بعد حظر الغنوشي من السفر.. هل يطيح ملف "الجهاز السري" بحركة النهضة الإخوانية؟

بعد حظر الغنوشي من السفر.. هل يطيح ملف "الجهاز السري" بحركة النهضة الإخوانية؟


01/06/2022

ما أن أصدر قاضٍ تونسي، يوم الجمعة الماضي، حظراً على السفر بحق عدة أشخاص بينهم زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، حتى عاد للواجهة الحديث عن "الجهاز السري" للحركة الإخوانية.

وكانت وكالة "رويترز" للأنباء أعلنت يوم 27 أيّار (مايو) الجاري، نقلاً عن مسؤول قضائي تونسي، قالت إنّه خصّها بتصريحات قال فيها: إنّ قاضيا تونسياً أصدر حظراً على السفر، الجمعة، بحق عدة أشخاص بينهم زعيم حزب النهضة الإسلامي راشد الغنوشي.

بدوره، أكد موقع "دويتشه فيله"، الأخبار المتداولة بشأن منع الغنوشي من السفر، مستشهداً بتصريحات المتحدثة باسم محكمة ولاية أريانة فاطمة بوقطاية لوكالة "فرانس برس"، التي قالت فيها إنّ قاضي التحقيق أصدر "قراراً يقضي بتحجير السفر على جميع المتهمين المشمولين بالتتبع، في قضية ما يُعرف بالجهاز السري"، وأضافت: "يتهم في القضية (34) شخصاً، من بينهم راشد الغنوشي".

وكانت أحزاب تنتمي إلى اليسار التونسي قد اتهمت حركة النهضة بإنشاء وإدارة جهاز سري، قامت من خلاله بتنفيذ مخططات التمكين، واختراق مؤسسات الدولة، وتنفيذ مجموعة من الاغتيالات السياسية، أبرزها اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهيمي؛ ممّا دفع السلطات القضائية إلى فتح تحقيق في هذا الملف في كانون الثاني (يناير) الماضي.

الشهيدان شكري بلعيد ومحمد البراهيمي

المحامي التونسي المختص بالقانون الدولي حازم القصوري خصّ "حفريات" بتصريحات قال فيها: إنّ منع الغنوشي من السفر أمر سليم تماماً من الناحية القانونية والإجرائية، وهو قرار يأتي في صميم التصحيح وردّ الاعتبار؛ من أجل الكشف عن حقيقة ملف الاغتيالات السياسية التي دبّرتها الأذرع الإخوانية المسلحة، حيث وجّه القصوري في تصريحاته اتهاماً صريحاً لنائب رئيس النهضة ووزير العدل السابق، نور الدين البحيري، وصهره البشير العكرمي، لافتاً إلى أنّ فتح ملف الجهاز السري "خطوة مهمة نحو تفكيك شبكة العنف الإخواني التي وظفتها حركة النهضة في الداخل والخارج".

 القصوري طالب بما سمّاه وقف "مهزلة إفلات الإخوان من المحاسبة، وتطبيق مبدأ علوية القانون، ورفض التدخلات التي تمارسها بعض الدول الحامية للإخوان"، قائلاً: إنّ "تونس بلد سيّد قراره، وأيّ تدخلات خارجية، سوف تنسف الروابط التاريخية مع هذه الدول".

وأكّد المحامي التونسي أنّ قيام الحركة بحمل السلاح سابق على وصولها إلى السلطة، وأنّها وظفت ميليشياتها في الداخل، وجندت المرتزقة لخدمة الأجندة التركية في ليبيا وسوريا، وأنّ ملف التجنيد لا يقلّ أهمية عن ملف الجهاز السري.

نفي حذر من حركة النهضة

من جانبها، حاولت حركة النهضة التقليل من شأن القرار؛ حيث نفى راشد الغنوشي في اتصال مع وكالة "رويترز" للأنباء علمه بحظر السفر، وقال ماهر المذيوب، المكلف بالإعلام في مكتب رئاسة البرلمان المنحل: "إنّ راشد الغنوشي حر طليق، ولا يخطط حالياً للسفر، إلّا بعد سقوط الانقلاب". وأضاف: "الحركة لم تُبلغ حتى الآن بأيّ قرار يقضي بمنع الغنوشي من السفر"، وفقاً لتصريحات أوردتها وكالة الأنباء الألمانية.

حازم القصوري: منع الغنوشي من السفر أمر سليم تماماً من الناحية القانونية والإجرائية، وهو قرار يأتي في صميم التصحيح وردّ الاعتبارللكشف عن حقيقة ملف الاغتيالات السياسية التي دبرتها الأذرع الإخوانية المسلحة

ويبدو هنا أنّ المذيوب يحاول فرض شرعية غير موجودة، حيث أصرّ على تعريف الغنوشي بأنّه رئيس مجلس نواب الشعب بالجمهورية التونسية، رغم حلّ البرلمان رسمياً، ومضى يؤكد أنّ زعيم حركة النهضة "لم يقع الاستماع له ولا لمحاميه، ولم يُبلّغ بأيّ قرار من أيّ جهة"، لكنّه لم ينفِ صدور القرار القضائي.

