الإرهاب الفردي و"الذئاب المنفردة"... ما الذي يخبرنا عنه مؤشر الإرهاب العالمي؟

الإرهاب الفردي و"الذئاب المنفردة"... ما الذي يخبرنا عنه مؤشر الإرهاب العالمي؟

الإرهاب الفردي و"الذئاب المنفردة"... ما الذي يخبرنا عنه مؤشر الإرهاب العالمي؟


10/03/2025

ما بين حوادث دهس أو طعن عشوائية، تضطلع بها الجماعات والتنظيمات الإرهابية التي تنتشر في العواصم الأوربية لتنفيذ الهجمات الإرهابية المروعة، فإنّ ظاهرة الـ"ذئاب المنفردة" تعكس تعقيدات جمّة بخصوص الميول النفسية الحادة التي تجذب الأفراد ضمن شبكات تنظيمية لنشر الرعب، فضلاً عن الدور التدميري الذي تخلقه الأفكار المتشددة. واللافت أنّ عدة عواصم أوروبية تشهد تضاعف عمليات العنف، وقد دهست سيارة خلال الشهر الحالي بألمانيا، تحديداً بمدينة مانهايم، حشداً من المواطنين.

أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي منصة رئيسية للجماعات الإرهابية، ويتم استخدامها لنشر أفكار متطرفة وتحريض الأفراد على تنفيذ عمليات فردية. وتعتمد هذه الجماعات على استراتيجيات نفسية لجذب أشخاص يعانون من العزلة الاجتماعية أو الأزمات النفسية، ممّا يجعلهم فريسة سهلة للإيديولوجيات المتطرفة. وتعمل تنظيمات مثل داعش والقاعدة على استهداف الأفراد الذين يعانون من مشاكل نفسية أو اجتماعية، حيث يتم إقناعهم بأنّ تنفيذ هجوم إرهابي هو "الخلاص" لهم، وأنّه يمنحهم مكانة مرموقة داخل المجتمع الجهادي، وفق المركز الأوروبي لدراسة مكافحة الإرهاب والاستخبارات. كما تنشر الجماعات الإرهابية كميات هائلة من المحتوى التحريضي عبر الإنترنت، تتضمن مقاطع فيديو، ورسائل مشفرة، وتعليمات حول كيفية تنفيذ الهجمات بأساليب بسيطة لكنّها فعالة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك مجلة "روميّة" التابعة لداعش، التي كانت تقدم نصائح مباشرة حول كيفية تنفيذ هجمات فردية.

أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي منصة رئيسية للجماعات الإرهابية، ويتم استخدامها لنشر أفكار متطرفة وتحريض الأفراد على تنفيذ عمليات فردية

تحول في نهج الإرهاب

وفق صحيفة (بيلد) الألمانية، فإنّ العملية الإرهابية تسببت في مقتل شخصين، وإصابة (25) آخرين. ويمكن القول إنّ العام الماضي شهد حالات مماثلة، مثل حادث دهس بالتزامن مع عيد الميلاد، في ماغديبورغ، وقضى فيه (5) أشخاص وإصابة أكثر من (200) آخرين. وفي أيار (مايو) من العام ذاته نفذ طالب لجوء أفغاني مرفوض حادثة طعن كان من ضحاياها مقتل طفل في الثانية من عمره ورجل في الأربعين. 

ويوضح المركز الأوروبي لدراسة مكافحة الإرهاب والاستخبارات أنّ أوروبا شهدت تحولاً واضحاً في طبيعة التهديدات الإرهابية خلال الأعوام الأخيرة، فقد أصبحت "الذئاب المنفردة" واحدة من أخطر وأصعب الظواهر التي تواجه الأجهزة الأمنية والاستخباراتية. ويرجع صعود هذه الظاهرة إلى عدة عوامل؛ من بينها تطور وسائل الاتصال، وتغيبر استراتيجيات التنظيمات الإرهابية، وتعقيد إجراءات الهجرة، فضلاً عن التحديات التي تواجهها الحكومات الأوروبية في دمج الأقليات والتعامل مع قضايا التطرف.

ويُعدّ الهجوم الإرهابي الذي نفذه أنيس العمري في برلين عام 2016 أحد أبرز الأمثلة على خطورة هذه الظاهرة، حيث نفذ الهجوم بمفرده مستخدماً شاحنة دهس بها عشرات المدنيين. ومنذ ذلك الحين تكررت هجمات مشابهة في فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإسبانيا، ممّا دفع الأجهزة الأمنية إلى إعادة النظر في استراتيجياتها لمكافحة الإرهاب الفردي.

يُعدّ الهجوم الإرهابي الذي نفذه أنيس العمري في برلين عام 2016 أحد أبرز الأمثلة على خطورة ظاهرة الإرهاب الفردي

حوالي 70% من الهجمات الإرهابية التي وقعت في أوروبا خلال الفترة بين عامي 2024 و2025، كانت من تنفيذ أفراد تصرفوا بمفردهم، مقارنة بـ 55% خلال الفترة 2018-2020، وفق المركز الأوروبي. ومن بين هذه الهجمات كانت هناك عدة عمليات دهس وطعن وإطلاق نار نفذها أفراد تأثروا بالدعاية الجهادية عبر الإنترنت، أو كانت لديهم دوافع إيديولوجية يمينية متطرفة.

تضاعفت معدلات الهجمات الإرهابية في الغرب لأول مرة منذ عام 2017، حسبما يوضح مؤشر الإرهاب العالمي الذي يصدره معهد الاقتصاد والسلام الدولي في النسخة الثانية عشرة لعام 2025، وتم توثيق (52) هجوماً العام الماضي، بما يعني زيادة عن عام 2023 وارتفاع المؤشر الذي سجل (32) هجوماً. وفيما نُفذت معظم هذه الهجمات من جماعات مجهولة، يُشير تحليل الجهات المستهدفة منها إلى أنّ 31% من الهجمات الإرهابية التي تشهدها الدول الغربية العام الماضي كانت بدافع معاداة إسرائيل. وقد شهدت (6) دول ممثلة في السويد وأستراليا وفنلندا وهولندا والدنمارك وسويسرا هجمات إرهابية خلال 2024، رغم أنّها لم تسجل أيّ هجمات خلال الأعوام الخمسة السابقة، ممّا يعزز من فرضية اتساع جغرافية النشاط الإرهابي السابق الإشارة إليها، بحسب قراءة المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية.

الإرهاب اليميني

حذّر بروس هوفمان، خبير الإرهاب والأستاذ في جامعة جورج تاون، من تصاعد إرهاب اليمين المتطرف، لافتاً إلى أنّه بلغ ذروته في أوائل الثمانينات، مع تزايد أنشطة الذئاب المنفردة خلال تلك الفترة. وقال بوعز غانور، المدير التنفيذي للمعهد الدولي لمكافحة الإرهاب: إنّ مصطلح "الذئب الوحيد" يشير إلى فرد يتبنّى إيديولوجية متطرفة، ويقرر تنفيذ عمل إرهابي دون تلقي دعم عملي أو توجيه مباشر من منظمة إرهابية، ممّا يزيد من صعوبة تعقبه ومنعه.

خبير الإرهاب والأستاذ في جامعة جورج تاون: بروس هوفمان

إذاً، تسجل العواصم الأوروبية ارتفاعاً في وتيرة الهجمات الإرهابية الفردية التي يقوم بتنفيذها "الذئاب المنفردة"، وتضاعفت الدول التي سجلت هجمات إرهاب عنيفة من (58) دولة إلى (66) دولة في الفترة بين عامي 2023 و2024. ويكشف مؤشر الإرهاب العالمي عن دور هائل للمنصات الافتراضية وشبكات التواصل الاجتماعي في نشر العنف والأفكار المتشددة، حيث إنّ 93% من الهجمات بأوروبا، لم يكن وراءها أفراد على صلة مباشرة وعضوية تنظيمية بالجماعات الإرهابية، وإنّما تبني سياساتهم وأفكارهم المنتشرة في الوسائط الإلكترونية، الأمر الذي يجعل استراتيجيات المواجهة أكثر صعوبة وتعقيداً من الناحية الأمنية، في ظل سهولة الوصول إلى المحتوى الرقمي. 

ويقول مؤشر الإرهاب العالمي في تقريره: "التحول نحو التطرف عبر الإنترنت مكَّن الإرهابيين المحتملين من الوصول إلى المحتوى المتطرف وتنظيم صفوفهم في ظل حد أدنى من الاتصال الجسدي، في حين تعمل خوارزميات المنصات الرقمية على دفع المستخدمين تدريجيّاً نحو محتوى أكثر تطرّفاً". 

في المحصلة، تبدو الهجمات الإرهابية في أوروبا القائمة على "ذئاب منفردة" هي الأكثر خطورة، مقارنة بالخلايا والشبكات التنظيمية للجماعات المصنفة إرهابية. فهذه المجموعات الإرهابية تعتمد على وسائل غير تقليدية، بخلاف الأخيرة، تجعل عملية رصدهم أو تتبع نشاطاتهم ومراقبتها، فضلاً عن توقع عملياتهم، أمراً ليس سهلاً. وتمثل الشبكات الافتراضية والمواقع الإلكترونية ساحة افتراضية للإرهاب الرقمي الذي يتحول إلى حوادث مباغتة في الواقع.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية