الاتحاد التونسي للشغل يعلن إضراباً عاماً.. فهل خانه اختيار التوقيت؟

الاتحاد التونسي للشغل يعلن إضراباً عاماً.. فهل خانه اختيار التوقيت؟


18/06/2022

أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، الثلاثاء الماضي، عبر صحيفة "الشعب نيوز" الناطقة بلسانه، فشل المفاوضات التي عقدت مع حكومة نجلاء بودن، حول الإضراب العام الذي أطلقه الاتحاد يوم 16 حزيران (يونيو) الجاري.

 الصحيفة قالت إنّه "لم تسفر الجلسة بين وفدي الاتحاد والحكومة عن نتائج إيجابية". وأضافت: "لم يرد في محضر الجلسة، أيّ اتفاق إلّا في وضع أفق زمني؛ نحو التفاوض حول القانون العام للوظيفة العمومية، والقانون العام، والمنشآت والدواوين، إلى نهاية تموز (يوليو) المقبل".إلى ذلك، تمسك الوفد النقابي بتنفيذ الإضراب في القطاع العام، والذي بدأ تنفيذه يوم الخميس.

يرى الاتحاد التونسي للشغل، أنّ مسؤولية الحكومة، العمل على حزمة مطالب، أهمها زيادة أجور الموظفين، وعدم رفع الدعم عن المواد الأساسية، ويتزامن ذلك مع دخول الحكومة مفاوضات مع صندوق النقد الدولي؛ للحصول على قرض بقيمة أربعة مليارات دولار.

حتمية العودة إلى التفاوض

يضع الصندوق شروطاً لحصول تونس على القرض، من بينها إجراء حزمة إصلاحات اقتصادية؛ لخفض الإنفاق الحكومي، وتجميد الأجور لتقليص عجز الميزانية.

وفي هذا السياق، نشرت وكالة "رويترز" أنّ جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط بصندوق النقد الدولي، سيزور تونس يومي 20 و21 حزيران (يونيو) الجاري، في مؤشر قوي على قرب انطلاق المفاوضات بخصوص برنامج التمويل، وسيلتقي خلال هذه الزيارة الرئيس قيس سعيّد، ونجلاء بودن رئيسة الحكومة، وسيعقد اجتماعات مع مسؤولين آخرين.

غازي بن عمار: نضالات الإطارات النقابية في حيز تاريخ الاتحاد التونسي للشغل، حاضرة لنجاح خطة الإضراب في كافة القطاعات العمومية

بلغة مطمئنة، تحدث إلينا غازي بن عمار، الكاتب العام لنقابة الشركة العامة للفولاذ بتونس، عن نجاح الإضراب العام الذي قرره الاتحاد التونسي للشغل، بيد أنّه أردف في تصريحاته لـ"حفريات"، إلى أنّه يأمل في وقوع اتصال بين الحكومة والاتحاد خلال ساعات، الأمر الذي يؤدي إلى تعطيل الإضراب لصالح البلاد، مؤكداً أنّ الاتحاد التونسي للشغل لم يضع شروطاً تعجيزية، في مفاوضاته مع الحكومة، بل طالب بحياة كريمة لأبناء الشعب التونسي، وحفظ حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، من خلال رواتب عادلة.

ابن عمار قال إنّ نضالات الإطارات النقابية في حيز تاريخ الاتحاد التونسي للشغل، حاضرة لنجاح خطة الإضراب في كافة القطاعات العمومية، وبالنسبة إلى موقع الشركة التونسية للفولاذ، أكد المشاركة في الإضراب من صباح يوم الخميس، الساعة السادسة صباحاً، وحتى صباح الجمعة، السابع عشر من حزيران (يونيو) الجاري، عدا بعض الأعوان الذين سيقع تسخيرهم من قبل رؤسائهم؛ لحماية المعدات.

 

غازي بن عمار: الاتحاد التونسي للشغل لم يضع شروطاً تعجيزية، في مفاوضاته مع الحكومة، بل طالب بحياة كريمة لأبناء الشعب التونسي، وحفظ حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، من خلال رواتب عادلة

 

تقديرات الخبراء تشير إلى أنّ الأزمة بين الاتحاد التونسي للشغل والحكومة، تعكس في إحدى زواياها الحرجة، الأزمة الدائرة بين المنظمة الشغيلة والرئيس، بعد رفض الأولى دعوة الرئيس المشاركة في جلسات الحوار، التي تمهد لصياغة دستور جديد للبلاد، يتم الاستفتاء عليه في الخامس والعشرين من شهر تموز (يوليو) المقبل.

توقيت خاطئ

في هذا الصدد، تنقسم التوجهات في تونس، بين تشاؤم من تعقد المسارات بين الطرفين، ودخولهما في أزمة مفتوحة، سيما بعد تعثر المفاوضات مع الحكومة، ودخول قرار الإضراب حيز التنفيذ، بينما يستقر رأي آخر نحو القول إنّ الوفاق المرحلي سيعرف طريقه بين الجانبين، كون الصدام واستمرار الخلاف العميق، لا يعني سوى دخول تونس في أزمة عنيفة ومركبة.

في سياق ذلك، أشار سرحان الناصري، رئيس حزب التحالف من أجل تونس، في تصريحات خصّ بها "حفريات"، إلى أنّه حين قرّر الاتحاد العام التونسي للشغل الإضراب العام، يوم 16 حزيران (يونيو) الجاري، كان ذلك  لأسباب اجتماعية، فضلاً عن تعطّل لغة الحوار والتفاوض مع الحكومة.

يتابع الناصري تصريحاته بقوله: "نعلم جيداً أنّ الاتحاد منظمة وطنية عتيدة، وركيزة من ركائز الدولة، وطالما اضطلع الاتحاد بالدور النضالي، على مدى عقود من الزمن، الّا أنّ الوضع السياسي اليوم، والأزمة الاقتصادية والاجتماعية، لا تحتمل المزيد من التصعيد، خاصّة في ظل استغلال بعض الجبهات السياسية، وأهمها الإخوان المسلمون وحلفاؤهم، الذين يصطادون في المياه العكرة للأزمات، وعملهم في استثمار أزمة الاتحاد مع الحكومة؛ بهدف إسقاط الرئيس قيس سعيّد، ومشروعه الإصلاحي بعد 25 تمّوز (يوليو)".

سرحان الناصري: حين قرّر الاتحاد العام التونسي للشغل الإضراب العام، كان ذلك  لأسباب اجتماعية، فضلاً عن تعطّل لغة الحوار مع الحكومة

ويقول رئيس حزب "التحالف من أجل تونس"، إنّه حتى وإن كان الإضراب حقاً دستورياً، لكن لا التوقيت ولا الظرف يسمح لمثل هذا التصعيد؛ فالإضراب لن يخدم لا الاتحاد ولا الحكومة، وإن كانت العلاقة بين الاتحاد والرئيس في تلك اللحظة، تمر بحالة من الجفاء، في ظل انقطاع العلاقة بينهما، فإنّ المنظمة الشغيلة ترتكز على ثقلها الاجتماعي والشعبي، الذي لا يقبل بمثل هذا التوتر، والذي تزامن مع رفض الاتحاد المشاركة في الحوار الوطني، الذي انطلق مؤخراً، وبالتالي اختار الاتحاد سياسة المواجهة، وعدم التنازل، ما أدّى إلى التعنت السياسي تجاه الحكومة.

 

سرحان الناصري: الوضع السياسي اليوم، والأزمة الاقتصادية والاجتماعية، لا تحتمل المزيد من التصعيد، خاصّة في ظل استغلال بعض الجبهات السياسية، وأهمها الإخوان المسلمون وحلفاؤهم، الذين يصطادون في المياه العكرة، للأزمات

 

وحول اثر انسداد أفق المفاوضات بين الاتحاد والحكومة، ومدى دور ذلك في عرقلة مفاوضات صندوق النقد الدولي، يشير سرحان الناصري، إلى أنّ المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ستتأثر بتعطل الحوار بين الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة، خاصّة مع بدء الإضراب العام، وتعميق الأزمة بين الطرفين.

ويختتم رئيس حزب "التحالف من أجل تونس" تصريحاته، بقوله إنّ صندوق النقد الدولي يرفض أيّ تقدم في المفاوضات دون اتفاق مع الاتحاد، ويعتبره شريكاً أساسياً في هذه المفاوضات، في الوقت الذي يشهد الأسبوع المقبل زيارة للمسؤول عن الصندوق في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومن أجل ذلك  نتمنى أن تصل الحكومة إلى اتفاق مبدئي مع الاتحاد العام التونسي للشغل؛ لتجنّب تفاقم الأزمة.

تفاقم الأزمة وهيمنة رأس المال العالمي

من جانبها تذهب الباحثة التونسيّة في الشأن الاقتصادي والتجارة الدولية، جنات بن عبدالله، إلى التأكيد على أنّ كافة الدراسات والتجارب، تقر يقيناً بأنّ ثمة تداعيات تأتي عقب أيّ قرار بتنظيم إضراب قطاعي أو عام، على النشاط الاقتصادي، والاستقرار الاجتماعي والسياسي.

وتتابع جنات بن عبدالله تصريحاتها لـ"حفريات"، بقولها إنّ التجربة التونسية بعد الثورة، كشفت أنّ لجوء الاتحاد العام التونسي للشغل لهذا الشكل من التحرك النقابي، هو تعبير للمنظمة الشغيلة عن رفضها للسياسات التي انخرطت فيها الحكومات المتعاقبة بعد الثورة، والتي تندرج ضمن برنامج الإصلاحات الهيكلية لصندوق النقد الدولي، من جهة، وسياسة الانفتاح التي تترجمها اتفاقيات الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، من جهة ثانية.

وفي هذا السياق، تضيف الباحثة في الشأن الاقتصادي، أنّ قرار الاتحاد العام التونسي للشغل،  الذي أعلن عنه في بيان له صادر يوم 31 أيّار (مايو) الماضي، دخول كافة أعوان المؤسسات العمومية في إضراب كامل يوم 16 حزيران (يونيو) الجاري، كشف فيه عن الخلفية الحقيقية لهذا الإضراب، ممثلة في ضرب حكومة بودن مبدأ التفاوض، وتنصلها من تطبيق الاتفاقيات المبرمة من جهة، وعدم استعدادها لإصلاح المؤسسات العمومية من جهة ثانية، إلى جانب احتجاجها؛ أي المنظمة النقابية، على الارتفاع الجنوني لأسعار كافة المواد، والدفاع عن الحقوق الاقتصادية للموظفين.

جنات بن عبدالله: القرار في حقيقته؛ جاء ليعبر عن موقف فئات واسعة من الشعب التونسي

 هذا القرار في حقيقته؛ جاء ليعبر عن موقف فئات واسعة من الشعب التونسي، رفضها مواصلة حكومة بودن تنفيذ سياسة تقشف، تدفع فاتورتها يومياً، بحسب قولها.

وترى جنات بن عبد الله، أنّ هذا القرار جاء لإبلاغ صوت من لا صوت لهم، من عائلات دفعت إلى دائرة الفقر، وعجزت عن توفير ملعقة زيت وكأس حليب ورغيف خبز وحبة دواء وكراس؛ فجاء قرار الإضراب لحماية حقوق الموظفين، في ظل تجميد الانتدابات وغلق الأبواب في وجه معطلين، ينتظرهم التهميش وقوارب الموت.

القرار من زاوية أخرى، بحسب الباحثة التونسيّة، يمثل حماية لقطاعات حكومية مثل: الشركة التونسية للكهرباء والغاز، وشركة استغلال وتوزيع المياه، والخطوط التونسيّة، ونفطنا وشمسنا ورياحنا ومياهنا، من جشع الشركات العالمية، وظلم عقود الامتياز، فضلاً عن كون  القرار جاء للتأكيد مرة أخرى، رفض هذه الفئات الاجتماعية لبرامج إصلاحات اقتصادية، لم تساهم في تصوره ولا صياغته، وتبنته حكومات نصبتها أجندات باسم شعب أوهموه باسترجاع سيادته.

جنات بن عبد الله: الإضراب لا يترجم رفضاً لخيارات وسياسات الحكومة، بقدر ما يترجم تمرد فئات واسعة من الشعب التونسي، على النظام الاقتصادي العالمي، وعلى هيمنة رأس المال العالمي على مقدرات الشعوب

وبناء على ذلك، تطرح الباحثة في التجارة الدولية تساؤلات: هل هناك خطأ من قبل اتحاد الشغل عندما اتخذ  قرار الإضراب؟ وهل أخطأ في خروجه عن مسار الداعين إلى إجراء اتفاق مع صندوق النقد الدولي، الذي جثم خبراؤه على مفاصل إدارة غرقت في متاهات لعبة الأمم، ورأس مال عالمي حول الشعوب الى أرقام لخدمة استثماراته؟

وكذلك؛ هل أخطأ بإعلانه الاضراب، لرفضه التفويت في مؤسسات عمومية، وتجاوز تضحيات الشعب؟

وفي سياق ما طرحته الباحثة من تساؤلات، ترى أنّه بعد الثورة، تعالت أصوات القوى الوطنية في البلاد، بضرورة تغيير منوال التنمية؛ لتضاف إلى قائمة طموحات وتطلعات الشعب التونسي التي ترقبها بعد انتخابات العام 2014، وفيها تمت الدعوة إلى العمل بجدية، لإيقاف عجز الميزان التجاري، وإيقاف سياسة التقشف التي تقوم على الضغط على كتلة الأجور، ورفع الدعم، والترفيع في الضرائب، والتفويت في المؤسسات العمومية، وإلغاء قانون استقلالية البنك المركزي، الذي تسبب في رهن ميزانية الدولة لدى البنوك المحلية، وفي اعتماد سياسة نقدية متشدّدة، أدّت إلى ضرب جميع محركات النمو، من استهلاك واستثمار وتصدير، واعتماد سياسة صرف مرنة دمرت الدينار التونسي.

وترى جنات بن عبد الله أنّه في الوقت الذي كنا ننتظر من كل القوى النقابية والمهنية في البلاد، التصدي للمشروع السالب للسيادة الوطني،ة وتفكيك الدولة الوطنية، من خلال تخلي الدولة عن دورها الاقتصادي والتنموي والاجتماعي، ورفع كل ما نعتبره ضمانات، أمام تغول استحواذ رأس المال العالمي والشركات العالمية على ثرواتنا الوطنية، بشرية وطبيعية، بعد خيبة الأمل في الأحزاب السياسية، والتشكل في جبهة إنقاذ وطنية، اختفى عدد من هذه المنظمات عن الأنظار، لتنخرط في هذا المشروع، فيما لزمت أخرى الصمت، وصمد اتحاد الشغل أمام حملات الشيطنة والتشويه؛ ليواصل القيام بدوره التاريخي والوطني.

وتختتم جنات بن عبدالله تصريحاتها، بقولها: إنّ هذا الإضراب لا يترجم رفضاً لخيارات وسياسات الحكومة، بقدر ما يترجم تمرد فئات واسعة من الشعب التونسي، على النظام الاقتصادي العالمي، وعلى هيمنة رأس المال العالمي على مقدرات الشعوب، من خلال توظيف صندوق النقد الدولي، والبنك العالمي، والمنظمة العالمية للتجارة، وكل هياكل منظمة الأمم المتحدة؛ لخدمة مصالحه وتوسيع نفوذه.

مواضيع ذات صلة:

الحوار الوطني لتأسيس جمهورية تونسية جديدة: ناقص أم أعرج؟

الاتحاد التونسي للشغل في مواجهة حركة النهضة الإخوانية

لماذا يعارض اتحاد الشغل التونسي مسار قيس سعيّد؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية