تركيا ومصالح متجددة في ليبيا... ما القصة؟

تركيا ومصالح متجددة في ليبيا... ما القصة؟

تركيا ومصالح متجددة في ليبيا... ما القصة؟


07/12/2023

وافق البرلمان التركي على تمديد مهمة القوات التركية في ليبيا (24) شهراً إضافياً، بناء على  مذكرة من الرئاسة التركية إلى رئاسة البرلمان، تقضي بتمديد مهام قوات البلاد في ليبيا. وجاء في المذكرة التي حملت توقيع الرئيس رجب طيب أردوغان أنّ "الجهود التي بدأتها ليبيا عقب أحداث شباط (فبراير)2011؛ لبناء مؤسسات ديمقراطية ذهبت سدى بسبب النزاعات المسلحة التي أدّت إلى ظهور هيكلية إدارية مجزأة في البلاد"، بحسب وكالة الأناضول. ثم أكدت المذكرة أنّ استمرار وقف إطلاق النار وعملية الحوار السياسي في ليبيا وإحلال السلام وضمان الاستقرار، يحمل أهمية كبيرة بالنسبة إلى تركيا.

كما شدّدت على أنّ الهدف من إرسال قوات تركية إلى ليبيا؛ "هو حماية المصالح الوطنية في إطار القانون الدولي، واتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة ضدّ المخاطر الأمنية التي مصدرها جماعات مسلحة غير شرعية في ليبيا". وأضافت أيضاً: "للحفاظ على الأمن ضدّ المخاطر المحتملة الأخرى مثل الهجرات الجماعية، وتقديم المساعدات الإنسانية التي يحتاج إليها الشعب الليبي، وتوفير الدعم اللازم للحكومة الشرعية في ليبيا"، عليه، أوضحت المذكرة أنّ تركيا أرسلت قواتها إلى ليبيا؛ بموجب المادة (92) من الدستور بتاريخ 2 كانون الثاني (يناير) 2020، وتمّ تمديد مهامها في 21 حزيران (يونيو) 2021 مدة (18) شهراً.

 مصالح وأهداف متشابكة

لا ريب أنّ هناك جملة من الدوافع تحتشد وراء قرار البرلمان التركي بتمديد حضور الجيش التركي عامين إضافيين في ليبيا، وذلك بناء على سياق سياسي واقتصادي إقليمي ودولي، تعمل من خلاله أنقرة على تحقيق عدد من المكاسب، والهدف وراء ذلك القرار هو تثبيت دورها وحضورها ميدانياً، ومن ثم سياسياً في طرابلس، وكافة مناطق الغرب الليبي، الأمر الذي يتسق مع تحركاتها في شرق ليبيا، والعمل على تطبيع علاقاتها مع القوى الفاعلة هناك، مرة من خلال فتح القنصلية التركية في بنغازي، ومرة أخرى عبر التدخل في مسار الوساطة بين المستشار عقيلة صالح رئيس محلس النواب، ومحمد تكالة رئيس المجلس الأعلى للدولة. كما يأتي القرار في ظل سياق الصراع على استمرار حكومة الوحدة الوطنية، منتهية الولاية، برئاسة عبدالحميد الدبيبة، وعمل أنقرة على دعم حضور الدبيبة في المشهد السياسي، باعتباره الضامن لذلك التواجد. فضلاً عن حرصه أن يكون أحد الأركان الصلبة، إذا ما سارت الأمور نحو تشكيل حكومة موحدة، ممّا يضعه في صورة صاحب الرأي في اختيار اسم رئيس الحكومة الجديد، وبالتالي يحافظ على مكتسباته وخططه خلال الأعوام القادمة، في ليبيا والجغرافيا السياسية المحيطة بها.

عبدالحميد الدبيبة

على خلفية ذلك يدرك رجب طيب أردوغان أنّ حضوره في ليبيا يضمن له وضع قدمه في مناطق الساحل والصحراء الأفريقية، خاصّة بعد تراجع النفوذ الفرنسي بفعل الانقلابات العسكرية الأخيرة التي شهدتها منطقة غرب أفريقيا، وكذا توطين علاقاتها مع الحكومات الأفريقية الجديدة التي أدارت ظهرها  للدول الغربية.

 

وافق البرلمان التركي على تمديد مهمة القوات التركية في ليبيا (24) شهراً إضافياً، بناء على  مذكرة من الرئاسة التركية إلى رئاسة البرلمان

 

كما أنّه من الصعوبة بمكان غضّ البصر عن هدف قرار تمديد حضور القوات التركية في ليبيا لمدة جديدة، بعيداً عن الأهداف الاقتصادية، ومشروعات الطاقة والتنقيب عنها وثروات شرق المتوسط، ومنافسة كافة الفاعلين الإقليميين والدوليين، لا سيّما مع استمرار حالة الانسداد السياسي، وتعثر فرص تنفيذ الاستحقاق الانتخابي.

قرار التمديد... التداعيات والآثار 

في هذا السياق؛ يشير الكاتب الليبي حسين مفتاح إلى أنّ تواجد القوات التركية في ليبيا، هو شأن استراتيجي مهم ومعتبر بالنسبة إلى أنقرة، إذ تعتبر تواجدها في مناطق  الغرب الليبي، سواء  في طرابلس أو مصراتة أو الخمس أو الوطية، تواجداً في الجغرافيا الساخنة الخاصّة بأفريقيا، ممّا يُعتبر ارتباطاً وثيقاً بحلم العودة إلى زمن الولايات والمستعمرات السابقة، ويعزز فرص توسيع النفوذ التركي على الضفة المقابلة للبحر المتوسط.

يتابع نائب رئيس تحرير بوابة أفريقيا الإخبارية قائلاً لـ (حفريات): إنّ ذلك أمر جلي منذ اللحظة التي تدخلت فيها تركيا إبّان حكومة فائز السراج وحكومة الوفاق في معركة طرابلس، إذ لم يكن القرار وقتها من باب الدفاع عن هذه الحكومة ودعمها في حالة ميدانية مسلحة؛ بل يرتبط بمسار سياسي واقتصادي، أدركته تركيا جيداً، وتعمل عليه حتى اللحظة، وستمضي في ذلك.

 

يأتي القرار في ظل سياق الصراع على استمرار حكومة الوحدة الوطنية، منتهية الولاية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وعمل أنقرة على دعم حضور الدبيبة في المشهد السياسي

 

إلى ذلك، ينبغي النظر نحو ذلك في مسار حكومة الدبيبة، ومدى حرص أنقرة على دعمها، والاصطفاف بجانبها؛ باعتباره تحركاً نحو أهدافها، دون التقيد بحتمية حضورها، والالتزام فقط بمن يضمن لها استمرار التواجد في هذه المنطقة. 

يلفت مفتاح إلى أنّ قرار تجديد البرلمان التركي مهمة القوات التركية لعامين إضافيين، ليس التجديد الأول، ولا يعتقد أنّه سينتهي بعد هذه الفترة، إذ سيتم التجديد لفترة أخرى؛ كون تركيا برئاسة أردوغان تهدف إلى أن يصبح وجودها في ليبيا وجوداً مصيرياً واستراتيجياً، يتعلق بتعزيز النفوذ التركي في كامل حوض البحر المتوسط، ويحقق جزءاً من حلم أن تكون تركيا دولة مؤثرة في الإقليم. وبالتأكيد حتى تكون مؤثرة في الإقليم، لا بدّ أن يكون لها أذرع، وأن يكون لها محطات؛ فهي تعتبر تواجدها في ليبيا أنّه جزء من هذا المشروع.

ويتابع رئيس تحرير بوابة أفريقيا الإخبارية تصريحاته لـ (حفريات)، لافتاً إلى أنّ الأمر قد يبدو مختلفاً مع طبيعة العلاقات التركية مع شرق ليبيا والقوى الفاعلة هناك، إذ يصف ذلك بالحالة التكتيكية، سواء مع القوات المسلحة الليبية، أو البرلمان الليبي.

مغازلة شرق ليبيا

إنّ حالة التقارب التركي الموجود الآن مع شرق ليبيا، تأتي من خلال رؤية تكتيكية، ترى من خلالها أنقرة ضرورة الانفتاح على الجميع، والتأهب لأيّ تسوية سياسية بين الفاعلين المحليين، والنأي بنفسها عن أيّ اتهام بكون حضور قواتها من العوامل التي تسهم في تعميق الأزمة الليبية.

يرجح مفتاح أن تعمل تركيا نحو مغازلة مجلس النواب الليبي، ورئيسه المستشار عقيلة صالح، من خلال العمل على تعديل موقفه عبر الوساطة المباشرة والفعالة بينه وبين محمد تكالة رئيس المجلس الأعلى للدولة، ممّا يسمح بفتح نوافذ في تلك الجدارية، وتمرير الضوء داخل سراديب الخلافات بينهما.

 

حسين مفتاح: إنّ وجود تلك القوات في البلاد، وتحت قيادة تركية، هو أمر ضدّ كل محاولات بسط آليات الاستقرار في ليبيا، وينتهك سيادة البلاد

 

ويمضي مفتاح قائلاً: إنّ تأثير تواجد تلك القوات في ليبيا، لا سيّما في الغرب والعاصمة الليبية طرابلس، له تداعيات عديدة، سواء فيما يتعلق بالوضع السياسي أو الميداني. مضيفاً: "من الصعب أن أجد وصفاً لتلك القوات، بعيداً عن كونها قوات احتلال في البلاد، ممّا يعمق من سياق الخلاف بين القوى الفاعلة، ويعزز من حالة الاستقطاب بين تلك القوى، ويضع احتمالات تفجر الوضع قائماً في أيّ لحظة".

ويختتم مفتاح تصريحاته بقوله: إنّ وجود تلك القوات في البلاد، وتحت قيادة تركية، هو أمر ضدّ كل محاولات بسط آليات الاستقرار في ليبيا، وينتهك سيادة البلاد.

مواضيع ذات صلة:

قصة الإسلاميين في تركيا.. أردوغان في مواجهة غولن

كيف سيواجه أردوغان التحديات الداخلية والخارجية في الأعوام الـ 5 القادمة؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية