بين الاعتبار الديني والإنساني... لماذا يهتم الإسلاميون بفلسطين ويتجاهلون السودان؟

بين الاعتبار الديني والإنساني... لماذا يهتم الإسلاميون بفلسطين ويتجاهلون السودان؟

بين الاعتبار الديني والإنساني... لماذا يهتم الإسلاميون بفلسطين ويتجاهلون السودان؟


05/02/2024

تُعدّ الحروب من أكثر الأسباب التي ينتج عنها تداعيات خطيرة على كل المستويات في المجتمع، ومن هذه التداعيات تلك المتعلقة بالأوضاع الإنسانية التي يعيشها أفراد المجتمع الذين تدور الحرب من حولهم، وكم هي الحروب التي قامت لأسباب مختلفة اقتصادية ودينية وسياسية تسببت في أوضاع إنسانية شديدة السوء في وقتنا الحاضر سواء في الشرق أو في الغرب. وقد شهد القرن الـ (21) العديد من الحروب سواء في نطاق العالم الإسلامي أو في غيره، ومن هذه الحروب ما كان يمثل اعتداءً على دولة من جانب دولة أو دول أخرى كما كان الأمر في احتلال أفغانستان والعراق والحرب الإسرائيلية على لبنان والاحتلال المستمر لفلسطين وأخيراً الحرب الروسية الأوكرانية، ومنها ما يمثل حروباً داخلية أو أهلية بين أطراف تنتمي للدولة نفسها، وقد ازداد هذا النمط مع الربيع العربي حيث أدت محاولات تغيير الأنظمة في عدد من الدول إلى احتدام الصراعات الداخلية كما شاهدنا في سوريا وليبيا واليمن والسودان، وكلها خلّفت آثاراً إنسانية خطيرة نتيجة لتلك الصراعات.

ومع بدء الحرب في غزة في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وحدوث تداعيات إنسانية خطيرة نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية الوحشية؛ وجدنا اهتماماً وتعاطفاً وتفاعلاً مع هذه الأحداث والتداعيات، وخاصة من جانب التيار الإسلامي بمختلف مكوناته، وهو اهتمام مستحق لا شك، بشكل يفوق الاهتمام بمثلها في أماكن أخرى كالسودان الذي يشهد هو الآخر  في الوقت نفسه تداعيات إنسانية خطيرة نتيجة الحرب الداخلية التي بدأت قبل حرب غزة؛ الأمر الذي يجعلنا نطرح تساؤلاً حول السبب في تفاوت الاهتمام من جانب الإسلاميين بهذين الحدثين اللذين يقعان في الوقت نفسه، وكل منهما نتج عنه آثار إنسانية خطيرة على المدنيين في كلا البلدين، فما السبب في ذلك، وهل يدل ذلك على أنّ معيار الاهتمام والتضامن لدى الإسلاميين هو اهتمام ديني، وليس إنسانياً؟

هناك وجهة نظر ترى أنّ المعيار الذي يحكم تفاعل الإسلاميين مع مثل تلك القضايا ليس إنسانياً بالدرجة الأولى، ولكنّه ديني وبراغماتي

الإسلاميون وتوظيف القضية الفلسطينية

هناك وجهة نظر ترى أنّ المعيار الذي يحكم تفاعل الإسلاميين مع مثل تلك القضايا ليس إنسانياً بالدرجة الأولى، ولكنّه ديني وبراغماتي، ويرى الدكتور سامح إسماعيل الباحث المصري في العلوم السياسية أنّ المعيار الذي يحكم اهتمام الإسلاميين وتفاعلهم تجاه تلك القضايا هو معيار إيديولوجي، وأنّ الإسلاميين لديهم القدرة على توظيف القضية الفلسطينية بما يخدم أهدافهم ومصالحهم، وهذا سبب من أسباب الاهتمام بها بدرجة كبيرة مقارنة بغيرها، ويقول في تصريح لـ (حفريات): إنّ "القضية الفلسطينية هي أقدم أداة وظيفية استخدمها الإسلاميون وخاصة جماعة الإخوان، وذلك منذ إعلان حسن البنا تكوين كتائب لنصرة فلسطين في حرب 1948، وفيما بعد قامت الجماعة بالإشراف على هيئة الإغاثة الإسلامية التي كانت تقوم بجمع التبرعات لعدد من الشعوب التي تتعرض لأزمات نتيجة الحروب مثل الشعب الفلسطيني والأفغاني، وكان جزء من هذه التبرعات يذهب إلى تلك الأغراض، والجزء الآخر يذهب إلى الجماعة؛ حيث يعاد تدويره واستثماره، وبالتالي كانت القضية الفلسطينية بالنسبة إلى الجماعة، وغيرها من الجماعات، أكثر قضية رابحة يمكن أن تتاجر بها". ويرى أنّ من الأدلة على أنّ معيار الاهتمام من جانب الإسلاميين هو معيار ديني أو إيديولوجي أنّ هناك دولاً أخرى إسلامية كذلك فيها أوضاع إنسانية سيئة نتيجة الحروب، ورغم ذلك لا تجد ذلك الاهتمام والتفاعل، ويقول: "هناك كارثة إنسانية في السودان، وكارثة إنسانية في إدلب حيث هناك أفراد يموتون من البرد والجوع جرّاء اعتداءات النظام السوري، ويزداد الأمر سوءاً هناك بسبب توقف جميع منظمات الإغاثة عن إرسال مساعدات إلى سوريا نتيجة تركيز اهتمامها على غزة"، ويرى كذلك أنّ هذا التفاوت في الاهتمام يعكس"خللاً وظيفياً وخللاً في المعايير الإنسانية، ليس عند المجتمع الدولي فحسب، ولكن عند الإسلاميين أنفسهم، الذين لا يهتمون بالأوضاع الإنسانية المتدهورة في سوريا أو في اليمن على سبيل المثال، الأمر الذي يعكس وجود حالة من حالات الانتقاء الإيديولوجي تحدد أولويات الإسلاميين تجاه تلك القضايا التي يدّعون نصرتها شكلاً، بينما في الحقيقة هناك استفادة سياسية من توظيفها، حيث يتم من خلالها مداعبة مشاعر الجماهير، والحشد والتجييش والتجنيد من أجل العمل على العودة مرة أخرى إلى المشهد السياسي عبر بوابة فلسطين، فالجماعات الإسلامية تختار أقصر الطرق إلى قلوب الجماهير العربية والإسلامية، ويتضح هذا أيضاً من خلال نموذج آخر يتعلق بالجماعة الإسلامية في باكستان، وهي تمثل الذراع السياسية لجماعة الإخوان، حيث نراها تقيم التظاهرات وتجمع التبرعات لغزة، وفي الوقت نفسه لا تبدي اهتماماً بالوضع الإنساني في كشمير، وهي قضية باكستانية صرفة، الأمر الذي يوضح لنا الخلل في المعايير لدى تلك الجماعات".

مركزية القضية الفلسطينية في العقل العربي

على جانب آخر هناك وجهة نظر ترى أنّ ذلك الاهتمام يعود إلى طبيعة القضية الفلسطينية ومركزيتها لدى العقل العربي بشكل عام، ويرى الباحث والكاتب الأستاذ سامح عسكر أنّ هناك أسباباً أخرى تحكم ذلك الاهتمام والتفاعل من جانب الإسلاميين مع الحرب في غزة بشكل يفوق الاهتمام بالحرب السودانية وبالأوضاع الإنسانية المترتبة عليها، ويرى أنّ الجانب الإيديولوجي ليس هو المعيار المتحكم في ذلك، ولكن طبيعة القضية الفلسطينية التي تمثل قضية مركزية، ليس فقط بالنسبة إلى الإسلاميين ولكن للشعوب العربية والإسلامية بمختلف أطيافها الدينية والفكرية والعرقية بشكل عام، ويقول في تصريح لـ (حفريات): إنّ "قضية فلسطين مركزية عند جماعات الإسلام السياسي وعند مجتمعات الشرق الأوسط بشكل عام، واهتمام الإسلاميين بالحرب في غزة ليس مرتبطاً بحماس، فلو أنّ الطرف المحارب لإسرائيل كان منتمياً لأيّ تيار أو فصيل آخر، سواء كان إسلامياً أو غير إسلامي، لكان اهتمام الإسلاميين بالقدر نفسه، فعلى الرغم من أنّ الإسلاميين لهم توجهات وانتماءات إيديولوجية تجعلهم يميلون وينحازون ويتعصبون لأحزابهم وتنظيماتهم؛ إلا أنّهم في الأخير يمثلون جزءاً من العقل العربي، يتأثرون به ويميلون إلى ما يميل إليه، وهم يشتركون مع التيارات العلمانية واليسارية في نظرتهم إلى الصراع مع إسرائيل، ودليل على ذلك عدم اهتمام الإسلاميين بما يحدث في إدلب، على الرغم من حجم الاعتداءات هناك، وعلى الرغم من أنّ الطرف المقاتل هناك إسلامي، لكنّ مركزية القضية الفلسطينية هي السبب في الفارق في الاهتمام بين الأمرين، يضاف إلى ذلك أنّ غموض الوضع في السودان يؤثر على درجة الاهتمام بأحداثها وتداعياتها".

المعيار الأساسي لدى الإسلاميين هو معيار الطرف المعتدي، فإذا كان غير مسلم كان التعاطف والاهتمام من جانبهم ضرورياً وكبيراً

وعلى الرغم من أهمية فكرة مركزية القضية الفلسطينية لدى العقل العربي عموماً ولدى تيارات الإسلام السياسي خصوصاً باعتبارها من زاوية نظرهم قضية دينية، ودور هذه الفكرة في حيازة الحرب في غزة وتداعياتها الإنسانية على المساحة الكبرى من اهتمام الإسلاميين بها بصورة أكبر من غيرها؛ إلا أنّه في الوقت نفسه هناك عدد من الشواهد الأخرى، من وجهة نظرنا، تدل على أنّ تفاعل الإسلاميين مع مثل هذه القضايا يتم في الأساس من منطلق ديني وليس إنسانياً، وأنّ المعيار الإيديولوجي هو الحاكم لموقف الإسلاميين وتفاعلهم وتعاطفهم معها، حيث نجد أنّ تعاطف الإسلاميين وتفاعلهم مع مثل تلك القضايا ومع التداعيات والأوضاع الإنسانية الناتجة عن الحروب والصراعات المسلحة تتحدد حسب طبيعة أطراف الصراع، فمن حيث الطرف المعتدي يكون التعاطف والاهتمام أكبر إذا كان المعتدي غير مسلم، كحالة احتلال أمريكا لأفغانستان أو العراق، أو احتلال الاتحاد السوفييتي لأفغانستان أو الشيشان، أو حالة سوريا حيث نظام الأسد لا ينتمي للطائفة السنّية، ففي هذه الحالة يتم التفاعل بصورة كبيرة وتناول الأمر من زاوية الحرب على الإسلام، وهي السردية التي يرغب دائماً الإسلاميون في ترسيخها لأنّها تمثل المبرر لوجودهم والأساس الذي يقوم عليه مشروعهم، أمّا من حيث الطرف المعتدى عليه، فإنّ تعاطف الإسلاميين وتضامنهم يتوفر في حالة أن يكون المعتدى عليه مسلماً، ولذلك لا نجد تعاطفاً من جانب الإسلاميين إذا كان المعتدى عليه غير مسلم، وإن كان يتعرض لاعتداءات ينتج عنها أوضاع إنسانية صعبة، مثال ذلك الموقف من الحرب الأوكرانية حيث لم نجد تعاطفاً لضحايا الحرب والاعتداءات الروسية في أوكرانيا، مقارنة مثلاً بتضامن وتعاطف بعض الشعوب الغربية مع ضحايا الحرب في غزة على الرغم من اختلاف الدين.

تعاطف الإسلاميين وتفاعلهم مع مثل تلك القضايا ومع التداعيات والأوضاع الإنسانية الناتجة عن الحروب والصراعات المسلحة تتحدد حسب طبيعة أطراف الصراع

وعلى ذلك فالمعيار الأساسي لدى الإسلاميين هو معيار الطرف المعتدي، فإذا كان غير مسلم كان التعاطف والاهتمام من جانبهم ضرورياً وكبيراً، أمّا إذا كان الطرفان مسلمين، فإنّ درجة التعاطف حينها تختلف حسب عدد من الاعتبارات الأخرى، أمّا إذا كان المعتدى عليه غير مسلم، فلا تكون القضية الإنسانية محل اهتمام من جانب الإسلاميين مطلقاً، وبذلك يتضح أنّ معيار الاهتمام والتضامن لدى الإسلاميين يكون دينياً بالدرجة الأولى وليس إنسانياً.

مواضيع ذات صلة:

جماعة الإخوان تمنع قائد الجيش السوداني من وقف الحرب، كيف يحدث ذلك؟

ظهور حميدتي... إحباط كبير وسط الإخوان وخطاب "عدمي" للبرهان

الدعم الإنساني الإماراتي للسودان وعرقلة الإخوان عمليات الإغاثة

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية