باحثان لـ "حفريات": المواجهة الفرنسية مع الإخوان ضعيفة... وهذا ما يعيق حظر التنظيم

باحثان لـ "حفريات": المواجهة الفرنسية مع الإخوان ضعيفة... وهذا ما يعيق حظر التنظيم

باحثان لـ "حفريات": المواجهة الفرنسية مع الإخوان ضعيفة... وهذا ما يعيق حظر التنظيم


27/05/2023

عكست الإجراءات الفرنسية الأخيرة، التي استهدفت محاصرة أنشطة جماعة الإخوان ومصادرة أموال التنظيم، ملامح خطة مواجهة جديدة مع التنظيم المصنف على قوائم الإرهاب في عدد من الدول، قد تصل إلى حظر التنظيم نهائياً داخل البلاد، على غرار ما حدث مع تنظيم "الذئاب الرمادية" التركي قبل نحو (3) أعوام، حسب تقدير مراقبين. 

وتوقع خبيران تحدثا لـ "حفريات" حول طبيعة المواجهة المرتقبة أن تقرّ السلطات الفرنسية حزمة إجراءات في القريب العاجل، من شأنها التضييق على أنشطة التنظيم، ووضع عناصره ومصادر تمويله تحت رقابة صارمة، تهدف إلى تفكيك الشبكات التابعة له، وكشف المؤسسات المرتبطة به، والتي تعمل تحت غطاءات ثقافية واجتماعية وخدمية داخل المجتمع الفرنسي، دون الإعلان عن أيّ صلات مباشرة مع التنظيم. 

ما طبيعة الإجراءات المرتقبة؟ 

بداية يصف الخبير الأمني رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات جاسم محمد الإجراءات الأخيرة من جانب السلطات الفرنسية بأنّها  جاءت مكملة في ضوء الاستراتيجية التي أقرتها البلاد عام 2018، لتنفيذ مواجهة أكثر شمولاً مع تنظيمات الإرهاب والتطرف في الداخل الفرنسي، ضمن مشروع مواجهة الانفصالية. 

ويقول محمد لـ "حفريات": إنّ الإجراءات في مجملها تستهدف فرض رقابة صارمة على أنشطة التنظيم وتتبع مصادر تمويله، وكذلك رصد تواصله مع عدد من التنظيمات الإرهابية خارج البلاد، وأيضاً إعادة مراجعة الثروات الخاصة بقيادات التنظيم أو المتحالفين معه بالداخل الفرنسي. 

الإجراءات في مجملها تستهدف فرض رقابة صارمة على أنشطة التنظيم وتتبع مصادر تمويله

ويذكر محمد في هذا الصدد، على سبيل المثال، الداعية الفرنسي من أصل مغربي  حسن إكويسن، الذي يمثل إمبراطورية مالية، ويمتلك ثروات ضخمة داخل فرنسا  مثيرة للشبهات، وهو ما دفع الحكومة الفرنسية إلى إبعاده خارج البلاد، وربما هرب خارج البلاد، حسبما تشير بعض التقديرات. 

(3) محاور رئيسية لمواجهة حاسمة

بحسب جاسم محمد، تتمحور خطة المواجهة التي تتبعها الحكومة الفرنسية، أو أيّ حكومة أوروبية أخرى، لمواجهة أنشطة التنظيمات الإرهابية وفي القلب منها تنظيم الإخوان، حول (3) عناوين رئيسية؛ هي: المتابعة والرقابة والتعزيز، ويشير في هذا الصدد إلى أنّ الإجراءات التي تنفذها الحكومات الأوروبية تخضع أيضاً للرقابة من جانب البرلمان. 

ويوضح أنّه "في كثير من الأحيان تطلب اللجان البرلمانية توضيحات بشأن الجهود المتبعة بمجال مكافحة الإرهاب وتعقب مصادر تمويله، ومدى نجاح أهدافها على المدى القريب والبعيد، لذلك يتوقع خلال الأسابيع المقبلة أن تقدّم الحكومة الفرنسية معلومات واضحة حول أهداف خطتها وتحركاتها بصدد مواجهة تنظيمات الإرهاب والتطرف".

جاسم محمد: الإجراءات في مجملها تستهدف فرض رقابة صارمة على أنشطة التنظيم وتتبع مصادر تمويله، وكذلك رصد تواصله مع عدد من التنظيمات الإرهابية خارج البلاد، وإعادة مراجعة الثروات الخاصة بقيادات التنظيم أو المتحالفين معه بالداخل الفرنسي

وفي ضوء الإجراءات الراهنة، يتوقع محمد أن تحصل الحكومة الفرنسية في القريب العاجل على معلومات أكثر ثبوتاً ووضوحاً تتعلق بالأنشطة المخفية والخطيرة لتنظيم الإخوان في الداخل، مشيراً إلى أنّ التحقيقات وإجراءات التتبع والملاحقات الراهنة ستقود للكشف عن تفاصيل أكثر، وكذلك معلومات واضحة حول أنشطة الإخوان، وطبيعة تحركاتهم في الداخل، كما ستكشف مصادر تمويلهم. 

والأهم، بحسب رئيس المركز الأوروبي، هو كشف طبيعة المنظمات التي تعمل في الداخل الفرنسي ويتنوع نشاطها ثقافياً واجتماعياً وتنفي أيّ ارتباط مع التنظيم، الموضوع على قوائم الإرهاب في دول عربية، والمدان بقضايا إرهابية، لذلك من المفترض أن تكشف التحقيقات الجارية عن هذه الارتباطات، وأن تسمح للسلطات باتخاذ إجراءات حاسمة ضد هذه المنظمات. 

التوسع في التحقيقات وتعقب الشهادات وتتبع مصادر التمويل، كلها أمور ستقود في النهاية إلى إجراءات أوسع لمحاصرة التنظيم، لا يستبعد أن تصل إلى محاصرة نشاطه على غرار تنظيمات أخرى، بحسب تقدير الخبير الأمني الأوروبي. 

هل ثمّة عقبات تعترض المواجهة الفرنسية؟ 

يقول محمد: إنّ تنظيم الإخوان يحظى بدعم إقليمي، إضافة إلى الدعم المقدّم له من بعض الحكومات العربية، الأمر الذي قد يمثل ضغطاً على فرنسا فيما يتعلق بتوسيع إجراءتها ضد التنظيم، خاصة إذا كان الضغط أو الوساطة من جانب دول تربطها مع باريس مصالح اقتصادية أو كونها دولة مصدرة للنفط. 

التوسع في التحقيقات وتعقب الشهادات وتتبع مصادر التمويل، كلها أمور ستقود في النهاية إلى إجراءات أوسع لمحاصرة التنظيم

ويرى محمد أنّ تلك الضغوط ربما تمثل عائقاً أمام القرار الفرنسي بخصوص حظر أنشطة التنظيم، خاصة أنّه قرار سياسي أكثر من كونه قضائياً، رغم أنّ جهات التحقيق الآن تسعى لجمع الدلائل والمعلومات حول مختلف أنشطة التنظيم، وربما سيكون الكثير منها متاحاً في القريب العاجل، لكنّ الشق السياسي ربما يعيق الأمر لفترة أطول، حرصاً على سلامة المصالح الفرنسية مع بعض الدول الداعمة للتنظيم. 

خطوات بطيئة ليست على المستوى المطلوب

من جهته، يقول المحلل السياسي، رئيس تحرير صوت الضفتين بباريس، نزار الجليدي لـ "حفريات": إنّ الخطوات الفرنسية بصدد مواجهة تنظيم الإخوان حتى اللحظة الراهنة تُعدّ بطيئة، وليست على المستوى المطلوب منها. 

ويشير الجليدي إلى أنّ التحقيقات التي نشرتها جريدة "لوفيغارو" الفرنسية نهاية الأسبوع الماضي، أكدت أنّ هناك نحو (50) ألف عنصر نشط يتبعون تنظيم الإخوان يعملون في الداخل الفرنسي، وهو رقم يعكس مخاطر كبيرة جداً على الأمن الفرنسي وأيضاً الحريات وقيم المجتمع. 

بحسب الجليدي، يمثل الإخوان داخل فرنسا خطراً متفاقماً منذ التسعينيات، وليس جديداً، خاصة مع تنامي ثرواتهم المالية بشكل كبير جداً خلال الأعوام الأخيرة، ومع ذلك، جاءت المواجهة معهم متأخرة، وليست على مستوى الخطر القائم. 

نزار الجليدي: الخطوات الفرنسية بصدد مواجهة تنظيم الإخوان حتى اللحظة الراهنة تُعدّ بطيئة، وليست على المستوى المطلوب منها

ويشير الجليدي إلى التحالف بين اليسار الفرنسي والتنظيم، فقد سمح الأول بتواجد الإخوان ودعمهم، خاصة القادمين من المغرب العربي (تونس، والمغرب، والجزائر)، مشيراً إلى أنّ احتدام المواجهة اليوم لا يخرج عن دائرة المشاحنة السياسية بين اليمين المتطرف واليسار أيضاً، وهو محاولة لمغازلة الفرنسيين بملف محاربة الإرهاب والتطرف. 

ويرى الجليدي أنّ الخطر ما يزال قائماً ويتمدد داخل فرنسا، وتحتاج مواجهته إلى قرارات رادعة ومواجهة صارمة أكثر واقعية مع تنظيمات التطرف في الداخل الفرنسي، وإلّا ستجد البلاد نفسها بمواجهة خطر محدق، وربما موجات إرهاب لا يمكن تحملها. 

تحقيقات موسعة ومصادرة (25) مليون يورو

كانت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية قد نشرت معلومات مفصلة، نهاية الأسبوع الماضي حول تحقيق واسع النطاق تجريه السلطات الفرنسية في الوقت الراهن بشأن أنشطة تنظيم الإخوان، قادت إلى مصادرة (25) مليون يورو. 

وذكرت الصحيفة أنّه "بعد عامين ونصف من صدمة اغتيال صموئيل باتي، الذي تم قطع رأسه على يد إرهابيين في تشرين الأول (أكتوبر) 2020، وبعد (5) أشهر من طرد الإمام الإخواني حسن إكويسن إلى المغرب، حددت المديرية العامة للأمن الداخلي (المخابرات الداخلية الفرنسية) ما لا يقلّ عن (20) صندوق أوقاف يشتبه بارتباطه بالإسلام السياسي في فرنسا".

ونقلت الصحيفة عن مسؤول فرنسي رفيع مطلع على الملف قوله: "تم تأسيس هذه الصناديق في عام 2008 لتوجيه الأموال الخاصة نحو الأنشطة ذات الاهتمام العام، ولم تتم مراقبة هذه الصناديق من قبل السلطات الفرنسية".

ووفق الصحيفة، تم استثمار الأموال بشكل غير قانوني في "غرف الصلاة"، لضمان تشغيل وصيانة المساجد المعروفة بقربها من الإخوان.

مواضيع ذات صلة:

جماعة الإخوان تستنفر لدعم أردوغان في جولة الإعادة... ما الخطة والأهداف؟

تونس... هل ينجح البرلمان الجديد في ما فشل فيه برلمان الإخوان؟

لماذا يهاجم الإخوان الحوار الوطني في مصر ويطالبون سراً بالمشاركة فيه؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية