المرأة المصرية تحت مجهر الإسلام السياسي

المرأة المصرية تحت مجهر الإسلام السياسي

المرأة المصرية تحت مجهر الإسلام السياسي


17/03/2024

أمينة خيري

إنجازات ومناصب ومكتسبات تفاخر بها المرأة المصرية، أو ربما يتم التفاخر بها باسمها، في مثل هذا اليوم من كل عام، وتحديداً منذ تقرر أن يكون الـ16 من مارس (آذار) من كل عام يوماً للمرأة المصرية في عهد الرئيس السابق الراحل محمد حسني مبارك.

قرينة مبارك، السيدة سوزان مبارك، ظلت على مدى ثلاثة عقود هي فترة حكمه، "الداعم والدافع والمدافع والمفعل" لحقوق المرأة المصرية. وقبلها كانت قرينة الرئيس الراحل محمد أنور السادات هي "المحرر والمحرك والمفجر والضاغط" من أجل تغيير وضع المرأة المصرية.

خروج مشرف

في وقت مبكر من عمر القرن الـ20 خرجت المرأة المصرية في تظاهرات ضد الاحتلال البريطاني، ورفعت الهلال مع الصليب للدلالة على وحدة المصريين أمام المحتل خلال ثورة 1919 ودشنت الاتحاد النسائي المصري في 1923، والتحقت بالجامعة المصرية عام 1928 بعدما كانت الدراسة الجامعية حكراً على الذكور، ومع ما سبق فإن مسيرة المرأة المصرية ظلت، أو هكذا تشير الأحداث، في حاجة إلى "قائدة" أو "رائدة".

ريادة المرأة المصرية في مثل هذا اليوم من كل عام، وهو التاريخ المختار بعناية ليرمز إلى القفزات التي تحققت لها في النصف الأول من القرن الـ20، تستعرض بصحبة مجموعة من القرائن: السيدة الأولى الداعمة لحقوق المرأة، والمناصب الكبيرة التي أحرزتها وهي السفيرة والوزيرة والمديرة، والمشوار الكبير الذي قطعته للوصول إلى هذه المكانة الكبيرة العظيمة.

هذه المكانة الكبيرة العظيمة يجري الاحتفاء بها بصورة متطابقة يكرر نفسه في يوم المرأة المصرية. كلمة يوجهها كبار رجال الدولة في هذه المناسبة، سباق على استعراض قوائم الإنجازات المتمثلة في عدد الحقائب الوزارية ونسبة المناصب القيادية ومعدل التمثيل النيابي، زيادة أو تذكرة بالمعاشات الاستثنائية التي تخصص للنساء في أوضاع صعبة، تكريم مستحق لزوجات وبنات وأمهات الشهداء والعمليات الإرهابية، وتأكيد أن المرأة تعيش عصرها الذهبي من جهة الحقوق والمكانة.

مكانة المرأة المصرية في العام الـ24 من الألفية الثالثة، أي بعد ما يزيد على 100 عام من الاحتفاء بخروجها في تظاهرات سياسية والتحاقها بالدراسة الجامعية والبرهنة على أنها تستطيع من خلال المهن والمناصب والأدوار التي تقوم بها، تحتاج إلى مراجعات بين الحين والآخر أكثر مما هي في حاجة إلى احتفاءات. الاحتفاء بالدعوة التي تفجرت أعقاب إسقاط حكم جماعة الإخوان المسلمين في 2013 بضرورة تجديد الخطاب الديني لم تقبل بكثير من الترحيب من قبل أطراف الخطاب (القائمون عليه والمتلقون له).

وعلى رغم أن الدعوة تجددت غير مرة من قبل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في مناسبات مختلفة، فإن تواتر الأحداث الساخنة من عمليات إرهابية ثم وباء وبعده أوضاع اقتصادية بالغة الصعوبة وأخيراً حرب غزة ظلت تدفع بالتجديد إلى خانة "المؤجلات"، وهو التأجيل الذي قوى من شوكته الأجواء العامة المقاومة للتجديد.

عبارة "تجديد الخطاب الديني" اختفت تماماً، أو كادت، من ساحات النقاش العام. وفي القلب من التجديد المرأة وما نال الخطاب من الجمود ومكانتها وما لحق بها من أفكار تلحفت بالدين.

على مدى سنوات تغلغلت تيارات الإسلام السياسي في المجتمع المصري، وتسللت حزم من الأفكار والأحكام التي نجحت في تغيير دفة قطاع عريض من النساء والفتيات في المجتمع المصري صوب التشدد، وربما التطرف الشديد والعودة لتجذير فكرة دونية المرأة ولكن بجلباب التكريم.

ما يزيد على قرن من خطوات ثابتة حققتها المرأة المصرية تبخر كثير منها بفعل، وفي أقوال أخرى "بفضل" تيارات الإسلام السياسي، التي أثبتت السنوات القليلة الماضية أن إسقاط حكم جماعة الإخوان المسلمين سياسياً لم يسقط فكرهم والجماعات الشبيهة اجتماعياً وثقافياً.

الكاتب طارق الحريري أشار في مقال عنوانه "مغزى وأساليب الإسلام السياسي لإقصاء المرأة" أن الإسلام السياسي شن في مصر وعلى مدى ما يزيد على أربعة عقود حملة منظمة ضد ما أحرزته المرأة المصرية على مدى قرن كامل بهدف هيمنة هذه التيارات على المرأة وإخضاعها عبر الترهيب المادي والمعنوي.

يتساءل الحريري عن الأسباب التي تدفع هذه التيارات إلى التشبث والتصميم والاستمرار الدؤوب في اختراق جبهة المرأة بلا كلل وبعنف منقطع النظير أحياناً، وهو ما يجيب عنه بقوله إن "الخطاب الديني لا يزال غاضباً على المرأة بل مهدداً ومتوعداً. مهووساً بالتخويف والترويع بحجج واهية. يوزع الاتهامات، ويصب اللعنات، ويتوسع في المحرمات، ويحاكم على النيات".

الفكر الظلامي والمرأة

الحريري عد أن أي فكر ظلامي متشدد يتسم دائماً بالظلم والجور في حق المرأة، وهو مما يؤدي إلى ذيوع القلق في المجتمعات التي تصبح أرضاً خصبة للتطرف والتعصب والانحدار الأخلاقي، الذي عادة يتجلى بصور لها علاقة بالمرأة كمفعول به أو ضمن محاولات تصعيدها إلى "فاعل".

على سبيل المثال لا الحصر، وعلى رغم الإشارات الكثيرة والتحركات العديدة التي قام بها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي منذ 2014 في ملف التحرش بالنساء والفتيات، وعلى رغم تغليظ القوانين غير مرة آخرها تعديلات تمت في نهاية العام الماضي لمواجهة الصور المستحدثة من العنف والتحرش والتنمر، إذ تم تغليظ عقوبة التحرش لتشمل وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية أو الإلكترونية، وكذلك في وسائل المواصلات ومقار العمل، التي قد تصل إلى السجن مدة لا تقل عن 10 سنوات في بعض الحالات، وغرامة تصل إلى 300 ألف جنيه مصري (6275 دولاراً)، إلا أن قطاعات عديدة في المجتمع تقاوم.

عصبية المتحرش

حق النساء بالوجود في الفضاء العام، ناهيك بالتفاعل فيه والاستمتاع به والشكوى منه والمطالبة بتعديله أو تغييره، أصبح مسألة تخضع للنقاش وقضية قابلة للفصال وموضوعاً تحكمه آراء "الرجال" وقناعاتهم الشخصية.

تركض الدولة المصرية بحقوق النساء إلى الأمام فيما بعض أفراد بالمجتمع يصر على الدفاع عن المتحرش. عصبية المتحرش الذي يدافع عن فعله بهجوم عنيف على ضحيته، فهي إما من شجعته على ذلك لأن مظهرها يعكس سوء سمعتها، أو هي مجنونة حيث هيئ لها أنه يتحرش بها، أو هي معقدة نفسياً لأنها قبيحة وتبحث عمن يتحرش بها، تعكس ما يسري في المجتمع من أفكار.

تغير الوضع قليلاً نعم، لكن النسبة الكبرى من المارة عادة تنحاز للمتحرش، ربما تحت ضغط عوار قيمي، حيث مجاهرة الأنثى بوقوعها ضحية تحرش عيب، أو بسبب نفاق مجتمعي، إذ إن البنت المحترمة لا تسمح لنفسها بأن تتعرض للتحرش أصلاً، أو بدافع تسامح مغلوط حيث "حصل خير" وغيرها من المبررات، بينها كبت الشباب وملابس الشابات التي تفقدهم قدرتهم على التحكم في شهواتهم.

المثير في مراجعات "يوم المرأة المصرية" في عام 2024 هو أن الغالبية المطلقة من الإناث في مصر يرتدين الحجاب، مع تصاعد انتشار النقاب خلال السنوات القليلة الماضية.

واللافت أيضاً أن الخطاب الديني الرسمي بات أكثر وضوحاً ومباشرة في الحديث عن ملابس المرأة، إذ تعاظم حجم فرضية الحجاب على أنقاض الحرية الشخصية.

خطاب العرف

خطاب آخر غير رسمي لكن أقوى قليلاً، ألا وهو الخطاب المتسلح بالعرف. وعلى رغم أن ارتداء طرحة تغطي الشعر ليس "فرضاً" مدرسياً في مدارس البنات، لكن البنات في المدارس الحكومية الإعدادية والثانوية يتعرضن للمساءلة الشفهية التأنيبية حال كن مسلمات ولا يرتدين طرحة بيضاء.

ومن الطرحة البيضاء المتنازع عليها إلى النقاب الأسود الآخذ في الانتشار بين فئات عمرية شابة وقطاعات اقتصادية تنتمي للطبقة المتوسطة. البعض يعتبر ما ترتديه المرأة حرية شخصية، لكن الغالبية لا تقر بهذه الحرية. ليس هذا فقط، بل أصبح من يعارض النقاب أو يطرح الحجاب للنقاش مصنفاً دائماً وأبداً باعتباره داعياً إلى التعري والفسق والفجور.

الكاتب طارق الحريري كتب قبل أيام تحت عنوان "كبوة النقاب ستعبرها مصر إن عاجلاً أو آجلاً" وأشار إلى أن أحد الدعاة المشهورين الراحلين دأب على القول إن المرأة غير المحجبة تجعل زوجها يشك في نسب أبنائه. ووصف الضغط على المرأة المصرية لارتداء الحجاب بأنه كان ضمن صراع تيارات الإسلام السياسي الهستيري لمحاولة تعميم فرض الحجاب. هذا الضغط بلغ أحياناً في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي درجة قذف النساء غير المحجبات بمحاليل كيماوية حارقة لإجبارهن على تغطية الشعر.

الحجاب وخط النقاب

يضيف "بدأ الأمر بالحجاب ليمد السلفيون الخط على امتداده إلى النقاب. وانتشر النقاب في مدن مصر، واستشرى بعد عقدين من الألفية الثالثة، وتفشى بدرجة وبائية في الريف. من ثلاثينيات إلى ثمانينيات القرن الـ20. لم يكن أحد في مصر يتصور أن تحدث هذه الردة. وإذا كان الحجاب أمراً مختلفاً عليه بين رجال الدين، إلا أن النقاب متفق على عدم وجود أساس بشرعيته".

اللافت أن هذه السطور دفعت البعض إلى اتهام الكاتب بالبعد عن الدين والدعوة إلى التعري والفجور والدعاء عليه جزاء له على دعوته المناقضة للدين والمدمرة للمرأة المصرية.

عاملات ومعيلات

في مناسبة يوم المرأة المصرية، أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن حجم مساهمة المرأة في قوة العمل بلغ 15.9 في المئة، ونصيبها من البطالة 17.8 في المئة مقابل 4.7 في المئة للرجال.

وشغلت المرأة المصرية في الفترة من 2022 إلى 2024 ست حقائب وزارية بنسبة 18 في المئة من إجمالي عدد الوزراء في الحكومة، إضافة إلى حصولها على 162 مقعداً برلمانياً، وهو ما يمثل 27 في المئة من مجموع النواب.

إحصاءات المرأة في عيدها تشمل كذلك نحو 30 في المئة من الأسر المصرية تعولها نساء، وبعضها أسر فيها رجال عاطلون عن العمل.

ينظر البعض إلى المرأة المعيلة باعتبارها دليلاً دامغاً على قدرة المرأة المتساوية مع الرجل، بل تفوقه في إعالة أسرة بأكملها. لكن هذا الدليل الدامغ تصاحبه كذلك بعض الفتاوى الدينية والتوجهات المجتمعية بأن مكان المرأة الطبيعي هو البيت حيث رعاية الصغار والزوج والقيام بالأعمال المنزلية وليس العمل خارجه، بل يعتبر البعض من الرجال العاطلين من العمل أن المرأة هي المسؤولة عن بطالتهم "لأنها استولت على فرصهم".

فرص وتحديات

 فرص المرأة المصرية في عيدها لا تعد أو تحصى، وكذلك التحديات التي تواجهها وقوى الظلام التي تتنافس على جذبها نحو أسفل. فتاوى لا أول لها أو آخر تضع المرأة من قبل السائل في خانة المواطن مسلوب الإرادة أو الشريك من الدرجة الثانية، ويؤكد المجيب عن ذلك عبر إجابات تكرس دونية المرأة وتبعيتها للرجل حتى وإن كان عاطلاً وهي تنفق عليه.

في العام الـ24 من الألفية الثالثة يسأل السائلون والسائلات، هل يجوز للزوجة أن تزور أهلها من دون علم الزوج؟ وهل يسمح للزوجة الامتناع عن العلاقة الزوجية مع زوجها لو كانت تشعر بعدم الرغبة في ذلك؟ وهل يمكن للخطيب أن يرى وجه خطيبته؟ وهل يحق للمرأة أن تعترض على زواج زوجها بغيرها؟ وما زال رجال الدين يجيبون بقدر وافر من سعة الصدر للسائلين رغم أن 18 في المئة من وزراء الحكومة نساء، وعلى رغم تقلد المرأة المصرية مناصب عمادة الجامعات ومحافظات، وقاضيات ومعيلات تنفق على الأزواج العاطلين.

الملاحظ في يوم المرأة المصرية أنها بالفعل حققت عديداً من الإنجازات، وأنها تحظى بدعم الرئيس وعديد من المجالس والهيئات الداعمة لها ولكيانها المساوي للرجل، لكن الملاحظ كذلك أن حقوق المرأة يحددها رسمياً وشعبياً بحسب تفسيرات رجال الدين للنصوص الدينية عكس حقوق الرجل المدنية العادية.

 جانب من نساء مصر راضيات سعيدات بالوضع الراهن، وجانب آخر يعتبر الشد والجذب الحالي بين الديني والمدني في وضع المرأة المصرية، والتنافس بين تيارات الإسلام السياسي، سواء بقايا جماعة الإخوان أو بدائلهم من التيارات السلفية العديدة، مرحلة انتقالية موقتة على رغم قسوتها وصعوبتها، لكنها ستؤدي إن عاجلاً أو آجلاً إلى يوم مرأة مصرية تحتفل فيه بكونها واحداً صحيحاً لا منتقصاً إضافة إلى كونها سفيرة ووزيرة ومعيلة.

عن "اندبندنت عربية"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية