
يمثل القرار الأخير الذي اتخذته الحكومة الفرنسية بإجراء تحقيق بشأن جماعة الإخوان المسلمين نقطة تحول مهمّة في تعاملها مع التطرف. وتأتي هذه الخطوة وسط مخاوف متزايدة بشأن التهديد المحتمل الذي تشكله الجماعة على القيم الأساسية للجمهورية الفرنسية وتماسكها الاجتماعي.
ويأتي ذلك في أعقاب سلسلة من الإجراءات القوية التي اتخذتها السلطات الفرنسية بقيادة وزيري الداخلية والتعليم، وتشمل الإجراءات الأخيرة طرد دعاة الكراهية، والقضاء على النزعة الانفصالية، وهذه الإجراءات تعكس اعترافاً متزايداً بالحاجة إلى معالجة إيديولوجيات الإسلام السياسي التي تتحدى مبادئ الجمهورية.
وهذه المهمة ليست مجرد استجابة للأحداث الأخيرة، إنّها تمثل تتويجاً لأعوام من الجهود التي بذلتها مختلف الجهات الفاعلة، وخاصة داخل مجلس الشيوخ الفرنسي، الذي دعا باستمرار إلى مزيد من اليقظة ضد أولئك الذين يُنظر إليهم على أنّهم "أعداء الجمهورية". وتدل هذه المهمة، الموكلة إلى المحافظ كورتاد والسفير غوييت، على التزام الحكومة بإجراء تحقيق شامل ومستنير.
حديث ترامب يثير الجدل
تصدر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عناوين الأخبار في أوروبا، عندما قال إنّه لم يعد من الممكن التعرف على لندن وباريس؛ لأنّهما "فتحتا أبوابهما للجهاديين".
وقال الرئيس الأمريكي السابق أثناء تجمع انتخابي في ولاية ويسكونسن: "لقد رأينا ما حدث عندما فتحت أوروبا أبوابها للجهاد، انظر إلى باريس، انظر إلى لندن، هذه المدن التي كانت عظيمة ذات يوم، لم يعد من الممكن التعرف عليها". وسبق لترامب أن قال إنّ "باريس الحقيقية هي باريس مختلفة عن مدينة النور التي قرأت عنها".
وفي ما يمكن اعتباره أحد أهم تدخلات حكومة إيمانويل ماكرون، أجرى جيرالد دارمانين وزير الداخلية الفرنسي مقابلة مع إحدى الصحف، وكان الموضوع الرئيسي فيها هو جماعة الإخوان المسلمين، التي وصفها دارمانين بأنّها "منظمة شريرة". وكما أوضح، فإنّ جماعة الإخوان المسلمين لا تشن جهاداً عنيفاً، ولكنّها تنشر "أساليب أكثر نعومة؛ لإدخال جميع شرائح المجتمع تدريجياً إلى المصفوفة الإسلاموية".
ومن الواضح أنّ تصريحات دارمانين جاءت بموافقة ماكرون، وقد فوض الرئيس الفرنسي وزارة الداخلية بإعداد تقرير حول التهديد الذي يشكله الإخوان المسلمون. وذكرت الوزارة في بيان لها أنّ "الانفصالية الإسلامية هي مشروع سياسي ديني نظري يهدف إلى بناء مجتمع مضاد، وتلعب جماعة الإخوان المسلمين دوراً رئيسياً في نشر مثل هذا النظام الفكري".
ويعتزم دارمانين أن يكون التقرير بمثابة "جرس تنبيه" لأساليب جماعة الإخوان المسلمين. وقال دارمانين: "إنّهم يهاجمون جميع مجالات المجتمع ويشكلون شبكة في مجالات الرياضة والتعليم والطب والعدالة والمنظمات الطلابية والنقابية والمنظمات غير الحكومية والسياسة والجمعيات والثقافة". مضيفاً: "إنّهم يعطون تعليمات بالتصويت، ويدعمون الشراكات المجتمعية ذات الطبيعة الانفصالية، ويستخدمون الخطاب المناهض لفرنسا، ويطلقون الحملات، ويحيطون بالممثلين المنتخبين المحليين، ويوقّعون شراكات اقتصادية مع العلامات التجارية الكبرى". لكنّ الإنجاز الأكثر نجاحاً الذي حققته جماعة الإخوان المسلمين كان إدخال كلمة جديدة إلى مفاهيم الغرب، هي "الإسلاموفوبيا". وقال دارمانين: "هذه كلمتهم، وهي تغطي استراتيجيتهم الأساسية، وهي استراتيجية الإيذاء".
وقد لاقت تصريحات دارمانين ترحيباً من المختصين في مجال مناهضة جماعة الإخوان المسلمين. ومن أبرز هؤلاء الباحثة فلورنس بيرجود بلاكلر التي كانت تدرس الحركة منذ (3) عقود، ونتيجة لذلك كانت دائماً تحتاج إلى حماية الشرطة. وفي كتابها الصادر عام 2023 عن جماعة الإخوان المسلمين، كتبت أنّ "هدفهم ليس تكييف الإسلام مع أوروبا، بل تكييف أوروبا مع الإسلام"، بحسب فهمهم للإسلام.
مشروع جديد حول الإخوان
كلفت حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن الإسلام في هذا البلد، السفير السابق لدى الجزائر فرانسوا غوييت، بإعداد مشروع تقرير مفصل عن "الإسلام السياسي وحركة الإخوان المسلمين" وتأثيرهما على المجتمع الفرنسي.
ويعتبر القرار الجديد محاولة من الدولة الفرنسية للسيطرة على مؤسسات الإخوان المسلمين، وهذا التوجه يندرج في إطار حرب إدارة ماكرون ضد "الانفصالية الإسلاموية".
وفيما يتعلق بالمشروع الجديد الذي كشف عنه وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين، وسط حملة منظمة شنتها حكومة غابرييل أتال، فقد تضمّن حملة ترحيل استهدفت العديد من الأئمة المتشددين، وكان أبرزها طرد إمام مسجد إمبالوت بتولوز محمد تطايات منذ نحو أسبوعين.
ويبدو أنّ باريس تبحث عن مزيد من السيطرة على المؤسسات الدينية التابعة للإخوان في فرنسا، من خلال محاولة فهم الظاهرة، بعد التوصل إلى قناعة بأنّ المحاولات السابقة لم تؤدِّ إلى تحقيق الأهداف المرجوة.
من جهة أخرى، سلط تقرير صدر في فرنسا هذا الأسبوع عن جهاز المخابرات في البلاد الضوء على كيفية قيام جماعة الإخوان المسلمين ببناء شبكة واسعة من المحامين الملتزمين بالدفاع عن الجماعة.
وكما أوضحت فلورنس بيرجود بلاكلر، فإنّ استراتيجية الإخوان المسلمين تتمثل في تكييف أوروبا مع فهمهم للإسلام من خلال النضال السياسي السلبي. لقد حددت فرنسا التهديد، وكذلك فعلت دول أوروبية أخرى، ومن ثم يبدو أنّ موسم اصطياد الإخوان في فرنسا قد بدأ.
مواضيع ذات صلة:
- عنصرية الشرطة تفجر ربيعاً غاضباً في فرنسا
- وزير الداخلية الفرنسي: خطر الإرهاب مرتفع جداً في باريس