بصمت حيناً وبصخب أحياناً: مبدعون عرب رحلوا في 2019

بانوراما 2019

بصمت حيناً وبصخب أحياناً: مبدعون عرب رحلوا في 2019


29/12/2019

مُنِيَ العالم العربي بخسارات ثقيلة العيار عام 2019، حين أغمض مبدعون عرب أعينهم ورحلوا، تاركين لمحبّيهم إرثاً من الأعمال الإبداعية، في الفكر والشعر والسينما والفن التشكيلي والمسرح والنضال السياسي كذلك، مكرّسين بهذا صورة المبدع المؤثر الذي يسعى للإمساك بتلابيب دور يفوق مجرد تقديم عرض فني أو لوحة أو كتاب.

اقرأ أيضاً: محمد شحرور لمن لم يقرأه.. ماذا تعرف عن ركائز مشروعه الفكري؟
ومن أبرز الراحلين الذين أثاروا سجالاً صاخباً عقب رحيله مباشرة المفكر السوري محمد شحرور الذي أمضى حياته وهو يقارع السلفيين، وبعض "حراس النص الديني"؛ لأنه في نظرهم مارق ويسعى إلى هدم الدين، في حين نظر إليه كثيرون باعتباره مجدّداً اجتهد في تأويل النصوص الدينية، وتعامل بجرأة مع "الثوابت"، وقدّم تصوراً يحتاج إلى إعادة قراءة من أجل فتح الطريق أمام إكمال هذه المسيرة، ووضعها في نصابها الصحيح.

المفكر السوري محمد شحرور

لعلّ الحكاية الأكثر درامية في 2019، كانت من نصيب الشاعر الأردني الراحل، أمجد ناصر، الذي رثى ذاته عبر صفحته الشخصية على فيسبوك؛ حين أخبره طبيبه في بريطانيا بأنّ السرطان قد افترش رأسه، وأنّ أيامه معدودات، فآثر بدوره العودة للأردن، ليقضي ما تبقّى من أيام في كنف والده وأسرته، ومدينته المفرق، التي غادرها حين كان في مستهلّ أعوام شبابه، ملتحقاً بالثورة الفلسطينية.

الشاعر الأردني أمجد ناصر

استطاع أمجد برثائه ذاته، وبقوته اللافتة في التعامل مع شبح الموت، إلهام كثيرين، لا سيما أنّ صورة المناضل العربي الثائر مع الشعب الفلسطيني قد عادت بقوة من خلال تطارح سيرته في الوسائل الإعلامية وحفلات الاحتفاء والتكريم، ولعلّ الأخيرة قد طرحت سؤالاً لافتاً: لماذا لا يحظى المبدع العربي بالاحتفاء إلا إن رحل أو قارب على الرحيل؟

اقرأ أيضاً: هل يرحل الشعراء: عن الكتابة الحيّة لأمجد ناصر في لحظة الاحتضار

السؤال الآنف هو ذاته الذي راودَ كثيرين عند وفاة نجل الفنان أحمد زكي والفنانة هالة فؤاد، الممثل الشاب هيثم، الذي وافته المنية لظرف صحيّ طارئ، ما أحدث حالة من الفجيعة في الوسط الفني وفي أوساط المتابعين الشباب، رغم كونه "مات وحيداً"، كما والده، الذي عانى هو الآخر من وِحدة عصيبة في أيامه الأخيرة.

الفنان هيثم زكي

الشاعر والمثقف الإماراتي حبيب الصايغ كان واحداً ممّن مدّوا جسوراً ثقافية متينة مع الشقيق العربي، ما جعل حالة الاحتفاء به عالية، وإن كانت لم تتجاوز في مرات كثيرة حدود تعداد المناصب التي أمسك بتلابيبها، عربياً وإماراتياً، غير أنّ التقييم الحقيقي لتجربته في الكتابة، وعلومه التي تلقّاها جامعياً في مؤسسات رفيعة، كانت غائبة، ما يعكس أزمة نقد حقيقية، وما يعكس غياب الاهتمام النقدي، كما ينبغي له أن يكون، عن نتاج كثير من المبدعين العرب الذي لم يوفّروا جهداً في تقديم المهم واللافت للجمهور العربي.

الشاعر والمثقف الإماراتي حبيب الصايغ

تتجلّى النقطة السابقة كذلك في حالة صبحي غوشة، السياسي والكاتب، الذي كان واحداً ممن أفل نجمهم في 2019، وقد كان لغوشة باع طويل في النضال السياسي والتفكير العميق بالأزمة الفلسطينية والأزمات العربية، وقد قدّم على مدار أعوام طوال، الكثير من هذا النتاج في الصحف والمطبوعات وفي كتب خاصة، إلى جانب نشاطه الطبي اللافت، فلسطينياً وعربياً، ليستذكره الشعب الفلسطيني على صعد عدّة، لعلّ أقلها "احتفائياً"، إن جاز التعبير، كان الجانب الإبداعي، ما يعكس، كما دوماً، حجم الخلل الجسيم عربياً في التعامل مع الشق الإبداعي في شخصية ما، وإيثار جوانب أخرى في التقديم والطرح على حساب هذا الشقّ.

السياسي والكاتب صبحي غوشة

أحد من غادروا الوسط الإبداعي العربي عام 2019، بقليل من الضجة التي لم تتجاوز في مرات كثيرة حدود العالم الافتراضي، كان المترجم الفلسطيني صالح علماني، الذي حمل على كتفيه على مدار عقود، مسؤولية ترجمة أعمال شهيرة من الأدب اللاتيني، ونقلها للمتابِع العربي، إلى حدّ بات فيه اسم علماني مرتبطاً بهذا الأدب بشكل أساسي، لقدرته اللافتة على انتزاع ثقة المتلقي بما يقدّمه من ترجمات يشعر من يقرؤها كما لو كانت نصّاً أصيلاً لا مترجماً.

اقرأ أيضاً: في وداع صالح علماني.. أدخلنا عالماً ساحراً بحب ومضى
الجدلية التي رافقت علماني في وفاته، والتي أبرزها مثقفون كثيرون في نعيهم إياه، كانت وقوفه في صفّ النظام السوري، ما جعل كثيرين يطرحون سؤالاً حول الحدّ الفاصل بين الاحتفاء بالمبدع كصاحب نتاج، وبين تقييمه والتعامل معه من منظور مواقفه السياسية.

كان المترجم الفلسطيني صالح علماني

الجدلية ذاتها، المرتبطة بالنظام السوري، رافقت كذلك الممثل المصري الذي رحل في 2019، فاروق الفيشاوي، ما جعلَ نعيه مقروناً بكثير من عبارة "ولو أنه كان مع النظام السوري"، بيد أنّ استذكاره كان كواحدٍ من الجيل المصري الذهبي، الذي قدّم فناً ارتبط بفترة زمنية كانت فيها الأعمال الفنية المصرية تُذاع في الصباح والمساء في بيوت العالم العربي ومقاهيه.

الممثل المصري فاروق الفيشاوي

في مقابل ذلك؛ سطَعَ نجم فنانين كانوا منسيّين إلى حدّ كبير، كالممثلة المصرية التي رحلت في 2019، محسنة توفيق، التي كانت من الوجوه المصرية اللافتة في مظاهرات يناير، التي أطاحت نظام الرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك، ما جعل وتيرة الاحتفاء بالراحلة عالية جداً، بل أعلى بكثير من الاحتفاء الذي كان شبه غائب عنها طوال حياتها.

الممثلة المصرية محسنة توفيق

المخرج التونسي العروبي شوقي الماجري؛ رحلَ بشكل مفاجئ في 2019، غير أنّ أعماله الفنية، التي ارتبطت في الذهن العربي بالحق المسلوب في الأرض وحيال المستعمر والمحتلّ، كانت كفيلة بالاحتفاء به ونعيه واستذكار ما قدّمه، بسويّة عالية كذلك، فجاء الأمر كما لو كان تكريماً للتونسي الذي وجّه كاميرته الفنية ناحية القضايا العربية والهموم العالقة منذ زمن.

المخرج التونسي شوقي الماجري

عزت أبو العوف؛ كان واحداً من الممثلين المصريين الذين نعاهم الجمهور بكثير من الأسى، عام 2019، رغم كونه لم يحظَ بالاهتمام الكافي، رغم مرضه في أيامه الأخيرة وظهوره بحالة صحية متردّية في كليب "3 دقات" ليسرا وأبو العوف، ورغم أنّه قضى عمراً طويلاً في أدوار ثانوية، ولم يحدث تقريباً أن أُنيطَ به دور رئيس في عمل فني ما، لكنّ وقع موته كان صاخباً لدى الجمهور، بعكس فنانين آخرين رحلوا بهدوء، مثل الفنان محمود الجندي، الذي رافقته الجدليات في أعوام حياته الأخيرة، تارة لإعلانه إلحاده سابقاً ومن ثم إيمانه، وتارة لزواجه من الممثلة عبلة كامل في مرحلة متأخرة، ومن ثم انفصالهما، وسعيد عبد الغني الذي رحل هو الآخر بهدوء رغم كونه واحداً من أبرع من قدّموا شخصية رجل الاستخبارات الإسرائيلي في الأعمال الفنية المصرية، لا سيما تلك التي ارتبطت بفترة حرب الاستنزاف التي وقفت فيها السينما المصرية جنباً إلى جنب مع الجهد العسكري والاستخباراتي المصري.

الفنان المصري عزت أبو العوف

طلعت زكريا وشعبان عبد الرحيم، لم يحظيا بكثير من الاهتمام حين رحلا في 2019؛ لارتباط اسمهما بالتساوُق مع النظام المصري على حساب الثائرين والمطالبين بحقوقهم، منذ يناير 2011، فلم ينسَ الجمهور لطلعت زكريا مساسه الثوّار في ميدان التحرير بأخلاقهم، كما لم ينسَ لشعبان عبد الرحيم كذلك مواقفه المتزلّفة للنظام المصري، في مراحل عدّة، إلى جانب اتهامه بتقديم "فنّ هابط" بل وتكريسه هذا النمط في الأعوام الأخيرة.

الفنان الشعبي المصري شعبان عبدالرحيم

كمال بلاطة، الفنان التشكيلي الفلسطيني الذي عاشَ ردحاً طويلاً من الزمن في المهجر، كان واحداً ممّن غيّبهم الموت في 2019، بيد أنّ قلة هم الذين استذكروا بلاطة، وقلة من اطّلعوا على فنّه وناقشوه، رغم التهامس في مرات كثيرة في مجالس الفنانين التشكيليين حول هذه الجدليات، غير أنّها دوماً (ولعلّ هذا مكمن خلل كبير لدى الوسط الثقافي والإبداعي العربي وهو بقاء هذه الجدليات والتهامس حولها) في إطار النميمة، لا في إطار النقد البنّاء وإثراء الحوار حول تجربة مبدع ما.

الفنان التشكيلي الفلسطيني كمال بلاطة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية