يعرَّف "الإرهاب الإلكتروني" بأنّه: "استخدام التقنيات الرقمية لإخافة وإخضاع الآخرين، أو القيام بمهاجمة نظم المعلومات على خلفية دوافع سياسية أو عرقية أو دينية"، ويعدّ الأمريكي (بول كولينز) أول من صاغ هذا المفهوم.
ومنذ بداية الألفية الثانية، لم يعد شيء يثير الذعر لدى الأجهزة الأمنية والاستخبارية، وأجهزة مكافحة الإرهاب في العالم، خاصّة في الغرب وأمريكا، تحديداً أكثر من الرعب والخوف من "الإرهاب الإلكتروني"، ومرادفاته (الشبكي أو السيبيري).
وإذا كان هناك من اتجاه في ظاهرة الإرهاب يمكن أن يكون محتمل الحدوث والزيادة، فإنّ الإرهاب الإلكتروني هو على رأس هذه الاحتمالات وأكثرها كارثية.
ولعلّه من المفيد عالمياً، أنّ هذا النوع من الإرهاب لا يزال، حتى الآن، يأخذ شكل "إرهاب الدولة"، ولم يصل، أو يتجذّر، كأسلوب في تنفيذ الإرهاب بيد الأطراف الفاعلة من غير الدول مثل؛ الجماعات والمنظمات الإرهابية. كما أنّ ما يرتكب من قبل أفراد أو مجموعات صغيرة من الأفراد "عصابات"، وهم ينتشرون في كثيرٍ من الدول، يتركز حتى الآن في عمليات الغشّ والاحتيال، وتبييض الأموال عبر ما يعرف بالشبكة السوداء.
لم يعد شيء يثير الذعر لدى أجهزة مكافحة الإرهاب في العالم أكثر من الرعب والخوف من الإرهاب الإلكتروني
ولذلك، بدأ هذا النوع من الإرهاب يحظى بدراسة واهتمام من قبل الأجهزة الأمنية والاستخبارية في العالم، كما أخذ يحظى باهتمام الباحثين والخبراء والأكاديميين المهتمين بظاهرة الإرهاب، خاصة أنّ هذا النوع من الإرهاب لا تقتصر آثاره الكارثية فقط على الخسائر في الأرواح؛ بل في خسائره الاقتصادية والسياسية، والاجتماعية، والثقافية. وبغضّ النظر أكانت الدولة صغيرة أو كبيرة، قوية أو ضعيفة.
وتعدّ الصين الشعبية، وروسيا الاتحادية، وكوريا الشمالية من أكثر الدول المتهمة بممارسة هذا الإرهاب، ولعلّ أهم مثال على إرهاب الدولة الإلكتروني، هو تجسّس الروس على الانتخابات الأمريكية التي فاز بها دونالد ترامب، ولا تزال تلقي بظلالها على العلاقات الأمريكية الروسية وتثير جدلاً داخلياً في أمريكا.
يمكن القول إنّ هذا النوع من الإرهاب العالمي؛ هو الأكثر تمثيلاً وتجسيداً وتعبيراً عن العولمة، ويشكّل هذا النوع، أو هذا الرأس الهيدري المتوحّش (نسبة إلى الوحش الأسطوري في الميثولوجيا الإغريقية هيدرا)، أحدث وأخطر أنواع الإرهاب فتكاً بالأطراف الفاعلة من الدول، نظراً إلى كثافة استخدامه آليات العولمة التكنولوجية المختلفة، ومن أحدثها شبكة وسائل التواصل الاجتماعي، والاستخدام الإستراتيجي للتحفيز البصري، وصور العنف الرهيبة، ومصفوفة طويلة من المتطفلين الشبكيين (والهاكرز)، ودون الخوض بالتفصيل في هذا النوع، تكفي الإشارة هنا إلى الكارثة الاستخبارية التي تسبّب بها (جوليان بول أسانج)، مؤسّس موقع (ويكليكس) للمجمع الاستخباري (الأمريكي)، والعالمي بشكل عام، بتسريبه آلاف الوثاق السرية لوسائل الإعلام بالتعاون مع الجندي الأمريكي، برادلي ميننغ، عام 2010، ثمّ الهلع الذي أصاب العالم الغربي بعد تسريبات المحلل الاستخباراتي الأمريكي، إدوارد سنودن، أواخر 2013.
ما يرتكب من قبل أفراد أو مجموعات صغيرة وهم ينتشرون في كثيرٍ من الدول يتركز في عمليات تبييض الأموال
ولذلك ليس من المستغرب، حساسية وخوف الساسة الأمريكان أـكثر من غيرهم من خطورة هذا النوع من الإرهاب، فقد كان الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، قبل عقدين من الزمن، عام 1996، قد قام بتشكيل "لجنة حماية منشآت البنية التحتية الحساسة".
وكان الاستنتاج الأول لهذه الهيئة؛ هو أنّ مصادر الطاقة الكهربائية والاتصالات، إضافة إلى شبكات الكمبيوتر، ضرورية بشكل قاطع لنجاة أمريكا من هجوم مماثل، وبما أنّ هذه المنشآت تعتمد بشكل كبير على المعلومات الرقمية، فإنّها ستكون الهدف الأول لأية هجمات إرهابية تستهدف أمنها.
وفي أعقاب ذلك، قامت كافة الوكالات الحكومية بإنشاء هيئاتها ومراكزها الخاصة، للتعامل مع احتمالات الإرهاب الإلكتروني؛ فقامت وكالة المخابرات المركزية بإنشاء مركز حروب المعلوماتية، ووظّفت ألفاً من خبراء أمن المعلومات، وقوة ضاربة على مدى 24 ساعة لمواجهة الإرهاب الإلكتروني.
وقد بدأ هذا الخوف والتحذير الجدّي من خطر هذا الإرهاب، عقب هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، وحرب أمريكا على الإرهاب، وشعور الساسة والخبراء الأمريكان بأنّ مصالحهم في العالم أصبحت مستهدفة أكثر؛ حيث يخشى الخبراء الأمريكان أن يأخذ أيّ هجوم إرهابي إلكتروني في المستقبل، على أمريكا، أبعاداً أكثر خطورة، بحيث يصيب شبكات حيوية رئيسة بالشّلل، خصوصاً إذا ترافق مع هجوم أكثر كلاسيكية.
هاريس ميلر، المسؤول في جمعية تكنولوجيا المعلومات الأمريكية: العدد المتزايد للهجمات المعلوماتية، يؤكّد هشاشة وضع الولايات المتحدة
فقد ذكر مايكل فاتيس، المدير السابق لوحدة الجريمة عبر المعلوماتية في الشرطة الفدرالية، أنّ إمكانية شنّ هجمات عبر الإنترنت ضدّ الشبكات المعلوماتية للولايات المتحدة وحلفائها، تشكل فرضية قوية، وأنَّه ثمة خطر شنّ هجوم معلوماتي يتسبَّب بأضرار كبرى، وأنّ شنّ هجوم من هذا النوع قد يضعف، إلى حدّ كبير، الشبكات المعلوماتية للولايات المتحدة وحلفائها.
وأوضح هاريس ميلر، المسؤول في جمعية تكنولوجيا المعلومات الأمريكية، أنّ العدد المتزايد للهجمات المعلوماتية، يؤكّد هشاشة وضع الولايات المتحدة، وقال: إنّ "الإرهابيين يستطيعون أن يستعملوا البنى المعلوماتية ضدّنا، عبر شلّ شبكاتنا، وإثارة خلل في العمليات في شكل مباشر، والتسبِّب بأضرار للشبكات والأفراد".
وعدّ السيناتور الأمريكي روبرت بينيت، أنّ هذه الهجمات يمكن أن تتزامن مع هجمات أكثر أهمية، "لإحداث أقصى درجات الخوف والترهيب، و"في حال تنفيذ هجوم على أهداف ملموسة، ستكون الأضرار أكبر، إذا ترافق مع هجوم ثانٍ ضدّ الأجهزة المعلوماتية التي تتولّى تنسيق عملية الردّ على هذه الكارثة"، وأضاف: "سيحصل تدمير، كما أنّنا لا نستطيع أن نقوم بأيّ شيء للرد على الهجوم؛ لأنّ شبكاتنا المعلوماتية ستكون مشلولة".
وذكر دوين أندرو، المسؤول السابق في البنتاغون، أنّ مستوى التحضير لمكافحة هذا النوع من الهجمات في الولايات المتحدة "سيئ"، وعدّ وليام وولف، رئيس الأكاديمية الوطنية للهندسة الأمريكية، أنّ ضمان أمن الشبكات يستند إلى تقنية "جدار النار" (تقنية لحماية النظام المعلوماتي)، وهي غير فاعلة، وقال في جلسة استماع أمام الكونغرس الأمريكيّ: إنّ "الأمن المعلوماتي الفعلي يجب أن يشمل ردّاً ناشطاً، ونوعاً من الترهيب، وثمناً يدفعه المعتدي، إلى جانب الدفاع الذاتي".
دوين أندرو، المسؤول السابق في البنتاغون: مستوى التحضير لمكافحة هذا النوع من الهجمات في الولايات المتحدة "سيئ"
ولقد شهدت أمريكا أوّل حادثة موثقة لعملية "إرهاب الإلكتروني"، عندما قامت وزارة العدل الأمريكية، عام 2016، بالتنسيق مع الحكومة الماليزية، باعتقال وترحيل، ثم اتّهام المدعو "أردت فاريزي"، من أصولٍ كوسوفيه، وعمره 20 عاماً، بالدخول (تهكير)على معلومات مهمة لوزارة الدفاع والحكومة الأمريكية، لأكثر من 1351 موظفاً حكومياً، وبيع هذه المعلومات لتنظيم داعش في عملية عرفت في وسائل الإعلام باسم "لائحة القتل"، والحكم عليه بالسجن لمدة 20 عاماً.
تجدر الإشارة إلى أنّ الساحة الأردنية شهدت أوّل حادثة من هذا النوع، عندما نظرت محكمة أمن الدولة الأردنية، في 13 شباط (فبراير) 2005، وللمرة الأولى، في قضية المتهم مراد خالد العصيدة، البالغ من العمر 18 عاماً، عندما قام بإرسال عدة رسائل تهديد لدائرة المخابرات الأردنية، للقيام بعمليات، وادّعاء تحضير سلسلة من الهجمات الإرهابية على بعض المصالح في عمان، باستخدام خدمة (الإنترنت) في أحد المقاهي المخصصة لذلك في مدينة الزرقاء.