بدوره، نفى القيادي بحركة النهضة رياض الشعيبي ما تواتر من أنباء حول خبر منع الغنوشي من السفر، مستشهداً بالمحامية والنائبة السابقة عن النهضة سناء المرسني التي قالت: إنّ "قاضي التحقيق لم يصدر أيّ بيان رسمي، ولا حتى في الصفحة الرسمية للمحكمة، حول تحجير السفر على رئيس الحركة، ولا يمكن الاعتماد على مجرّد تصريح من الناطقة الرسمية باسم النيابة العمومية لمعرفة حقيقة صدور القرار وطبيعته".

المذيوب يحاول فرض شرعية غير موجودة، حيث أصرّ على تعريف الغنوشي بأنّه رئيس مجلس نواب الشعب بالجمهورية التونسية

سناء المرسني نفت إحالة الغنوشي للتحقيق من الأساس في قضية الجهاز السري، في محاولة منها لنفي منعه من السفر، زاعمة أنّ ذلك يُعدّ خرقاً للإجراءات القانونية، لكنّها لم تنفِ بدورها صدور القرار، حيث استطردت قائلة: "إن حصل حجر، فربما يكون إجراءً احترازياً، ونحن ننتظر أن يصدر قرار رسمي لمعرفة الوضع"، لافتة إلى أنّ الغنوشي "لم يغادر التراب التونسي منذ فترة، ولا ينوي مغادرته في الفترة القادمة".

توظيف التناقضات لصالح الحركة

مكتب الإعلام والاتصال بحركة النهضة نشر بياناً مطولاً قال فيه: إنّه على خلفية تداول عدد من وسائل الإعلام خبر تحجير السفر عن راشد الغنوشي، الذي أصر البيان على وصفه بـ "رئيس مجلس نواب الشعب"، فإنّ الحركة توضح أنّ الغنوشي لم يتلقّ "أيّ إعلام بصدور مثل هذا القرار في حقه". ونوّه البيان إلى أنّ الغنوشي "لا ينوي السفر إلى الخارج، رغم ما تلقاه من دعوات كثيرة للمشاركة في أكثر من تظاهرة دولية، منها منتدى دافوس، بصفته رئيساً للبرلمان".

 

سناء المرسني نفت إحالة الغنوشي للتحقيق من الأساس في قضية الجهاز السري، في محاولة منها لنفي منعه من السفر، زاعمة أنّ ذلك يُعدّ خرقاً للإجراءات القانونية

 

بيان حركة النهضة اتهم أطرافاً لم يسمّها، بالقيام بـ "عملية ممنهجة لإلهاء الرأي العام وصرفه عن الاهتمام بالمشاغل الحقيقية، وواقع الأزمة السياسية والاقتصادية". وزعمت الحركة أنّ إجراءات الرئيس قيس سعيّد، التي وصفتها بالانقلاب، هي التي تسببت في انهيار الوضع الاقتصادي، والاحتقان الاجتماعي، في محاولة للتنصل كعادتها من المسؤولية عن الانسداد السياسي، وكافة الأزمات التي فجّرتها الحركة الإخوانية، طيلة العشرية التي هيمنت فيها على السلطة.

حركة النهضة ادّعت أنّ الأمر لا يعدو مجرد محاولة "للتغطية على عجز سلطة الانقلاب (حسب مزاعمها) عن تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين والمواطنات، وإثقال كاهلهم بالزيادات في الأسعار والضرائب المجحفة".

في النهاية، حاولت الحركة من خلال بيانها استمالة المؤسسة القضائية، بداعي أنّ الغنوشي يبقى على ذمة القضاء، الذي وصفته بـ "العادل والمستقل في كلّ وقت وحين"، وزعمت أنّ "ملف الجهاز السري مُركّب ومُلفق"، وحذّرت "من الضغوط المتواصلة على الجهاز القضائي من طرف قيس سعيّد".

وكالعادة، فإنّ حركة النهضة تحاول توظيف كافة التناقضات؛ من أجل تعطيل إحالة الغنوشي للمحاكمة، والتأكيد على نفي تلقيه إشعاراً بالمنع من السفر، وبدوره حاول الغنوشي التغطية على القرار بتكثيف نشاطه التنظيمي، حيث التقى يوم 27 أيّار (مايو) الجاري وفداً من شبكة (20/20) الأمريكية، للحديث عن الوضع السياسي والاقتصادي في تونس، وآفاق الاستثمار وسبل تطوير الشراكة الاقتصادية بين البلدين، بحسب ما قالت الحركة، تعليقاً على اللقاء، والتقى الغنوشي في اليوم نفسه، أحمد نجيب الشابي رئيس جبهة الخلاص، وعشية السبت 28 أيّار (مايو) الجاري أشرف الغنوشي على لقاء مع أعضاء الهياكل الجهوية لحركة النهضة بالقيروان، وقالت الحركة: إنّ اللقاء خُصص للاطلاع على آخر المستجدات على المستوى الجهوي والوطني والإقليمي.

مواضيع ذات صلة:

راشد الغنوشي تحت مقصلة الشعب التونسي

تونس: الغنوشي انتهى سياسياً فهل تختفي "النهضة"؟

اعترافات الغنوشي: إعلان هزيمة أم خداع سياسي؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية