أربيل: ماذا بعد "القصف المبارك من جهة الشرق المقدّس"؟

أربيل: ماذا بعد "القصف المبارك من جهة الشرق المقدّس"؟


20/03/2022

حرجٌ سياسي، وصمتٌ إعلامي، طغيا على سلوك الزعامات السياسية الشيعية الموالية لإيران، بعيد استهداف الحرس الثوري الإيراني منشآتٍ حكومية في إقليم كردستان، فجر الأحد الماضي، في حين أنّ هناك مَن أرادَ الانفراد بالموقف "الولائي" لطهران؛ عبر إسباغ "القدسية" على قصفها "المبارك"، لمدينةِ أربيل، من جهةِ "الشرق المقدس"، كما وردَ في خطابِ زعيم حركة النجباء أكرم الكعبي.

وأربك تبني الحرس الثوري الهجمات التي طالت الأراضي العراقية، قياداتٍ شيعيةً تصنّفُ على أنّها مستقلة القرار السياسي عن إيران، وإن كانت تربطهما قرابة سياسية أو علاقة إيجابية؛ كزعيمَي تيار الحكمة عمّار الحكيم، وائتلاف دولة القانون نوري المالكي، الذي كانت آخر تغريدة لهُ خاصّة بيوم المرأة العالمي، في الخامس من آذار (مارس) الجاري.

وصعّدَ الإعلام "الولائي"، لصالحِ ما أسماها "شرعية" الاستهداف الذي طالَ "التواجد الإسرائيلي" في كردستان العراق، وهو ما نفاهُ ساسة عراقيون من الكرد والسنّة، فيما دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، إلى تشكيل لجنة للتحقيق بملابساتِ ما حدث، مؤكداً أنّ أربيل "لن تركع إلا للاعتدال والسيادة"، في نقدٍ مبطن لإيران التي تحاول تفكيك التحالف الثلاثي الذي يجمعهُ وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، وقادة تحالف السيادة السُني.

قلق دولي إزاء ما حصل

وتعدّ مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان، أكثر المدن العراقية أمناً، وإقبالاً سياحياً واستثمارياً، ومأوىً لمعارضين سياسيين عراقيين وسوريين وأتراك، كما أنّ أمنها مستتب ليس على مستوى مدن البلاد فحسب، بل على مدن الإقليم ذاته، الذي تتعرّض مدنهِ بين الحين والآخر إلى قصفٍ تركي، إزاء تواجد معاقل حزب العمال الكردستاني المعارض بمحافظتَي دهوك والسليمانية.

دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، إلى تشكيل لجنة للتحقيق بملابساتِ ما حدث، مؤكداً أنّ أربيل "لن تركع إلا للاعتدال والسيادة"، في نقدٍ مبطن لإيران

ومنذ سنتين تتعرّض أربيل، لهجماتٍ بالصواريخ من قبل فصائل عراقية موالية لإيران، بدوافع ضرب مصالح واشنطن في الإقليم، إلا أنّ تلك الهجمات دائماً ما تبوء بالفشل، لحداثة منظومة الدفاع الأمريكية (C RAM)، في إسقاط المقذوفات "الولائية"، لكن هذه المرة كانت المحاولة بفعلٍ إيرانيٍّ مباشر، ومن خارج الحدود، الأمر الذي دعا المجتمع الدولي إلى التنديد بالانتهاك الصارخ لسيادة العراق، والقلق إزاء المكتسبات الأمنية في الإقليم الكردي، والهدوء النسبيّ الذي تعيشهُ البلاد منذ فترة.

 
وتلقت حكومتا بغداد وأربيل، اتصالاتٍ عالمية متضامنة، يتقدمها اتصال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، الذي ناقشَ مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، ضرورة "تقوية سيادة الدولة وتحصينها ضدّ أيّ اعتداءات".

الصدر يطالب بتحقيقٍ أممي

وبعد ساعاتٍ على الهجوم، تبنّى الحرس الثوري الإيراني، إطلاق 12 صاروخاً بالسيتياً، على مقار إسرائيلي في مدينة أربيل، كردّ فعلٍ على مقتلِ ضابطينِ إيرانييَّنِ بضربةٍ جويةٍ إسرائيليةٍ قربَ دمشق، الثلاثاء الماضي. لكنّ الرواية الرسمية العراقية خالفتْ ما صرّح بهِ "الحرس الثوري"، بعد أن أعلنتْ أنّ الصواريخ  سقطتْ على مبانٍ حكومية ومدنية، فضلاً عن بناية قيد الإنشاء تابعة للسفارة الأمريكية داخل المدينة.

وهذه المرة الثانية التي تعلن فيها طهران تنفيذ هجمات داخل الأراضي العراقية، بعد الهجوم على "عين الأسد" في الأنبار، مطلع 2020، ردّاً على مقتل قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني.


وتعدّ إدانة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، أكثر الإدانات الشيعية حدةً، رغم أنها اُختصرتْ عليهِ وعلى رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، حيثُ ذهبَ الصدر إلى أبعد من لغة المجاملة السياسية المعتادة في العراق، ليتضامن مع معقل حليفهِ الكردي، حين قالَ إنّ "أربيل لن تركع إلا للاعتدال والاستقلال والسيادة"، داعياً إلى "رفع مذكرة احتجاج للأمم المتحدة والسفير الإيراني فوراً"، وتشكيل غرفة عمليات مشتركة بين الإقليم والمركز، بشأن التحقق من وجود مقرات إسرائيلية من عدمها في كردستان.

إيران تحفظُ ماء وجهها

ودفعاً للتشكيك حول الوجود الإسرائيلي من عدمهِ في أربيل، يتساءل نائبٌ كردي عن سببِ إحجام إيران عن قصف مواقع إسرائيلية واضحة العيان لدى جارتها أذربيجان، داعياً الجهات الرسمية إلى إشراك الإيرانيين في التحقيق المحلي، لمعرفةِ نتائج عملية قصفهم لأربيل. 

الباحث محمد نعناع لـ "حفريات": عدم تعليقِ شخص الزعامات الولائية على الحدث، جاء من أجل عدم ربط أنفسهم بالأجندة الإيرانية مباشرةً، خاصة أنّهم على أعتاب المشارك بالحكومة المقبلة 



ويقول ماجد شنكالي النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني: "تعودنا على الادعاءات الإيرانية بشأنِ وجود قواعد إسرائيلية في إقليم كردستان العراق، وهذا غير موجود أصلاً في الواقع"، وأضافَ: "إيران إن أرادت استهداف المصالح الإسرائيلية فعلاً؛ فهي موجودة عند جارتهم أذربيجان".

اقرأ أيضاً: لماذا تتبجح إيران بضرب أربيل؟

وأكد أنّ زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، اتصلَ بزعيمِ حزبهِ مسعود بارزاني و"اتفقا على تشكيل لجنة خاصة بتقصي المزاعم الإيرانية بوجود تواجد إسرائيلي في الإقليم"، مشيراً إلى أنّهُ "لا ضير في أنّ يكون الإيرانيون مشتركين في هذه اللجنة، للتأكيد بأنّ كلّ هذه الصواريخ سقطت على مواقع مدنية، أو في محيط القنصلية الأمريكية".



ويرى الباحث الدكتور عقيل عباس؛ أنّ "ما فعلهُ الإيرانيون كان ذكياً، لأنّهم يضربون المصالح المعادية لهم في أمكنة رخوة لا يكلفهم الردّ عليها كثيراً"، مؤكداً لـ "حفريات"؛ أنّ "الضربة الإيرانية الأخيرة جزء من الحفاظ على ماء الوجه إزاء الضربات الإسرائيلية الكثيرة التي استهدفت مصالح إيران، داخلها أو في سوريا".

ازدواجية موقف الإطار التنسيقي

 لم يعلن أيّ من الزعامات السياسية الشيعية الموالية لإيران، موقفاً من قصف الحرس الثوري لأربيل، لكن ضغط التنديدات المحلية والخارجية، دفعَ قوى "الإطار التنسيقي" إلى الاجتماع والخروج ببيانٍ خلا من ذكرِ إيران صراحةً.

اقرأ أيضاً: المعنى الإيراني لصواريخ أربيل

وعلى الرغم من تبني الحرس الثوري الهجوم الصاروخي الأخير، تغاضى بيان قوى "الإطار التنسيقي" عن هوية الفاعل، وطالبَ بـ "ضرورة تقديم الإيضاحات على وجهِ السرعة من قبل المسؤولين المعنيين، وتشكيل لجان تحقيقية برلمانية وحكومية لبيان الحقيقة"، كما استنكر الإطاريونَ "جريمة إعدام أكثر من أربعين مواطناً من شيعة القطيف في السعودية".



 المحلل السياسي محمد نعناع علّقَ على موقف "الإطار التنسيقي"، وقالَ لـ "حفريات": "هذا الاجتماع، كانت أبرز بنودهِ عدم القبول بأن يكون العراق منطلقاً للعدوانِ على جيرانهِ، ولم يدينوا القصف على أربيل، بل كان موقفهم متطابقاً مع الموقف الإيراني".

اقرأ أيضاً: صواريخ أربيل… والعجز الإيراني في العراق

 ويتابع: "وبخصوص عدم تعليقِ شخص الزعاماتِ على الحدث، جاء من أجل عدم ربط أنفسهم بالأجندة الإيرانية مباشرة، خصوصاً أنّهم على أعتاب مشاركة سياسية في الحكومة المقبلة"، لكنّ زعيم حركة النجباء أكرم الكعبي، انفردَ عن بقيةِ قادة الفصائل، بإصدارِ بيانٍ وصفَ فيهِ القصف الصاروخي بـ "القصف المبارك من جهة الشرق المقدّس".

بغداد حاضرة في أربيل

وسلّمتْ الحكومة العراقية، مذكرة احتجاج إلى السفير الإيراني في العراق، إيرج مسجدي، الذي تمّ استدعاؤه إلى وزارة الخارجية في بغداد، وجاءت هذه الخطوة بعد أن طالبَ المجلس الوزاري للأمن الوطني، في اجتماع طارئ له، إيران بتوضيحِ هجومها الصاروخي على أربيل.

وزارَ رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، برفقة وزيري الداخليةِ والدفاع، موقع الحادث، والتقى رئيس إقليم كردستان، نجيرفان بارزاني، ورئيس الحكومة، مسرور بارزاني، فضلاً عن الزعيم الكردي مسعود بارزاني.

وقالَ الكاظمي، لدى تجوالهِ في المدينة مع رئيس الإقليم؛ إنّ "بغداد حاضرة هنا في أربيل، كما أنّ أربيل حاضرة في بغداد"، مشدداً على "ضرورة احترام سيادة العراق من مختلف الجهات، وأنّهُ قد تم إبلاغ هذا الأمر رسمياً عبر الطرق الدبلوماسية".

وأكّد على "ضرورة اعتماد الأدلة، وألّا يكتفي بالشكوك، وأن يكون هناك تعاون أمني بين مختلف دول المنطقة، لمواجهة التحديات المشتركة"، داعياً القوى السياسية إلى "توحيد الكلمة إزاء سيادة العراق، وأن يكون ما حصل حافزاً لحلّ الإشكالات وتوحيد الصف أمام التحديات التي تواجه البلد".

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية