بعد عزل 57 قاضياً.. مراقبون: لهذه الأسباب تطهير القضاء التونسي مطلب ضروري

بعد عزل 57 قاضياً.. مراقبون: لهذه الأسباب تطهير القضاء التونسي مطلب ضروري


06/06/2022

أثار قرار الرئيس التونسي قيس سعيد عزل نحو (57) قاضياً، من بينهم رئيس المجلس الأعلى للقضاء المُنحل، بعد اتهامهم بالمشاركة في قضايا فساد والتستر على متهمين بقضايا إرهاب، الكثير من الجدل في الشارع التونسي بين مؤيد ومعارض لقرارات سعيد التي تأتي في سياق عملية إصلاح شاملة تنتهجها الدولة منذ 25 تموز (يوليو) الماضي. 

ورأى مراقبون تونسيون تحدثوا لـ"حفريات" أنّ الإجراءات الخاصة بتطهير القضاء التونسي تأتي في توقيت غاية بالأهمية وتتسق مع المبادئ العامة لخريطة الإصلاح الشاملة في البلاد، والتي بدأت بتجميد البرلمان وحل الحكومة في تموز (يوليو) الماضي.

وكان الرئيس التونسي قرر الأربعاء الماضي عزل (57) قاضياً لاتهامهم بالتورط في الفساد وتعطيل البت في قضايا حساسة.

ونشرت وكالة الأنباء الرسمية تعديلاً للمرسوم المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء تضمن أسماء القضاة المعنيين بالعزل.

وقد لوّح الرئيس باتخاذ خطوات لإصلاح القضاء معتمداً على صلاحياته التنفيذية والتشريعية، بعد إعلانه التدابير الاستثنائية قبل نحو عام في خطوة تلقى معارضة من خصومه.

وبحسب هذا المرسوم الجديد، فإنّه لرئيس تونس في "صورة (حالة) التأكد أو المساس بالأمن العام أو بالمصلحة العليا للبلاد، وبناء على تقرير معلّل من الجهات المخولة، إصدار أمر رئاسي يقضي بإعفاء كلّ قاضٍ تعلّق به ما من شأنه أن يمسّ من سمعة القضاء أو استقلاليته أو حسن سيره".

ووفقاً للمرسوم نفسه، فإنّه "تُثار الدعوى العمومية ضد كلّ قاضٍ يتم إعفاؤه على معنى هذا الفصل... ولا يمكن الطعن في الأمر الرئاسي المتعلق بإعفاء قاضٍ إلا بعد صدور حكم جزائي بات في الأفعال المنسوبة إليه". 

تطهير القضاء ركيزة بناء الدول الديموقراطية

الباحث التونسي بالقانون العام، بسام السويسي، أكد على أهمية تطهير المؤسسات القضائية ودعم منظومة العدالة والمساواة، كأحد أهم ركائز الدولة الديمقراطية التي تحترم القانون وتقر الحريات العامة.

القانون يجب أن يكون كالموت، لا يستثني أحداً، ويمنح الجميع حقوقاً متساوية

وفي حديث لـ"حفريات"، يقول الخبير التونسي: إنّ القانون يجب أن يكون كالموت، لا يستثني أحداً، ويمنح الجميع حقوقاً متساوية، مؤكداً أنّ حملة التطهير التي بدأها الرئيس التونسي للمؤسسات القضائية تأتي في وقت بالغ الأهمية لإنهاء سيطرة الإخوان على بعض السلطات القضائية وإقرار مبدأ المساواة وعدم التمييز. 

ويشير السويسي إلى مجموعة من الاختراقات وقعت داخل المؤسسات القضائية خلال سنوات حكم الإخوان بهدف استغلال مؤسسات الدولة النزيهة لخدمة مصالح التنظيم، وربما عكست التعيينات القضائية إبان فترة وزير العدل الإخواني نور الدين البحيري هذا الملمح بوضوح. 

الإخوان وتوظيف القضاء لصالح أجندتهم

وحول ممارسات الإخوان باستغلال المؤسسات القضائية التونسية، يقول السويسي، إنّ التنظيم حرص على إخفاء الملفات الخاصة ببعض القضايا المُدان بها أعضاؤه، مثل قضية اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وكذلك قضية التنظيم السري أو "الغرفة السوداء"، كما مارس ضغوطاً مكثفة على القضاة لإغلاق ملفات أخرى، فضلاً عن تعيين عشرات القضاة التابعين للحركة بمناصب حساسة. 

بسام السويسي: حملة التطهير التي بدأها الرئيس التونسي للمؤسسات القضائية تأتي في وقت بالغ الأهمية لإنهاء سيطرة الإخوان على بعض السلطات القضائية

وينوّه السويسي إلى أنّ القضاة الذين شملهم قرار الرئيس سعيد "معروفون بانتمائهم وصلاتهم، وتتعلق بهم شبهات الانتماء للإخوان، كما أنّ بعضهم تم تعيينهم من جانب قيادات الإخوان في سنوات حكمهم الماضية بالبلاد، وتتعلق بهم شبهات فساد مالي وإداري في مختلف الجهات". 

ويوضح أنّ هناك أسماء أخرى عديدة ضمن قوائم القضاة "متهمين بصلاتهم بجماعة الإخوان والتلاعب ببعض الملفات وأيضاً شبهات فساد، ولكن لم يتم الإعلان عن إعفائهم حتى اللحظة الراهنة"، مرجحاً أن تصدر عدة قرارات مشابهة من الرئاسة خلال الفترة المقبلة في إطار عملية مواصلة تطهير القضاء. 

ويشدد السويسي على أهمية تطهير المؤسسات القضائية من الاختراقات الإخوانية التي أثرت بشكل كبير على سير العدالة في البلاد، وتسريع تلك الحملات التطهيرية بالتزامن مع خريطة الإصلاح الشاملة التي تشمل المناحي، السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، لمعالجة أخطاء المرحلة السابقة، مؤكداً أنّ التأسيس لدستور جمهورية جديدة يتطلب بشكل أولي مؤسسات قضائية على أكبر قدر من النزاهة.

 ضحى طليق: تطهير القضاء هو علامة صحية لكل دولة ترنو إلى وضع الأسس الديمقراطية السليمة ودولة القانون والمؤسسات

وفي المجمل، يرى الباحث التونسي بالقانون العام، أنّ قرارات الرئيس "جيدة وضرورية"، ويرد على من يعترض على قرارات سعيد باعتباره "انفراداً بقرار إعفاء القضاة"، أنّ المجلس الأعلى للقضاء "جرى حلّه سابقاً؛ لأنه ثبت فشله خلال السنوات الماضية في التعامل مع مختلف القضايا، كما أنّ أعضاءه عليهم شبهات فساد أيضاً واتهامات أخرى".

تطهير القضاء مطلب شعبي

من جانبها ترى الإعلامية والكاتبة التونسية ضحى طليق، أنّ تطهير القضاء "مطلب شعبي وليس مجرد قرارات جيدة للرئيس قيس سعيد"، مؤكدة أنّها "محطة ضرورية ضمن مسار التصحيح الذي نادى به التونسيون وانطلق تنفيذه مع 25 تموز (يوليو) 2021".

وفي تصريح لـ"حفريات" تقول طليق: إنه قد تبين على مدى السنوات الـ 10 الماضية أنّ غالبية الملفات المصيرية للبلاد سواء تلك المتعلقة بالإرهاب أو الفساد أو التهريب والاغتيالات السياسية، أو غيره من التجاوزات القانونية الانتخابية التي أعاقت مسيرة التنمية في تونس كانت تضيع جميعها في مكاتب القضاة أو تدفن بتعليمات سياسية، من قبل قيادات إخوانية، كما هو الحال في ملف المعارضين السياسيين الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي؛ حيث أثبتت هيئة الدفاع عن اغتيالهما تورط قضاة مع حركة النهضة في إخفاء ملفات متعلقة بالقضية.

من هذا المنطلق فإنّ تطهير القضاء هو "علامة صحية لكل دولة ترنو إلى وضع الأسس الديمقراطية السليمة ودولة القانون والمؤسسات"، بحسب طليق.

وتشير طليق إلى أنّ هذه العملية قد جوبهت بهجمة شرسة من قبل الإخوان وأذرعهم، مشيرة إلى أنه "أمر ليس غريباً، خاصة أنّ حركة النهضة هي التي كانت مسيطرة على القضاء"، موضحة أنّ النهضة "التي مدت مخالبها في كل دواليب الدولة تخاف من أي عملية تطهير؛ لأنها تعرف جيداً أنّ ملفاتها كلها ستنكشف".

 

مواضيع ذات صلة:

تعديل الدستور التونسي.. لماذا ترفضه حركة النهضة الإخوانية؟

عن أية عواقب كارثية يتحدث محافظ البنك المركزي التونسي؟

فكر النهضة الإرهابي.. هل تطال حرائق الإخوان رئيس تونس؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية