باكستان والأجندة التركية في آسيا.. ما علاقة الإخوان؟

باكستان والأجندة التركية في آسيا.. ما علاقة الإخوان؟


02/02/2021

في منتصف شباط (فبراير) من العام 2020، ألقى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان خطاباً أمام الجمعية الوطنيّة في باكستان (البرلمان)، لعب فيه بكل الأوراق السياسية المتاحة، بداية من إهداء الرئيس الباكستاني عارف علوي، كتاباً عن القضية الفلسطينية، ومروراً بمداعبة المشاعر الدينية، منتهياً بدعم المطالب الباكستانية فيما يتعلق بإقليم كشمير، ما دفع رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، إلى القول مادحاً: "الرئيس التركي أردوغان، سيفوز حتماً، إن دخل الانتخابات القادمة في باكستان".

الرئيس الباكستاني عارف علوي

التوجه التركي نحو باكستان، يستهدف التمدد داخل دوائر الفراغ السياسي في آسيا، وبناء قواعد للنفوذ التركي، لمواجهة الضغط الإقليمي في شرق المتوسط، ومن ثم عمل أردوغان على تفعيل دور مجلس التعاون التركي الباكستاني، وتعزيز سبل العمل الاقتصادي والسياسي المشترك، من خلال توقيع اتفاقيات تجارية وسياسية متعددة، وفتح مجالات التعاون العسكري، والسعي نحو رسم خريطة طريق، لتوطيد أواصر التعاون بين أنقرة وإسلام آباد.

تحاول تركيا تحت غطاء العثمانية الجديدة، تكوين محور إسلامي يتسق وأيديولوجيا حزب العدالة والتنمية

جدير بالذكر أنّ حجم التبادل التجاري بين البلدين، بلغ  في العام 2019 نحو 803 ملايين دولار، وهو رقم مرشح للتضاعف خلال السنوات القادمة.

محاولات أنقرة لاستقطاب إسلام آباد

تحاول تركيا، تحت غطاء العثمانية الجديدة، تكوين محور إسلامي يتسق وأيديولوجيا حزب العدالة والتنمية، وتدعمه الأذرع الإخوانية حول العالم، ويبدو أنّ الرئيس التركي وجد ضالته في رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، والذي رضخ للأجندة التركية في مقابل عدد من الاتفاقيات الاقتصادية، حتى أنّه سبق وأعلن أثناء زيارته لأنقرة في كانون الثاني (يناير) العام 2019، عن تصميم بلاده على مكافحة منظمة غولن، التي يزعم النظام التركي أنّها نفذت محاولة الانقلاب الفاشلة منتصف العام 2016.

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان

سعت أنقرة تجاه تتويج هذه المحاولات، بعقد القمة الإسلامية الخماسية، في العاصمة الماليزية كوالالمبور، في كانون الأول (ديسمبر) العام 2019، والتي اصطلح على تسميتها قمة الإخوان، وكانت باكستان ضمن الدول الخمس التي أعلن قادتها حضور القمة، إلى جانب تركيا وماليزيا وأندونيسيا وإيران، حيث بدأت تتضح معالم المحور الإسلامي الذي يخدم الأجندة التركية، بالتنسيق مع إيران، حيث لم توجه الدعوة إلى الدول الإسلامية الكبرى، التي تعارض التوجهات التركية ذات الصبغة الإخوانية.

أردوغان بخطابه الديني يستهدف تنظيمات إسلامية للحصول على شعبية في الشارع الآسيوي يدعم من خلالها مشروعه السياسي

وقبيل ساعات من عقد القمة، تراجع رئيس الوزراء الباكستاني عن حضورها، في أعقاب تراجع إندونيسيا، وصرّح وزير الخارجية الباكستاني، شاه محمود قريشي، أنّ "باكستان انسحبت من القمة بسبب مخاوفها من أنّها قد تقسم العالم الإسلامي".

اقرأ أيضاً: الإرهاب يقلّ في باكستان لكنّ جذور التطرف راسخة

جاء التراجع الباكستاني، ليوجه ضربة قاصمة لتطلعات أردوغان، ما أضعف القمة، وكرس فشلها، وزعم أردوغان أنّ "السعودية مارست ضغوطاً على باكستان، وقدمت تعهدات للبنك المركزي الباكستاني"، وزعم أنّ "هناك أربعة ملايين عامل باكستاني في السعودية، هدّدت الرياض بطردهم، واستبدالهم بعمال من بنغلاديش، وبسحب ودائع من البنك المركزي الباكستاني".

وزير الخارجية الباكستاني، شاه محمود قريشي

كان انسحاب عمران خان، في اللحظات الأخيرة مدروساً؛ لأنّه وفقاً للحسابات السياسية، سوف تخسر بلاده الواقعة تحت الضغط الاقتصادي، علاقاتها الجيدة بدول الخليج العربي، بالإضافة إلى أنّ عدم عقد القمة تحت رعاية منظمة التعاون الإسلامي، يقدم دليلاً دامغاً على تشكيل محور إسلامي، تنخرط فيه إيران، ما يضع ثاني أكبر دولة إسلامية، في حرج شديد.

أردوغان وجد ضالته في عمران خان الذي رضخ للأجندة التركية مقابل عدد من الاتفاقيات الاقتصادية

في أعقاب الانسحاب، حاولت أنقرة احتواء باكستان من جديد، وإن رأت بعض الدوائر في إسلام آباد، نوعاً من الإهانة في تصريحات أردوغان، لكن المصالح السياسية غلبت في نهاية الأمر، خاصّة وأنّ أنقرة باتت من أهم داعمي الموقف الباكستاني في كشمير، ومن ثم جاءت زيارة أردوغان لباكستان، للتلويح مرة أخرى بالدعم الاقتصادي، في محاولة لإحياء المحور الآسيوي الجديد، بالإضافة إلى ما تمثله باكستان من أهمية اقتصادية لتركيا، من حيث حجم السوق، ووقوعها ضمن مشروع الممر الاقتصادي المشترك "CPEC" بينها وبين والصين.

 وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو

وجاءت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، إلى إسلام آباد في 13 كانون الثاني (يناير) الماضي، كمحاولة لتفعيل العلاقات الاقتصادية، وممارسة المزيد من الاستقطاب، لتفعيل ما جرى الاتفاق عليه في كوالالمبور، وبالأخص الشق الاقتصادي، فعلى الرغم من عدم حضور باكستان، إلا أنّها تظل عنصراً مهماً من عناصر الطوق التركي في آسيا، كما شدّد أوغلو، في لقائه بعمران خان، على "ضرورة تعزيز علاقات التعاون في مجالات التجارة، والدفاع، والاستثمار، والثقافة"، وعلى هامش الزيارة، قلّد الرئيس الباكستاني عارف علوي، وزير الخارجية التركي، وسام هلال باكستان، في حفل تكريم بالقصر الرئاسي.

يبلغ عدد المنضوين تحت لواء الإخوان المسلمين في باكستان أكثر من 6 ملايين عضو مؤيد

يرى الباحث المصري في الفكر السياسي الدكتور سامح مهدي، أنّ "محاولات أنقرة لاستقطاب باكستان ليست جديدة، حيث كانت إسلام آباد دوماً محط اهتمام تجاري تركي، لوقوعها على طريق الحرير الجديد، بكل ما يمثله من أهمية اقتصادية، ومن ثم ترى تركيا ضرورة وضع قدم في هذه المحطة التجارية، والانفتاح على السوق الباكستاني الضخم".

الباحث المصري في الفكر السياسي الدكتور سامح مهدي

ويضيف مهدي في حديثه لـ"حفريات"، أنّ "تركيا تتجه الآن نحو ضم باكستان إلى الحزام الآسيوي، والذي يضم ماليزيا وأندونيسيا وبنغلاديش، باستخدام الخطاب الإسلامي، وبدعم من الأذرع الإخوانية في آسيا، وهو الأمر الذي تلعب فيه الجماعة الإسلامية بباكستان دوراً مهماً، في الدعاية للرئيس التركي، وأحلام الخلافة العثمانية".

الإخوان في باكستان ودعم الأجندة التركية

تنتهج الجماعة الإسلاميّة في باكستان، التي أسّسها أبو الأعلى المودودي، نهج الإخوان المسلمين؛ حيث أسهم قسم الاتصال بالعالم الإسلامي، الذي وضعه حسن البنا، في دعم العلاقات بين فرعي التنظيم، وانخراط الجماعة الإسلاميّة ضمن أنشطة التنظيم الدولي، ويبلغ عدد المنضوين تحت لواء الإخوان المسلمين في باكستان أكثر من 6 ملايين عضو مؤيد، وللجماعة مائتا فرع، في معظم المدن والقرى الباكستانيّة، وتعتنق خطاباً متشدداً، يتخذ أحياناً صبغة جهادية.

تدعم الجماعة الإسلامية بشكل مطلق توجهات الرئيس التركي ما دفع البعض إلى التأكيد على ممارستها ضغطاً على الحكومة

 وتدعم الجماعة بشكل مطلق توجهات الرئيس التركي، ما دفع البعض إلى التأكيد على أنّها تمارس ضغطاً على الحكومة، من أجل التوافق الكامل مع الأجندة التركية، كما انتقدت الجماعة انسحاب عمران خان من قمة كوالالمبور، مشيدة في الوقت نفسه بالدور التركي في نصرة الإسلام.

وفي أعقاب الدعاية السياسية التركية، التي صاحبت تحويل آيا صوفيا إلى مسجد، وجه أمير الجماعة الإسلامية، سراج الحق، رسالة إلى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قال فيها: "إنّ خبر فتح آيا صوفيا أمام المصلين المسلمين بعد 86 عاماً، أثلج صدور المسلمين في كل أنحاء العالم، وعلى وجه الخصوص في باكستان"، مضيفاً "مَن غير الرئيس أردوغان، يمكنه تولي هكذا مسؤولية كبيرة".

القصاص: أردوغان لعب بورقة كشمير مع ممارسة الابتزاز الاقتصادي واستغلال الأزمات التي تمر بها باكستان

كما حرص رئيس الوزراء عمران خان، على تأييد القرار التركي، حيث قال في تغريدة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي تويتر: "أهنئ الجمهورية التركية، والرئيس رجب طيب أردوغان، في هذا اليوم التاريخي، بعد إقامة أول صلاة منذ 86 عاماً، في مسجد آيا صوفيا".

اقرأ أيضاً: غزو تركي ناعم لباكستان

من جهته يقول الباحث المصري في العلوم السياسية، الدكتور عبد السلام القصاص، أنّ "الإخوان أسّسوا حركة الإغاثة الدولية في العام 1984 بمدينة برمنغهام البريطانية، على يد قيادات التنظيم الدولي، مثل هاني البنا، وإبراهيم الزيات، وأقامت الحركة فرعاً لها في باكستان، وانتهزت الصراع في أفغانستان لجمع الأموال، ونشر التطرف، ولعبت الجماعة الإسلامية دوراً كبيراً في دعم المنهج الإخواني، وتكوين قاعدة شعبية كبيرة، باستخدام الدعاية الدينيّة، وكذلك الصراع مع الهند حول إقليم كشمير".

الباحث المصري في العلوم السياسية، الدكتور عبد السلام القصاص

ويرى القصاص، في تصريحه لـــ"حفريات"، أنّ "أردوغان فطن إلى ذلك، ولعب بورقة كشمير، مع ممارسة الابتزاز الاقتصادي، واستغلال الأزمات التي تمر بها باكستان، وكذلك بدعم من الجماعة الإسلامية، باعتبارها ذراعاً إخوانياً لديه قدرة على حشد الشارع، خاصّة في لاهور وبعض المدن، وبالتالي فإنّ أردوغان بخطابه الديني يستهدف تلك التنظيمات، للحصول على شعبية في الشارع الآسيوي، يدعم من خلالها مشروعه السياسي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية