
يشهد قطاع غزة تصاعدا ملحوظاً في الاحتجاجات الشعبية ضد حركة حماس، حيث خرجت مظاهرات تطالب بإنهاء الحرب وتحسين الأوضاع الإنسانية المتدهورة، ويأتي ذلك في ظل ظروف إنسانية صعبة للغاية، حيث يعاني سكان القطاع من نقص حاد في الخدمات الأساسية، وتزايد معدلات الفقر والبطالة، وتدمير البنية التحتية جراء الحرب.
وتظاهر آلاف الفلسطينيين في شمال قطاع غزة، في احتجاجات علنية نادرة، للمطالبة بإنهاء الحرب ودعوة حماس للتخلي عن السيطرة على القطاع.
وأصدرت عشائر وأهالي الشجاعية الثلاثاء بياناً يدعو إلى انتفاضة شعبية في غزة ضد حركة حماس، مؤكدين أن "معاناة أهالي غزة من قهر وتجويع ودمار قد بلغت ذروتها، وأن الوقت قد حان للوقوف في وجه هذه السياسات المدمرة".
ودعا البيان باسم عشائر غزة، إلى مسيرة غضب ضد من استغلوا معاناة الشعب الفلسطيني لمصالح ضيقة، لافتا إلى أن أهل غزة قد ضحوا بالغالي والنفيس، لكنهم لم يجنوا سوى مزيد من الموت والجوع والذل، مشددا على أن الشعب الفلسطيني لن يقبل أن يستمر في كونه وقوداً لهذه المعادلات السياسية الضيقة.
كما طالب البيان من حركة حماس برفع يدها عن غزة فوراً وإنهاء الحصار الظالم الذي أُفرض على القطاع بسبب قرارات لا تمثل إرادة الشعب الفلسطيني، داعيا إلى ضرورة وحدة الشعب الفلسطيني في مواجهة التحديات والظروف الراهنة.
وفي ختام البيان، أكد أهالي الشجاعية أن غزة ليست رهينة لأحد، وأنها ستتحرر بإرادة أهلها وبوحدتهم، داعين جميع المواطنين للنزول إلى الشوارع وإيصال صوتهم للعالم.
ويعاني سكان غزة من نقص حاد في الخدمات الأساسية، مثل المياه والكهرباء والرعاية الصحية، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، فيما أدت الحرب الأخيرة إلى تدمير واسع النطاق في البنية التحتية والمنازل، مما زاد من معاناة السكان.
ومن جانبها، دعت حركة فتح، حركة حماس إلى الاستجابة لـ"نداء الشعب الفلسطيني" في غزة، و"الانفكاك عن ارتباطاتها الإقليمية والخارجية، وإفساح المجال للسلطة الفلسطينية للاضطلاع بدورها في القطاع".
وقال الناطق باسم "فتح" ماهر النمورة، إن "الشعب الفلسطيني الذي يجابه بصموده وتشبثه بأرضه وحقوقه المشروعة لن يقبل أن يكون مصيره مرهونا بأجندة إقليمية- فصائلية لا تعبر عن هويته ومصالحه العليا".
وأكد الناطق باسم فتح، أن "الاحتجاجات التي خرجت في غزة جاءت نتيجة حتمية لعقود من تجيير حماس لقطاع غزة لصالح مشاريع إقليمية، ونتاجا لاضطهاد وقمع وتنكيل لأي حراك شعبي منذ انقلابها على الشرعية عام 2007"، لافتا إلى أن "التصريحات الصادرة عن حماس حول مستقبل غزة مقرونة بالتزامها بفك ارتباطاتها الإقليمية، والكف عن استخدام شعبنا وقضيتنا وسيلة لمآرب لا تتصل ومشروعه الوطني".
وطالب المتحدث، حركة حماس، "بالإصغاء إلى صوت الشعب الفلسطيني في غزة ومعاناته، وإفساح المجال للسلطة الفلسطينية صاحبة الولاية على قطاع غزة بالاضطلاع بدورها في تضميد جراح شعبنا، وإعادة إعمار القطاع، والتصدي لمشاريع التهجير والترحيل".
ولفت النمورة إلى أن "على حماس الإقرار والاعتراف بمآلات سياساتها وقرارتها الأحادية التي ألقت بقطاع غزة في غياهب المجهول"، مردفا أن "المكابرة والاستعلاء وتضارب التصريحات لا تدلل على استشعار بالمسؤولية في مرحلة تاريخية أحوج ما يكون فيها شعبنا إلى التوحد أمام مخططات الاحتلال في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس".
وفي مشهد نادر الحدوث في قطاع غزة، خرج آلاف الفلسطينيين في مسيرات احتجاجية في شوارع بلدة بيت لاهيا وجباليا شمال القطاع، مطالبين بوقف الحرب التي أرهقت المدنيين وأثقلت كاهلهم بالمآسي والدمار.
لكن اللافت في هذه المسيرات، التي بدت عفوية، أنها لم تقتصر على الدعوة لإنهاء القتال، بل حملت غضبا متزايدا تجاه حركة حماس، التي يحملها كثيرون مسؤولية الواقع المأساوي الذي يعيشونه.
ووسط الهتافات المطالبة بالحرية والسلام، رفع المتظاهرون شعارات تدين استمرار القتال وتطالب برحيل القيادات التي لم تحقق سوى المزيد من الدمار. "نريد أن نعيش"، "كفى دمارا"، و"يا حماس برة برة"، كانت بعض الشعارات التي علت في أرجاء البلدة، في تعبير عن سخط متزايد تجاه الحركة التي تسيطر على غزة منذ عام .2007
ويقول محمد الكيلاني، مدرس لغة عربية وأب لطفلين، فقد وظيفته بعد أن دمرت المدرسة التي كان يعمل بها في غارة جوية "إحنا مش أرقام في نشرات الأخبار، إحنا ناس لها بيوت وعائلات وأحلام. تعبنا من الحروب اللي كل مرة بتسرق منا حياتنا".
ويضيف "كل يوم بطلع من البيت مش متأكد إذا راح أرجع أشوف ولادي، وإذا بكرة أصلا موجود لهم. بس المشكلة مش بس بالحرب، المشكلة إنه حياتنا كلها صارت رهينة بيد ناس ما بتسأل عنا، لا حماس ولا غيرها".
ويتزايد شعور المواطنين في غزة بأنهم عالقون في صراع لا يخدم سوى المصالح السياسية، بينما هم يدفعون الثمن الأكبر.
وأبوخالد أبورياش، صاحب متجر في الخمسين من عمره، خسر كل شيء بعد أن دمر محله في القصف، ليجد نفسه مع عائلته بلا مأوى ولا مصدر رزق.
ويقول بحسرة "رزقي راح، بيتي تدمر، ولادي اتشردوا، ولسا بيحكوا لنا اصبروا. حماس بتطالبنا نصبر، بس هم عايشين بأمان وولادهم مش تحت القصف".
أما محمود الحواجري، الذي فقد عمله في البناء بسبب الدمار، فيقول "كبرنا وإحنا بنسمع عن بكرا اللي عمره ما إجى. طفولتنا راحت، شبابنا عم يضيع، وإحنا لسا بنحلم بحياة طبيعية".
ويضيف بلهجة غاضبة "إحنا مش وقود لمشاريع سياسية، مش لازم كل مرة ندفع الثمن لحسابات قادة ما بهمهم غير سلطتهم".
وعادة ما تكون التظاهرات في غزة مدفوعة بنداءات من الفصائل الفلسطينية، لكن هذه المرة جاءت من قلب الشارع، بلا توجيه أو قيادة واضحة، في مؤشر على التحول الذي يشهده المزاج الشعبي تجاه حماس وإدارتها للقطاع.
ويرى مراقبون أن هذه الاحتجاجات قد تشكل تحديا غير مسبوق للحركة، التي اعتادت على قمع أي صوت معارض. وقال خبراء ومحللون فلسطينيون إن على حركة حماس الانتباه إلى هذا الغضب الشعبي المتزايد، مشيرين إلى أن تجاهل أصوات السكان الذين لم يعودوا قادرين على تحمل المزيد سيضع الأمور في الفترة المقبلة لنفق مظلم
ولم يصدر أيّ تعليق بشأن التظاهرة حتى مساء الثلاثاء من حماس أو وزارة الداخلية التابعة لحكومتها في غزة.
ونشر العديد من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي صورا وفيديوهات للتظاهرة.
وانتشرت رسالة على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو إلى احتجاجات ضد لـ"حماس" في أنحاء غزة، الأربعاء، حيث قال منظمو الاحتجاجات في الرسالة: "يجب أن تصل أصواتنا إلى كل الجواسيس الذين باعوا دمنا"، وتابعوا "ليسمعوا صوتكم، وليعلموا أن غزة ليست صامتة، وأن هناك شعبًا لن يقبل بالإبادة".
وتأتي الاحتجاجات بعد أن تجاوز عدد القتلى في غزة 50 ألفا، الأحد، وفقا لوزارة الصحة في القطاع، مع عدم وجود نهاية في الأفق.
ووقع القطاع، الذي يقطنه 2.1 مليون فلسطيني، تحت سيطرة حماس في 2007 بعد انتخابات 2006 وحرب أهلية قصيرة مع حركة "فتح"، الفصيل الفلسطيني المنافس الذي يُمثل العمود الفقري للسلطة الفلسطينية.
وتعرض شمال غزة لضربة شديدة جراء الهجوم العسكري الذي شنته إسرائيل ردًا على هجوم 7 أكتوبر. وحوّلت الحرب التي استمرت 17 شهرًا معظم القطاع إلى أنقاض، مما جعل من المستحيل على وكالات الإغاثة الوصول إلى الشمال المتضرر.
وتفاقمت الأزمة في القطاع، الذي يعتمد بشكل شبه حصري على المساعدات الإنسانية، عندما أعلنت إسرائيل أنها أوقفت جميع المساعدات من دخول غزة في بداية مارس، عقب انهيار محادثات تمديد وقف إطلاق النار.
ولطالما اتهمت إسرائيل حماس بسرقة المساعدات الإنسانية المُقدمة إلى القطاع لـ"إعادة بناء آلتها الحربية"، وهو ما تنفيه الحركة.
وأعلنت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، الأحد، عن عدم دخول أي طعام أو ماء أو أدوية أو وقود إلى غزة منذ 3 أسابيع، مما يُمثل حصارًا أطول مما كان عليه في المرحلة الأولى من الحرب.
وقالت "الأونروا" في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، الأحد "كل يوم بدون طعام يُقرّب غزة من أزمة جوع حادة".
والسبت، دعا المتحدث باسم فتح في غزة منذر الحايك "حماس إلى أن تغادر المشهد الحكومي، وأن تدرك تماما أنّ المعركة القادمة هي إنهاء الوجود الفلسطيني".
واندلعت الحرب في غزة إثر هجوم غير مسبوق لحماس على إسرائيل تسبّب بمقتل 1218 شخصا في الجانب الإسرائيلي، ولا تزال 58 رهينة من أصل 251 خطفوا خلال الهجوم في السابع من أكتوبر 2023 محتجزين في غزة بينهم 34 أعلن الجيش الإسرائيلي أنهم توفوا.
واستأنفت إسرائيل هجماتها على قطاع غزة في 18 مارس بعد قرابة شهرين من وقف لإطلاق النار تمّ خلاله الإفراج عن 33 رهينة مقابل أكثر من 1800 معتقل فلسطيني من السجون الإسرائيلية.
وأعلنت وزارة الصحة في حكومة حماس أنّ 792 فلسطينيا قتلوا منذ استئناف الضربات الإسرائيلية فجر الثلاثاء الماضي على قطاع غزة، مؤكدة أن المستشفيات استقبلت 62 قتيلا خلال أربع وعشرين ساعة حتى صباح الثلاثاء.
العرب