلاق المكاتب الثقافية والدينية المقربة من طهران في جميع أنحاء المملكة المتحدة".

الإصلاحيون في إيران.. حديث بلا فائدة

وأكد المحلل السياسي والدبلوماسي السابق أنّ "بريطانيا اليوم باتت متزعمة التيار المناهض لإيران في الاتحاد الأوروبي، وهي تريد العمل على تفعيل آلية الزناد ضد طهران". كما أشار إلى وجود حالة من السباق بين برلين وباريس ولندن بشأن اتخاذ سياسات متشددة وراديكالية تجاه إيران تحت غطاء الاتحاد الأوروبي.

وقالت صحيفة "آرمان ملي" الإيرانية، المحسوبة على التيار الإصلاحي، إنّ إعدام أكبري سيفاقم الأزمات مع الغرب، لا سيما بريطانيا. وعنونت عددها الصادر بعد يوم من الإعلان المباغت لتنفيذ حكم الإعدام: "علاقات لندن وطهران.. في طريق المواجهة".

وكما هي العادة، اصطفت الصحف الأصولية مع موقف النخبة الحاكمة وسياساتها، حيث دافعت صحيفة "كيهان"، التي يقوم المرشد الإيراني بتعيين رئيس تحريرها، عن حملة الإعدامات التي تنفذها السلطات الإيرانية، بل واعتبرتها "سياسة رادعة" لمنع "التجسس" على النظام، حسب زعمها.

لكن صحيفة "اعتماد" الإصلاحية لمّحت إلى الالتباسات العديدة التي تكتنف عملية إعدام مساعد وزير الدفاع الإيراني السابق، والذي كان معروفاً عنه مواقفه المتشددة حيال امتلاك إيران القنبلة النووية.

نهاية أيلول (سبتمبر) العام الماضي، أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية كيانين متمركزين في جمهورية الصين الشعبية، على قائمة العقوبات، وذلك ضمن تكثيف الضغوط لمنع التهرب من العقوبات المفروضة ببيع المنتجات النفطية والبيتروكيميائية الإيرانية، حسبما يوضح الباحث المصري في العلوم السياسية، الدكتور عبد السلام القصاص، الذي أوضح لـ"حفريات أنّه قد تم إدراج ثلاثة كيانات إيرانية على لائحة العقوبات، نهاية العام الماضي، وهي "القوة الجو فضائية للحرس الثوري الإسلامي، وشركة القدس لصناعة الطيران التي تصنع طائرة مهاجر-6 المسيرة، ومركز شاهد لأبحاث صناعة الطيران".

الباحث عبد السلام القصاص: النظام الإيراني فقد شرعيته

ويشير القصاص إلى أنّ تكثيف العقوبات على طهران سيكون له تأثير مختلف مع تنامي الاحتجاجات المتواصلة بعد مقتل مهسا أميني؛ حيث إنّ النظام "يقف في لحظة تاريخية مفصلية نتيجة المشهد غير المسبوق على مستوى التحركات والتكتيكات والأهداف، بما يؤشر إلى طبيعة ثورية حادة تضع نمط الحكم الديني القائم على مبدأ "الولي الفقيه" أمام تحديات جمّة". 

ورغم أنّ النظام في ظل الضربات المتلاحقة، محلياً وإقليمياً، يبدو متماسكاً بفعل "عصا الأمن الغليظة"، إلا أنّ درجة القمع القصوى المستخدمة تفضح هشاشة ملالي طهران من الناحية السياسية. فالعنف الذي لا يحقق مضامين، أو ليس له أفق يكشف عن فقدان النظام لشرعيته وتآكل حواضنه، يقول القصاص

وبخصوص الملف النووي، يؤكد الباحث المصري في العلوم السياسية أنّ عملية إحياء "خطة العمل المشتركة" خرجت من نطاق أولويات القوى العالمية، وذلك نتيجة الأزمات المجتمعية والاحتجاجات بإيران، وكذا الخروقات الحقوقية التي تورط فيها المسؤولون، والتصعيد النووي المستمر، ناهيك عن الأزمة الروسية الأوكرانية.

 وإلى ذلك، تتاخم الملف النووي الإيراني، الذي وصفه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، مؤخراً، بأنّه قد "ماتت" فرص إحياؤه، جملة اعتبارات، منها التفاصيل الفنية المرتبطة بالمفاوضات التي جرى استئنافها مع الجولة السابعة، قبل أن تتجمد في منتصف آب (أغسطس) العام الماضي. ويمكن القول إنّ التطورات الأخيرة في إيران، السياسية والأمنية، سوف تؤدي إلى توتير العلاقات مع الغرب، الأمر الذي سيلقي بظلاله الكثيفة على مجموعة من الملفات، ومنها مفاوضات فيينا التي ستخرج من نطاق أولويات أطراف عديدة. كما أنّ العقوبات الجديدة على طهران ستعمق أزماتها، المحلية والخارجية. 

وتبدو المعضلة المركزية لدى إيران في رفض الوكالة الدولية للطاقة الذرية غلق تحقيقاتها بخصوص بقايا اليورانيوم المخصب والتي تم الكشف عنها في ثلاثة مواقع سرية. وبينما رفضت طهران تقديم أيّ مبررات للوكالة الدولية، فإنّ المفاوضات عادت للمربع الأول.

وفي النصف الثاني من العام الماضي، وبعد استئناف المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة، ساد اعتقاد بين القوى الأصولية داخل النظام الإيراني بتأجيل المفاوضات لشهرين آخرين حتى يبدأ فصل الشتاء. ثم تبدأ الضغوط (بفعل الطبيعة!) على أوروبا وواشنطن على خلفية أزمة الطاقة الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية. ولم تمهل موسكو، التي تعرضت لعقوبات أممية، المفاوضات النووية الوقت لاستكمال مساراتها، بل طالبت بـ"ضمانات مكتوبة" مفادها أنّ العقوبات الغربية لن تعيق التعاون بين موسكو وطهران بموجب الاتفاق النووي، الأمر الذي رفضته الولايات المتحدة. 

نهاية الاتفاق النووي

عمدت واشنطن إلى الاستفادة القصوى من الاحتجاجات للضغط على النظام الإيراني بنفس درجة استغلال الأخير للحرب الروسية الأوكرانية، وذلك لجهة تنفيذ خطط طهران التقليدية لكسب الوقت أو ما يعرف بسياسة "الصبر الاستراتيجي".

وبالتزامن مع الموقف الأمريكي الطارئ، حاولت طهران تخفيف الضغوط عنها والشروع في تسوية النزاع مع الوكالة الدولية؛ فعقدت اجتماعات مع الوكالة الأممية، على هامش المؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية المنعقد في فيينا في تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي. فالتقى رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي مع المدير العام للوكالة رافائيل غروسي. بيد أنّ اللقاءات لم تسفر عن نتائج إيجابية، بل ضاعفت التعقيدات القائمة. واتهمت التقارير الأممية إيران بمضاعفة مخزونها من اليورانيوم، وتعسفها المستمر في منع مسؤولي الوكالة من مهام التفتيش والرقابة على المواقع النووية. 

وفي المقابل، خفضت إيران التزاماتها النووية (بما يهدد بصناعة قنبلة نووية) وقد شرعت في إنتاج يورانيوم مخصب بنسبة 60% في محطة فوردو النووية، وكذا تدشين المزيد من أجهزة الطرد المركزي المتطورة في المنشأة الأخيرة إلى جانب منشأة نطنز النووية. 

وعليه، شدد المرشد الإيراني، علي خامنئي، على ضرورة مراجعة مسار المفاوضات، وعدم الوثوق بواشنطن، وأنّه لا توجد ثمة فروقات بين بايدن والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. وعبّر رئيس تحرير صحيفة "كيهان" حسين شريعتمداري المقربة من خامنئي عن المضمون ذاته في مقال له بعنوان: "احذروا من عبور حمار أمريكا الجسر". وعنى شريعتمداري، بهذا الوصف، عدم الوقوع في فخ الإغراءات الأمريكية بتوقيع الاتفاق النووي مقابل رفع العقوبات.

مواضيع ذات صلة:

فاتورة العنف تفاقم الأعباء الأمنية: الملالي لم يُبقوا لهم صاحباً

الحوار السعودي الإيراني: خطوة إلى الأمام خطوتان للخلف


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية