الحوار السعودي الإيراني: خطوة إلى الأمام خطوتان للخلف

الحوار السعودي الإيراني: خطوة إلى الأمام خطوتان للخلف

الحوار السعودي الإيراني: خطوة إلى الأمام خطوتان للخلف


11/01/2023

ما يزال الحوار السعودي الإيراني عالقاً بين مجموعة من المعضلات والقضايا التي تحول دون حدوث أيّ خرق في العلاقات المأزومة بين الرياض وطهران، منذ عام 2016، إثر محاولات اقتحام وإحراق السفارة السعودية بطهران، وكذا قنصليتها في مدينة مشهد، وذلك بعد إعدام رجل الدين الشيعي المعارض، في السعودية، نمر النمر.

جولات الحوار وسبل الحل

وفي ظل الخصومة السياسية التي تفاقمها الأزمات الإقليمية وتناقض المصالح بين البلدين، تحديداً الصراع في اليمن، فإنّ جولات الحوار السابقة، وآخرها النقاش الذي جرى، مؤخراً، على هامش مؤتمر بغداد 2، برعاية فرنسية، في العاصمة الأردنية، عمّان، لم تصل إلى مستوى التطبيع السياسي.

وعلى هامش مؤتمر بغداد الأخير، أعلن مساعد وزير الخارجية الإيراني، علي رضا عنايتي، أنّ طهران دشنت اتفاقيات أمنية مع بعض دول الجوار، من بينها السعودية، مؤكداً إحراز تقدم في جولات الحوار مع الرياض.

وأوضح نائب وزير الخارجية الإيراني أنّ "الحوار مع السعودية لا يزال في مراحله الأولى ونريد علاقات طيبة مع دول الجوار"، لافتاً إلى أنّ "الأبواب مفتوحة لإحياء العلاقات، ونشد على الأيادي السعودية الممدودة للحوار معنا".

كما كشف وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، أنه التقى بعدد من نظرائه في "مؤتمر بغداد" منهم وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان. وفي ما يخص الحوار مع إيران، نقل عبد اللهيان أجزاء من الحديث الذي دار بينه وبين الوزير السعودي عبر صفحته الرسمية عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر".

المحلل السياسي زيد الأيوبي: السعودية تتعامل بإيجابية

وذكر عبداللهيان: "حضرت مؤتمر بغداد- 2 في الأردن لنؤکد دعمنا للعراق. وعلى هامش الاجتماع أتيحت لي الفرصة أيضاً للحديث الودي مع بعض نظرائي ومنهم وزراء خارجية عُمان، قطر، العراق، والكويت و السعودية. وقد أکد لي الوزیر السعودي استعداد بلاده لاستمرار الحوار مع إیران".

مطلع الشهر الجاري كانون الثاني (يناير)، نقلت وكالات الأنباء الإيرانية معلومات حول لقاء جمع مساعد الرئيس الإيراني للشؤون الخارجية، محمد حسيني، بوزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، في البرازيل.

في ظل الخصومة السياسية التي تفاقمها الأزمات الإقليمية وتناقض المصالح بين السعودية وإيران، فإنّ جولات الحوار السابقة، لم تصل إلى مستوى التطبيع السياسي

وعلى هامش مشاركة الوزيرين السعودي والإيراني في حفل تنصيب الرئيس لولا دا سيلفا، أكد حسيني على ضرورة استمرار المحادثات التي بدأت بين طهران والرياض في العراق. وقالت وكالة الأنباء الإيرانية "مهر" إنّ وزير الخارجية السعودي أكد على ضرورة "مناقشة الأوضاع والاهتمامات القائمة الواحدة تلو الأخرى من أجل الوصول إلى نتيجة"، مشدداً على أنّ طبيعة العلاقات بين طهران والرياض تؤثر على الإقليم.

الترقب الحذر

ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا" عن الناطق بلسان وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، قوله إنّ "الأجواء الحالية إيجابية ونأمل عقد جولة جديدة من الحوار بناء على حسن النية".

إذاً؛ يمكن القول إنّ العلاقات الخليجية الإيرانية، بشكل عام، ترواحت منذ تولي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي سدة الحكم، بين "التوتر النسبي" المحسوب و"الترقب الحذر" في بعض الأوقات، وتعتبر المباحثات الحالية أحد تجليات نمط الترقب الحذر، حسبما يوضح الباحث المتخصص في قضايا الأمن الإقليمي، محمد فوزي، موضحاً لـ"حفريات" أنّ ذلك يعد بمثابة "نهج يأتي مدفوعاً بجملة من الاعتبارات التي يضعها الطرفان في الحسبان".

فبالنسبة لدول الخليج؛ بدأت هذه الدول، في الأعوام الأخيرة، تبني مبدأ "العصيان الإستراتيجي" للقطب الأوحد أو الولايات المتحدة، وباتت المصالح الوطنية الخليجية هي المحدد الرئيسي الحاكم لأنماط التفاعلات الخارجية، وفق فوزي. ومع التكلفة الكبيرة لمبدأ التصعيد والمواجهة مع إيران على المستويات كافة، بدأت دول الخليج في البحث عن آليات أخرى، تضمن تحجيم التهديد الإيراني، وتحقيق جملة من المكاسب الوطنية والإقليمية.

كما أنّ النظام الإيراني يدرك حجم الضغوط والتحديات التي تواجه الدولة الإيرانية في المرحلة الحالية؛ وهي التحديات التي تحتم على إيران "البحث عن بدائل تضمن لها الخروج من وطأة الضغوط الأمريكية"، وهي البدائل التي يقع على رأسها "الانفتاح على دول الخليج"؛ إذ ترى إيران أنّ هذا الانفتاح، ربما، يأتي بتداعيات ومكاسب اقتصادية، يقول فوزي.

المحلل السياسي زيد الأيوبي لـ"حفريات": السعودية تحاور النظام الإيراني من منطلق القوة الإستراتيجية والعسكرية الهائلة، وذلك بعد أنّ أثبتت قدراتها خلال السنوات القليلة الماضية

ويردف: "من هنا؛ يمكن فهم طبيعة المباحثات التي تتجدد، بين الحين والآخر، بين السعودية، من جهة، وبعض دول الخليج وإيران، من جهة أخرى. إذ يتبنى الطرفان، في الفترة الراهنة، سياسة "الانفتاح المحسوب واختبار النوايا"، وقد أدرك الطرفان الإيراني والخليجي ضرورة الوصول إلى صيغة تهدئة نسبية، أو بدء حوار إستراتيجي، بين الطرفين، على قاعدة المصالح المشتركة. وعلى ضوء فكرة الجوار الجغرافي والإسلامي، فهذا يمثل المدخل الأهم للوصول إلى نظام إقليمي مستقر، خصوصاً في ضوء التداعيات الكارثية لحالة الصراع بين الجانبين، بما يجعل من الضروري تسوية معظم أزمات المنطقة، وبطبيعة الحال تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة في العديد من الدول".

المحادثات توقفت

في تقدير الباحث المتخصص في قضايا الأمن الإقليمي، فإنّ مكاسب هذا الحوار على مستوى العلاقات الثنائية، سوف تظل محكومة بجملة من المحددات، على رأسها "درجة الاستجابة الإيرانية" للتخوفات المرتبطة بالأمن القومي السعودي والخليجي، خصوصاً على مستوى السلوك الإقليمي التوسعي لإيران، والتهديدات المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، ومن جانب آخر تسيطر حالة من عدم الثقة على العلاقات الثنائية بين الجانبين، خصوصاً مع الانخراط الكبير لدول الخليج في إطار تحالفات إستراتيجية تستهدف، بشكل رئيسي، الجانب الإيراني، وهي اعتبارات تقلل من حجم الآمال الملقاة على عاتق هذه المباحثات التي يمكن وصفها بأنها "مباحثات استكشافية".

اللافت أنّ جولات الحوار بين الرياض وطهران، التي قامت فيها بغداد بدور الوساطة، بينما انعقدت أولى المفاوضات المباشرة في نيسان (أبريل) عام 2021، قد توقفت على خلفية اتهامات النظام الإيراني للسعودية بدعم التظاهرات الشعبية والاحتجاجات المناهضة لـ"الجمهورية الإسلامية". ومع دخول الاحتجاجات شهرها الرابع، فإنّ طهران ما تزال تتهم الرياض بالتحريض ضدها، وتحديداً عبر قناة "إيران إنترناشيونال"، التي تقوم بتغطية الشأن الإيراني، ومقرها لندن، وهي قناة مملوكة لأشخاص سعوديين بينما لا تدعمها الحكومة السعودية.

وفي بيان رسمي، أوضحت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة أنّ المحادثات توقفت، غير أنّها لم تقدم مبررات واضحة لذلك، كما لم تكشف عن أيّ ملابسات بشأن تعثر المفاوضات. وجاء في بيان البعثة: "قد يكون من المفيد سؤال السعودية عن ذلك". 

ولذلك؛ كشف مسؤولون عراقيون رفض طهران استئناف المحادثات مع الرياض في ظل تنامي الاحتجاجات المندلعة عل خلفية مقتل الفتاة الكردية الإيرنية مهسا أميني، منتصف أيلول (سبتمبر) العام الماضي، حسبما ذكرت وكالة أسوشيتدبرس الأمريكية، والتي أوضحت أنّ رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، قد طُلب منه السعي لتقريب وجهات النظر بين الطرفين لتحديد موعد بخصوص الجولة السادسة المزمع إجراؤها بالعراق.

ووفق النائب العراقي وعضو لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان، عامر الفايز، فإنّ "المفاوضات الإيرانية السعودية تعثرت، وسيكون لذلك أثر سلبي على المنطقة".

جدية إيران.. وسؤال الأزمة

وإلى ذلك، قال المحلل السياسي، زيد الأيوبي، إنّ الحوار السعودي الايراني، الذي بدأت ملامحه تظهر في الاجتماعات المنعقدة بين الجانبين على المستوى الأمني، في العراق، بدأ يتطور بشكل ملفت للنظر؛ حيث انعقدت عدة اجتماعات مهمة بينهما على مستوى سياسي رفيع، خصوصاً الاجتماع الذي جمع وزيري خارجية البلدين، في عمّان، على هامش مؤتمر بغداد، ثم اجتماع آخر مع حفل تنصيب الرئيس البرازيلي لولا داسيلفا، الأمر الذي يؤكد نيّة طهران والرياض لتجاوز الأزمة التي بدأت في العام 2016.

وأكد الأيوبي في حديثه لـ"حفريات" أنّ المملكة العربية السعودية تتعامل بـ"إيجابية" مع أيّ مبادرة سياسية تحقق أمن واستقرار المنطقة، خصوصاً إذا ما تعلق الأمر بإيران.

وتابع: "تطالب الرياض النظام في إيران ضرورة احترام حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الدول العربية، بالإضافة إلى وقف تمويل ودعم المنظمات الإرهابية في المنطقة، مثل الحوثي في اليمن وحزب الله في لبنان، بالاضافة لضمان سلامة الأمن الملاحي في الخليج العربي والبحر الأحمر؛ حيث وقعت عدة اعتداءات قامت بها إيران، أو ميليشيا مدعومة منها، على البواخر وناقلات النفط العالمية التي تمر عبر هذه المياه الدولية. الأمر التي يمس الأمن الملاحي، ويعرض الاقتصاد الدولي وحركة التجارة العالمية للخطر".

وشدد المحلل السياسي، على أنّه إذا استطاعت السعودية وضع حد للتدخل الايراني في المنطقة، عن طريق الحوار، فالمنطقة وسائر الأطراف الإقليمية سوف تحظى باستفادة قصوى من حيث الاستقرار والأمن؛ إذ إنّ "الميليشيات التي تتبع ملالي طهران في بعض الدول العربية أمست تهدد الأمن القومي العربي المشترك".

ونوه المصدر ذاته إلى أنّ أهم ما يميز هذه الحوارات بين الطرفين، هو أنّ "السعودية تحاور النظام الإيراني من منطلق القوة الإستراتيجية والعسكرية الهائلة، وذلك بعد أنّ أثبتت قدراتها، العسكرية والسياسية والاقتصادية، خلال السنوات القليلة الماضية؛ وهذا الأمر يعطي الموقف السعودي القوة والثقة لتحقيق مصالحه دون ضغوط".

ويشكك الأيوبي في "جدية الموقف الايراني بخصوص الانخراط في المفاوضات، وسعيه لنزع كل أسباب الخلاف مع السعودية ومحيطها العربي؛ لأنّ أيّ نجاح لهذه الحوارات يعني أنّ إيران ستتخلى عن طموحاتها، السياسية والأيديولوجية والإقليمية، ومبدأ "تصدير الثورة". فهل ستغير إيران، فعلاً، من سياساتها تجاه محيطها العربي، أم أنّ نظام الملالي يناور لتبييض وجهه؟".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية