الهجوم الإيراني على باكستان يكشف تواطؤ "الجماعة الإسلامية"

الهجوم الإيراني على باكستان يكشف تواطؤ "الجماعة الإسلامية"

الهجوم الإيراني على باكستان يكشف تواطؤ "الجماعة الإسلامية"


30/01/2024

سامح إسماعيل 

في تحوّل درامي لمسار الأحداث على تخوم الشرق الأوسط، نفّذت إيران هجوماً صاروخياً على منطقة بلوشستان في غرب باكستان. وزعم وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، أن العملية استهدفت “جماعة جيش العدل”، التي وصفها بأنّها “جماعة إرهابية إيرانية، تنشط في الأراضي الباكستانية”. وأصرّ على أنه لم يتم استهداف أي مواطن باكستاني، بل أعضاء “جيش العدل” فقط، وهي جماعة سنّية بلوشية، تتّهمها إيران بالقيام بهجمات داخل أراضيها.

بدورها، استدعت الحكومة الباكستانية سفيرها لدى إيران، ومنعت مبعوث طهران من العودة إلى بلادها. ووصفت الهجوم بأنه “غير قانوني”، وحذّرت من “عواقب وخيمة”. وقال مسؤولون في إسلام آباد، إن طفلين قُتلا وأصيب ثلاثة آخرون في الهجوم الإيراني. 

ويأتي هجوم بلوشستان، بعد أن هاجمت إيران أهدافاً في العراق وسوريا، في وقت سابق من الأسبوع الفائت. وبحسب الـ”بي بي سي”، فإن طهران ربما حاولت الرّد، بعد أن تعرضت لهجمات إرهابية قاتلة على أراضيها في الفترة الأخيرة، حيث أسفر انفجاران عن مقتل 84 شخصاً في حفل أُقيم في كرمان، لإحياء ذكرى، قاسم سليماني. ويبدو أن إيران عازمة على الانتقام ممن تعتبرهم مسؤولينَ، في وقتٍ تتصاعد فيه التوترات الإقليمية في الشرق الأوسط.

الرّد الباكستاني لم يتأخر كثيراً، حيث نفّذت باكستان سلسلة من الضربات العسكرية استهدفت ما قالت إنها مخابئ للمسلحين الانفصاليين داخل إيران، وقالت إسلام آباد، الخميس الفائت، إن قواتها شنّت “سلسلة من الضربات العسكرية الدقيقة والمنسّقة بشكل محدد” في إقليم سيستان وبلوشستان بجنوب شرق إيران، وأضافت أن المخابئ التي استهدفتها العملية، استخدمها “جيش تحرير بلوشستان” و”جبهة تحرير بلوشستان”، وهما جماعتان تقاتلان من أجل الحكم الذاتي الإقليمي.

الجماعة الإسلامية واستراتيجية بناء التحالف مع إيران

في غضون الأشهر الثلاثة الفائتة، باتت “الجماعة الإسلامية” الباكستانية، الذراع السياسية لـ”الإخوان المسلمين”، أكثر قُرباً من النظام الإيراني، بفضل الجهود التي بذلها عبد الرحمن بيراني، الأمين العام لـ”جماعة الدعوة والإصلاح”، وهي بمثابة الذراع الإخوانية في إيران، حيث عمل بيراني على تقرّب وجهات النظر بين “الجماعة الإسلامية”، وجهات قيادية داخل “الحرس الثوري” الإيراني؛ بهدف إيجاد حليف سنّي قوي في أواسط آسيا.

وفي أعقاب ترتيبات أمنية مكثّفة، ظهر أمير “الجماعة الإسلامية”، سراج الحق، في طهران، في تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، حيث أعلن دعمه المطلق لسياسات الملالي، فيما يتعلق بالصراع في قطاع غزة، كما دعّم سياسات إيران في دول الجوار.

وبحسب مصدر سياسي عراقي مطلّع، مقرّب من الحشد الشعبي، فإن سراج الحق، عقد سلسلة من اللقاءات مع قيادات أمنية رفيعة أثناء تواجده في إيران، وتطرّقت المباحثات إلى وضعية “جيش العدل” في المنطقة الغربية، والتهديدات التي يمثّلها على إيران وباكستان على حدٍّ سواء.

وبحسب المصدر ذاته لـ”الحل نت”، فإن الاستخبارات الإيرانية وضعت عدة تقارير أمام سراج الحق، تزعم ضلوع “جيش العدل” في محاولة الاغتيال الفاشلة التي وقعت في مدينة زوب بإقليم بلوشستان، واستُهدف فيها أمير الجماعة الإسلامية، في 21 أيار/ مايو الماضي. وقالت إنها تدرس توجيه ضربة نوعية لهذه الجماعة؛ إلّا أن سراج الحق طالب بضرورة التنسيق مع الجيش الباكستاني.

أمير “الجماعة الإسلامية”، ناقش من جديد النوايا العدوانية الإيرانية، مع القنصل العام الإيراني في باكستان، مهران مهديفر، في لقاء خاص عُقد في مقر الجماعة، في 28 كانون الأول/ ديسمبر الفائت، وبحسب المصدر المطّلع، فقد أبدى سراج الحق هذه المرة تفهّماً نوعياً للنوايا الإيرانية، بداعي أن “جيش العدل” يمثّل خنجراً في خاصرة طهران وما يسمى بـ”محور الممانعة”، وتم الاتفاق في هذا اللقاء على لقاء آخر بين أمير “الجماعة الإسلامية”، ومسؤول رفيع في “الحرس الثوري” الإيراني، بعد أيام في الدوحة.

وبحسب المصدر التقى سراج الحق فور وصوله إلى الدوحة، مسؤولاً أمنياً إيرانياً، في اجتماع حضر جزءاً منه عبد الرحمن بيراني، بالإضافة إلى حافظ ساجد أنور نائب أمير “الجماعة الإسلامية”، على هامش مؤتمر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، حيث زعم المسؤول الإيراني “ضلوع جيش العدل، وبتخطيط من واشنطن”، في الهجمات التي جرت في كرمان، في 3 كانون الثاني/ يناير الجاري، وأبلغ سراج الحق أن طهران ينبغي لها أن تستعيد هيبتها أمام واشنطن، بتوجيه ضربة عقابية لـ”جيش العدل” في بلوشستان.

الجماعة الإسلامية تتجاهل الانتهاكات الإيرانية

مع قيام إيران بتوجيه ضربتها العسكرية، وانتهاك السيادة الباكستانية، حلّ الصمت تماماً داخل “الجماعة الإسلامية”، والتي لم تُصدر أي بيان يتعلق بالحادث الخطير، وآثرت الصمت، والاستعاضة عن ذلك بمهاجمة الحكومة، والمُضي قُدماً في دعايتها الانتخابية، استعداداً لانتخابات الثامن من شباط/ فبراير القادم.

ومع الرّد الباكستاني، باستهداف الجماعات الانفصالية في جنوب شرق إيران، وفي مقابلة خاصة مع صحيفة “جيو نيوز” المحلية، علّق أمير “الجماعة الإسلامية” باقتضاب، على الهجمات التي شنّتها إيران في بلوشستان، و انتهاكها المجال الجوي الباكستاني، حيث اكتفى بالتعبير عن دهشته من الهجوم الإيراني، وقال، بتحفّظٍ شديد، إن مثل هذه الأعمال أحادية الجانب، تساعد على تفاقم الوضع. مضيفاً: “أرجو من البلدين حلّ قضاياهم من خلال الحوار”.

سراج الحق، قال إن ثمة أطرافاً أخرى سوف تستفيد من تدهور العلاقات الباكستانية الإيرانية، وهي الهند وإسرائيل وأميركا. وتابع: “نريد أن يتفاوض البلدان بطريقة محترمة، وعلى باكستان وإيران أن تحلّا مشاكلهم من خلال الحوار، إذا كان الإرهاب موجوداً في باكستان وإيران، فهو مشكلة مشتركة”.

ومن الواضح هنا عمق التواطؤ الإخواني مع الاعتداءات الإيرانية، وغياب الحسّ الوطني، لصالح حسابات سياسية أخرى، تتعلق بحرص “الجماعة الإسلامية” على استمرار دعم إيران لها، الأمر الذي دفع سراج الحق إلى انتهاج خطاب محايد، طالب فيه بالحوار وعدم التصعيد، مكتفياً بالتعبير عن دهشته!

سراج الحق زار بلوشستان، في 18 كانون الثاني/ يناير الجاري، في إطار الدعاية الانتخابية لحزبه، وألقى خطبة عصماء أمام حشدٍ من أنصاره في جعفر آباد، ركّز فيها على الدعاية الانتخابية، ولم يتطرق بأي حال إلى التهديدات الإيرانية التي طالت الإقليم. مكتفياً بتوزيع الوعود الانتخابية قائلاً إن “عامة البلوش والبشتون محرومون من الحياة الكريمة، وشباب بلوشستان عاطلون عن العمل، وسوف نعمل على توفير فرص عمل لائقة لهم”. دون أن يشتبك مع الوضع الجيوستراتيجي الحرج للإقليم، والضحايا الأبرياء الذين سقطوا جرّاء الغارات الإيرانية.

سراج الحق، زعم أن بلوشستان سوف تتخلص من كل التهديدات، شريطة التصويت للجماعة الإسلامية في الانتخابات المقبِلة، مطالباً بدعم الجماهير لحزبه، من أجل وطن بلا تهديدات.

اللافت أن أمير “الجماعة الإسلامية” وضع حجر الأساس لمجمع صحي ضخم يتبع للجماعة، وسوف يتم تشييده بتكلفة مليار دولار، الأمر الذي يطرح جملة من التساؤلات، حول مصدر أموال مؤسسة الخدمات التابعة للجماعة، والتي تستخدم الغطاء الخيري كأداة سياسية، تنشط بشكل فعّال بالتزامن مع الانتخابات.

عن "الحل نت"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية