المصريون لا يثقون بإسرائيل: هل هذه نهاية القضية؟

المصريون لا يثقون بإسرائيل: هل هذه نهاية القضية؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
12/10/2021

ترجمة: إسماعيل حسن

تحرص إسرائيل على تطوير العلاقات مع مصر، وهناك كثير من المتوقع في العلاقات بين تل أبيب والقاهرة لاحقاً، كما أنّ إسرائيل رحبت بفرصة تعزيز العلاقات مع القاهرة، وسارعت في الاستجابة للعديد من المطالب المصرية، بما فيها زيادة الوجود العسكري المصري في سيناء، في حين تعدّ زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الأولى له إلى دولة عربية، كما أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي قد افتتح العلاقات مع مصر خلال زيارته بصورة إيجابية.

إقرأ أيضاً: سابقة قضائية: إسرائيل تطالب حماس بـ 38 مليون دولار لعائلات 3 مستوطنين

 اللقاء العلني يخدم أيضاً مصالح السيسي؛ ففي التوقيت الحالي، مصر تسعى لترسيخ مكانتها كوسيط من أجل التوصل إلى تسوية بعيدة الأمد بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة، وربما تريد أيضاً أن تكون هي من يطلق مبادرة سياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفي الخلفية توجد العلاقات المشحونة بين مصر والولايات المتحدة، وعدم ارتياح إدارة بايدن لانتهاكات النظام المصري لحقوق الإنسان.

تبقى إسرائيل في حاجة إلى مصر، ومصر في حاجة لإسرائيل، فعلى الرغم من السلام البارد بينهما، إلا أنّ القضايا الإستراتيجية المهمّة تبقي العلاقات دافئة وبقوة بين الجانبين

 بالنسبة إلى الأمريكيين الحكومة الإسرائيلية الجديدة موجودة في الجانب الإيجابي من المعادلة، في المقابل لدى إسرائيل مصلحة واضحة في إدارة الجهد السياسي المصري في قطاع غزة، بصفتها شريكاً كاملاً في منتدى غاز شرق المتوسط الذي تعقد اجتماعاته في القاهرة، إلى جانب ذلك باتت مصر جزءاً من شبكة إستراتيجية تؤدي فيها إسرائيل أيضا دوراً مهماً؛ لأنّها مهتمة بعدم تدهور الأوضاع على حدود سيناء، حيث تخوض مصر حملة صعبة للقضاء على الإرهاب بمساعدة إسرائيلية، بالعودة إلى زيارة بينت إلى مصر، هناك من الإسرائيليين من سعى لرؤية اللقاء تعبيراً عن تحسن في العلاقات بين الدولتين، بل وعن رغبة مصرية لتطويرها وتوثيقها، وأعرب الإسرائيليون عن أملهم في تجنيد مصر لمساعدة إسرائيل في جبهات الكفاح المختلفة، الكفاح المشترك لإسرائيل ومصر على حدّ سواء في وجه حكم حماس في غزة، وتطلعات التوسع الإقليمي لإيران.

مصر الوسيط الوحيد

بالنسبة إلى إسرائيل تعدّ مصر الوسيط الوحيد لها بين حماس وإسرائيل، وذلك أمام قطر وتركيا، اللتيان تقفان إلى جانب حماس في غزة؛ لذلك تم إبعادهما جانباً من قبل إسرائيل، فهي على قناعة بأنّ المصريين لن يصبحوا من أتباع حماس، لأنّهم يعرفون جيداً أنّها الفرع الفلسطيني للإخوان المسلمين الذي يكرهه السيسي، لكنّها معنية بتبديد العداء كي تحافظ على الأمن في سيناء، رغم أنّ المعلومات الإسرائيلية المتوافرة تتحدث عن أنّ رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، غاضب من المصريين، وقد اشتكاهم للأمريكيين؛ لأنّهم يعززون مواقف حماس في المسؤولية عن برامج إعادة الإعمار في غزة، إلى جانب ذلك هناك مواضيع أكثر تجعل إسرائيل تقترب من مصر بشكل أكبر في الوقت الحالي، فهناك زعيم حركة حماس، يحيى السنوار، الذي بحسب خبراء إسرائيليين يهتم بأمرين؛ الأول: إدمانه على الإعلام الإسرائيلي، فهو يبدأ صباحه بقراءة كلّ كلمة تنشر في الصحف والمواقع، وربما في الشبكات أيضاً. والثاني: أنّه رجل متهوّر، وهذا الخليط قد يكون فتاكاً مثلما في ذلك اليوم من أيار(مايو) الماضي، الذي تابع فيه السنوار التقارير التي نشرتها وسائل الإعلام عن الاضطرابات في الشيخ جراح وفي الحرم، فقرر المشاركة في الاحتفال وضرب الصواريخ صوب القدس.

في السابق، عندما شهدت إسرائيل أزمة سياسية، حاول بنيامين نتنياهو عدة مرات تنظيم زيارة إلى مصر لكنّ طلباته رفضت مراراً، بعد أن رفض الطلب المصري بأن ترافق الزيارة إصدار موقف إيجابي لصالح الفلسطينيين، لكن كانت هناك لقاءات سرية في الأراضي المصرية، بين السيسي ونتنياهو، وجرت العديد من المحادثات السرّية بينهما، بطلب من الرئيس السيسي؛ فالرئيس السيسي ونتنياهو تربطهما صداقة قوية، وكانا يحترمان بعضهما كحليفين، وعملا على التعاون الأمني والاستخباراتي بين الدولتين، كما قدّمت مصر شكراً خاصاً لإسرائيل على المساعدة التي قدمتها لها، من أجل إقناع الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، بعدم فرض عقوبات واسعة على القاهرة، على الرغم من أنّ السيسي وجنرالاته قاموا بانقلاب عسكري ضدّ حكومة محمد مرسي المنتخبة، وفي البيت الأبيض وجد الدعم من دونالد ترامب، لكنّهما اليوم عادا إلى منزليهما.

مصر تتوقع من إسرائيل أن تتجند لمساعدتها في حلّ مشكلة سدّ النهضة، كما أنّ إسرائيل تتوقع أن تقود مصر العالم العربي في صراع مع إيران ولجم حكم حماس

 في العقد الأخير توثقت العلاقات بين البلدين على الرغم من اللقاءات القليلة التي جرت بصورة علنية، بالنسبة للسيسي هذه أمور مهمة جداً له، لكن في حالة بينيت فقد جاء الوضع عكس ذلك؛ فالمصريون بادروا بدعوته للزيارة ولم يقدموا أيّ طلب منه بخصوص القضية الفلسطينية، وبذلوا جهوداً غير مسبوقة للترحيب بالزيارة، والمصريون قاموا بسلسلة طويلة من الإيماءات الإيجابية، التي لم نشهدها في العلاقات الإسرائيلية المصرية على مدى السنوات الماضية، وكأنّ السلام البارد بين إسرائيل ومصر بدا لساعات قليلة أكثر سخونة من أيّ وقت مضى، مع العلم أنّ الجانب الإسرائيلي أراد الحفاظ على سرية الموعد المحدد للزيارة، سواء لأسباب أمنية، أو حتى لا يحرج المصريين على الساحة الداخلية.

 ضدّ التقارب مع إسرائيل

رغم وجود حراك مدني قوي في مصر ضدّ التقارب مع إسرائيل، فإن السيسي يسعى لبناء علاقة جيدة مع الحكومة الجديدة في إسرائيل، باعتبار أنّ ذلك أمر بالغ الأهمية من الناحيتين السياسية والأمنية، حيث يحتاج السيسي إلى مساعدة إسرائيلية من الإدارة الديمقراطية في واشنطن في مجموعة متنوعة من القضايا، وأهمها المواجهة مع إثيوبيا حول السدّ الذي تبنيه على نهر النيل؛ لأنّها ترى ذلك تهديداً وجودياً بالنسبة إليها، وهو مستعد لدفع الثمن المطلوب مقابل أن يستقبل رئيس وزراء إسرائيل، وفق كلّ قواعد الطقوس الدبلوماسية وإبداء الحميمية الشخصية.

إقرأ أيضاً: هل تتجاهل إسرائيل تحذيرات واشنطن وتتقارب أكثر مع الصين؟

 من ناحية بينيت؛ فقد وضع المسألة الفلسطينية إلى جانب، وعزز الحوار في الجانب الاقتصادي كأساس للزيارة، كما أنّ الدعوة الرسمية التي وجهها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت لزيارة القاهرة، تحمل خلفها العديد من الأسباب والدوافع، لأنّ المصريين دأبوا، منذ سنوات طويلة، على دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي لزيارة دبلوماسية رسمية لعاصمتهم، فقط في حال تسجيل تطور في المسار السياسي الفلسطيني، وفي العهد الأمريكي الجديد ظهرت أمام السيسي ضغوط جديدة، تتعلق بحقوق الإنسان وقمع معارضي النظام، ما قد يعيق استمرار المساعدات المالية الأمريكية المقدمة لمصر، وفي هذه الحالة قد يعدّ السيسي استضافته لبينيت رسوماً رمزية أمام الأثمان الباهظة التي قد يدفعها أمام واشنطن، إلى جانب ذلك يخشى السيسي أن يكون بايدن بصدد العودة لسياسات باراك أوباما، ويتخذ إجراءات ضدّ القاهرة، مثل: فرض عقوبات عليها، أو تجميد مساعداتها بسبب يد النظام المصري الثقيلة جداً على المعارضين، صحيح أنّ العالم بأسره يعرف هذا، لكنّ هناك فرقاً واحد بين معرفة كلّ العالم بذلك، وما إذا كان البيت الأبيض قد يتحرك ضد النظام المصري، وهنا يمكن فهم دوافع دعوة السيسي لزيارة رئيس الوزراء نفتالي بينيت إلى القاهرة. 

المصريون لا يثقون بالإسرائيليين

ورغم الزيارة العلنية لبينيت إلى مصر، وفي ظلّ الرغبة الإسرائيلية الواسعة للتقارب مع مصر، خاصة مع النظام الحاكم، إلا أنّ المصريين لا يثقون كثيراً بالإسرائيليين، فقد اتهمت القاهرة في الماضي إسرائيل بوقوفها خلف خطط إقامة سدّ النهضة الإثيوبي، وذلك للمسّ بمصر، أما الآن فتهب رياح جديدة في مصر، وكما قيل على لسان السيسي، بعد لقائه نفتالي بينيت، تحقق تفاهم بين الزعيمين واتفقا على العمل معاً لحلّ المشكلة التي تعدها مصر مسألة حياة أو موت.

مصر تتوقع من إسرائيل أن تتجند لمساعدتها في حلّ مشكلة سدّ النهضة، كما أنّ إسرائيل تتوقع أن تقود مصر العالم العربي في صراع مع إيران ولجم حكم حماس، فما الذي يمكن للدولتين أن تفعلاه كي تساعد إحداهما الأخرى؟

 

 أما على صعيد الرئيس المصري، وانطلاقاً من خبراته كضابط استخبارات قديم، قد جمع آخر المعلومات والانطباعات عن رئيس الوزراء الإسرائيلي قبل الزيارة من كلّ جهة ممكنة، من السفارة المصرية في تل أبيب ومن السلطة الفلسطينية في رام الله، ومن مسؤولين أمريكيين ومن مبعوثين خاصين، ولم يتوصل بعد إلى استنتاج قاطع حول أفكار رئيس وزراء إسرائيل، المعلومات التي وصلت إليه أشارت إلى رفض بينيت الجلوس مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لو كان بينيت يبثّ شيئاً آخر لكان السيسي استضافه على الفور في لقاء القاهرة، بمشاركة ملك الأردن العاهل عبدالله الثاني والرئيس محمود عباس، أما بالنسبة إلى العلاقات المدنية بين مصر وإسرائيل فهي في أدنى مستوياتها، هناك ما يمكن عمله في المجال الزراعي، ومن المجدي توسيع حجم التجارة، ولا يمكن نسيان محاولات رجال التكنولوجيا الإسرائيليين، عشرات المرات، الوصول الى المدينة الذكية في القاهرة، وعرض التعاون لكن رفضوا العرض، هناك افتراض أنّ شيئاً ما سيتغير قريباً، هناك مخطط جديد لوصول أربع رحلات جوية أسبوعية من القاهرة إلى تل أبيب لشركة الطيران المصرية قريباً، كما أنّ السيسي سيتجه نحو إبرام اتفاقية سلام مع الإسرائيليين قريباً، فهناك بعض المقدمات التي تهيئ الأجواء للتقارب أكثر مع الإسرائيليين.

إقرأ أيضاً: هل تعرقل روسيا نشاط سلاح الجوّ الإسرائيلي في سوريا؟

 النظام المصري زاد من علاقاته مع الجالية اليهودية في مصر، واستثمر جهوداً كبيرة في ترميم المعابد اليهودية القديمة في الإسكندرية والقاهرة وغيرها من باقي المناطق، إضافة إلى ذلك يقدر سياسيون إسرائيليون أنّ السيسي في حاجة إلى إسرائيل، وذلك لاستمرار المساعدة الاقتصادية الأمريكية لمصر والتي تقدر بمليار دولار سنوياً، وقد تقررت المساعدة قبل سنوات بفضل مؤيدي إسرائيل في الكونغرس، لكن حالياً طلب اليسار في الحزب الديمقراطي تقليص المساعدة الأمريكية كعقاب على المسّ بحقوق الإنسان في مصر، ويتوقع السيسي أن تمارس إسرائيل نفوذها كي تمنع التقليص، ثمة تقدير بأن يكون هناك تقليص، لكنّه لن يزيد عن 130 مليون دولار، في النهاية تبقى إسرائيل في حاجة إلى مصر، ومصر في حاجة لإسرائيل، فعلى الرغم من السلام البارد بينهما، إلا أنّ القضايا الإستراتيجية المهمّة تبقي العلاقات دافئة وبقوة بين الجانبين.

مصدر الترجمة عن العبرية:

https://www.ynet.co.il/news/article/rknqzxtmy


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية