تقدير موقف: تداعيات المصافحة... هل يضحي أردوغان بورقة الإخوان؟

تقدير موقف: تداعيات المصافحة... هل يضحي أردوغان بورقة الإخوان؟

تقدير موقف: تداعيات المصافحة... هل يضحي أردوغان بورقة الإخوان؟


19/12/2022

يُعدّ الموقف التركي تجاه النظام الحاكم الذي تشكل على إثر عزل الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان من الحكم في مصر من أكثر المواقف حدة وأطولها أمداً مقارنة بالدول الأخرى، إذ ظلت القطيعة على المستوى الدبلوماسي بين البلدين مدة (6) أعوام، ويعود ذلك إلى الخلفية الإيديولوجية التي ينتمي إليها الرئيس التركي وحزب العدالة والتنمية الحاكم، لأنّ الحزب وعلى رأسه أردوغان يُعدّ نسخة متطورة من جماعة الإخوان جاءت بعد انفصال عن الجماعة في تركيا وتأسيس حزب بأفكار وأهداف مختلفة نوعاً ما، لكن ظلت الروابط قائمة بين الحزب وبين الجماعة، سواء في مصر أو في الدول الأخرى؛ وترتب على ذلك الارتباط دعم كبير من جانب تركيا لجماعة الإخوان في مصر التي لاذ العديد من أفرادها وقياداتها بالفرار إلى تركيا، حيث وفّرت لهم الكثير من صور الدعم، ومنحتهم فرصة إعادة ترتيب الأوراق ومواصلة الصراع مع الدولة المصرية، من خلال ممارسة العديد من الأنشطة التنظيمية والإعلامية عبر قنواتها الإعلامية ومواقعها الإلكترونية.

من القطيعة إلى الحوار.. ما السبب؟

هناك العديد من العوامل التي دفعت تركيا مؤخراً إلى أن تغيّر من سياستها بعض الشيء، وتسعى لإجراء تفاهمات مع مصر، ومن بين هذه العوامل قرب الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية والمقرر عقدها العام المقبل، ورغبة أردوغان وحزبه في الفوز بها، ومن ثم البقاء في الحكم مدة أخرى، وهذا ما جعل أردوغان حريصاً على إصلاح العديد من الأخطاء وتغيير بعض السياسات، ومن أهم أسباب الانتقادات الموجهة إليه من المعارضة إفساد علاقات تركيا الخارجية بالعديد من الدول مثل؛ مصر والإمارات والسعودية؛ بسبب عدة أمور منها دعمه للإخوان، وهناك عامل آخر متعلق بالأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها تركيا والرغبة في تحقيق مكاسب من التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، كل هذا جعل أردوغان يعيد حساباته من جديد، ويسعى لاستعادة العلاقات الطبيعية مع مصر، وقد تمّت في العامين الأخيرين محاولات نحو الإصلاح، لكنّها تعثرت، وأعلن عن ذلك منذ وقت قريب وزير الخارجية المصري سامح شكري، إلى أن تجددت مرة أخرى من خلال اللقاء الذي تم مؤخراً بين الرئيسين أردوغان والسيسي في قطر أثناء افتتاح مونديال كأس العالم، ولا شك أنّ استعادة العلاقات بين تركيا ومصر بشكل طبيعي وإيجابي وإزالة الخلافات القائمة وحدوث نوع من التفاهم حول العديد من القضايا المشتركة سوف يحدث أثراً على جماعة الإخوان.

 والسؤال هنا: ما فرص نجاح التفاهمات المصرية التركية؟ وما طبيعة الأثر المترتب على نجاح التفاهمات على جماعة الإخوان، هل سيكون أثراً سلبياً يتمثل في اتخاذ تركيا لإجراءات ربما تكون ضارة بالإخوان، أم أنّه من الممكن أن يكون أثراً إيجابياً يتمثل في إمكانية التدخل التركي لتخفيف الإجراءات المتبعة من النظام المصري تجاه الجماعة؟

سيناريوهات محتملة

في السياسة كل شيء ممكن، فلا صداقة أو عداوة دائمة، والذي يحرك الفاعلين السياسيين دوماً هو المصلحة؛ ولذلك كل شيء متوقع، فمن الوارد أن تمضي التفاهمات المصرية التركية إلى مداها، وتؤتي ثمارها، ويتفق الطرفان على عدة نقاط تمثل ما يريد كل منهما من الآخر، وقد تتعثر محاولات التقارب ولا تصل إلى شيء، وتبقى الأوضاع كما هي عليه، وقد تترتب على التفاهمات آثار إيجابية بالنسبة إلى جماعة الإخوان، وقد تترتب عليها آثار سلبية أيّاً كان حجمها ومداها، ومن الممكن أن نناقش هذه الأمور من خلال استعراض عدد من السيناريوهات المحتملة:

أوّلاً: تعثر الحوار وعدم الوصول إلى تفاهم مشترك

هناك العديد من المصالح المشتركة بين مصر وتركيا، فمن جانب يأتي ملف التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط في مقدمة الملفات التي تهم تركيا، ومن أجلها تسعى لاستعادة العلاقات مع مصر، وتوجد ملفات أخرى على قدر من الأهمية، وهي ملف التواجد التركي في ليبيا وسوريا والعراق، وملف الأزمة الاقتصادية القائمة في تركيا، ومن أجله تسعى إلى خلق شراكات اقتصادية وفرص استثمارية لها مع دول أخرى، وعلى الجانب الآخر فإنّ الملف الأهم بالنسبة إلى مصر هو ملف الإخوان، والتي ترغب مصر في أن تتخذ تركيا بخصوصه إجراءات تضمن التقليل من التهديد الناتج عنه، مثل تسليم أفراد وقيادات مطلوبين بسبب صدور أحكام قضائية ضدهم من القضاء المصري، وبعضهم متهمون بالقيام بأعمال عنف، وعدم السماح بممارسة أنشطة إعلامية وتنظيمية تستهدف الدولة المصرية، هذا بجانب أيضاً ملف التواجد التركي في ليبيا وسوريا.

خلفية أردوغان الإخوانية وانتماءه الإسلامي وعلاقته بالتنظيم الدولي قد يمثل عاملاً نفسياً يحول دون القدرة على تسليم الإخوان المطلوبين إلى مصر أو اتخاذ إجراءات قانونية ضدهم

وقد يتعثر الحوار ولا يتحقق التقارب المنشود؛ بسبب رفض النظام التركي اتخاذ الإجراءات المطلوبة منه في ملف الإخوان، رغم حرصه على الاستفادة من مصر في ملف مهم وهو ملف الغاز، ويعود هذا الرفض إلى عدة عوامل منها أنّ خلفية أردوغان الإخوانية وانتماءه الإسلامي وعلاقته بالتنظيم الدولي قد يمثل عاملاً نفسياً يحول دون القدرة على تنفيذ هذا الشرط وتسليم الإخوان المطلوبين إلى مصر أو اتخاذ إجراءات قانونية ضدهم، ومن جانب آخر فإنّ حرص أردوغان على تحقيق الفوز في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المزمع عقدها العام المقبل، ومن ثم رغبته في عدم خسارة جزء مهم من قاعدته الانتخابية المتمثلة في الإسلاميين الأتراك، قد يحول أيضاً دون إقدامه على تسليم المطلوبين؛ لأنّ ذلك سوف يثير سخط تلك القاعدة الشعبية؛ وبالتالي في هذه الحالة لن يأتي الحوار المزمع ثماره؛ لأنّ مصر في هذه الحالة لن تستفيد شيئاً في الملف المهم بالنسبة إليها، ومن ثم سيتوقف الحوار وتتعثر محاولات التقارب، كما حدث في الجولات السابقة.

ثانياً: تنفيذ تركيا لشروط مصر تجاه الإخوان

وفق هذا السيناريو تكون سياسة أردوغان رجحت العمل على تحقيق الإنجاز الأهم بالنسبة إليه، وهو التوصل إلى اتفاق مع مصر حول ملف الغاز ومساعدة مصر لتركيا في ضمان فرصتها في التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، وهنا سوف يقبل بالشروط التي وضعتها مصر والخاصة بتسليم الإخوان المطلوبين؛ الأمر الذي سيترتب عليه وجود تعاون جاد بين البلدين ويحقق لتركيا ما تريد في الملف الأهم بالنسبة إليها، وبهذا يكون أردوغان قد حقق مكسباً مهمّاً يضمن له بنسبة كبيرة النجاح في الانتخابات والبقاء في الحكم؛ لأنّه سوف يستطيع بذلك إرضاء قاعدة الناخبين التي تهاجمه بسبب خلقه لمشكلات مع بعض الدول الإقليمية وبسبب الأزمة الاقتصادية، ويرجح هذا السيناريو الباحث في شؤون الحركات الإسلامية هشام النجار، حيث يقول في تصريح لـ"حفريات": "أرى أنّ ذلك السيناريو هو الأرجح نظراً لأنّ لقاء الرئيس السيسي بالرئيس التركي على هامش مونديال قطر لم يحدث من فراغ، ومن المنطقي وفقاً للأعراف الدبلوماسية وواقع الحال أن يكون قد سبقته إجراءات وتطورات في ملف الإخوان على وجه الخصوص، ممّا مهّد الأرضية للقاء الرئيسين ومصافحتهما، وقد اتضح ذلك لاحقاً عقب اللقاء، فقد تبعه مباشرة رواج أنباء عن توقيفات وتحقيقات تجري بحق عناصر وقادة الإخوان متعلقة بصلات تربطهم بداعش وبعمليات إرهاب وغسيل أموال، علاوة على صدور تصريحات من مسؤولين أتراك تشير إلى أنّ تنظيم الإخوان مخترق من جماعات أكثر عنفاً (داعش)، وبدون شك فإنّ هذه التطورات تعكس رغبة تركية قوية في تطبيع العلاقات مع مصر على حساب التضحية ولو بالجانب الذي يهم الأجهزة في ملف الإخوان وهو جانب القادة والعناصر الإخوانية الهاربة بتركيا، سواء التي نفذت عمليات عنف أو موّلتها، أو تلك التي حرضت عليها إعلامياً، فضلاً عن العناصر الإخوانية والأخرى الموالية للإخوان والقريبة من التنظيم التي دأبت على استغلال الأوضاع الاقتصادية لتأليب قطاع من الشعب وتحريكه باتجاه الشارع وتثويره، وهو ما يعني وجود فرضية لغضّ الطرف عن نشاط التنظيم الدولي للإخوان خارج تركيا، رغم اشتباك حكومة العدالة والتنمية والرئيس أردوغان شخصياً مع هذا النشاط الدولي للتنظيم... إذن نحن بصدد مرحلة مختلفة وحالة مغايرة لما كان بالسابق؛ فالأمور أخذت طابع الجدية وصبغها لقاء الرئيسين بالدوحة بطابع الرسمية كخطوة مهمة فصلت بين مرحلة غامضة وغائمة اتسمت بالمراوحة بين الصعود والهبوط وبين المؤشرات الإيجابية والأخرى السلبية، ومرحلة بدأت بالمصافحة من المرجح أن تشهد المزيد من التقارب وتوطيد العلاقات على المستوى الرسمي والتنسيق الأمني، وهو ما يؤدي بشكل تلقائي إلى تهديد مصالح الإخوان، وصولاً إلى إمكانية تسليم قيادات هاربة ثبت قضائياً ارتكابها جرائم عنف داخل مصر".

ثالثاً: قدرة تركيا على تحسين وضع الإخوان في مصر

وفق هذا السيناريو يحدث العكس، وهو قدرة تركيا من خلال التفاوض مع النظام المصري على تحسين بعض أوضاع الإخوان في الداخل، مثل إخراج بعض الأفراد والقيادات المحبوسين في مقابل تخفيف النشاط التنظيمي والإعلامي للإخوان في تركيا، أو اتخاذ إجراءات مثل إبعاد بعض القيادات خارج تركيا، لكنّ هذا احتمال ضعيف؛ لأنّ النظام المصري لن يقبل بفرض مثل هذا الشرط، كما أنّه لن يكون مستفيداً في هذه الحالة بدرجة كبيرة.

رابعاً: اتخاذ تركيا إجراءات أقل من المطلوب لكن مُرضية

ربما كان من الصعب في الواقع أن يحقق كل طرف ما يريد من أهداف بالشكل الذي يرغب، فيكون اللجوء حينئذ إلى الحلول الوسط، باعتبار أنّ السياسة هي فن الممكن، وأنّ الوصول إلى بعض الأهداف خير من فقدان الكل، ووفق هذا السيناريو فإنّ كلاً من مصر وتركيا قد تكتفيان بتحقيق بعض الأهداف، أو بقدر من كل هدف، في مقابل التغاضي عن أجزاء أخرى، فقد تكتفي مصر باتخاذ تركيا لمزيد من الإجراءات التي من شأنها التضييق على النشاط الإعلامي والتنظيمي لجماعة الإخوان، وبالفائدة التي تعود من ضخ مزيد من الأموال عبر استثمارات تركية جديدة في مصر، وكذلك بالوصول إلى اتفاق حول التواجد التركي في سوريا وليبيا، وفي المقابل قد يتم قبول تركيا باتخاذ مزيد من الإجراءات تجاه جماعة الإخوان مثل إغلاق ما تبقى من قنوات إعلامية وإبعاد بعض العناصر الإخوانية المتهمة في قضايا عنف وبعض القيادات خارج تركيا والتضييق أو منع الأنشطة التنظيمية للجماعة لكن دون تسليم أفراد إلى مصر، وذلك في مقابل وصولها إلى اتفاق مرضٍ في ملف الغاز، وأيضاً في تحقيق مكاسب اقتصادية من خلال خلق فرص للاستثمار في مصر، ويعزز من هذا الاحتمال عدة أمور؛ فمن جانب تُعدّ جماعة الإخوان ورقة ضغط يمتلكها أردوغان لن يفرط فيها حتى يمكنه استخدامها تجاه مصر في أيّ وقت، خاصة مع طبيعة أردوغان البراغماتية والمراوغة، كما أنّ أحلام أردوغان في التوسع والتمدد، وأن تكون تركيا قوة إقليمية، تجعله حريصاً على عدم خسارة الإخوان لأنّها أداة يستطيع توظيفها في خدمة هذا الهدف، ومن جانب آخر فإنّ أردوغان سوف يستطيع تحقيق مكاسب داخلية من خلال لعبة التوازنات؛ فهو من جانب يكون قد عمل على إصلاح العلاقات الخارجية وتوصل إلى اتفاق بشأن الغاز، وبذلك يكتسب إرضاء جزء من القاعدة الشعبية العلمانية ويضمن أصوتها في الانتخابات، وفي الوقت نفسه يحافظ على دعم الإخوان، وإن  بشكل جزئي، من خلال السماح لهم بالإقامة والعيش في تركيا، وبذلك يكتسب إرضاء جزء من القاعدة الشعبية ذات الهوى الإسلامي، وبذلك يضمن الفوز في الانتخابات والبقاء في الحكم، وهذا السيناريو هو المرجح من وجهة نظرنا، وفي هذا السياق يطرح الكاتب والباحث في شؤون الحركات الإسلامية ماهر فرغلي رأياً قريباً من هذا الترجيح، حيث يقول في تصريح لـ"حفريات": "أردوغان يلعب بورقة الإخوان، ولن يقوم بتسليم قيادات الجماعة لأنّ أغلبهم بالفعل حصل على الجنسية التركية، وقد عقد التنظيم الدولي للإخوان مؤخراً اجتماعاً داخل تركيا، وكان معلناً، لكنّ أقصى ما قد يقوم به هو تسليم بعض الأفراد غير المشهورين من الصف الثاني والثالث في الجماعة، والتي لم تلتزم بتعليمات السلطات التركية فيما يتعلق بالتعاطي مع الشأن المصري، كما حدث عندما قامت السلطات التركية بالقبض على الإعلامي حسام الغمري منذ فترة قريبة لهذا السبب، وقد يقوم كذلك بتسليم بعض العناصر المتهمة في أعمال عنف، لكنّه سوف يقوم بإبعاد العناصر الخطرة في الجماعة خارج تركيا، وقد أعطت الجماعة تكليفات بالفعل إلى أفرادها في الفترة الأخيرة بضرورة مغادرة تركيا والتوجه إلى لندن وبعض العواصم الأوروبية في أسرع وقت". 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية