تحولات التهديد الإرهابي في ألمانيا: بين الأيديولوجيا الإخوانية والعنف الجهادي

تحولات التهديد الإرهابي في ألمانيا: بين الأيديولوجيا الإخوانية والعنف الجهادي

تحولات التهديد الإرهابي في ألمانيا: بين الأيديولوجيا الإخوانية والعنف الجهادي


28/04/2025

تعيش ألمانيا على وقع تهديدات متزايدة صادرة عن جماعات الإخوان والجهاديين، الذين باتوا يشكلون خطرًا مستمرًا على استقرار المجتمع، حيث تنشط هذه الجماعات تحت غطاء العمل الخيري والثقافي، لكنها تخفي أجندات متطرفة تهدف إلى اختراق المجتمع الألماني ومؤسساته الحيوية.

وتُعَدّ عمليات الطعن والدهس أبرز الأدوات التي يعتمدها المتطرفون لتنفيذ هجماتهم داخل المدن الألمانية، وتتسم هذه العمليات، بالسهولة والسرعة، أربكت الأجهزة الأمنية وكشفت عن هشاشة منظومة الردع التقليدية أمام التهديدات الفجائية التي يصعب التنبؤ بها.

أمام هذا الواقع المعقد، تجد السلطات الألمانية نفسها أمام تحديات كبرى في مكافحة التطرف العنيف. تتطلب المواجهة استراتيجية شاملة تجمع بين الإجراءات الأمنية الصارمة، والسياسات الوقائية، ومراقبة الأنشطة المشبوهة المرتبطة بالجماعات الإخوانية والجهادية قبل تحولها إلى تهديدات ميدانية دامية، وهو ما بحثت فيه دراسة حديثة أصدرها "المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات"، بعنوان  "“الإخوان والجهاديون” وعمليات الطعن والدهس كأدوات تهديد للأمن القومي".

الدراسة أكدت أن التطرف الإسلاموي لا يزال يُشكل تهديدًا متصاعدًا ومتطورًا وخاصة “الذئاب المنفردة”، إذ لم يعد التهديد مرتبطًا فقط بعدد السلفيين أو “الجهاديين”، بل أصبح يتجسد في ديناميكية التيار الإسلاموي، وانتشاره عبر الفضاء الرقمي، وتفاعله مع الصراعات الدولية.

وأشارت إلى أن سلطات التحقيق الألمانية تُصنف (575 ) شخصًا ضمن فئة “الخطرين . وتشكل الفئة الأكبر وبفارق واضح، أولئك المصنفين ضمن “الجهادية”. ووفقًا لما أفاد به المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية (BKA)  بلغ عدد هؤلاء حتى الأول من أبريل 2025 نحو 458  شخصًا.

وبحسب جهاز مكافحة الإرهاب ، فإن الخطر  يتمحور حول “الذئاب المنفردة”، ويبقى مستوى التهديد مرتفعًا في جميع مصادر التطرف. وقد حذّر المكتب الاتحادي لحماية الدستور في أحدث تقاريره السنوية من وجود ديناميكية كبيرة داخل المشهد الإسلاموي نتيجة النزاع في الشرق الأوسط.

أكدت الدراسة أن التطرف الإسلاموي لا يزال يُشكل تهديدًا متصاعدًا ومتطورًا وخاصة “الذئاب المنفردة”

الدراسة أشارت أيضا إلى أن عدد الأفراد المصنفين كإسلاميين خطرين في ألمانيا ارتفع من 550 في عام 2015 إلى أكثر من 2,000 في عام 2025، مما يمثل زيادة تقارب أربعة أضعاف خلال عقد واحد. وبالنسبة للتيار السلفي “الجهادي”، تشير البيانات المتاحة إلى وجود حوالي 12,150 سلفيًا في ألمانيا، مع تصنيف بعضهم كمتطرفين يميلون إلى العنف.

الحكومة الألمانية قد تبنت في عامي 2024 و2025، حزمة واسعة من التدابير لمواجهة التطرف والإرهاب، خاصة الإسلاموي واليميني، انطلاقًا من فهم أمني شامل يدمج الأدوات الأمنية، القانونية، والاجتماعية. أبرزها؛ تعزيز القدرات الأمنية والاستخباراتية، عبر زيادة ميزانيات الاستخبارات الداخلية (BfV) والمكتب الفيدرالي للشرطة الجنائية (BKA)، وتوظيف مزيد من المحللين المتخصصين في مراقبة التطرف الديني والرقمي.

كما قامت بتوسيع آليات مراقبة الإنترنت، خاصة فيما يتعلق بالتجنيد والتطرف عبر الشبكات المشفرة مع تعزيز أدوات الذكاء الاصطناعي للرصد الاستباقي، إلى جانب مراقبة المساجد والجمعيات المشتبه بها والمرتبطة بجماعات مثل الإخوان المسلمين، حزب الله، وحماس. تم حظر بعض الجمعيات في برلين وساكسونيا السفلى في 2024.

وأقرت جملة من الإصلاحات القانونية والتشريعية، من خلال توسيع صلاحيات الشرطة في الاحتجاز الوقائي والمراقبة الإلكترونية للمشتبه بهم المصنفين كعناصر خطرة، فضلا عن سن قوانين جديدة تُجرّم التحريض الرقمي والكراهية عبر الإنترنت، مع التركيز على مكافحة الدعاية الإسلاموية واليمينية المتطرفة.

وبحسب الدراسة، فقد قامت ألمانيا، أيضا، بتشديد الرقابة على التمويلات الأجنبية للجمعيات الإسلامية، وتعزيز الشفافية المالية للمؤسسات الدينية. وتجميد أصول جمعيات يُشتبه بتورطها في دعم جماعات إرهابية خارجية .

الإخوان المسلمين في ألمانيا: حجم التنظيم الأنشطة والتمثيل المؤسساتي

واستنادا إلى ما ورد بالدراسة، فإن ألمانيا تُعتبر من الدول الأوروبية التي شهدت وجودًا ملموسًا لتنظيم الإخوان المسلمين منذ خمسينيات القرن العشرين، وتطوّر هذا الحضور ليشمل شبكة من الجمعيات والمراكز الثقافية والتعليمية والدينية، التي تُعد امتدادًا فكريًا وتنظيميًا للحركة الأم في مصر.

تُعَدّ عمليات الطعن والدهس أبرز الأدوات التي يعتمدها المتطرفون لتنفيذ هجماتهم داخل المدن الألمانية

لكن وفقًا لتقارير هيئة حماية الدستور، يُقدّر عدد الأشخاص المرتبطين فكريًا أو تنظيميًا بالإخوان المسلمين في ألمانيا بين 1000 إلى 1450 شخصًا حتى عام 2024، ويتمركز أغلبهم في ولايات: شمال الراين-وستفاليا، برلين، بافاريا، وبادن-فورتمبيرغ.

ولا يعلن التنظيم بشكل واضح عن قياداته، لكن وفقًا لمصادر أمنية وإعلامية تحدثت عنها الدراسة، فإن شخصيات من أصول عربية وتركية تتولى إدارة الجمعيات الكبرى. ومن بين الأسماء التي ذُكرت في سياق رئاسة منظمات ذات صلة بالإخوان: إبراهيم الزيات: شخصية محورية في IGD وممثل شبكة علاقات الإخوان على المستوى الأوروبي. وسمير فلاح:  قيادي في IGD وعضو في المجلس الأوروبي للإفتاء. كما برزت أسماء أخرى في رئاسة منظمات طلابية إسلامية.

هذا ويظهر نشاط جماعة الإخوان المسلمين في ألمانيا على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي استخدامًا مكثفًا للمنصات الرقمية للترويج لأفكارهم وبناء شبكة تأثير داخل الجاليات المسلمة. بينما يُلاحظ أن الجماعة تستخدم وسائل متعددة، بما في ذلك مواقع إلكترونية وصفحات على منصات التواصل الاجتماعي، لنشر محتوى دعوي وثقافي، وغالبًا ما يكون موجهًا للشباب والمسلمين الناطقين بالألمانية.​

ورغم أن جماعة الإخوان المسلمين في ألمانيا لا تعمل ضمن هيكل تنظيمي مركزي موحد، فإنها تنشط من خلال شبكة متنوعة من المؤسسات والتنظيمات التي تتكامل فيما بينها لنشر الفكر الإخواني وتوجيه الأنشطة المرتبطة به. ويُعد “منتدى الإسلام في ألمانيا” من أبرز هذه الكيانات؛ إذ يمارس دورًا محوريًا في نشر الفكر الإخواني بطرق غير مباشرة، مستفيدًا من إدارته لعدد من المساجد والمراكز الإسلامية المنتشرة في البلاد.

وبالمثل، تبرز “الرابطة الإسلامية في ألمانيا” كإحدى الجهات التي تشارك في تنفيذ أنشطة تدعم فكر الجماعة، مع تركيزها على تقديم الدعم للمجالات التعليمية والدينية.

أما على المستوى الأوروبي، فإن جماعة الإخوان تتمتع بوجود منظم وواسع الانتشار، حيث تعمل من خلال شبكة من الجمعيات والمنظمات الإسلامية التي تتبنى أيديولوجيتها وتسعى إلى توسيع نفوذها في مختلف الدول الأوروبية.

تبرز “الرابطة الإسلامية في ألمانيا” كإحدى الجهات التي تشارك في تنفيذ أنشطة تدعم فكر الجماعة، مع تركيزها على تقديم الدعم للمجالات التعليمية والدينية

ويُلاحظ أن هذه التنظيمات لا تعمل بمعزل عن بعضها البعض، بل تربطها علاقات شراكة وتعاون وثيقة، تترجم من خلال تبادل الموارد المالية التي يتم جمعها غالبًا عبر المساجد والمؤسسات الدينية التابعة لها، إلى جانب تبادل المعلومات وتنسيق الأنشطة الفكرية والدعوية لضمان اتساق الخطاب الإخواني في المجتمعات المسلمة داخل أوروبا.

مكافحة الإرهاب ـ البيئة الأمنية الألمانية، لماذا تتكرر الهجمات بالسكاكين والمركبات؟

خلال السنوات الأخيرة، شهدت ألمانيا تزايدًا لافتًا في حوادث الطعن، والتي باتت تُشكل تهديدًا مباشرًا لأمن المواطنين في الأماكن العامة، سواء كانت دوافعها أيديولوجية متطرفة، أو ناتجة عن اضطرابات نفسية واجتماعية، أو حتى تعبيرًا عن نزعات عدائية فردية. 

ورغم أن هذه العمليات تتم غالبًا بأدوات بدائية كالسكاكين، إلا أن آثارها النفسية والسياسية تكون عميقة، كونها تحدث بشكل مفاجئ يصعب التنبؤ به أو منعه مسبقًا، وفقا لما ورد بالدراسة.

وفي ألمانيا على وجه الخصوص، تتداخل عدة عوامل ساهمت في تصاعد هذا النمط من العنف، منها: فشل بعض سياسات الاندماج، الانتشار الرقمي للدعاية المتطرفة (سواء إسلاموية أو يمينية متطرفة)، تفشي العزلة النفسية لدى فئات مهمشة، بالإضافة إلى التحديات الأمنية في مراقبة الأفراد ذوي السجل الإجرامي أو النفسي.

وقد شددت الدراسة على ضرورة المراقبة المستمرة للوضع الأمني وتعزيز التدابير الأمنية لمنع أي تصعيد محتمل. واعتماد القواعد التقليدية في حماية المناطق المفتوحة والتجمعات منها ، وضع الموانع والحواجز الكونكريتية وكاميرات المراقبة والتفتيش والتواجد للشرطة وأجهزة الأمن. أما الاستخبارات فتقع على عاتقها فرز الأشخاص الخطرين وإدراجهم تحت المراقبة .

رغم ذلك هناك إجماع لدى خبراء الأمن والاستخبارات، بأن عمليات الطعن والدهس الفردية أن كانت ذات دوافع”إرهابية” أو غير إرهابية، يمكن وصفها بأنها على غرار الذئاب المنفردة والتي لا يمكن التكهن بها ولا يمكن الحد منها




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية