المُلا الشّيعي ومولوي السنّي... علاقة على خطى الحزام الإسلاموي الأخضر!

المُلا الشّيعي ومولوي السنّي... علاقة على خطى الحزام الإسلاموي الأخضر!


15/11/2021

يوسف بدر

لا يزال فهمنا لنظرية "الحزام الأخضر" التي ارتبطت بالإسلامويين يمثل فهمنا لعلاقتهم بالعالم الغربي، وكذلك لعلاقاتهم في ما بينهم. هذه النظرية أطلقتها الولايات المتحدة منتصف القرن الماضي لمحاصرة الكتلة الشيوعية، والتي كانت بديلاً لـ"حلف بغداد"، الذي فشل.

لقد صعد الإسلامويون في باكستان وأفغانستان وإيران وتركيا والعراق إلى الواجهة، وقضوا على الحكومات القومية هناك، وهو ما سمح للولايات المتحدة بالحركة في منطقة الشرق الأوسط ومنطقة غرب آسيا ووسطها، لمحاربة الكتلة الشيوعية والاشتراكية ومنعها من التمدد.

لقد كان ظهور الجمهورية الإسلامية في إيران بمثابة حائط صد مفيد للمصالح الأميركية، وقد توالت النماذج الإسلاموية التي ظهرت تأثراً بظهورها، منها إمارة حركة "طالبان" في أفغانستان (1996)، وصعود الإسلامويين المعتدلين في تركيا  عبر حزب "العدالة والتنمية" (2002)، وسقوط نظام البعث القومي في العراق وصعود الأحزاب الشيعية (2003).

الإسلاموي المعتدل

ما زالت نظرية "الحزام الأخضر" لها فاعليتها وإن تطورت صورها، بخاصة أن النموذج التركي المعتدل بطبيعته الليبرالية، هو ما سعت الولايات المتحدة إلى إضفائه على كل النماذج الإسلاموية المتشددة الأخرى، التي باتت تهدد مصالحها. وهو ما شهدته المنطقة خلال حوادث ما يُسمى بـ"الربيع العربي".

وكان دعم الإسلامويين في سوريا بمثابة تمديد لهذا الحزام ضد المصالح الروسية، وكذلك تصديراً للنموذج التركي، وهو ما قامت أنقرة برعايته بنفسها.

أيضاً، استمرت أهمية هذه النظرية، بعد عودة حركة "طالبان" إلى الحكم في أفغانستان (2021)، ومحاولة القوى الإسلاموية الأخرى، ومنها إيران وباكستان، تحسين صورة هذه الحركة من أجل ضمان القبول والبقاء لها.

حماية الحزام الإسلاموي

الحكومات الإسلاموية تواجه عودة جديدة للتيارات التي حاربتها وتصدت لها من قبل، منها: "العلمانية الجديدة" التي تدعو إلى علمانية سياسية تتجاوز أصولية الأولى وأيديولوجيتها الصارمة. وأيضاً، "الاشتراكية الجديدة" التي تدعو إلى نسخة ديموقراطية تتجاوز ديكتاتورية الأولى. 

والأزمات التي تمر بها الشعوب تحت حكم الإسلامويين هي بمثابة الدافع الرئيس للتوجه نحو هذه العودة؛ بخاصة أن أزمات مثل أحادية الرؤية وانتقائية الحريات وظهور الجيل الجديد واتساع الهوة الطبقية ونقص الموارد والغذاء والمياه، كل ذلك سيدفع هذه الشعوب للبحث عن أنماط سياسية جديدة، وسيدفع هذه الحكومات إلى حماية نفسها.

إيران والحزام الإسلاموي

نتاجاً لما سبق؛ نستنتج أن دولة يحكمها رجال الدين (الملالي) مثل إيران، لا تسعى الى الخلاص من نموذج الحكم في أفغانستان؛ بل تسعى إلى تعديله بما يحافظ على وجوده وعلى مصالحها. إذ إن الرغبة في تمدد حكومات الحزام الإسلاموي؛ هي حاجة ومصلحة مشتركة بين الدول التي تخضع حكوماتها لمثل هذا التصنيف. 

وإن كان الأمر لا يخلو أحياناً من الازدواجية؛ فإيران تدعم في سوريا حكومة قومية في مواجهة الإسلامويين، وتركيا كذلك تدعم في أذربيجان حكومة قومية. ويمكن تفسير ذلك بتعارض المصالح والتنافس بين القوى الإسلاموية؛ فصعود حكومة إسلاموية سنية في سوريا يخدم تركيا أولاً. وكذلك في أذربيجان الشيعية يخدم إيران أولاً. وذلك أيضاً، لغياب الإرادة الأميركية في فرض تصور من جانبها، بخاصة أن ذلك لم يعد يتماشى مع الاستراتيجية الأميركية التي تسعى إلى أنظمة إسلاموية معتدلة تتجاوز الصراع مع الغرب.

وبالنسبة الى أفغانستان، فهو بلد يمثل حلقة توازن في عملية التنافس؛ بتركيبته المذهبية والعرقية المتعددة؛ وهو ما يسمح لإيران بموطئ قدم، وكذلك بالنسبة الى تركيا وباكستان.

أيضاً، استنساخ نموذج "الملالي" في أفغانستان؛ يمنح نظامها قوة في الداخل والخارج؛ حيث سيتم تسويق خطاب بأن إيران هي الملهمة للتحولات في المنطقة. فضلاً عن المصالح المشتركة التي ستجمع النظامين ضد أي أخطار تهدد وجودهما.

وجه السُنّة المعتدل

لقد استطاع الإسلامويون في إيران، على غرار الاستراتيجية الأميركية نحو الإسلام المعتدل، أن يطوّعوا الإسلامويين المعارضين في الداخل بما يخدم الاستراتيجية الإيرانية نحو الحزام الإسلاموي. ومثال ذلك، هو الزعيم السني المعتدل مولوي عبد الحميد إسماعيل زهي، إمام وخطيب أهل السنة ورئيس جامعة دار العلوم بزهدان، الذي يتمتع بشعبية وقيادة روحية للسنة في إيران وفي محافظة سيستان وبلوشستان بخاصة، وأحد أشهر دعاة التقريب بين السنة والشيعة في إيران.

فقد منحه النظام الحاكم المساحة للنفوذ بين الجماهير من أجل مواجهة التطرف في المحافظات الإيرانية ذات الأغلبية السنية. وقد لعب دوراً مهماً في تحرير رهائن حرس الحدود الإيرانية، من جماعة "جيش العدل" المسلحة الانفصالية. 

لقد استفاد النظام الإسلاموي الشيعي في إيران من شخصية سنية مثل مولوي عبد الحميد في القضاء على الروح القومية الانفصالية في المناطق الحدودية السنية. وأصبح مولوي من الشخصيات البارزة في عملية التقريب بين السنة والشيعة تحت شعار الأخوة الإسلامية

لقد كانت فكرة الحزام الإسلاموي النقطة المشتركة الجامعة، وهو ما استفاد النظام الإيراني منه في قيادة المرحلة الحالية في أفغانستان بعد عودة حكم "طالبان"؛ فقد أصدر مولوي عبد الحميد بياناً أعرب فيه عن أمله أن تكون أفغانستان تحت حكم "طالبان"، ذراعاً  للجمهورية الإسلامية ودول أخرى. وهنا، هو يقصد المصالح المشتركة بين الحكومات الإسلاموية. 

وبفضل النظرة المشتركة بين الإسلامويين تجاه الغرب وثقافته والتهديدات الخارجية؛ فقد استطاع النظام الإيراني تطويع الاستفادة من رجال السنة المعتدلين من أجل محاربة التطرف في الداخل، وكذلك من أجل التواصل مع حركة "طالبان" السنية وتطويعها؛ فلطالما يبدو مولوي عبد الحميد بمثابة قناة اتصال بين النظام الإيراني والحركات الإسلاموية السنية في الخارج، ومنها حركة "طالبان"، فمثلاً أعلن عن التوصل مع حركة "طالبان" إلى حل بخصوص مشكلة مياه نهر هلمند. 

وأيضاً، قدم مولوي التعازي بعد مقتل قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، على يد القوات الأميركية، واعتبره مناضلاً في مواجهة الاستكبار الغربي.

ولطالما وجه مولوي رسائل إلى القادة في المملكة السعودية للتقارب مع إيران وتجنب الصراع الذي تستفيد منه القوى الغربية؛ فقد خاطب الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز (2014) مطالباً إياه بإلغاء حكم الإعدام بحق رجل الدين الشيعي السعودي نمر باقر النمر. وقد كان مطلباً إيرانياً؛ أدى عدم الاستجابة له إلى انقطاع العلاقات السعودية الإيرانية.

المحصلة

إن مشروع الحزام الأخضر الذي أطلقته الولايات المتحدة من أجل تطويق المنطقة بالإسلامويين في مواجهة صعود القوميين واليساريين؛ ما زال يعمل ولم ينته بعد؛ بل قد انتقل إلى الإسلامويين المعتدلين في ثوب الليبرالية والديموقراطية.

إن إيران "ولاية الفقيه"، مثل غيرها من حكومات الإسلامويين؛ استفادت من هذا المشروع في التمدد خارج حدودها. كما استفادت منه في البحث عن نسخة إسلاموية معتدلة لمواجهة التطرف في الداخل ومشاركته طموحاتها الخارجية.

عن "النهار" العربي

الصفحة الرئيسية