
عزالدين أبو عيشة
بقلق وريبة يتابع الغزيون جميع أخبار الهدنة المرتقبة، بعدما وافقت حركة "حماس" على الدخول في مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل في شأن وقف إطلاق النار لمدة 60 يوماً، وما يزيد من ضربات قلبهم أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي أرسل فريقه للتفاوض للمشاركة في الاجتماعات حول الصفقة قال إن تعديلات الفصائل الفلسطينية على مسودة الاتفاق غير مقبولة.
يخشى الغزيون أن يكون الاتفاق المنتظر تكراراً للهدنة الثانية التي بدأت في الـ19 من يناير (كانون الثاني) الماضي واستمرت لمدة 42 يوماً، بعدها عادت إسرائيل للحرب بطريقة أشرس وأشد ضراوة، ويعتقدون أن إسرائيل ستفعل ذلك فعلاً.
هذه ليست نهاية القتال
يجمع الغزيون على أن هذه ليست نهاية القتال العسكري وأن التطورات الميدانية توحي بأن هذا ليس الشكل الذي تريده إسرائيل لوقف الحرب بصورة كاملة، وإنما تراوغ فعلياً لحسم ملف الرهائن الذين لا تزال "حماس" تحتجزهم، ثم تعود لمواصلة القتل بطرق أعنف ودمار أوسع.
تقول راما "لا أعتقد أن نتنياهو مقتنع بأن نهاية الحرب بهذه الصورة، في الواقع هو لا يرى نفسه قد حقق أهدافه، يبحث عن فرصة لإعادة الرهائن من غزة فقط ليرضي الشارع الإسرائيلي فحسب، وبعدما يحسم ملف المحتجزين يعود للقتال من دون أن تضغط عليه عائلات الرهائن لوقف الحرب".
أما سعود فإنه يرى هذه الهدنة على رغم ما تحمله من ضمانات ومحاولة لطمأنة حركة "حماس" بأنها قد تكون نهايتها وقفاً كاملاً لإطلاق النار فإنها ليست كذلك، إذ تحاول إسرائيل تمرير ملف الرهائن الذي يصدع رأس نتنياهو ويقوض عملياته العسكرية في غزة بسبب ضغط مجتمعه عليه.
فرحت أنوار بمستجدات هدنة غزة، ولكن الشك ما زال يساورها بأن تعود إسرائيل للحرب مجدداً بعدما تحصل على رهائنها، وتقول "هذه الهدنة هدفها فقط إطلاق سراح الرهائن ليس أكثر، ما الفرق بينها وبين الصفقة السابقة، لم يتغير شيء، الشروط والمطالب نفسها، ما أود أن أقوله لا يوجد شيء جديد يضمن نهاية الحرب".
ياسر يعتقد أن نهاية الحرب ستكون بصورة مختلفة، مثلاً إيجاد بديل عن "حماس" في غزة، ومغادرة بعض مقاتلي الحركة من غزة، وحشد دولي أكبر لإنهاء القتال، وليس كما يروج حالياً للهدنة المرتقبة. ويقول "هذه صفقة تبادل وتزويد غزة بالطعام لمرحلة أصعب بعد ذلك تكون فيها الحرب أشرس لتصل للنهاية".
متخوفون سكان غزة كثيراً، يريدون الهدنة ليبتعد عنهم الموت لوقت قصير ويلتقطون أنفاسهم المتعبة من النزوح المتكرر ويعملون على تأمين أنفسهم من الطعام المشتاقين إلى مذاقه، لكنهم في الوقت نفسه يساورهم الشك بأن هذه ليست نهاية الحرب وأن نتنياهو يراوغ لأجل رهائنه فقط.
"حماس" وافقت ولكن
على أساس أن المقترح الذي تسلمته "حماس" يبدأ بهدنة موقتة لمدة 60 يوماً تطلق فيه سراح عدد من الرهائن ويدخل الطعام لغزة ويمهد الطريق حتماً لوقف الحرب بصورة نهائية، وافقت الحركة على إرسال وفدها لإجراء مناقشات جادة حول الترتيبات اللازمة لوقف إطلاق النار الموقت في مرحلته الحالية.
يقول رئيس مكتب العلاقات الوطنية في حركة "حماس" حسام بدران "الحركة وافقت على اتفاق التهدئة المطروح وطلبت ثلاثة تعديلات، وهي وقف فوري لعمليات مؤسسة غزة الإنسانية وانسحاب الجيش الإسرائيلي إلى المواقع التي كان فيها قبل انهيار الهدنة".
وتتمسك "حماس" بالشرطين السابقين لإدراك القيادة السياسية والعسكرية في الحركة أن اتفاق الهدنة الذي يجري التفاوض عليه حالياً قد لا يقود لنهاية الحرب.
أما المطلب الثالث لـ"حماس" فهو "الحصول على ضمانات من الولايات المتحدة بعدم استئناف القصف الإسرائيلي إذا انتهى وقف إطلاق النار من دون اتفاق دائم".
ربما ليست النهاية
في المقابل رفضت إسرائيل جميع هذه التعديلات، إذ قال نتنياهو "التعديلات التي قدمتها ’حماس‘ بخصوص مقترح وقف إطلاق النار غير مقبولة من جانبنا"، وهذا ما اعتبره المراقبون السياسيون أن تل أبيب تخطط فقط لإطلاق سراح رهائنها وليس لإنهاء القتال كما تطلب الحركة.
وعلى رغم أن "حماس" تفهم أنه ربما لن يؤدي الاتفاق المطروح إلى نهاية الحرب، فإن فريقاً من الحركة يرى غير ذلك، إذ تشير مصادر حمساوية إلى أنهم حصلوا على تعهدات أن يبدأ التفاوض على إنهاء الحرب في اليوم الثاني لبدء وقف إطلاق النار.
وأوضح المصدر أن "الرئيس الأميركي دونالد ترمب ملتزم العمل على ضمان استمرار المفاوضات بحسن نية حتى التوصل إلى اتفاق نهائي. إنه جاد في شأن التزام الأطراف باتفاق وقف إطلاق النار، ويؤكد اختتام المفاوضات خلال الهدنة باتفاق دائم بين الأطراف".
أهداف نتنياهو لم تتحقق
يقول المتخصص في مجال العلوم السياسية نزال نزال إن "هدف نتنياهو إعادة الرهائن إلى إسرائيل، كذلك فإنه لم يتراجع عن نزع سلاح غزة وتدمير القدرات العسكرية لـ’حماس‘ وقدرتها على الحكم، وهذا يعني أنه لا نهاية سريعة للحرب في المرحلة الحالية".
ويوضح نزال أن "هدنة الـ60 يوماً غير مسبوقة من ناحية المدة، مما يعكس رغبة دولية في خلق مساحة زمنية كافية للتوصل إلى اتفاق دائم، لكنها أيضاً تضع تحديات كبيرة أمام الأطراف، بخاصة في ظل إصرار نتنياهو على عدم إنهاء الحرب إنهاءً تاماً".
لكن مجلة "نيوزويك" أوردت خبراً مفاده أن "ترمب غير مهتم بهدنة موقتة ويسعى إلى إطلاق سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين في غزة ووقف دائم لإطلاق النار، مما يؤدي إلى مفاوضات حول مستقبل اتفاق السلام الإسرائيلي - الفلسطيني".
وهنا يعلق نزال بقوله إن إشراك الولايات المتحدة مباشرة قد يمنح الاتفاق ثقلاً إضافياً لكنه لن ينهي الحرب، وسيعود نتنياهو إلى الحرب وفق مبدأ تحقيق الأهداف الرئيسة للقتال، مشيراً إلى أن اتفاق الهدنة المرتقب تشوبه أخطار، والمطلوب حالياً ليس فقط ضمان عدم استئناف الحرب بل إيجاد حلول طويلة الأمد تضمن الاستقرار بغزة.
توافق "حماس" و"فتح"
المتخصص في مجال العلوم السياسية نزال نزال ينبه في الوقت نفسه إلى أن المفاوضات تتجه نحو استمرار ملف تبادل الرهائن كأولوية، لافتاً إلى أن إنهاء الحرب لا يمكن تحقيقه من دون اتفاق وطني شامل بين حركتي "فتح" و"حماس".
ويرى أنه "لا يوجد حل لغزة يمكن أن ينجح إذا اقتصر على ’حماس‘ وحدها، كما لا يمكن تجاوزه من دون دور للحركة، لذلك فإن المشاركة بين الطرفين أصبحت ضرورة لا مفر منها، أي اتفاق من دون ملف غزة في اليوم التالي لا يعني نهاية للحرب، أما إذا تضمن ذلك فقد يرى النور شرط موافقة ’حماس‘، مما يجعل التوافق الداخلي الفلسطيني عنصراً حاسماً في أي ترتيبات مستقبلية، وهذا لم يحدث حتى اللحظة، مما يعني أن الهدنة الحالية فقط لتحرير الرهائن".
ووسط كل ذلك هل تستطيع "حماس" أن تفرض شروطها. يقول المستشار الإعلامي لحركة "حماس" طاهر النونو "لن نفرج عن جميع الرهائن وسيبقى بعضهم إلى حين إعلان الجيش الإسرائيلي نهاية الحرب وانسحاب قواته من غزة، هذه الورقة لن نفقدها أبداً، وتستطيع الفصائل فرض شروطها في الميدان".
اندبندنت