تجدد مطالب المساواة في الإرث في المغرب.. هل يفعلها البرلمان؟

تجدد مطالب المساواة في الإرث في المغرب.. هل يفعلها البرلمان؟


13/07/2022

يحتدم الجدل بين منظمات حقوقية وقوى سياسية مغربية، بسبب عودة المطلب الخاص بالمساواة بين الجنسين في الإرث، فيما تحاول جمعيات حقوقية مدعومة من مؤسسات حكومية مختصة بالحقوق والحريات فرض المقترح، الذي ترفضه بعض القطاعات في البلاد، في مقدمتها القوى الإسلامية، على طاولة مناقشات البرلمان والحكومة والعمل على تحويله إلى قانون جديد وتعديل "مدونة الأسرة". 

وشهد المغرب مؤخراً حالة من الحراك الحقوقي لدعم تعديلات على قانون الأسرة، أو ما يطلق عليه في البلاد "مدونة الأسرة"، لمعالجة قضية المساواة في الإرث بين الجنسين، اعتماداً على الفصل الـ 19 من الدستور المغربي الذي يقر بالمساواة بين الجنسين.

هل يقبل المغاربة كسر القاعدة؟ 

جمعية النساء المغربيات من أجل البحث والتنمية، قدمت دراسة حديثة مؤخراً، تعد بمثابة مفتاح العودة إلى حالة الجدل بشأن قانون الإرث في البلاد، والدراسة التي جاءت تحت عنوان "نظام الإرث في المغرب.. ما هي آراء المغاربة؟"، قراءة مجتمعية لأسباب المطالبة بالمساواة بين الجنسين، واستطلاع موسع لفئات مختلفة من المغاربة بخصوص تعديل القانون والقبول بفكرة المساواة من عدمه. 

ورغم أنّ الدراسة، التي تم عرضها بجامعة محمد الخامس، بيّنت أنّ غالبية المغاربة ما زالوا يرفضون كسر قاعدة "للذكر مثل حظ الأنثيين"، لاعتبارات دينية، إلا أنّ القوى الحقوقية لم تيأس أمام النتائج واعتبرت أنّ الأمر يجب أن يحتكم للدستور الذي يُقر مبدأ المساواة، ويجري وفق أطر توافقية تراعي المصالح العامة وتمنح للمرأة حقوقاً متكاملة.

شهد المغرب مؤخراً حالة من الحراك الحقوقي لدعم تعديلات على قانون الأسرة

وبحسب موقع "هسبريس" المغربي، خلصت نتائج الدراسة إلى موقفين رئيسيين: الأول؛ هو الموقف المهمين الذي يرفض أي تعديل لمقتضيات مدونة الأسرة المتعلقة بالإرث، ويمثل (44%) من عينة البحث، بينما يؤيد الموقف الثاني تغيير المقتضيات القانونية التمييزية تجاه النساء في الإرث، وفق التعبير الوارد في الدراسة، ويمثل هذا الموقف (36%)، بينما لم يعبّر (20%) عن رأيهم.

بخصوص التصورات السائدة لدى المغاربة حول قواعد الإرث التي تثير جدلاً، عبر (82%) من المستجوبين عن أنهم يؤيدون قاعدة "نصف النصيب للبنت"

وبخصوص التصورات السائدة لدى المغاربة حول قواعد الإرث التي تثير جدلاً، عبر (82%) من المستجوبين عن أنهم يؤيدون قاعدة "نصف النصيب للبنت".

ويعلل المؤيدون لتغيير المقتضيات المتعلقة بنظام الإرث موقفهم بمقتضيات دستور 2011، والتزامات المغرب تجاه المجتمع الدولي، ومرجعية الواقع لا سيما الدور الاقتصادي الذي أصبحت المرأة تلعبه، وفق المصدر ذاته.

دعم حكومي وبرلماني

بشكل سريع لقي المطلب، الذي خلصت إليه الدراسة، دعم برلمانيات ومسؤولات في الحكومة، أبرزهن أمينة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والتي قالت في كلمة ألقتها بعد الانتهاء من عرض الدراسة الخاصة في مؤتمر عام، بجامعة محمد الخامس بالرباط، وتناقلتها عدة مواقع مغربية، إنّ "مدونة الأسرة على الرغم من تكريسها في عديد من مقتضياتها مبدأ المساواة بين الجنسين، فإنّ ذلك لم ينعكس على مقتضيات الكتاب السادس منها المتعلق بالميراث".

وأضافت بوعياش أنّ "هذا الكتاب السادس من مدونة الأسرة لا يزال حاملاً لعديد من مظاهر التمييز وعدم المساواة، ومن صورها نظام التعصيب وأثر اختلاف الدين في الحق في الميراث، وميراث ذوي الأرحام، فضلاً عن القيود المفروضة على الوصية، وهو ما يسهم بشكل قوي في الحد من ولوج الفتيات والنساء إلى الأرض والثروات، وفي جعلهن أكثر عرضة للفقر والهشاشة".

 الباحثة الاجتماعية بيشردان: قضية المساواة في الإرث بين الجنسين في المغرب مُلحّة وتحظى بزخم كبير، ويجب الفصل بين الجزء القانوني والديني 

تقول حسناء بيشرادن، الطالبة الباحثة في الحركات الاجتماعية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، إنّ قضية المساواة في الإرث هي إحدى القضايا المُلحّة في المجتمع المغربي، وتحظى في الوقت الراهن بزخم كبير، وبالرغم من امتداد جذورها إلا أنّ العهد الجديد (عهد محمد السادس)، منذ بداية الألفية الثالثة، شهد تقدماً واضحاً في دعم القضايا الخاصة بالمرأة.

وتشير بيشرادن إلى أنّ هناك بعض الحالات، في الماضي، كانت تستثنى فيها المرأة من الإرث تتعلق بما يسمى أراضي السلاليات، وقد نجحت المرأة المغربية في الحصول على حقها الكامل لوراثة هذه الأراضي حديثاً بحكم القانون. 

وترى بيشرادن في حديثها لـ "حفريات"، أنّ الحركات النسائية، خاصة ذات التوجهات اليسارية، سعت خلال الفترة الماضية لتمكين المرأة المغربية من حقها في الحصول على الإرث، أولاً الجزء الذي كانت محرومة منه سابقاً، ثم تطورت تلك المطالب في الوقت الراهن للحديث بشكل جاد عن مسألة المساواة في الإرث بين الجنسين، وتعزيز المطلب الخاص بتعديل مسودة الأسرة، خاصة في ضوء الدعم من جانب عدد كبير من البرلمانيات.

بيشرادن: الحركات النسائية، خاصة ذات التوجهات اليسارية، سعت خلال الفترة الماضية لتمكين المرأة المغربية من حقها في الحصول على الإرث

وتؤكد الباحثة على أنّ "المطالب الخاصة بالمساواة في الإرث هي مطالب قانونية تتفق مع ما يقره دستور البلاد، لكن بعض القوى الإسلامية التي ترفض المقترح تحاول صبغها بشكل ديني، وهو ما يفرض إشكالية أمام المشرّع لإيجاد مساحة توافق بين المقتضيات التي تفرضها الضرورة الاجتماعية والجانب الديني المتعلق بها".

هل تستجيب الحكومة المغربية لمطلب المساواة في الإرث؟

تتوقع بيشرادن، بحسب المعطيات الراهنة في المشهد المغربي، والدراسات التي تناولت هذا الموضوع، أن يحدث حراك كبير حول الفكرة، وتناول جميع أطروحاتها في ضوء ما تفرضه التطورات الاجتماعية والمسؤوليات الجديدة للمرأة المغربية. 

وترى الباحثة أنّ الأمر يحتاج إلى مزيد من المناقشات في الوقت الراهن والمستقبل، لكن من المرجح اعتماد مقاربة توافقية حول الموضوع المطروح في الوقت الراهن، مشيرة إلى أنّ "المؤسسة الملكية عادة ما تذهب إلى مقاربات توافقية في مثل هذا النوع من القضايا التي تثير جدلاً مجتمعياً منها على سبيل المثال قضية الإجهاض، التي أُثيرت في الماضي القريب وجرى صياغة أطر توافقية بشأنها، بشكل نسبي، وبمشاركة كافة الأطراف برعاية المؤسسة الملكية". 

وترجح بيشرادن أن "يصدر قرار ملكي في الفترة المقبلة بتشكيل لجنة لتلقي كافة المقترحات والمعالجات والتوصل إلى صيغة توافقية بين التيارات المختلفة في موضوع الإرث".

مواضيع ذات صلة:

المساواة في الميراث: هل تؤرق تونس الأزهر؟

المساواة في الميراث بتونس جدل ديني على تخوم الصراع السياسي

برلمانيات مغربيات يطالبن بتعديل نظام الإرث



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية