تنص تعليمات وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في الأردن على ألا يفتح المسجد إلا قبل موعد الصلاة بنصف ساعة ليغلق بعد انتهاء أدائها "حفاظاً على بيوت الله من العبث والتخريب"، إلا أنّ كثيراً من روّاد المساجد في الأردن يرون أن هذا الإجراء، الذي بدأ العمل به منذ التسعينيات يحول دون الجلوس لتدبّر القرآن الكريم ومطالعة الكتب الدينية الموجودة في مكتبة بعض المساجد، فيما يشكو آخرون من إجراءات اتخذت قربها للحد من الاحتجاجات كما مع مسجد الكالوتي بعمّان الذي يعد القبلة الأشهر في التظاهرات ضد الكيان الصهيوني بحكم موقعه.
مواعيد فتح المساجد بين التعطيل والتنظيم
في وقت يشكو فيه سامي الخشمان (52 عاماً) من تحديد مواعيد فتح المساجد، فإنه يستدرك "لطالما سمعنا عن سرقات مكبرات الصوت وصناديق التبرعات أو عبث بعض الأطفال بمتعلقات المسجد"، متابعاً حديثه لـ "حفريات": "كما رأينا بأم أعيننا أن ثمة من ينام في المسجد ولا يستيقظ حتى عند دخول المصلّين".
اقرأ أيضاً: المساجد: ساحة صراع بين الناس والدولة.. الأردن أنموذجاً
منور عثمان (48 عاماً) يقول لـ "حفريات": إن في إغلاق المساجد بين الصلوات "تعطيلاً لدور المسجد في الإسلام؛ إذ كانت فعاليات الحياة الاجتماعية تقام فيه، من اجتماعات ولقاءات وحتى تناول الطعام بشكل جماعي وإيواء من تقطّعت بهم السبل، بل كانت الغزوات تنطلق من المساجد".
تعليمات وزارة الأوقاف تنصّ على فتح المسجد قبل الصلاة بنصف ساعة وإغلاقه بعد ربع ساعة حفاظاً عليه
تعليقاً على ما سبق، يقول مدير مديرية المساجد في وزارة الأوقاف الدكتور حمزة إبداح "المساجد لدينا متنوعة؛ إذ منها الرئيسة والكبيرة والصغيرة وأخرى في الضواحي وأخرى على طريق السفر، وللأسف كلها يتعرّض للسرقة، ولعل هذا ما يجعلنا نغلقها".
ويضيف أنّ تعليمات الوزارة تنصّ على فتح المسجد قبل الصلاة بنصف ساعة وإغلاقه بعد ربع ساعة، وأنه على الرغم من ذلك "فإن معظم المساجد لا تقفل أبوابها بين صلاتيّ المغرب والعشاء، ولا في معظم الأوقات في رمضان ولا حين يكون هناك درس ديني مُشرَف عليه من قِبل موظفي المسجد أو حتى إن كان هنالك من يقرأ القرآن الكريم".
بدوره، يقول أستاذ الشريعة الدكتور عدنان خطاطبة لـ "حفريات":"لا بأس بإغلاق المسجد في غير أوقات الصلاة لصيانته أو لحفظ محتوياته من فرش ونحوه، إذا خُشِيَ عليها من الضياع"، مستشهداً بقول الإمام النووي "لا بأس بإغلاق المسجد في غير وقت الصلاة لصيانته أو لحفظ آلاته".
ويقول إمام مسجد الأبرار مأمون الدوايمة لـ "حفريات": "إن كانت هناك مصلحة راجحة في إغلاق المسجد في غير أوقات الصلاة فلا مانع من ذلك، ولا يعدّ هذا من باب السعي في خرابه ولا المنع من ذكر الله تعالى فيه"، مستدركاً "بيد أننا ننبّه أن إغلاق المسجد بالنسبة لصلاة الفجر ينبغي أن يكون بعد طلوع الشمس حتى يتمكن من أراد من المصلين أن يجلس حتى تطلع الشمس، وهو ما رغّب به النبي صلى الله عليه وسلّم".
اقرأ أيضاً: أطفال مدارس قرآنيّة في تونس يحلمون بأنّ يكونوا أئمة مساجد
ويشير إمام مسجد أبي بكر الصديق صالح الوديان في حديثه لـ"حفريات": أن المسجد، الذي يقع في بلدة الخراج، كثيراً ما تعرّض للعبث بمحتوياته، وتحديداً ما حدث العام الماضي من قِبل مجهولين، مثل المصاحف وثلاجات الماء ومكبرات الصوت، ما يدفعه حتى اللحظة لإغلاق المسجد بمجرد انتهاء الصلاة.
خطاطبة: لا بأس بإغلاق المسجد في غير أوقات الصلاة لصيانته أو لحفظ محتوياته إذا خُشِيَ عليها من الضياع
وفي حديثه لـ "حفريات" يرى رعد القضاة (35 عاماً)، أن الكثير من المساجد المنتشرة في المملكة تفتقر للأساسيات من مرافق صحية وتهوية واتساع، في وقت تنعم فيه أخرى برفاهية باذخة ومتابعة حثيثة، ويقترح أن يصار لتنظيم الأمر من قِبل وزارة الأوقاف؛ لتكون المساجد على سوية جيدة بالمجمل؛ إذ إن الطبقية لا ينبغي أن تصل دور العبادة، بحسبه، وتحديداً تلك المساجد الموجودة في المحافظات وعلى الطريق الواصل بين المحافظات.
إمام مسجد التوحيد أحمد العمري يشكو هو الآخر لـ"حفريات" من تعطّل أربعة مكيفات من أصل ستة، وتساقط الواجهة الإسمنتية للمسجد وتآكل الدهان واهتراء السجاد، داعياً من ينفقون على بذخ مساجد دون أخرى للالتفات "لترميم بيوت الله الآخذة في التدهور".
فيما يقول إمام مسجد أبي زكريا قاسم محمد، لـ "حفريات": إنّ أهالي بلدة كفر أسد شكّلوا لجنة محلية لدعم المسجد وإصلاح التالف فيه، مكملاً إنه يجدر بمن يقيم مساجد باذخة أن يرعى هذه المساجد المتهالك بنيانها، وأن يولي ترميم المساجد الأولوية قبل بناء الجديد الفاره منها.
اقرأ أيضاً: في غزة: مساجد بملايين الدولارات وفقراء بلا مأوى
أستاذ الشريعة الدكتور عايش لبابنة يذهب لمثل ما ذهب إليه من تحدثوا آنفاً؛ إذ يقول لـ "حفريات": إنّ عمارة المسجد والقيام على نظافته وتهيئته للعبادة "عمل خير عظيم ويُعطى الأولوية دوماً"، داعياً من يحرصون على تشييد المساجد الفخمة إيلاء هذه المساجد ذات البنية التحتية المتعَبة الأولوية.
لروّاد مسجد الكالوتي حكاية أخرى
بعد أن كانت الأنظار تتجه إلى مسجد الكالوتي كمنبر لانطلاق الاعتصامات، وتحديداً تلك الموجهة ضد الكيان الصهيوني؛ نظراً لقرب سفارته من المسجد، فإن الأمور آخذة في التلاشي الآن، بعد أن بات مكان الانطلاق الرسمي من المسجد الحسيني في وسط البلد وبعد أن شيّدت أمانة عمّان سياجاً حول المكان في منطقة الرابية.
الكثير من المساجد تفتقر للأساسيات من مرافق صحية وتهوية واتساع فيما تنعم أخرى برفاهية باذخة
مسجد الكالوتي، الذي يقع غرب العاصمة عمّان، في منطقة سكنية فارهة، يمزج الطابعين القديم والحديث في معماره، الذي تمّ على يد عائلة مقدسية لرجل الأعمال أنور راغب الكالوتي، في العام 1999، ليُباشَر في توسعته وتحديثه في العام 2002.
بُنيَ المسجد على مساحة عشرة دونمات، ويتسع لخمسة آلاف مصلٍّ، فضلاً عن ساحاته التي تستوعب خمسة آلاف آخرين، وليفوق عدد المصلّين عشرة آلاف في ليلة القدر في رمضان وأثناء صلاة العيد.
المفارقة أنّ المسجد، الذي شيّدته العائلة المقدسية، لا يبتعد أكثر من كيلو متر واحد عن السفارة الإسرائيلية في عمّان، لذا، كانت الأنظار مصوّبة نحوه في اشتباكات القدس الأخيرة، حين نَصَبَ جنود الاحتلال بوّابات إلكترونية عند أبواب الحرم القدسي.
يقول إمام مسجد الكالوتي رمضان الشيخ لـ حفريات": "تلك الاعتصامات التي جَرَت سابقاً كانت حزبية، وثمة من كان ينضمّ إليها عفوياً، لكنها لا تمتّ للمسجد بصلة، كل ما في الأمر أن المنتفضين كانوا ينطلقون من ساحات المسجد، أما الآن، فبات الحضور قليلاً".
المفارقة أن المسجد الذي شيّدته العائلة المقدسية لا يبتعد أكثر من كيلو متر واحد عن السفارة الإسرائيلية
وكانت أمانة عمّان قد شيّدت السياجات الحديدية حول ساحات المسجد؛ لتحول دون انطلاق المظاهرات، وكانت تصريحات المسؤولين، آنذاك، تتحدث عن كون هذا التسييج يأتي بطلب من أصحاب الأرض وجيران المسجد.
هذا وأنهى السياج ذاكرة سجل ممتلئ بالاعتصامات والاحتجاجات التي شهدتها الساحات، منذ توقيع اتفاقية "وادي عربة" بين الأردن وكيان الاحتلال الإسرائيلي في العام 1994، مروراً بالانتفاضات الفلسطينية والأحداث السياسية المرتبطة، بشكل أو بآخر، بالقضية الفلسطينية كحروب غزة.
يقول سمير علي (32عاماً) لـ "حفريات": إن من يأمّون المسجد يتسبّبون بازدحام شديد، أسهم فيه السياج ولم يقلّله، مستذكراً كيف كانت تلك الساحات مستقراً للمصلّين والمحتجين ومركباتهم، وتحديداً أيام حرب غزة، حين كانت تلك الاعتصامات بشكل شبه أسبوعي.
أما فارس أحمد (46عاماً) فيعود بذاكرته لتلك الأيام، حين حاول الوصول للمسجد، فلم يستطع لشدة الازدحام، ما دفعه، لتأمين سيارته على بُعد 2 كم من المسجد الذي ضربت السلطات الأمنية طوقاً حوله.
يقول أحمد لـ"حفريات": "كان الناس يصلّون على الأرصفة وفي الطُرقات العامة، والكل كان على درجة عالية من الاحتقان انتصاراً لغزة".
أمانة عمّان شيّدت سياجات حديدية حول ساحات مسجد الكالوتي لتحول دون انطلاق المظاهرات
مصلّ آخر، رفض ذكر اسمه، يقول إنهم كانوا يعتلون أسطح المنازل المحاذية للمسجد للهتاف بما تمنعهم السلطات الأمنية من قوله حين يكونون حول المسجد.
يستذكر تلك الأيام، فيما هو يتحسّر على السياج الأمني الذي أضعف مكانة المسجد السياسية حتى بدت مختفية تماماً في العامين الأخيرين.
عبد المعز فاضل (41عاماً) يقول إن للمسجد مكانة سياسية قلّما تتأتى لمسجد آخر "بالشكل العفوي الذي حدث مع هذا المسجد"، مضيفاً أن هذا الدور السياسي "آخذ بالضعف والتلاشي" بعد السياج الذي شيّد حول المسجد، متأسفاً على ما وصفه "إنهاء لدور المسجد سياسياً"، مستشهداً بضيوف يؤمّونه ويحاولون إسباغ طابع الدعوة العادي عليه من قبيل زغلول النجار ومحمد راتب النابلسي وعائض القرني وغيرهم.
اقرأ أيضاً: هكذا جعلت حركات الإسلام السياسي المساجد معقلاً للعمل الدعوي
يرى فاضل أن الحراك الذي كان يشهده المسجد يشير لكون "البوصلة واحدة وموجّهة نحو فلسطين وضد الاحتلال"، ولعل هذا هو السبب الذي جعل الأعداد تلك كلها والقيادات على تناقضها تقف في ساحاته وعلى أبوابه المواجهة للسفارة الإسرائيلية.
جار مسجد الكالوتي عمر فروان، الذي يصلي فيه بشكل منتظم، يقول لـ "حفريات": إن أنشطة خيرية عدة واجتماعية أيضاً تنطلق منه، ومنها ما يتعلق بمبادرات تحفيظ القرآن الكريم وتنظيم الفقرات الرمضانية"، مضيفاً أن ما سبق يفضي لازدحامات جمّة حول المسجد والطرق المؤدية إليه، وتحديداً في رمضان وصباح العيد.