الهدنة اليمنيّة ضرورة حوثيّة!

الهدنة اليمنيّة ضرورة حوثيّة!


13/07/2022

خيرالله خيرالله

يبدو تمديد الهدنة الخبر المفرح الوحيد الآتي من اليمن. يؤكّد هذا التمديد للهدنة التي بدأت في شهر نيسان (أبريل) الماضي احتراماً لشهر رمضان، وجود تعب حقيقي لدى المقاتلين من كلّ الفئات والجهات.

في أثناء الهدنة، تغيرت أمور كثيرة. من بين ما تغيّر قيام مجلس القيادة الرئاسي برئاسة الدكتور رشاد العليمي مع ما يعنيه ذلك من تفعيل ما بقي من إدارة يمنيّة، فضلاً عن التخلّص من رئيس موقت لم تكن من حاجة له في يوم من الأيّام. على العكس من ذلك، كان عبد ربّه منصور هادي من بين الأسباب التي جعلت الحوثيين (جماعة أنصار الله) يتقدمون على معظم الجبهات ويحكمون حصارهم لمدينة مأرب فضلاً عن استمرار الجمود في تعز. لم تلتقط مأرب أنفاسها مجدداً إلّا بعد تدخل قوات العمالقة في كانون الثاني (يناير) الماضي وتحريرها مناطق في محافظة شبوة من "جماعة أنصار الله" وكسرها للطوق المفروض على المدينة.

لا شكّ في أن المبعوث الأممي هانس غروندبرع، ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، يبذل جهوداً كبيرة من أجل استمرار الهدنة ومن أجل أن تكون مقدمة لمفاوضات ذات طابع سياسي يشارك فيها "الحوثيون" الذين يتبيّن كلّ يوم أكثر أنّهم ليسوا سوى أداة إيرانيّة.

بات في الإمكان إدراج الهدنة في باب الضرورة الحوثيّة، أقلّه في المدى المنظور، لكنّ ليس ما يضمن أن تكون الهدنة بوابة لولوج حلّ سياسي في اليمن البلد الذي فقد كل مقومات وجوده كدولة موحّدة منذ العام 2011. حصل وقتذاك انقلاب نفّذه "الإخوان المسلمون" على نظام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح ذي الحسنات الكثيرة والسيئات الكثيرة أيضاً. استغلّ "الإخوان المسلمون"، يمثلهم حزب "التجمع اليمني للإصلاح"، ما سُمّي "الربيع العربي" للإنقضاض على نظام علي عبدالله صالح الذي عانى في السنوات الأخيرة من حكمه من تحولّه إلى شخص مزاجي في ظلّ حروب مستمرّة مع الحوثيين بدأت في العام 2004.

كلّ ما فعله "الإخوان المسلمون" أنّهم سهّلوا التخلص من علي عبدالله صالح من دون إدراك للأبعاد التي ستترتّب على ذلك على صعيدين. الصعيد الأوّل أن الوحدة اليمنيّة كانت مرتبطة بالرجل وبوجود مركز للقرار في صنعاء. أمّا الصعيد الآخر، فهو يتمثّل في عدم استيعاب أنّ كلّ ما فعلوه يصب في خدمة الحركة الحوثيّة والمشروع الإيراني لا أكثر.

بعيداً من أحداث الماضي القريب، ثمّة واقع جديد في اليمن. يقوم هذا الواقع على وجود معطيات مختلفة لا تقتصر على التخلص من عبد ربّه منصور هادي ووجود رشاد العليمي في الرئاسة فحسب، بل أيضاً، على رغبة واضحة لدى الإدارة الأمريكية، وإن عبر التمنيات، في وقف الحرب.  

تكمن المشكلة، إلى إشعار آخر، في أنّ لا جواب عن أي سؤال يتعلّق بما تريده إيران في اليمن باستثناء أنّها تعتبر تحويل شماله إلى قاعدة صواريخ ومسيّرات تابعة لها إنجازاً ضخماً لها في منطقة الجزيرة العربيّة بحدّ ذاته. 

ماذا ستفعل إيران بقاعدة الصواريخ والمسيّرات التي باتت تمتلكها في اليمن؟ هذا هو السؤال الكبير الذي يطرح نفسه قبل أيّام من مجيء الرئيس جو بايدن إلى المملكة العربيّة السعودية للقاء الملك سلمان بن عبد العزيز ووليّ العهد الأمير محمّد بن سلمان بغية بذل محاولة لإعادة تأسيس الشراكة الاستراتيجية التاريخيّة بين الجانبين.

ليس معروفاً هل لدى الإدارة الأمريكيّة جواب عن هذا السؤال الذي لا يهمّ السعودية فحسب، بل كلّ دولة من دول الخليج العربي أيضاً. ما هو ثابت أنّ هناك استخفافاً امريكياً بأهمّية ما يدور في اليمن، خصوصاً بالنسبة إلى المملكة العربيّة السعوديّة في وقت تريد المملكة فعلاً الانتهاء من هذه الحرب ذات الطبيعة الدفاعيّة أصلاً.

رغم التغيير النوعي الذي طرأ على الوضع الداخلي اليمني مع التخلّص من عبد ربّه منصور هادي، يبقى الخوف الكبير في اليمن من المشروع الإيراني. يعود ذلك إلى أن "الجمهوريّة الإسلاميّة" غير مهتمّة على الإطلاق بما يحلّ باليمنيين بمقدار ما أنّها تعتبر بلدهم ورقة في المفاوضات الهادفة إلى عقد صفقة مع "الشيطان الأكبر" الأمريكي. منطلق هذه الصفقة البرنامج النووي الإيراني الذي تعتبره إيران مدخلاً لرفع العقوبات الأمريكيّة عنها.

هل تعي إدارة بايدن هذا الواقع الذي يُفترض أن يجعلها تسأل، أو أقلّه محاولة معرفة، ما الذي تريده إيران من اليمن وهل هناك اهتمام حوثي حقيقي بحلّ سياسي؟

يبدو مثل هذا النوع من الأسئلة أكثر من ضروري في حال كانت الإدارة الأمريكيّة تسعى إلى استيعاب الخطر الناجم عن تمديد الهدنة بشكل مستمر بما يسمح للحوثيين بإعادة بناء قوتهم العسكرية. في النهاية، لا وجود لهدنة من أجل الهدنة في وقت يستهدف الحوثيون، من إعادة بناء قوتهم العسكرية، ارتكاب مزيد من الاعتداءات في مناطق يمنيّة محددة، بما في ذلك تعز ومأرب.

إذا كان من نصيحة إلى إدارة بايدن، فإنّ هذه النصيحة تتعلّق بالهدف الإيراني في اليمن. الهدف خلق أمر واقع وتكريس وجود كيان سياسي تابع لـ"الجمهوريّة الإسلاميّة" في شبه الجزيرة العربيّة. هل تدرك إدارة بايدن أبعاد هذا الخطر على كلّ دولة خليجية وعلى الاستقرار في إحدى المناطق الحيوية في العالم؟.      

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية