الحوار الوطني لتأسيس جمهورية تونسية جديدة: ناقص أم أعرج؟

الحوار الوطني لتأسيس جمهورية تونسية جديدة: ناقص أم أعرج؟


08/06/2022

من دون حركة النهضة الإسلامية والاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية بتونس)، للمرة الأولى منذ عام 2011، انطلق، السبت، الحوار الوطني الذي دعا له الرئيس التونسي، قيس سعيّد، لحلّ الأزمة السياسية في البلاد، وسط تزايد في عدد المقاطعين لهذا الحوار، في خطوة من شأنها أن تبعثر خطط الرئيس لإعادة تشكيل السياسة التونسية.

وشارك في جلسة الحوار الأولى، ممثلون عن الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والاتحاد الوطني للمرأة، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان (غير حكومية)، فيما شاركت 4 أحزاب فقط هي: حركة الشعب، والتيار الشعبي، وتونس إلى الأمام، وحركة النضال الوطني.

الشغل يرفض

وأعلن رئيس اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، إبراهيم بودربالة، توجيه الدعوات إلى عدد من المنظمات الوطنية، وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل، وإلى الأحزاب الداعمة لإجراءات 25 يوليو، إلى جانب دعوة عدد من الشخصيات الوطنية المستقلة، للحضور في الاجتماع الأول للجنة، اليوم، ومباشرة الحوار الوطني.

هذه الدعوات قوبلت بالرفض من قبل الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر المنظمات النقابية في تونس وأهمها)، الذي رأى أنّ الحوار الوطني الذي اقترحه الرئيس قيس سعيّد من أجل "جمهورية جديدة"، "شكلي" ويقصي القوى المدنية.

ويُعدّ اتحاد الشغل (معقل اليسار التونسي) لاعباً رئيسياً في المشهد السياسي والاجتماعي على امتداد العشرية التي أعقبت الثورة، حيث انخرط في عدّة مناسبات في جهود التهدئة الاجتماعية، وإيجاد توافق بين الفرقاء السياسيين، والمنظمات الاجتماعية في أحلك أزمات البلاد.

العلوي: الحوار الوطني ملزم بجدول أعمال محدّد وبنقاط محدّدة

في مقابل ذلك، قال الرئيس المنسق لـ"الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة"، صادق بلعيد، في تصريح للصحافة؛ إنّ غياب الاتحاد العام التونسي للشغل لم يفشل عمل الجلسة، لافتاً إلى أنّ الباب ما يزال مفتوحاً أمام المنظمة للالتحاق بالحوار، لكن دون شروط مسبقة.

وأكّد بلعيد، في تصريحات صحفية لوسائل إعلام محلية، حضور 42 شخصية الجلسة الافتتاحية لأشغال اللجنة، مشيراً إلى أنّ كثيرين منهم تعرضوا إلى ضغوطات قصد إثنائهم عن الحضور.

الناشط السياسي منصف بوزازي لـ "حفريات": الحوار لن يفشل على عكس ما تراهن عليه بعض الأحزاب المتضرّرة من الإجراءات الإصلاحية للرئيس، وثمة إمكانية لالتحاق أحزاب أخرى بمداولات الحوار

كما رأى عضو المكتب السياسي لحركة الشعب المساندة لمسار 25 تموز (يوليو)، منصف بوزازي؛ أنّ عدم حضور اتحاد الشغل لا يعني غياب تصوراته في الحوار الوطني، مرجّحاً إمكانية التحاقه بالجلسات المقبلة، على  خلفية تواصل المفاوضات معه.

وأضاف بوزازي، في تصريحه لـ "حفريات"؛ أنّ الحوار لن يفشل على عكس ما تراهن عليه بعض الأحزاب المتضرّرة من الإجراءات الإصلاحية للرئيس، كاشفاً إمكانية التحاق أحزاب أخرى بمداولات الحوار.

تزايد المقاطعين

كما رفض عدد من الأحزاب التي ترى أنّ هذا الحوار "شكلي وأحادي ونتائجه معدّة مسبقا"، على غرار حزب "آفاق تونس"، الذي أعلن عدم مشاركته، وقال في بيان؛ إنّ "هذا الحوار استشاري، صوري وشكلي، يفتقد إلى الحدّ الأدنى من المصداقية والشرعية"، وأبدى حزب المسار رفضه المشاركة في الحوار بصيغته الحالية.

وأعلنت الهيئة الوطنيّة لائتلاف صمود في بيان صدر عنها، الجمعة، انسحاب الائتلاف من الحوار الوطني، مرجعة ذلك إلى عدم توافر الحدّ الأدنى من الشروط والضمانات التي عبّرت عنها في مواقفها وتصريحاتها السّابقة، لا سيما الصيغة المتعلقة بالمداولات والصبغة التقريرية لمخرجاته، وفق البيان.

تزايد عدد المقاطعين للحوار الوطني في تونس

الهيئة أكّدت، في المقابل، تمسّكها بإنجاح مسار 25 يوليو، الذي ناضلت من أجله طلائع المجتمع المدني والسياسي، لإصلاح المنظومة السياسية وإنقاذ اقتصاد البلاد من الانهيار، ومحاسبة كلّ من أجرم في حق الشعب، بفتح ملفات الإرهاب والفساد في إطار احترام القانون وضمان الحقوق والحرّيات.

واعتبر العلوي، عضو حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد اليساري، أنّ الحوار الحالي ليس حقيقياً ولا جدّياً وليست له مقومات تمكّنه من حلّ المشاكل الخلافية، سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، التي تعيشها البلاد.

يرى المحلل السياسي جمعي القاسمي أنّ الحوار الوطني، الذي دعا إليه سعيّد انطلق بشكل أعرج وبطريقة غير موفقة، معتبراً إياه مضيعة للوقت وأقرب إلى الديكور أو الواجهة

ولفت العلوي، في تصريحه لـ "حفريات"، إلى أنّ الحوار الوطني ملزم بجدول أعمال محدّد وبنقاط محدّدة، وكذلك مخرجات جاهزة مسبقاً يجب أن يحققها، وفي ردّه على الانتقادات التي طالت اليسار ككلّ، بالاصطفاف مع حركة النهضة (خصمه التاريخي)، قال العلوي إنّ حزبه في خلاف جذري مع الإسلام السياسي، وله من القضايا ضدّه ما يكفي لإثبات عدم اصطفافه معها، وأشار إلى أنّ المصلحة الوطنية فرضت تقاطعات مع حزب النهضة، خارجة عن رغبة أحزاب اليسار.

وأعلن عمداء وعميدات كليات الحقوق والعلوم القانونية التونسية، كذلك، اعتذارهم عن المشاركة في اللجنة التي شكّلها الرئيس التونسي، قيس سعيّد، لصياغة دستور من أجل "جمهورية جديدة"، حفاظاً على حياد المؤسسة الجامعية وعدم الزجّ بها في المشاريع السياسية.

يشار إلى أنّ الحوار الذي دعا إليه الرئيس التونسي استبعد بعض الأحزاب السياسية، على رأسها حركة النهضة، التي استثناها كذلك من المشاركة في لجنة للإعداد لمشروع تنقيح "دستور جمهورية جديدة"، واكتفى بإشراك المنظمات الوطنية الكبرى في البلاد والأحزاب السياسية الداعمة لإجراءات 25 تموز (يوليو).

"حوار أعرج"

بالتزامن، نفذت 5 أحزاب معارضة لإجراءات الرئيس قيس سعيّد وقفة احتجاجية أمام مقرّ هيئة الانتخابات، وتعدّ هذه الوقفة أول تحرّك لهذه الأحزاب ضمن الحملة الوطنية لإسقاط الاستفتاء على الدستور الجديد، المزمع في 25 تموز (يوليو) المقبل.

وكانت منظمات وهيئات مدنية، بينها منظمة العفو الدولية، والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، إضافة إلى عدد من النشطاء والجامعيين، قد انتقدوا إقدام الرئيس سعيد على إعفاء القضاة من مهامهم.

 القاسمي: ما يضعف الحوار هو طبيعة الأشخاص المشاركة فيه

ويعتقد المحلل السياسي جمعي القاسمي أنّ الحوار الوطني، الذي دعا إليه سعيّد انطلق بشكل أعرج وبطريقة غير موفقة، معتبراً إياه مضيعة للوقت وأقرب إلى الديكور أو الواجهة التي تعدّ بمثابة الرسائل الموجهة إلى الخارج، لإثبات التزامه بالحوار مع جميع الأطراف.

وقال القاسمي في تصريحاته لـ"حفريات"، إنّ ما يضعف الحوار هو طبيعة الأشخاص المشاركة فيه والتي تعدّ جميعها من الصف الرابع والخامس، فضلاً عن غياب المنظمات والجمعيات الوازنة في البلاد، ورفضه من طرف الأحزاب الكبرى، خاصة من قبل اتحاد الشغل هذه المنظمة العريقة وما تمثله من عمق اجتماعي وسياسي.

وأكّد زهير المغزاوي، الأمين العام لحركة الشعب (أحد أهم داعمي سعيّد وأبرز المدافعين عنه)، في تصريح إعلامي خلال الجلسة الأولى من الحوار الوطني؛ أنّ حزبه سيعبّر عن تحفظاته حول مسار 25 تموز (يوليو)، رغم تمسكهم بدعمه، مؤكداً على ضرورة أن يكون الحوار عبر مسار تشاركي حتى يتم تحقيق أحلام التونسيين.

وشدّد المغزاوي على أنّ غياب الاتحاد العام التونسي للشغل سيؤثر على مصداقية الحوار.

مواضيع ذات صلة:

"دستور تونس الجديد".. هل يغلق بوابة تسييس الدين أمام حركة النهضة الإخوانية؟‎

بعد عزل 57 قاضياً.. مراقبون: لهذه الأسباب تطهير القضاء التونسي مطلب ضروري

الهجرة غير الشرعية في تونس تواصل حصد الأرواح.. أما من حلول؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية