المصالحة التركية السورية... هل تنقلب الميليشيات المسلحة على أنقرة؟

المصالحة التركية السورية... هل تنقلب الميليشيات المسلحة على أنقرة؟

المصالحة التركية السورية... هل تنقلب الميليشيات المسلحة على أنقرة؟


18/12/2022

ستحدد الأيام والأسابيع المقبلة مستقبل المصالحة التركية السورية ومدى نجاحها؛ في ظل الحسابات الانتخابية التركية، ومساعي نظام العدالة والتنمية الحاكم برئاسة رجب طيب أردوغان بتصفير المشاكل والأزمات مع الدول العربية كالإمارات والسعودية ومصر، طمعاً في المساعدات للنهوض بالاقتصاد المتهاوي، لكن من المهم الإشارة إلى الملفات المعقدة والحسابات الاستراتيجية بين البلدين، والتي من أهمها ملفات الميليشيات السورية المعارضة الموالية لتركيا، والتي سيكون لها في الغالب وجهة نظر يمكن أن تتعارض مع تطلعات النظام التركي.

ففي الوقت الراهن حلفاء تركيا السوريون غاضبون من المصالحة التي ستنعكس عليهم، وربما تُنبئ بانتهاء صلاحيتهم باعتبارهم مجرد ورقة تركية، لهذا سيكون مسار المصالحة بين أنقرة ودمشق معقداً إلى حدٍّ ما، بالنظر إلى أنّ تركيا تحتل أجزاء واسعة من شمال سوريا، وهي المناطق التي تنتشر فيها ميليشيات سورية موالية لها، وأخرى إسلامية متطرفة ترتبط أيضاً بعلاقات مع سلطة الاحتلال التركي.

ووفق ما نقل موقع "ميديل إيست أون لاين"، فإنّ تصريحات أردوغان وكبار مسؤوليه حول المصالحة مع النظام السوري أثارت غضب الفصائل والميليشيات السورية الموالية لتركيا؛ إذ يعتبرها البعض منها "طعنة في الظهر"، ويعتقد معظمها أنّ أنقرة باتت مستعدة للتضحية بهم مقابل تسوية الخلافات مع دمشق، رغم أنّ الحكومة التركية أكدت في الكثير من المناسبات أنّ المصالحة مع دمشق ستتطلب تسوية سياسية وتفاهمات بين النظام السوري والفصائل المعارضة، خاصة أنّ أردوغان يدرك أنّ نظام بشار الأسد لن يقبل بمصالحة تستثني وضع تلك الفصائل والسيادة السورية على شمالها.

في الوقت الراهن حلفاء تركيا السوريون غاضبون من المصالحة

وعلى ضوء ذلك، فإنّه لا مفرّ من صفقة بين الجانبين، وأن تتخلّى تركيا عن الفصائل الموالية لها لتسريع جهود التقارب، وإنهاء (10) أعوام من العداء بين أنقرة ودمشق، حسبما نقلت شبكة "بي بي سي" في تقرير لها حول التقارب بين البلدين نشر يوم 12 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.

وفي سياق متصل، جدّد زعيم "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني الخميس الماضي  رفضه إجراء مصالحة مع النظام السوريّ، وهدّد بمواصلة القتال حتى "تحرير كامل سوريا" وفق تعبيره.

ويُعتبر موقف الجولاني بمثابة اعتراض على الخطّ الجديد الذي تنتهجه السياسة التركية إزاء الملف السوري، والذي بات يدعو منذ أشهر عدّة إلى ضرورة المصالحة بين النظام والمعارضة، تمهيداً لرفع الحرج عن أنقرة في اتخاذ خطوات أكثر جدّية على مسار التقارب مع دمشق.

تصريحات أردوغان وكبار مسؤوليه حول المصالحة مع النظام السوري أثارت غضب الفصائل والميليشيات السورية الموالية لتركيا

 

وقال الجولاني خلال جولة قام بها مع علي كدو، رئيس حكومة الإنقاذ التابعة له عمليّاً، على مخيمات للنازحين في الشمال السوري غير مشمولة بدعم المنظّمات، وذلك في إطار حملة بعنوان "دفء الشتاء"، قال وفق ما أوردت مواقع ومنصات قريبة من "هيئة تحرير الشام": إنّه لا مصالحة مع العدو ولو بعد حين، وسنواصل هدم منظومة عصابات الأسد حتى تحرير كامل سوريا وبناء مستقبل يليق بأهل الشّام".

ولا يعارض الجولاني بتصريحاته السابقة الانعطافة التركية إزاء دمشق فحسب؛ بل يكاد يعلن تحدّيه للسياسة الروسية ـ التركية المشتركة التي تحدث عنها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل أيام، كاشفاً عن وجود اتفاق بين موسكو وأنقرة على تحييد الفصائل المسلحة الرافضة للحوار مع دمشق. وكأنّ لسان حال الجولاني يقول: إنّ "هيئة تحرير الشام" ليست ضمن الفصائل التي سوف تمشي في ركب هذه السياسة المشتركة.

و"هيئة تحرير الشام" هي الفصيل الوحيد تقريباً الذي ليس له تمثيل على طاولة آستانا، في حين أنّ جميع الفصائل الأخرى المنضوية تحت راية ما يُسمّى "الجيش الوطني السوري"، المموّل من تركيا، واظبت على إرسال ممثلين عنها ضمن وفد المعارضة إلى الاجتماعات التي شهدها هذا المسار منذ عام 2017.

يُعتبر موقف الجولاني بمثابة اعتراض على الخطّ الجديد الذي تنتهجه السياسة التركية إزاء الملف السوري

موقف "هيئة تحرير الشام" ظهر جليّاً على الأرض بعد قيام الجولاني باقتحام مدينة عفرين والسيطرة عليها، في خطوة أحرجت أنقرة، واستثارت العديد من المواقف الدولية المناهضة لتوسّع تنظيم مصنّف على قوائم الإرهاب العالمية، حسبما نقلت صحيفة "النهار العربي".

وفي سبيل التخلّص من هذا الإحراج، عقدت أنقرة اجتماعاً لقادة الفصائل في الشمال السوري في غازي عنتاب مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وأبلغتهم فيه بقرارات جديدة سوف تنفذ من أجل إعادة ترتيب المشهد في المنطقة بعيداً عن أجواء الاقتتال والفلتان الأمني.

وتأكيداً لذلك، أصدر الخميس الماضي ما يُسمّى "الحراك الثوري الموحد" بياناً طالب بضرورة خروج "هيئة تحرير الشام" من عفرين ومحيطها. وأهاب البيان بمن سمّاهم "جماهير الثورة" الاستعداد لطرد كلّ أمنيي الهيئة من المنطقة "بشكل تام ونهائي". ويُعتبر هذا البيان دليلاً من بين أدلة كثيرة على أنّ "هيئة تحرير الشام" ما تزال تسيطر على مدينة عفرين، وأنّها لم تنسحب منها رغم الضغوط التي تمارسها تركيا عليها، بحسب ما تناقلته مواقع سورية معارضة.

لا يعارض الجولاني بتصريحاته السابقة الانعطافة التركية إزاء دمشق فحسب، بل يكاد يعلن تحدّيه للسياسة الروسية ـ التركية المشتركة

 

وأصدر "جهاز الأمن العام" التابع لحكومة الإنقاذ، وهي الذراع المدنية لـ "هيئة تحرير الشام"، في 12 أيلول (سبتمبر) الماضي تعميماً هدد من خلاله السكان في مناطق شمال غربي سوريا من مغبة التفكير في العودة إلى مناطق سيطرة النظام لإجراء عملية المصالحة، وذلك بعد افتتاح النظام السوري مركزاً خاصاً بأبناء محافظة إدلب في مدينة خان شيخون.

وفي تحرك يظهر موقف الميليشيات المسلحة وقوى المعارضة من مسألة المصالحة التركية مع النظام السوري، خرجت منتصف آب (أغسطس) مظاهرات حاشدة في العديد من مدن وبلدات أرياف محافظات حلب وإدلب والحسكة، التي تهيمن عليها ميليشيات موالية لأنقرة، بعد تصريحات أدلى بها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو تدعو للمصالحة مع النظام السوري.

وبثت مواقع سورية بينها شبكة شام مقاطع فيديو للاحتجاجات في مدن إعزاز والباب والأتارب وعفرين بريف حلب، وكذلك في بلدات حارم والدانا وأطمة وعند نقطة العبور التركية قبالة بلدة المسطومة بريف إدلب.

وأكد المتظاهرون الذين خرجوا بموافقة من الميليشيات الموالية لتركيا، ممّا يعكس موقفهم الرافض للمصالحة، من خلال لافتات رفعوها في الاحتجاجات أنّ الحل الأمثل للسلام الدائم في سوريا يمرّ عبر محاسبة النظام الذي قتل مئات الآلاف وشرد الملايين.

ورفض المحتجون أيّ حديث عن المصالحة كونها تُعدّ استسلاماً وعودة إلى الوضع السياسي والأمني الذي كانت عليه سوريا قبل الثورة، على حدّ قولهم.

وحمل المتظاهرون لافتات ترفض أيّ تطبيع أو مصالحة مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وتدعو إلى إسقاطه، في حين دعا محتجون في إدلب إلى فتح جبهات القتال ضد قوات النظام السوري، حسبما نقل موقع المرصد السوري آنذاك.

وفي أبرز ردود الفعل من قبل أطياف المعارضة السورية على تصريحات وزير الخارجية التركي، اعتبر وزير الدفاع التابع للمعارضة المسلحة حسين الحمادي أنّ الثورة السورية لم تكن مرتبطة بالمواقف الدولية، بل هي ثورة من أجل استعادة حق السوريين التاريخي.

وأكد القائد العام لـ "هيئة ثائرون للتحرير" فهيم عيسى أنّه لا مكان للأسد أو النظام في مستقبل سوريا، وأنّه "لا خيانة لدماء شهدائها"، وفق موقع "عفرين بوست".

في الإطار نفسه، قال نائب قائد حركة التحرير والبناء السورية المعارضة أبو حاتم شقرا: إنّه لن يضع الثورة السورية في أيّ كفة دولية لا تساوي ثمن دماء شهداء الثورة.

خروج مظاهرات حاشدة في العديد من مدن وبلدات أرياف محافظات حلب وإدلب والحسكة التي تهيمن عليها ميليشيات موالية لأنقرة رفضاً للمصالحة

 

وبدوره، قال القيادي في الجيش الوطني التابع للمعارضة المسلحة الفاروق أبو بكر: إنّه "لا شأن لنا بموازين السياسة وتقلباتها، ولن نركع لتركيا، أو نصالح المجرمين وقتلة الأبرياء".

 أمّا المجلس الإسلامي السوري، ومقره تركيا، فقد قال في بيان له: إنّ المصالحة مع نظام الأسد تعني المصالحة مع أكبر إرهاب في المنطقة، وفق تعبيره.

 وفي حوادث أخرى، تطورت الأمور إلى أبعد من ذلك؛ إذ نشرت مقاطع فيديو لسوريين ينزلون الأعلام التركية ويحرقونها، وتعرّضت عربات تابعة للجيش التركي للرشق بالحجارة.

 وعقب أشهر من اندلاع الثورة السورية قطعت تركيا علاقاتها مع النظام السوري، واعتبرت أكبر الدول دعماً للمعارضة السورية، ولم تُجرَ أيّ اتصالات سياسية بين أنقرة ودمشق منذ (11) عاماً، وقد وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئيس النظام السوري بشار الأسد بـ "القاتل والإرهابي والجزّار".  

 وفي الفترات الماضية تحدث أكثر من مسؤول تركي رفيع عن وجود "اتصالات على مستوى الاستخبارات" مع النظام السوري، وتمّ تبريرها مراراً بأنّها اتصالات أمنية محدودة تبقي عليها كافة الدول فيما بينها مهما وصلت إليها الخلافات لتجنب وقوع أحداث غير مرغوب فيها، إلا أنّه صدر العديد من التصريحات من أردوغان، ومن مسؤولين في حكومته، حول مساعيهم لإنهاء الخلافات مع النظام السوري لضمان عودة آمنة للّاجئين الذين يشكلون واحداً من أكبر التحديدات أمام حزب العدالة والتنمية قبل إجراء الانتخابات التركية في حزيران (يونيو) المقبل.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية