هل تتجاهل إسرائيل تحذيرات واشنطن وتتقارب أكثر مع الصين؟

هل تتجاهل إسرائيل تحذيرات واشنطن وتتقارب أكثر مع الصين؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
27/09/2021

ترجمة: إسماعيل حسن

تحافظ إسرائيل على هدوء نسبي مع الصين، رغم المقاطعة الأمريكية لها، كما أنّها تسمح للصين بتنفيذ مشروعات بنى تحتية، منها ميناء خليج حيفا والقطار الخفيف في غوش دان، والعديد من المشاريع الأخرى التي تنوي شركات صينية تنفيذها. الصين تعدّ دولة التجارة الكبرى في العالم، ومن يعرف الصينيين بحقّ، يدرك تماماً بأنّه يجب احترامهم وعدم الخوف منهم.

اقرأ أيضاً: عباس يحذر إسرائيل ويلوح بهذا الأمر

 تقديرات إسرائيلية تشير إلى أنّه وبعد الخطوات الأمريكية في المنطقة، هناك توجه من قبل الحكومة الإسرائيلية للتقارب مع الصين؛ فإسرائيل تستفيد من قوة الصين الاقتصادية، من خلال فتح الأسواق لشركات إسرائيلية في الصين والعديد من المميزات الأخرى، فالدولتان لديهما مصلحة واضحة في تحسين العلاقات الثنائية، وحتى في الجانب الجغرافي، والمهم لنا، كإسرائيليين، أن نحافظ على العلاقات الخاصة التي بنيت مع الصين، فالعلاقات الاقتصادية وغيرها بين إسرائيل والصين تواصل التطور منذ فترة طويلة، فقد استثمرت شركات صينية في مجالات بنى تحتية وتكنولوجيا مختلفة، وهي تحتل مكانة مهمة في توسيع موانئ إسرائيلية وإدارتها.

اقرأ أيضاً: الكونغرس يمنح إسرائيل مليار دولار للقبة الحديدية

 لا يتلخص تسلسل التعاون في الأهداف المادية فقط، كما تمكن الإشارة إلى أنّ فرعاً من جامعة صينية يوشك على العمل في إسرائيل مطلع العام القادم، وسيعلّم هذا الفرع اللغة الصينية وسيجري لطلابه زيارات تعليمية في الصين، وهذا النوع من التعاون سيستهدف نشر الدعاية والتأثير السياسي والثقافي من ناحية الصين؛ حيث تشكّل مثل هذه الاستثمارات والنشاطات جزءاً من أهداف اقتصادية وجغرافية إستراتيجية مشتركة بين الجانبين.

لقد سبق أن حذّرت واشنطن إسرائيل مراراً من تعميق العلاقات مع الصين، لكنّ المواجهة متعددة الأبعاد في إدارة بايدن تحوّلت مع الصين إلى الموضوع المركزي في سياستها الخارجية، فإذا كانت علاقات القرب بين إسرائيل والصين أثارت استياء واشنطن سابقاً، فقد أصبح الموضوع الآن حرجاً أكثر، في ضوء التوتر العالمي الآخذ في الاحتدام بين أمريكا والصين، في تموز(يوليو) الماضي، اتهمت إدارة بايدن بشكل رسمي وزارة الأمن الداخلي الصينية بهجوم سايبر على شركة مايكروسوفت، ووصفت نشاطات الصين بأنّها تهديد حقيقي لأمن أمريكا وحلفائها، كما وصفت واشنطن الصين بأنّها التحدي الأكبر للولايات المتحدة، وتواصل الدعوة لتشكيل جبهة موحدة في مواجهة التغول الصيني، كما أنّ واشنطن تعي جيداً أنّ هدف الصين هو الوصول إلى تفوق عالمي تام على أمريكا، وهذا التقدير لا يتفق الجميع معه، لكن طالما بقي هذا هو الخطّ الذي يوجه السياسة الخارجية الأمريكية، فإنّ إسرائيل، رغم علاقاتها المهمة مع الصين، لا يمكنها أن تتجاهل ذلك، مع الأخذ بالاعتبار أنّ أمريكا هي الحليف الإستراتيجي لها، وأنّ نصف الشعب اليهودي يعيش في الولايات المتحدة، لكن إذا وضعت إسرائيل أمام الاختيار فيرجح أن تميل نحو الصين، فخلال العقود الأخيرة صعدت الصين إلى مركز المنصة الدولية كقوة عظمى، وتتحدّى العالم في مجالات عديدة  ليس في الاقتصاد فقط، بل أيضاً في الثقافة والرياضة والعلوم والتكنولوجيا، كما أنّها توصف بالجبار الصاعد، فقد دمج الصينيون في وجه الشبه بين الثقافة الصينية والثقافة اليهودية، وفي مجالات أخرى من قيم التربية والتعليم والعائلة، والفلسفة العتيقة، وغيرها، المغروسة في الثقافة الصينية.

التحذير من الصين

داخل إسرائيل يزداد التحذير من قبل صنّاع القرار من تقرّب إسرائيل مع الصين، فعشرات الجهات الخاصة والحكومية في إسرائيل تعرضت لهجوم سايبر مصدره الصين، وتحليل وسائل الهجوم والمقارنة مع هجمات مشابهة، يدلّ على أنّ من وقف وراء الهجوم هي منظمة تجسّس حكومية صينية، كان هدف الهجوم سرقة معلومات وأسرار ومعلومات تجارية، وقد ركّز على الرسائل في البريد الإلكتروني والوثائق، وتم الحصول على أسماء المشاركين وكلمات السرّ، ربما بهدف العودة ومهاجمة هذه الجهات فيما بعد، أو الدخول من خلالها إلى خدمات أخرى، هذا هو هجوم السايبر الصيني الواسع والأول الذي تم توثيقه في إسرائيل، وهو يشكّل جزءاً من شبكة واسعة شملت دولاً كثيرة، منها إيران والسعودية وأوكرانيا وتايلاند، استهدف الهجوم شركات ملاحة واتصالات وجهات أمنية وأكاديمية، وكذلك شركات تكنولوجيا المعلومات التي عُدّت هدفاً مرغوباً فيه للقراصنة، لأنّه من خلالها يمكن الوصول إلى شركات أخرى.

هكذا هي الصين، تواصل دعم إيران والفلسطينيين دون المسّ بشكل واضح بالعلاقات الاقتصادية بينها وإسرائيل، وفي الوقت نفسه تواصل علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل

خلال الهجوم السيبراني تمّ أيضاً التركيز على إضعاف خدمات دارجة في العمل المشترك للطواقم والزبائن، الذين لم يحدثوا الخدمات في الوقت الصحيح  في برامج شركة "مايكروسوفت"، وأبقوا هذه الثغرة مفتوحة، وكانوا هدفاً للمهاجمين، في البداية يستطلعون الهدف بعد ذلك يبحثون عن نقطة ضعف، وبعد إيجادها يبدؤون بحركة واسعة ويأخذون المعلومات من الشبكة، كما أنّ المهاجمين زرعوا وسائل اختراق أيام الإجازات، حيث إنّ احتمالية اكتشافها ضئيلة لكنّ المهاجمين أخذوا طابعاً هادئاً، لم يتم تدمير معلومات ولم يتم تشفير الحواسيب، ولم تكن هناك أية مطالبات بفدية، مسح المهاجمون الشعارات من بعض البرامج المخترقة والتسجيلات التي توثق نشاطاتهم في الحاسوب، الأمر الذي صعّب على محققي السايبر كشف مزيد من المعلومات وإيجاد صعوبة في الحلّ، لم يقف الحدّ عند إسرائيل، بل نشرت بعض الدول، ومنها أستراليا ونيوزيلندا واليابان والولايات المتحدة ودول في الاتحاد الأوروبي، قبل أسابيع، بياناً استثنائياً، دانت فيه الصين بشدة على هجوم ضخم على خادم مايكروسوفت، وهو الهجوم الذي تسبب بأضرار كبيرة في العالم، ونسب هذا الهجوم أيضاً إلى أمن الدولة في الصين.

 كما أنّ إسرائيل، على مدار السنوات الماضية، تعرضت لهجمات سايبر كبيرة ضدّها، على رأسها المعركة في مجال السايبر التي تحدث الآن بين إسرائيل وإيران، وتسببت بضرر لعشرات المؤسسات، وثمة جهات فلسطينية نفذت هجمات ضدّ إسرائيل، لكنّ حملة صينية واسعة النطاق كهذه لم تكن في السابق، وربما ستضطر إسرائيل للردّ عليها، الصين تسعى لإقامة طرق برّية وبحرية متواصلة حول العالم، وهناك مناقصات ضخمة للبنى التحتية يشارك فيها الصينيون حتى في إسرائيل، مثل الموانئ والقطارات، وهناك شركات إسرائيلية كثيرة تتعامل في مجالات تصميم مصالح للصين.

مع الصين أم لا؟

لم يكن الأمر سهلاً على إسرائيل، خاصة في ظلّ التطورات المتلاحقة في الشرق الأوسط، الاختيار بين أن تتقارب مع الصين أم لا، فالعلاقات الاقتصادية، وغيرها، بما في ذلك الإنتاج الأمني بين الصين وإسرائيل، تطورت بسرعة في أعقاب إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما، وجعل الصين الشريك التجاري الثالث في حجمه لإسرائيل بعد أوروبا والولايات المتحدة، وبسبب حساسية الموضوع لا تشاع كلّ أوجه التعاون الأمني، والتي تتراوح بين الارتفاع والهبوط، وذلك ضمن أمور أخرى، كنتيجة للتدخل الأمريكي، والضغط الذي أدى إلى إلغاء صفقة كبرى لتصدير طائرات إلى الصين.

اقرأ أيضاً: تناقضات أردوغان - لجنة مؤيدة له تدعم إسرائيل وتدين الفلسطينيين

 صحيح أنّ إسرائيل حرصت على منع انتقال المعلومات أو العناصر الأمريكية إلى الصين، لكنّ هذا لم يمنع محافل أمريكية ذات مصلحة وغيرها من أن تنشر معلومات كاذبة في هذا الشأن، ادّعت وسائل إعلام أمريكية أنّ إسرائيل نقلت إلى الصين تكنولوجيا حساسة لصواريخ باتريوت، واقتبست المعلومات عن مصادر استخبارية أمريكية وموظفين في وزارة الدفاع ممن طلب منهم التعقيب، فقالوا في محادثات خلفية إنّ الاتهامات جدية، كما أنّ الوسائل الإعلامية اتهمت إسرائيل بنقل تكنولوجيا عسكرية أمريكية إلى الصين ودول أخرى.

 المحاكم المسؤولة في إسرائيل قالت إنّ الاتهامات عديمة الأساس، لكنّ مسؤولين في الإدارة الأمريكية رفضوا بشكل مطلق الاتهامات رغم علمهم بأنّها كاذبة، ورغم الاتهامات الموجهة فإنّ العلاقات الاقتصادية، وغيرها، بين إسرائيل والصين، تواصل التطور، ولن يمنع أيّ اتهام التوجه مع طرف ضدّ الآخر ولا حاجة لإسرائيل لاختيار طرف، إسرائيل كدولة لها مصالح جوهرية مع الجميع، وإسرائيل ليست لاعب احتياط بل جهة ذات مغزى، ولاعب محوري مركزي يعمل في الساحة العالمية، ويجب أن تحافظ على العلاقات مع الأصدقاء في الولايات المتحدة، كما عليها ألا تتجاهل الصين.

خلال العام الماضي، كثّف وزير الخارجية الصيني زياراته للشرق الأوسط، وتابعت إسرائيل الزيارات بعدم اهتمام، فقد علمتنا التجربة أنّ الصين قوية في تصريحات الدعم، لكنّها تكتفي بالدعم الرمزي، ولا يجب أن نتوقع زخماً من شركات صينية تقوم بإعادة إعمار سوريا، ومن غير المتوقع قريباً استثمارات ضخمة لها في قطاع غزة.

 في المقابل، من غير المتوقع أيضاً، أن يتلاشى تأثير الصين المتزايد في المؤسسات الدولية، ومن المتوقع أن تستمر الصين في دعم الفلسطينيين على حساب إسرائيل. تناولت الزيارات الأخيرة مواضيع رئيسة، منها الدفع نحو نشر اللقاح الصيني ضدّ كورونا، والاستثمارات الصينية في المنطقة، والنزاع الفلسطيني الإسرائيلي. في موضوع اللقاحات تريد الصين تشجيع إقامة مصانع محلية لإنتاجه، نشر اللقاح الصيني أمر يهم الصين، التي تريد تحسين صورتها التي تضررت بسبب الوباء والاستفادة من ذلك اقتصادياً، واستغلال الخطوة كوسيلة للنفوذ السياسي، كما أنّ موضوع الاستثمارات الصينية هو مبادرة وطنية مدعومة بشكل شخصي من الرئيس الصيني، وتمثل مصلحة رئيسة للصين، والتي هي عنوان لإجمالي مشروعات متنوعة في أرجاء العالم.

داخل إسرائيل يزداد التحذير من قبل صنّاع القرار من تقرّب إسرائيل مع الصين، فعشرات الجهات الخاصة والحكومية في إسرائيل تعرضت لهجوم سايبر مصدره الصين

 في موضوع النزاع الفلسطيني الإسرائيلي تعدّ الصين القضية الفلسطينية مركز قضايا الشرق الأوسط، وسيؤدي حلّها إلى السلام والأمن في المنطقة، وأعلن وزير الخارجية نيّة الصين طرح موضوع النزاع المتواصل بين إسرائيل والفلسطينيين في مجلس الأمن، والحصول على المصادقة لحلّ الدولتين أيضاً، ودعم وحدة التنظيمات الفلسطينية وتشجيع استئناف محادثات السلام على قاعدة حلّ الدولتين. وخلال الحرب الأخيرة بين حماس وإسرائيل أيّدت الصين قرارات تنديد إسرائيل، وانحرفت الصين عن سياسة عدم التدخل التي تتبعها، والتي امتنعت في إطارها بشكل عام عن اتخاذ أيّ موقف من النزاعات، فقد عقدت الصين جلسة لمجلس الأمن حول الموضوع، وصاغت تصريحات أعلنت فيها أنّ حلّ الدولتين هو الطريق الأفضل لإنهاء النزاع. وعارضت الولايات المتحدة صيغة بيان مجلس الأمن الموجه ضدّ إسرائيل، والذي بلورته الصين ودول أخرى في المجلس، تريد الصين أن تخلق لنفسها صورة الدولة العظمى المسؤولة التي تقف إلى جانب أقلية مضطهدة، وتعرض مساعدتها في التوصل إلى حلّ بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، يضاف إلى قائمة المواضيع الأخرى التي يمكن للصين أن تناكف الولايات المتحدة فيها، لكن رغم اختلاف وجهات النظر في العديد من القضايا بين الصين وإسرائيل، إلا أنّ الطرفين يسيران بنجاح سياسة تفصل بين العلاقات الاقتصادية التي تفيد الطرفين وبين الخلافات السياسية.

اقرأ أيضاً: بالأمعاء الخاوية يتحدى الأسرى الفلسطينيون السجّان الإسرائيلي

هكذا هي الصين، تواصل دعم إيران والفلسطينيين دون المسّ بشكل واضح بالعلاقات الاقتصادية بينها وإسرائيل، وفي الوقت نفسه تواصل علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل، وهي تعرف عن علاقات إسرائيل المتميزة مع الولايات المتحدة، لكن كلّما ازداد العداء بين الصين والولايات المتحدة، من المتوقع أن تزيد بكين جهودها لمناكفة واشنطن كدولة عظمى لها، وأن تنأى بنفسها عن الانتقاد في موضوع حقوق الإنسان، النزاع الفلسطيني الإسرائيلي مفيد جداً في هذا السياق، وموقف الصين يحصل على دعم دولي واسع حتى في أوساط حلفاء الولايات المتحدة، ودعم الصين لإيران وتصميمها على مواقفها في المؤسسات الدولية واستخدام الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين لمناكفة الولايات المتحدة، كلّ ذلك يمكن أن يثير صعوبات في العلاقات بين إسرائيل والصين، وربما يجعل إسرائيل تعيد فحص علاقتها مع الصين، وعلى كلّ حال إسرائيل والصين تنظر كلّ منهما إلى الأخرى كشريك إستراتيجي؛ الصينيون يستحقون التقدير لأنّهم مميزون في طريقة بناء علاقاتهم، في المقابل إسرائيل دولة حداثة ذكية وناجحة ومزدهرة، ولديها شركات تكنولوجية متطورة، ونجحت في غضون وقت قصير نسبياً، وبدون مقدرات كثيرة، في أن تصبح دولة غنية وحديثة، وعليه فإنّ الصين ترى في إسرائيل دولة جذابة للتعلم والاستثمار والتعاون معها في العديد من المجالات.

مصدر الترجمة عن العبرية:

https://www.maariv.co.il/journalists/opinions/Article-858310




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية