كيف سيواجه أردوغان التحديات الداخلية والخارجية في الأعوام الـ 5 القادمة؟

كيف سيواجه الرئيس أردوغان التحديات الداخلية والخارجية في السنوات الخمس القادمة؟

كيف سيواجه أردوغان التحديات الداخلية والخارجية في الأعوام الـ 5 القادمة؟


08/06/2023

بعد نجاحه في حسم المعركة الانتخابية الأخطر والأهم في تاريخ الدولة الحديثة لصالحه في الانتخابات التركية، يقود الرئيس أردوغان تركيا لـ (5) أعوام قادمة، وقد أعلن عن تشكيل حكومة جديدة، تضمنت إقصاء بعض الوجوه وإدخال وجوه جديدة، رغم احتفاظه بمقربين منه، خاصة مدير الاستخبارات (هاكان فيدان) الذي تولى حقيبة وزارة الخارجية التركية .

التحديات الاقتصادية هي الأكثر صعوبة بالنسبة إلى تركيا في ظل أوضاع عالمية متقلبة وغير مستقرة، وظهور أزمات في قطاعي الطاقة والغذاء، لا سيّما بعد جائحة كورونا وحرب أوكرانيا

تحديات داخلية وخارجية لن تكون سهلة أمام الرئيس أردوغان وحكومته الجديدة، تتراوح مرجعياتها "داخلياً" بين أزمات اقتصادية متفاقمة واختبارات حول قدرته على استعادة وحدة الأتراك، بعد انتخابات شهدت تجليات لإيديولوجيا الهوية والدين والقيم بمواجهة مع العلمانية ومفاهيم جديدة للإرهاب، تتزامن مع تحديات خارجية عنوانها أوضاع دولية تشهد صراعات لم تكتمل بعد بين أمريكا وأوروبا من جهة، مع الصين وروسيا من جهة أخرى، وربما نجح أردوغان خلال الأعوام الماضية في ترسيم موقع تركيا فيها بما يحقق مكاسب تثبت دورها ومكانتها الدولية والإقليمية، بالاستفادة من تناقضاتها، وهو ما دفع غالبية الأطراف الدولية والإقليمية للتعامل مع تركيا بوصفها حليفاً غير موثوق به حتى النهاية، في ظل تحولات تركية عميقة، وتبديلات في قوائم الأصدقاء والحلفاء والأعداء.

أوّلاً: تحديات داخلية أبرزها الاقتصاد

رغم تعدد عناوين ومستويات التحديات الداخلية وأولوياتها بالنسبة إلى الرئيس أردوغان وحكومته الجديدة، إلّا أنّ إنقاذ الأوضاع الاقتصادية يبقى العنوان الأبرز والأهم داخلياً، لا سيّما أنّ الأوضاع الاقتصادية غير معزولة عن تحديات خارجية تطرح مجدداً إشكالية العلاقة بين السياسة والاقتصاد، ولعل المتغير الأبرز هنا هو تعيين "محمد شيمشيك، وزيراً للخزانة والمالية، مكلفاً بالإشراف على إنقاذ الوضع الاقتصادي، ويخضع شيمشيك حالياً لمتابعة من أوساط اقتصادية ومالية حول ما يمكن أن يفعله لمواجهة التضخّم وتدهور سعر صرف الليرة ورفع الفائدة وسياسة الأجور التي وعد أردوغان برفعها في حملاته الانتخابية.

إانقاذ الأوضاع الاقتصادية يبقى العنوان الأبرز والاهم داخلياً

ورغم الاستقلالية النسبية التي سيتمتع بها وزير الخزانة الجديد القديم، إلّا أنّ قراءات خبراء اقتصاديين تشير إلى أنّه لن يتمكن من تحقيق نجاحات توقف الأزمة الاقتصادية، لا سيّما أنّ تقارير دولية أشارت إلى أنّ "كلفة ضبط سعر صرف الليرة في الأسابيع الماضية عند حدود (20) ليرة مقابل الدولار بلغت (50) مليار دولار على الأقلّ، جاءت جميعها من الخليج وروسيا وأذربيجان، وأنّ الأزمة أعمق ممّا يتم الاعتراف به وإعلانه بسبب تراكم الديون وتأجيل سدادها، وأنّ الدولار قد يقفز إلى (27 و30) ليرة في المستقبل القريب، على غرار أزمة الجنيه المصري.

وبالتزامن مع أزمة سعر صرف الليرة التركية، ستواجه الحكومة استمرار التضخم الذي بلغ 45%، والعجز المتزايد في الميزان التجاري، واستعادة الاستثمارات الأجنبية التي غادرت تركيا، بالإضافة إلى إعادة إعمار المناطق المنكوبة التي دمرها زلزال شباط  (فبراير) الماضي، الذي تُقدّر تكلفته بحوالي (100) مليار دولار أمريكي، ويرجح أن تكون هذه التحديات أكثر صعوبة بالنسبة إلى تركيا في ظل أوضاع اقتصادية عالمية متقلبة وغير مستقرة، وظهور أزمات في قطاعي الطاقة والغذاء، لا سيّما بعد جائحة كورونا وحرب أوكرانيا، ولا يستبعد أن القرارات الاقتصادية الجديدة الخاصة بالأجور وسعر الليرة ونظام التقاعد بالإضافة إلى الزيادات في الأسعار، ستسهم في التأثير على شعبية أردوغان ومستقبل حزبه.

لعلّ أبرز الإشكاليات الخارجية التي ستواجه سياسات تركيا خلال الأعوام القادمة، على المستويين الإقليمي والدولي، تكمن في قدرة أردوغان على مواصلة الاستراتيجيات التي استخدمها خلال الأعوام الماضية، وعنوانها "توازنات دقيقة" في العلاقات مع روسيا والغرب

وتُشكّل إعادة ترتيب أوضاع حزب العدالة والتنمية تحدياً أمام أردوغان، يتطلب إعادة النظر في بنية الحزب، ولا شك أنّ نجاح أردوغان في التكيف وتجاوز الانشقاقات في الحزب بمراحل سابقة، تبدو غير مؤكدة في المرحلة القادمة، وتُعدّ استعادة الوحدة الوطنية بين الأتراك مهمّة ليست سهلة أمام أردوغان، رغم الخطاب التوحيدي بعد الانتخابات، فقد شهدت الحملات الانتخابية لأردوغان والمعارضة معاً خطاباً تضمّن فرزاً عرقيّاً وهوياتيّاً ليس من السهولة بمكان تجاوزه، وهو ما يطرح تساؤلات حول إمكانية تحقيق نجاحات في انتخابات البلديات القادمة، والتي طرح أردوغان "ضرورة استعادتها"، وتحديداً في إسطنبول وأنقرة وإزمير، وهي مناطق حققت فيها المعارضة في الانتخابات الأخيرة تفوقاً على أردوغان.

ثانياً: تحديات خارجية بسياقات دولية وإقليمية غير مستقرة

لعلّ أبرز الإشكاليات الخارجية التي ستواجه سياسات تركيا خلال الأعوام القادمة، على المستويين الإقليمي والدولي، تكمن في قدرة الرئيس أردوغان على مواصلة الاستراتيجيات التي استخدمها خلال الأعوام الماضية، وعنوانها "توازنات دقيقة" في العلاقات مع روسيا والغرب، في وقت أصبحت فيه القوى الكبرى تحتكم لمفهوم "من ليس معي، فهو ضدي"، ممّا سيقلل هوامش المناورة أمام تركيا مستقبلاً، ويجعلها بمواجهة مع مزيد من الضغوط الغربية لتغيير سياسات تركيا تجاه روسيا، لا سّيما أنّ تلك الضغوط ستكون بمرجعية عضوية تركيا بحلف الناتو، ولا يستبعد أن تشهد هذه العضوية تحولات ربما تدفع تركيا للعودة مجدداً للتلويح بانسحابها من الناتو، في ظل علاقات أظهرت فيها تركيا تحفظات على سياسات دول الحلف، بالإضافة إلى تقديرات تركية لطالما عبّر عنها الرئيس أردوغان بأنّها لا تستفيد من عضويتها بهذا الحلف، رغم ما تقدمه من التزامات، ويبدو من خلال تعيين مدير الاستخبارات السابق (فيدان) وزيراً للخارجية أنّ الرئيس أردوغان ليس بوارد الانقلاب على سياساته الخارجية، وأنّه سيواصل الاستراتيجيات السابقة مع الغرب وروسيا.

وفي العلاقات الإقليمية، لا يبدو أنّ أردوغان بصدد الإقدام على تغييرات جوهرية في هذه العلاقات، فمن المتوقع استمرار إجراءاته "الناعمة" ضد جماعة الإخوان المسلمين، باعتبارها شرطاً لتحسين علاقاته مع مصر والسعودية والإمارات، وحاجته الماسّة حالياً ومستقبلاً لهذه الدول التي أثبت التعاون معها تحقيق تركيا العديد من المكاسب، بما فيها الاقتصادية، وهو العنوان الذي يحتاجه أردوغان مستقبلاً.

استمرار العلاقات التركية مع روسيا تثير تحفظات غربية

ويشكّل الملف السوري أبرز الملفات الإقليمية بالنسبة إلى تركيا، وسيبقى الموقف التركي منه محكوماً بعلاقات أنقرة مع الفاعلين في هذا الملف "أمريكا، روسيا، إيران"، بما في ذلك مستقبل الأوضاع الكردية في الشمال السوري، واستثمار الميزة النسبية لتركيا في هذا الملف، وحاجة كل من أمريكا وروسيا لها في إنجاح أيّ حلول في سوريا، لا سيّما أنّ هناك هواجس "أمريكية وروسية" من الدور الصيني بعد التفاهمات التي أشرفت عليها بكين بين طهران والرياض، والتي يمكن أن يتم إسقاطها لاحقاً على الملف السوري. ورغم النجاحات والإشارات المؤكدة حول مصالحة بين أنقرة ودمشق، إلّا أنّ تفاصيل العلاقات بين الجانبين تستبطن تعقيدات وتشابكات ليس من السهولة التوصل معها إلى حلول.

تتداخل التحديات الداخلية مع الخارجية في تركيا، كما هو حال أيّ دولة، وبصورة ليس من السهل على الباحث الفصل بينهما، ومع ذلك فإنّ الاتجاهات العامة، بعد تشكيل الفريق الوزاري الذي سيقود المرحلة القادمة بقيادة الرئيس أروغان، لا تشير إلى أنّ تغييرات جوهرية ستشهدها السياسات الداخلية والخارجية، وإذا كانت التحديات الداخلية ومدى قدرة الحكومة الجديدة على "حلحلة الأزمات الاقتصادية المتفاقمة" هي المحدد في احتفاظ حزب العدالة والتنمية بشعبيته، فإنّ تحقيق نجاحات على هذا الصعيد ستكون موضع تساؤلات في ظل أزمة عميقة ليس من السهولة بمكان اجتراح حلول لها، إلّا باتخاذ إجراءات قاسية ستنعكس على الطبقة الوسطى التي يراهن عليها الحزب، وربما ستنعكس مجدداً على نتائج الانتخابات البلدية القادمة التي يراهن عليها الحزب.

غير أنّ الأهم هو، أنّه مع استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، والاتهامات التي وجّهت لأردوغان بوقوفه إلى جانب الرئيس بوتين، واستمرار العلاقات التركية مع روسيا وباتجاهات تثير تحفظات غربية، فإنّ على تركيا الاستعداد لمزيد من الضغوط الغربية "الأمريكية والأوروبية"، والتي ربما تغادر مربعات "ضبط النفس" واحتواء ما تسمّيه "الانحرافات" التركية، باتجاهات أكثر قسوة تجاه أنقرة، رغم ما تملكه تركيا من أوراق ضغط على واشنطن وعواصم أوروبية.

مواضيع ذات صلة:

في سوريا والعراق... ماذا ينتظر الأكراد بعد فوز أردوغان؟

عند أردوغان يتناسون.. إخوان تونس: حقوق الإنسان حاضرة داخلياً فقط!

هل أردوغان مصلحة للغرب؟.. ما علاقة أوكرانيا؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية