
عندما تتحكم التكنولوجيا في أدق تفاصيل حياتنا، حينها تصبح الصورة سوداوية، هكذا يراها صنّاع مسلسل Black Mirror، الذي استقبل جمهوره الموسم السابع من المسلسل في الأيام الماضية.
في دراما Black Mirror مع غياب المشاعر الإنسانية، وتحكم التكنولوجيا في كل شيء، نرى مسوخًا من البشر والحياة تضع دراما الرعب الكلاسيكية في مرتبة خوف أقل.
(7) مواسم من العمل كانت الأكثر متابعة من قبل المشاهدين، والأكثر تأثيراً عليهم أيضًا، حتى أنّ قتامة الحلقات في المواسم الأولى تسببت في عزوف البعض عن استكمال المتابعة، ممّا دفع صناع العمل إلى التخفيف من تلك السوداوية المفرطة، وإعطاء بعض الأمل في المواسم اللاحقة.
السؤال المهمّ الذي يطرحه العمل هو: هل بالفعل سوف نعيش في المستقبل ذلك العالم الذي تتحكم فيه الآلة في تفاصيل عالمنا، وتتراجع المشاعر الإنسانية الطبيعية لصالح جمود التكنولوجيا؟
رعب ما بعد الحداثة
الناقد الفني رامي المتولي يرى أنّه منذ الظهور الأوّل لمسلسل Black Mirror على شاشة التليفزيون البريطاني وهو يفرض الاختلاف بالضرورة، مشيراً في تصريح لـ (حفريات) إلى أنّه على مدار موسمين: عام 2011 الأوّل، والثاني عام 2013، وهما إنتاج بريطاني، شكلت حلقاتهما الـ (6) محتوى مخيفًا ومرعبًا، مضيفاً: "إذا كان هناك رعب قوطي يعتمد على القصور والقلاع المهجورة التي تسكنها شخصيات خارقة أسطورية، وهناك رعب حديث يعتمد على شر الإنسان، كالقتلة المتسلسلين والمهرجين والسياسيين، مع استغلال مختلف للظواهر الخارقة للطبيعة، فرعب ما بعد الحداثة بالتأكيد يضع نصب عينيه المستقبل بشكل شديد الظلمة، والسبب هو التكنولوجيا، وأحد أكبر نتائجها، وهي وسائل التواصل الاجتماعي".
فى شكل حلقات منفصلة ترتبط بعضها ببعض عن طريق خيط دقيق تتحول التكنولوجيا لتكون الرعب الأكبر، ويظهر لنا المسلسل الأكثر إثارة للرعب فى العقد الثاني من الألفية الثالثة تأثير التكنولوجيا تحت مظلة كتابة مفتاحها "ماذا لو؟".
يوضح رامي المتولي: "منذ محتوى الحلقة الأولى الصادم حتى الحلقة السادسة تكون التكنولوجيا محفزًا ووسيلةً تضاعف شرّ البشر، بإمكانيات إنتاجية بسيطة وأفكار تضيق الخناق على المشاهد بمنحه تصورًا مظلمًا للمستقبل في ظل التطور المستمر للتكنولوجيا، وانتشر المسلسل من بريطانيا إلى العالم وجذب أنظار Netflix لتقرر المنصة أن تستكمل إنتاجه للعرض من خلال الإنترنت وليس التليفزيون".
يشير المتولي إلى أنّ المرآة السوداء هي شاشة هاتفك المحمول السوداء، أو أيّ شاشة تعتمد على تكنولوجيا ذكاء اصطناعي، موضحاً: "على المستوى نفسه والوتيرة نفسها قدّمت المنصة الأشهر عبر الإنترنت (3) مواسم أخرى بواقع (15) حلقة، ويمكن القول إنّ المسلسل على المستوى البصري استفاد من الإنتاج الأمريكي وتحسّن شكلياً، لكن على مستوى الأفكار تراجعت الجودة بشكل قليل، فالحلقات الجديدة لم تكن على مستوى الإنتاج البريطاني نفسه، لكنّ Netflix خلدت عنوان المسلسل عندما صنعت فيلماً يعتمد على المسلسل لكنّه فيلم تفاعلي يشترط أن يقرر المشاهد مصير البطل مخلفًا مئات التفصيلات بعشرات النهايات التي سيصل إليها المشاهد في طفرة ربما تكون ملهمة في صناعة الأفلام والمسلسلات وشكل تقديمها عبر المنصات والإنترنت".
الذكاء الاصطناعي يحكم العالم
أستاذ علوم الكمبيوتر بجامعة نيويورك، دكتور محمد زهران، قال في تصريح لـ (حفريات): "العالم الآن لا يتحدث إلّا عن الذكاء الاصطناعي، وكيف سيحسن الكثير من مناحي الحياة، لكن مع هذه الأحاسيس المتفائلة هناك بعض الأصوات التي تخاف من المستقبل؛ في ظل تلك التكنولوجيا التي لم نصل بعد إلى الفهم الكامل لها، تلك الأصوات التي تخاف من سيطرة الذكاء الاصطناعي على البشر وخروج هذه التكنولوجيا عن السيطرة، هل مخاوفها مبررة؟".
يجيب زهران: "الذكاء الاصطناعي تكنولوجيا نستطيع استخدامها في الكثير من مجالات الحياة، وتستطيع أن تجعل الحياة أسهل، فهي مثلاً نستطيع من خلالها قيادة السيارات، واختيار أفلام توافق ذوقك، واقتراح علاج لك عندما تمرض، بل نستطيع من خلال الذكاء الاصطناعي تأليف مقطوعة موسيقية أو رسم لوحة فنية، أين الخطر إذًا؟".
ويوضح زهران: "الخطر يأتي من شيئين: أن نأخذ اقتراحات الذكاء الاصطناعي كأمر صحيح مُسلّم به في كل الأحوال؛ فمثلاً عندما يشخص الكمبيوتر مرضًا ويقترح علاجه، يجب ألّا نعتبر ذلك العلاج وذلك التشخيص صحيحًا دائمًا، بل يجب أن تكون هناك مراجعة بشرية، والشيء الثاني: هو استخدام تلك التكنولوجيا في كل شيء، وإعطاء زمام المبادرة لها في كلّ شيء، فمثلًا: ماذا لو استطاعات تكنولوجيا النانو تصنيع أجهزة روبوت مجهرية يتمّ حقنها في الجسم البشري وتوجيهها لعلاج مرض ما؟ هذا شيء جيد، لكن ماذا لو أعطينا تلك الروبوتات المجهرية دورًا أكبر وجعلها تظلّ في الجسم البشري طوال الوقت تراقب عمل الجسم وتتخذ إجراءات احترازية ليظلّ الجسم البشري بصحة جيدة؟ من نظرة سريعة نجد أنّ ذلك شيء ممتاز، ولكن ماذا لو كانت هناك سيدة حامل ووجدت تلك الروبوتات احتمال أن يولد الجنين ضعيفًا ومريضًا، واتخذت قراراً بدون الرجوع إلى الأهل بقتل الجنين؟ هذا سيناريو مخيف، هو مخيف لأننا أعطينا الذكاء الاصطناعي أدوارًا أكثر ممّا يجب، فأجهزة الكمبيوتر لا مشاعر لها، لذلك حبّ السيطرة والتملك ليس السبب في خوفنا من تلك التكنولوجيا، ولكن استخدامنا لها هو السبب".
العديد من المخاوف يفرضها علينا صنّاع مسلسل Black Mirror، مخاوف من المستقبل القريب جدًا الذي تتحكم فيه التكنولوجيا، مخاوف من الذكاء الاصطناعي، مخاوف من أن نفقد حياتنا ذات الطبيعة الإنسانية، ونعطي السيطرة إلى آلة من دون شعور، كي تتحكم في مسارات حياتنا.