فاتورة العنف تفاقم الأعباء الأمنية: الملالي لم يُبقوا لهم صاحباً

فاتورة العنف تفاقم الأعباء الأمنية: الملالي لم يُبقوا لهم صاحباً

فاتورة العنف تفاقم الأعباء الأمنية: الملالي لم يُبقوا لهم صاحباً


18/01/2023

رغم تنامي وتيرة العنف في إيران ضد المحتجين، الأمر الذي وصل لدرجاته القصوى دون مؤشرات على تراجع أو انحسار هذه الصورة المقيتة والمتعسفة، فإنّ خيار العنف الإستراتيجي يواجه جملة تحديات داخل النظام الإيراني، بينما يحاول أحد الأجنحة المسيطرة على قطاعات الإعلام المؤثر تعميم انطباعات للرأي العام، المحلي والخارجي، بتماسك واصطفاف النخبة السياسية الحاكمة، منذ عام 1979.

وفي حين لا يتوقف استهداف المعارضين والخصوم السياسيين، فإنّ دائرة القمع تتسع بحيث تشمل الفئات المحسوبة على التيار الإصلاحي؛ إذ إنّ صحيفة "جوان" التابعة للنظام الإيراني تقول إنّ النظام اعتقل نحو 11 ألف متظاهر منذ بدء الاحتجاجات قبل نحو 4 أشهر بعد مقتل الشابة الكردية، مهسا أميني، وزعمت الصحيفة الإيرانية أنّه تم الإفراج عن عدد كبير من المحتجين، بنسبة 80%.

وتواصل الحكومة في إيران تنفيذ عمليات الإعدام بحق المعتقلين في ظل أحكام قضائية "مسيسة"، بحسب المنظمات الأممية المعنية بحقوق الإنسان. وقد تم إعدام محمد مهدي كرامي وسيد محمد حسيني، مؤخراً. وقالت نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية، ديانا الطحاوي، إنّ النظام، في طهران، يعمد إلى استمرار موجة القتل وسعيه لتصفية الاحتجاجات لبث الخوف بين الناس وهو أمر "مقيت".

وشددت الطحاوي على أنّ "الإعدام التعسفي لمحمد مهدي كرامي وسيد محمد حسيني، بعد أيام قليلة من تأييد حكم الإعدام الصادر بحقهما، يكشف مدى استمرار السلطات الإيرانية في استخدام عقوبة الإعدام كسلاح للقمع".

تنامي وتيرة العنف في إيران ضد المحتجين

وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، في بيان: "تحويل الإجراءات الجنائية إلى سلاح لمعاقبة الشعب على ممارسة حقوقه الأساسية، مثل أولئك الذين شاركوا في المظاهرات أو نظموها، يصل إلى حد القتل بتفويض من الدولة"، لافتاً إلى أنّ الإعدامات خالفت القانون الدولي لحقوق الإنسان.

الأعباء الأمنية على النظام، في إيران، تتزايد في ظل ارتفاع عدد المعتقلين، فضلاً عن أحكام الأعدام. وتطاول الاعتقالات شخصيات تنتمي للتيار الإصلاحي داخل النظام، مثل رئيس القسم السياسي بصحيفة "اعتماد" الإصلاحية، مهدي بيك. وتشير تقارير حقوقية إلى أنّ عدد الموقوفين من الصحفيين بلغ نحو 74 صحفياً.

هناك تصدعات واضحة في جسد النظام الإيراني وخروج أصوات معارضة من بين صفوفه، مثل رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي والرئيس الإيراني الإصلاحي السابق محمد خاتمي

ووفق نقابة الصحفيين في إيران، فإنّ هناك 73 صحفياً قد تم اعتقالهم منذ اندلاع الاحتجاجات على خلفية مقتل مهسا أميني في أيلول (سبتمبر) العام الماضي. وهناك صحف بعينها جرى استهداف العاملين بها على خلفية تغطياتهم المهنية للاحتجاجات، وتحديداً صحيفة "شرق"، ووكالة أنباء "إيلنا"، و"فراز"، و"إيسنا"، و"رويداد 24"، و"مهر".

 تسييس الإعدام بإيران

وفي تقريرها السنوي عن خروقات طهران الحقوقية، كشفت مجموعة نشطاء حقوق الإنسان في إيران "هرانا"، عن إعدام 565 شخصاً بمن فيهم 11 امرأة و5 أطفال.

ووفق التقرير السنوي، المنشور على المنصة الإلكترونية لـ"هرانا"، نهاية العام الماضي، فإنّ تنفيذ أحكام الإعدام قد تضاعف بنسبة 88 % مقارنة بعام 2021. ويردف التقرير أنّ "18.5 % من الإعدامات، عام 2022، تمت في محافظة بلوشستان، ثم تليها محافظة ألبرز في المرتبة الثانية بأكثر من 16 %. كما أنّ أكثر حالات الإعدام كانت في سجني زاهدان ورجائي شهر كرج".

وتابع: "خلال 15 أسبوعا الماضية قُتل 500 شخص، على الأقل، بمن فيهم عشرات الأطفال، في الاحتجاجات التي عمت البلاد، بنيران مباشرة من قوات الأمن الإيرانية أو بضربات الهراوات وأدوات القمع الأخرى. وهناك 322 امرأة تم اعتقالهن بسبب نشاطهن في مجال حقوق المرأة، وكانت ذروة هذه الاعتقالات في منتصف صيف هذا العام".

ورغم هذه الصورة، التي تتسيدها آليات العنف والقمع بواسطة السلطات الإيرانية، إلا أنّ باحثين ومحللين أكدوا على وجود تناقضات داخل النظام، وأنّ أطرافه ليسوا على مسافة واحدة من اعتماد هذه الإستراتيجية لمواجهة الغضب المتنامي من فئات وقطاعات متفاوتة داخل المجتمع ضد النظام السياسي برمته.

الدكتور هاني سليمان: النظام الإيراني يتسم بالتطرف العقائدي

وتنقل وكالة "فرانس برس" عن مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة دنفر الأمريكية، نادر هاشمي، قوله إنّ "الرسائل المتضاربة التي نتلقاها من النظام الإيراني تشير إلى جدل داخلي حول طريقة التعامل مع الاحتجاجات المستمرة".

ويردف: "في معظم الأنظمة الاستبدادية، هناك صقور وحمائم" تتباين وجهات نظرهم بخصوص نطاق القمع المطلوب خلال مواجهة الأزمات والاضطرابات السياسية.

يتفق والرأي ذاته، الخبير الإيراني مهرزاد بروجردي، والذي يرى أنّ هذه الاختلافات بين أجنحة النظام إنّما تعكس "حسابات سياسية".

ويتابع: "هم يعلمون أنّ عمليات الإعدام الجماعية ستؤدي إلى نزول مزيد من الأشخاص إلى الشوارع. من جانب آخر، يريدون إرسال إشارة تفيد بأنّهم لا يترددون بإعدام متظاهرين من أجل إخافة الناس".

إدارة النظام للاحتجاجات

ويلفت الخبير الإيراني إلى أنّ النظام يستعين بـ"كل شيء من تنفيس الاحتقان إلى فترات سجن طويلة وعمليات إعدام. إنّهم يجربون هذه الأساليب فيما يعانون من أجل صياغة سياسة أكثر وضوحاً".

وعليه، يشير مدير معهد دراسات الشرق الأوسط والدراسات الإسلامية في جامعة دورهام في إنجلترا، أنوش احتشامي، إلى أنّ إعادة المحاكمات تعكس جزئياً الضغوط الخارجية والداخلية المتزايدة.

الباحث هاني سليمان لـ"حفريات": المعارضة تجاوزت الخطوط الحمراء، وهدمت القدسية الدينية الهشة وسطوة رجال الدين المزيفة، ونظام الملالي وجد نفسه في مواجهة أطياف الشعب كافة

ويتابع: "لكن حتى داخل النظام، هناك انقسام حول طريقة التعامل مع الوضع".

وعدّ مدير معهد دراسات الشرق الأوسط والدراسات الإسلامية بجامعة دورهام إعادة المحاكمات وإطلاق سراح معارضين "إجراءات تهدئة... لمحاولة إرضاء" المحتجين. موضحاً أنّ "النظام الأمني المتعثر بإيران يعتبر هذه المواقف بادرة سخية من جانبه واستجابة لضغط الناس".

ويتفادى النظام من خلال هذه الإجراءات البراغماتية عدم حدوث انقسامات داخل الجهاز الأمني، وفق الأستاذ المشارك في دراسات الشرق الأوسط في جامعة كيل في إنجلترا أفشين شاهي، لافتاً إلى أنّ المرونة التي قد تبدو للبعض من قبل النظام أحياناً وبشكل مؤقت تجاه المحتجين تعد "محاولة لمنع حصول مزيد من الانقسامات داخل المؤسسة الأمنية". وتابع: "لا يبدو أنّ (النظام) لديه إستراتيجية واضحة" لمواجهة الاحتجاجات.

الطبيعة المعقدة للنظام الإيراني جعلته ينشىء مؤسسات وأدوات موازية لأجهزة الدولة التقليدية

وفي حديثه لـ"حفريات"، يقول الباحث المصري المتخصص في الشؤون الإيرانية ومدير المركز العربي للبحوث والدراسات، ومقره القاهرة، الدكتور هاني سليمان إنّ أحد أهم الإشكاليات المتعلقة بالنظام الإيراني تتمثل في طبيعته، فهو "نظام أيديولوجي يتسم بالتطرف العقائدي والحماسة الثورية الأيديولوجية، وقد انعكس ذلك، وفقاً للممارسات التاريخية، في هندسة النظام لقواعده بناء على مصالحه والمحددات الأساسية لمشروعه، ثم تصدير خطاب الكراهية والعنف، فضلاً عن رؤية النظام الضيقة وإداراته الأمنية لمعضلاته وأزماته، الداخلية والخارجية".

تلك الطبيعة المعقدة للنظام الإيراني جعلته ينشىء مؤسسات وأدوات موازية لأجهزة الدولة التقليدية، حيث كان الغرض الأساسي منها "حماية الثورة، والتي انتقلت، تلقائياً، إلى حماية النظام وعناصره الرئيسية من أعداء الداخل والخارج". يقول سليمان.

حتمية انهيار النظام الإيراني

ويردف سليمان: "الأزمة التي يعيشها النظام، اليوم، تتمثل في كونه بات في مواجهة الجميع؛ ففي السابق كان هناك استهداف للمعارضة مثل "مجاهدي خلق" وغيرها، ثم انتقل الصدام إلى القوميات غير الفارسية عبر آليات القمع والتهميش، فيما تخلل ذلك العديد من الموجات الاحتجاجية التي اتسمت بالمركزية والفئوية والمحدودية على مستوى الأسباب والنطاقات الجغرافية. والنظام، اليوم، يعاني من اختبار وفخ تاريخي؛ فهو لم يسبق له مواجهة مثل هذه الموجات المحتدمة والمتلاحقة والتي نجحت في عبور الخطوط الحمراء، وهدم القدسية الدينية الهشة وسطوة رجال الدين المزيفة، كما أنّ نظام الملالي وجد نفسه في مواجهة جموع الشعب بأطيافه كافة، متخذاً سياسات متدرجة وعنيفة من التهديد والترهيب، الاعتقال، التعذيب، القتل العنيف، وحتى الإعدامات".

الطامة الكبرى بالنسبة للنظام أنّ تلك الأدوات العنيفة لم تؤد إلى نتائج، بل إنّ رقعة الاحتجاجات اتسعت والمشاركين فيها ارتفعت أعدادهم، وفق مدير المركز العربي للبحوث والدراسات، الأمر الذي امتد لسقف المطالب الذي وصل لنبذ النظام السياسي، برمته، وإعلان ضرورة إنهاء حكم "الثورة الإسلامية".

تفاقم الأزمة ظهر في تسريبات صوتية للمرشد الإيراني علي خامنئي، وهو يتحدث عن توقعاته باستمرار الاحتجاجات. وفي تسريب صوتي آخر ظهر فيه قاسم قريشي نائب قائد قوات الباسيج مع عناصر من قوات الأمن، حيث تم الكشف عن انتقال عدوى الاحتجاجات أو بالأحرى وجود تذمر في صفوف عناصر الأمن المشاركة في قمع الاحتجاجات، والتي أكدت حدوث خروقات وانتهاكات جمّة ضد المحتجين، وقد طالب أفراد الأمن بامتيازات جديدة وتطوير أدوات القمع.

 رقعة الاحتجاجات اتسعت

وهنا يلفت المصدر ذاته إلى صعوبة هذه التطورات التي تحدث وسط ضغوط خارجية وعقوبات أوروبية وأمريكية، فضلاً عن مظاهرات في الخارج، مشدداً على أنّ ذلك كله يبرز "تصدعات واضحة في جسد النظام وخروج أصوات معارضة من بين صفوفه، مثل رئيس وزراء إيران السابق مير حسين موسوي والرئيس الإيراني الإصلاحي السابق محمد خاتمي، وفائزة ابنة رئيس الحكومة السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، وابنة شقيقة المرشد الإيراني فريدة مرادخاني، ناهيك عن أصوات فنية ورياضية مثل لاعب كرة القدم الشهير علي كريمي".

لكن رغم كل تلك الصغوط، يحاول النظام الرهان على "عامل الوقت والصبر الإستراتيجي، وتنفيذ إستراتيجية الهروب إلى الأمام، وإتباع نفس سياسة الاستعلاء والعناد التقليدية".

ويشدد سليمان على أنّ "إصرار النظام الإيراني على العنف، سيؤدي بالتأكيد لشرخ داخل النظام، خاصة أنّ التمادي في هذه الممارسات الدموية، ربما، تعصف بتجربة الثورة الإسلامية كلياً، وهو ما يدفع عدة أصوات من المعارضة أو من داخل مؤسسات الدولة لإعلان انزعاجها، الأمر الذي سيجعل عامل الوقت ليس في صالح النظام الذي قد يجد نفسه عرضة لخروج طوابير المعارضين له بشكل مفاجىء وسريع. وفي المحصلة؛ فإنّ إصرار النظام على العنف، ورفض الاستماع إلا لنفسه، هما أسرع وسيلة لسقوطه".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية