بعد الاستفتاء: الرئيس التونسي في مواجهة استحقاقات أخرى

بعد الاستفتاء: الرئيس التونسي في مواجهة استحقاقات أخرى


27/07/2022

يمثّل الاستفتاء على دستور تونس لحظة فارقة على أكثر من مستوى، بغضّ النظر عن حالة الاستقطاب القصوى التي فرضت نفسها على الأحزاب والقوى السياسية نحو سياسات الرئيس قيس سعيّد وإجراءاته، من جهة، والدستور الذي يواجه جملة انتقادات، أو بالأحرى يبعث بمخاوف جمّة، من جهة أخرى، تحديداً بشأن الصلاحيات الواسعة التي يحوزها الرئيس التونسي، ومنها القدرة على تعيين الحكومة أو إقالة أيّ من أعضائها دون موافقة البرلمان.

"لا" للإخوان في تونس

كما أنّ الاستفتاء، الذي سجّل نسب مشاركة متدنية (27.54%)، حسبما أعلنت هيئة الانتخابات في تقديراتها الأولية، قد حقق نسب تصويتية بـ "نعم" بلغت قرابة 92.3 بالمئة.

وقالت هيئة الانتخابات التونسية، مساء أول من أمس؛ إنّ "أكثر من مليون و213 ألف ناخب أدلوا بأصواتهم"، حتى الساعة الثالثة والنصف عصراً، بعد أن بدأ الاقتراع في السادسة صباحاً بالتوقيت المحلي.

واللافت أنّ الدستور التونسي المتوقع أن يدخل حيّز التنفيذ بعد الاستفتاء الذي جرى عليه، مؤخراً، سوف يفرض تداعيات مختلفة، خاصة أمام الوضع الجديد الذي تنبني عليه ركائز الحكم في تونس، وشرعيته الدستورية القانونية، وذلك في ظلّ مجتمع تؤدّي قوى التيار المدني فيه دوراً مؤثراً، سواء على مستوى الأحزاب السياسية أو النقابات العمالية.

المحلل السياسي التونسي نور الدين بالطيب: الاستفتاء ناجح

وبينما اتخذت عدة أحزاب وتكتلات سياسية اتجاهات معارضة، وعمدت إلى تعبئة المواطنين وحثّهم على المقاطعة، ومنها حركة النهضة التونسية، الذراع السياسية لجماعة الإخوان، فإنّ الاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة النقابية ذات النفوذ الواسع، قرّر الحياد وعدم التدخل في خيارات قواعده.

صلاحيات واسعة في يد الرئيس

وقال الرئيس التونسي إنّ القرار الأول بعد الاستفتاء على الدستور سيكون وضع قانون انتخابي، موضحاً أنّ هذا القانون سيغيّر شكل الانتخابات القديمة، وقد أشار إلى أنّ الاستفتاء سينهي الأزمة السياسية الناجمة عن سيطرته على كلّ السلطات في البلاد قبل عام. وتابع: "اليوم الشعب التونسي مطالب بأن يحسم هذا الأمر وهو حرّ في التصويت. نؤسس معاً جمهورية جديدة تقوم على الحرية الحقيقية والعدل الحقيقي والكرامة الوطنية".

وعدّ سعيد الاستفتاء على الدستور بأنّه مرحلة مفصلية و"سنبدأ تاريخاً جديداً"، كما شنّ هجوماً على المعارضين وخصومه السياسيين الذين يؤيدون المقاطعة، بينما اتهمهم بأنّهم "يوزعون الأموال" كي "لا يصوّت التونسيون ويعّبرون عن إرادتهم"، مؤكداً "لن نترك تونس فريسة لمن يتربص بها في الداخل والخارج".

الدستور التونسي المتوقع أن يدخل حيّز التنفيذ بعد الاستفتاء الذي جرى عليه، سيفرض تداعيات مختلفة، خاصة أمام الوضع الجديد الذي تنبني عليه ركائز الحكم في تونس

وألمح مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "اللجنة الدولية للحقوقيين"، سعيد بنعربية، إلى أنّ الدستور الجديد "يمنح تقريباً السلطات كلّها للرئيس، ويحذف الأنظمة والمؤسسات كلّها، التي من شأنها أن تراقبه".

إذاً؛ يمكن القول إنّه، بالرغم من نسبة المشاركة المنخفضة في الاستفتاء، والتي لم تتجاوز 27 بالمئة، بحسب تصريح رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات، فإنّ الاستفتاء "ناجح"، حسبما يوضح الكاتب والمحلل السياسي التونسي، نور الدين بالطيب، مشيراً في حديثه لـ "حفريات" إلى أنّ هذه النسبة هي تقريباً النسبة نفسها للمشاركة في الانتخابات البلدية، عام  2018، مع الوضع في الاعتبار أنّ الاستفتاء الأخير أبرز وجود مساندة كبيرة للرئيس سعيّد بعد عام من الإجراءات الاستثنائية التي ألغى بموجبها منظومة 14 كانون الثاني (يناير) 2011، والتي صاغتها حركة النهضة الإخوانية وحلفائها.

عنوان الاستفتاء هو الدستور، لكن عملياً يعدّ هذا الاستفتاء بمثابة "اختبار لشعبية قيس سعيّد"، الذي راهن على خلق طبقة سياسية جديدة، ثم القطيعة مع الماضي بشقّيه، الإخواني والدستوري (الذين حكموا البلاد في الفترة بين عامي 1955 و2011)؛ يقول بالطيب.

 المحلل السياسي التونسي، نزار الجليدي: ما سيضعف الأحزاب في تونس أكثر هو القانون الانتخابي المنتظر صدوره

ويردف: "صحيح أنّ قيس سعيّد نجح في فرض الأمر الواقع، وعزل القوى السياسية التقليدية بكلّ مكوناتها (الدساترة اليسار والإخوان)، إلا أنّه، اليوم، يقف وحيداً أمام تحديات كبيرة، واختبار جاد، لمدى قدرته على الوفاء للشعارات التي رفعها".

ومع حجم الانتقادات الواسعة لقيس سعيّد والدستور، إلا أنّ الطبقات الشعبية، فضلاً عن جزء واسع من النخب، يساند الرئيس التونسي، وفق تقدير الكاتب والمحلل السياسي التونسي، وذلك لأنّ سعيّد نجح في "إنهاء حكم الإخوان، وفكك منظومتهم، بالتالي، يمكن اعتبار التصويت بـ "نعم" للدستور الجديد هو في حقيقته تصويت بـ "لا" لحكم الإخوان، وهو ما نلاحظه في تعليقات لافتة لعدد من الناشطين على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) الذي يستخدمه التونسيون بشكل واسع".

الباحث التونسي عمار بنحمودة لـ "حفريات": "العبء بحكم الدستور الجديد ملقى على عاتق رئيس الجمهورية وسياساته القادمة؛ فالشعب لا ينفك يريد الخبز والحرية والكرامة الوطنية

ويختتم: "بعد نجاح هذا الاستفتاء، رغم الكثير من النقائص، سيكون الرئيس سعيّد أمام استحقاقات أخرى للشارع التونسي الغاضب، وكذا مطالبات في ظلّ أزمة اجتماعية واقتصادية خانقة، كما لن يكون بإمكانه (أي الرئيس قيس سعيّد) مستقبلاً تعليق الفشل على أحزاب أو قوى اجتماعية أخرى، فكلّ شيء اليوم بيده، وهو الذي يختار الحكومة وهو الذي يحدد لها الأولويات والإستراتيجيات بعد عقد كامل من تنازع السلطة بين الرئاسات الثلاث، قرطاج والقصبة وباردو".

مستقبل الأحزاب في تونس

ومن المؤكد أنّ الخريطة السياسية عموماً، لن تكون هي ذاتها بعد دخول الدستور الجديد حيّز التنفيذ الرسمي بتونس، ويرجح المحلل السياسي التونسي، نزار الجليدي، حدوث عدة إجراءات تبدو، من وجهة نظره، محتملة، ومنها "حلّ بعض الأحزاب ذات المرجعية الدينية"، وذلك بعدما ذكر الفصل الخامس من الدستور الجديد أنّ "الدولة وحدها تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النفس والعرض والمال والدين والحرية".

كما أنّ نصّ الدستور الجديد قد أعاد النظام الرئاسي، حسبما يوضح الجليدي في حديثه لـ "حفريات"، بينما يشير إلى أنّ هذا النظام الرئاسي، بحسب معارضين، سوف يعني تحجيم دور الأحزاب، على خلاف ما كانت عليه الأوضاع في الفترات السابقة.

ويردف: "ما سيضعف الأحزاب في تونس أكثر هو القانون الانتخابي المنتظر صدوره، والذي ستُجرى بناء عليه الانتخابات التشريعية، في 17 كانون الأول (ديسمبر) العام الحالي. ومن المنتظر أن يكون الاقتراع مباشرة على الأشخاص، وليس على القوائم الحزبية، الأمر الذي سيفتح الباب على مصراعيه لتكون انتخابات مستقلين وليست انتخابات أحزاب".

وإلى ذلك، يقول الباحث والمفكر التونسي، عمار بنحمودة؛ إنّ الاستفتاء قد دشّن أرضية خلافية بين النخبة السياسية، وانقسمت المواقف حوله بين الحديث عن مسار إصلاحي للتجربة الديمقراطية، وهو الرأي الغالب سلطوياً وشعبياً، بالإضافة إلى حديث فئة من "قدماء اللاعبين السياسيين" الذين فقدوا شرعيتهم الشعبية والدستورية، بينما تحدثوا عن ضرورة "انقلاب" (على سعيّد) لإنهاء "دكتاتورية"، رغم أنّ الواقع يدحض مزاعمهم.

ويتساءل بنحمودة: "كيف يمكن الحديث عن دكتاتورية في ظلّ استفتاء يمنح الشعب حق التصويت بالقبول أو الرفض؟ وهل يمكن لأمثالهم في وضع دكتاتوري مثلما يزعمون أن يتخذوا من وسائل إعلام وطنية منبراً لنقد الرئيس وسياسته وكيل التهم له؟ وهل يمكن إنكار الشرعية الشعبية الممنوحة للرئيس، التي ساندت إجراءات 25 تموز (يوليو) 2021، وأكدت الرأي نفسه بعد سنة من ذلك التاريخ؟ وهل يمكن تجاهل الوضع الكارثي الذي وصلته البلاد بعد عشرية عنوانها الديمقراطية وواقعها العجز والبطالة وغياب البرامج وضعف الدولة؟

لقد نجح الرئيس التونسي في "إثبات نظافة يده وصدق مقاصده"، على حدّ تعبير الباحث والمفكر التونسي، في حديثه لـ "حفريات"، مؤكداً "فشل خصومه في كسب المعركة الأخلاقية وقد صاروا أوراقاً احترقت بفعل عشرية تلقاها أغلب التونسيين تلقياً سلبياً، ووسموها بالعشرية السوداء فطمعوا في الخلاص.

وكان الرئيس مهندس هذه النقلة ورمز الخلاص عند فئة كبيرة من الشعب، وأمامه ملفات تمثّل استحقاقات حيوية وضرورية للشعب التونسي، مثل: محاسبة المفسدين، واستعادة هيبة الدولة ونظام مؤسساتها، وتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي؛ فالتركة ثقيلة، والعبء بحكم الدستور الجديد ملقى على عاتق رئيس الجمهورية وسياساته القادمة، فالشعب لا ينفكّ يريد الخبز والحرية والكرامة الوطنية".

 

مواضيع ذات صلة:

قضاة تونس المعزولون: فاسدون مرتبطون بالإخوان أم ضحايا قرار فرديّ؟

التمويل الخارجي لحركة النهضة الإخوانية تحت مجهر العدالة التونسية.. ما الجديد؟

الاتحاد التونسي للشغل يعلن إضراباً عاماً.. فهل خانه اختيار التوقيت؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية