تحقيق سويدي يكشف جماعات شيعية تتاجر بـ"زواج المتعة"

تحقيق سويدي يكشف جماعات شيعية تتاجر بـ"زواج المتعة"


17/05/2022

تحقيق استقصائي مدته ساعة تقريباً يبدأ بصوت شيخ يزوّج امرأة لمدة شهرين بمهر 20 ألف كرونة سويدية (الدولار الأمريكي يساوي حوالي 10 كرونة سويدية). يذهب بنا التحقيق إلى بداية القصة امرأة عربية تتصل بشيخ تطلب منه أنّها تريد الزواج لمدة قصيرة مقابل 20 ألف كرونة؛ لأنها بحاجة للنقود لكنها لا تتحمل الزواج لمدة طويلة .. والشيخ يلبّي طلبها.

التحقيق الذي أجراه التلفزيون السويدي "SVT" كشف تورّط عدد كبير من المنظمات الإسلامية الشيعية بالسويد بما أسماها "الدعارة المبطنة" أو "الدعارة باسم الشريعة"؛ حيث يتم استغلال حاجة النساء لجعلهن يوافقن على الزواج لمدة محدودة، قد تتحدد بسنة أو شهر أو أيام أو حتى ساعات، وتتراوح قيمة المبلغ بحسب مدة العقد، وهذا النوع من الزواج يبيحه شرعاً المذهب الشيعي، ويطلق عليه أتباع هذا المذهب "زواج المتعة".

وبينما يؤيده عدد من مشايخ المذهب الشيعي، ويبيحونه، يدينه آخرون ويطلقون عليه اسم "الدعارة باسم الدين".

التقرير السويدي كشف أيضاً أنّ الأئمة المشرفين على هذه الزيجات يتقاضون مبالغ مالية ضخمة مقابل عمليات الزواج هذه.

ظاهرة منتشرة على نطاق واسع

بأسماء وهمية تواصل رجل وامرأة، وهما في الحقيقة من موظفي التلفزيون السويدي، بعدد من الأئمة الشيعة في جميع أنحاء السويد؛ إذ تظاهرت المرأة بأنّها تعاني من ضائقة مالية ولا تستطيع إعالة نفسها، وأنها في حاجة إلى مبلغ 20 ألف كرونة سويدية.

اعتبرت رئيسة الشرطة في مدينة مالمو السويدية، بيترا ستينكولا، ذلك نوعاً من الاتجار بالبشر

وفق التحقيق تحتّم على السيدة التواصل مع 26 ممثلاً دينياً من أصل أكثر من 60 تجمعاً إسلامياً شيعياً في السويد، كي يتمكّن القائمون من معرفة مدى انتشار هذه الظاهرة بالبلاد.

وباتصالها بمركز الإمام علي الإسلامي في منطقة "ييرفيلا"، الذي يعدّ أكبر مسجد شيعي في السويد، أخبرها الإمام هناك بأنّه سيدفع لها عشرين ألف كرونة سويدية مقابل "زواج متعة" لمدة شهرين، تخصم منها تكلفة مراسم الزواج 1500 كرونة.

وفي نهاية التقرير، أبدى 15 ممثلاً للتجمعات الشيعية جاهزيتهم لمساعدة الرجال والنساء المشاركين بالتحقيق في إتمام معاملات زواج المتعة، وهذا للذكور والإناث على حدّ سواء؛ منهم من أبدى استعداده شخصياً للزواج من الموظفة المشاركة بالتحقيق وآخرون توسّطوا لإيجاد رجال لها، بينما قال سبعة إنهم يعرفون الترتيبات لكنهم رفضوا المساعدة.

تحقيق للتلفزيون السويدي يكشف تورّط منظمات شيعية بالسويد بما أسماها "الدعارة المبطنة" أو "الدعارة باسم الشريعة"؛ حيث يتم استغلال حاجة النساء لجعلهن يوافقن على الزواج لمدة محدودة

كذلك قال 4 منهم؛ إنّ هذا الزواج غير مقبول على الإطلاق، وأسماه البعض "دعارة"، وقد أجاب أحدهم طلب السيدة برسالة قائلاً: "مرحباً أختي. ما تريدين القيام به غير قانوني في السويد وغير مقبول في المجتمع وغير قانوني في الإسلام. يحظر بيع جسمك. أعانك الله. للأسف لا أستطيع مساعدتك".

مع الاتصال بالشرطة والقضاء السويدي أكّدوا أنّ زواج المتعة، بحسب قوانين السويد، هو جرم يعاقب عليه القانون، ويجرّم كلّ المتورّطين فيه؛ سواء الذين يدفعون، أو رجال الدين الذين ينظمون العملية، فهم بحسب القانون متورّطون بجرم الترويج لشراء الجنس.

واعتبرت رئيسة الشرطة في مدينة مالمو السويدية، بيترا ستينكولا، ذلك نوعاً من الاتجار بالبشر قائلة: "لو كنت رئيسة التحقيق الأولي، لأعددت تقريراً عن الاتجار بالبشر".

إدانة شيعية

وفي أول تعليق من منظمة رسمية شيعية على الموضوع، أكّد رئيس الطوائف الشيعية في السويد، حيدر إبراهيم؛ أنّ "جميع الجمعيات التي أساءت التصرف تم تجميد عضويتها في الطوائف الإسلامية الشيعية في السويد على الفور. كما تم إيقاف مساهمتهم المالية، وفتح تحقيق داخلي، إضافة إلى منع جميع رجالات الدين الذين أساؤوا التصرف من إلقاء محاضرات أو المشاركة في الجمعيات الإسلامية الشيعية الأعضاء حتى اكتمال التحقيق".

رئيس الطوائف الشيعية في السويد، حيدر إبراهيم: نحن نأخذ الأمر على محمل الجد

وأكد: "نحن نأخذ الأمر على محمل الجد. أولئك المذنبون يجب ألا يبقوا معنا، كما نناقش مع هيئة SST (الهيئة السويدية لدعم المجتمعات الدينية) المنح المالية وما يجب القيام به تجاههم، على الأقل يجب تجميد المنحة لحين نصل إلى نتيجة".

ووفق الإحصائيات الرسمية؛ فقد حصلت المنظمة الجامعة للتجمعات الشيعية الإسلامية في السويد على ما مجموعه أكثر من 14 مليون كرونة سويدية، على شكل منح حكومية ومنح من البلديات في السنوات الثلاث الماضية.

بين مؤيد ومعارض

التقرير لاقى أصداء واسعة في السويد بشكل خاص وأوروبا عموماً، وتراوحت ردود الفعل بين رافضين لهذه الممارسات ومنتقدين للتقرير برمّته، بسبب عرضه المشكلة وصبغها بصبغة الدين والمذاهب الدينية، بينما أبدى نشطاء وسياسيون سويديون، تتقدّمهم زعيمة الحزب المسيحي الديمقراطي، إيبا بوش، غضبهم من هذا التقرير وهذه الممارسات في بلد مثل السويد.

رئيس الطوائف الشيعية في السويد، حيدر إبراهيم: الجمعيات التي أساءت التصرف تم تجميد عضويتها في الطوائف الإسلامية الشيعية على الفور. كما تم إيقاف مساهمتهم المالية، وفتح تحقيق داخلي

وعلقت بوش على التقرير، في منشور على صفحتها في فيسبوك، قائلة إنّه جعلها تشعر بالصدمة والغضب وإنّ ما يجري يعدّ "اتجاراً بالبشر باسم الله"، داعية إلى ضرورة قمع هذه التجارة، وتابعت: "بالطبع، يدرك جميع المعنيين أنّ الأمر لا يتعلق بالزواج الحقيقي، بل تجارة واتجار بالبشر؛ إذ يتم استخدام الدين كغطاء، ويكسب القادة الدينيون المال من خلال تمكينهم من استغلال أجساد النساء"، مؤكدة أنّ هذا الاتجار باسم الله ليس من القيم السويدية.

وأضافت بوش: "لقد قلت من قبل إنه يجب أن تكون قادراً على التمييز بين الممارسات الدينية الجيدة والسيئة، لقد تلقيت بعض الانتقادات بسبب ذلك، لكنني متمسكة بما قلته، هذه ممارسة سيئة للدين".

بدورهم نقد البعض التقرير، من بينهم نشطاء مسلمين سويديين وسياسيون، مثل بيتر الفونس، عضو حزب اليسار، معتبرين أنّ ربط التحقيق  بالدين، وبالمذهب الشيعي تحديداً، أمر خاطئ، مطالبين بمعالجة هذه الممارسات الخاطئة من قبل الأشخاص المعنيين دون التعمّق بالعقائد الدينية، أو ربط الممارسات بالعمق الديني والمذهبي.

زعيمة الحزب المسيحي الديمقراطي، إيبا بوش: أشعر بالصدمة والغضب

أيضاً أكّد المعارضون للتقرير أنّ "زواج المتعة" لا يجوز في الدين، رافضين في الوقت نفسه تعامل التحقيق التلفزيوني مع القضية، متهمين التحقيق بتهويل القصة، مؤكّدين أنّ هذه الظاهرة غير منتشرة، والتجاوزات التي يتم رصدها لا تعكس حقيقة مفهوم زواج المتعة لدى المذهب الشيعي وشروطها، كما أبدى هؤلاء استغرابهم من إثارة قضية كهذه في السويد، البلد الذي تحكمه قيم وقوانين تحمي الحريات بشكل أوسع بكثير من مفهوم زواج المتعة الذي ضجت السويد به، بعد نشر تحقيق التلفزيون السويدي.

كما أكّد هؤلاء أنّ "الممارسات التي نقلها التحقيق السويدي مرفوضة ومدانة من أئمة المذهب الشيعي كونها تجارة خارج مفهومها الشرعي".

التواجد الشيعي في السويد

وفق الإحصائيات الرسمية السويدية لعام 2012؛ يتراوح عدد الشيعة في السويد بين 165 و187 ألف شيعي من دول مختلفة، أبرزها إيران وأفغانستان ولبنان والعراق والهند وباكستان، لكنّ أكبر الجاليات الشيعية في السويد هي الجالية العراقية بالمرتبة الأولى، ثم الإيرانية، وأخيراً اللبنانية.

وسمحت الحكومة السويدية للاجئين الشيعة على أراضيها بإنشاء مراكز وجمعيات وحسينيات، باتت موزعة من شمال السويد حتى جنوبها، وأكثرها تنتشر في العاصمة ستوكهولم والمدن السويدية الكبرى، مثل مالمو؛ إذ إنّ ستوكهولم وحدها تضمّ أكثر من 6 مراكز شيعية، كبيرة وصغيرة، تستقبل المصلين والزوار ولها نشاطات دينية وثقافية وخدماتية.

ولهذه المراكز نشاطات وبرامج تختلف في أبعادها، غير أنّها جميعها تصبّ في اتجاه وهدف واحد هو نشر التشيع.

وأهم المراكز والمؤسسات الشيعية في السويد؛ اتحاد الشيعة في السويد “ISS”، الذي تأسّس عام 1989، ويضمّ 14 جمعية شيعية تقريباً، أبرزها "جمعية الوحدة الإسلامية في ستوكهولم".

كذلك توجد الجمعية الإسلامية الشيعية التي تأسست عام 1986، ومركز الإمام علي الإسلامي (تأسّس عام 1997)، وغيرها الكثير من المؤسسات التي تحصل على تمويل كبير سواء من الحكومة والمنظمات الخيرية السويدية أو من تبرعات الأعضاء.

رابط التحقيق على التلفزيون السويدي: https://www.svtplay.se/uppdrag-granskning


مواضيع ذات صلة:

الخميني وزواج المتعة مع الغرب

المرأة الإيرانية.. حقوق مهدورة بين سلطوية الشاهات وقمع الملالي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية