القصة الكاملة للاتفاق الأمريكي الحوثي

القصة الكاملة للاتفاق الأمريكي الحوثي

القصة الكاملة للاتفاق الأمريكي الحوثي


08/05/2025

في مشهد مفاجئ أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس أنّ جماعة الحوثيين استسلمت، وأبدت استعدادها لوقف الهجمات، وهو ما قابله إعلان أمريكي بوقف الضربات الجوية فورًا.

وما إن أنهى ترامب حديثه حتى خرجت سلطنة عُمان لتضفي بعض الوضوح على الاتفاق الغامض، وقال وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي: إنّ واشنطن والحوثيين توصلوا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بعد نقاشات واتصالات أجرتها بلاده مع الطرفين، موضحًا في بيان عبر منصة (إكس) نقلته وكالة الانباء الرسمية أنّه بموجب الاتفاق سيوقف الطرفان الاستهداف المتبادل، وبالتحديد "السفن الأمريكية في البحر الأحمر وباب المندب لضمان حرية الملاحة والتدفق السلس للشحن التجاري الدولي".

الإعلان أثار الكثير من التساؤلات حول أبعاده الحقيقية، حول من يقف وراءه، وما الشروط الحقيقية التي سيلتزم بها الطرفان، خاصة ميليشيات الحوثي الإرهابية؟ وهل هو انعكاس لضغوط أمريكية على إيران؟ أم نتيجة صفقة سياسية في الظل؟ أم أنّه مجرد مناورة حوثية جديدة ضمن سياسة "الانحناء المؤقت"؟

البوسعيدي: واشنطن والحوثيون توصلوا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بعد نقاشات واتصالات أجرتها بلاده مع الطرفين.

مصادر مُتعددة نقل عنها موقع (ملفات عربية) أكدت أنّ إيران هي من ضغط على الحوثيين لخفض التصعيد في البحر الأحمر، وخصوصًا ضد المصالح الأمريكية.

هذا التحول في الموقف الإيراني لا يبدو منفصلاً عن السياق الأوسع للمفاوضات النووية المرتقبة مع واشنطن، والتي يتوقع استئنافها قريبًا في مسقط.

إيران، التي تجد نفسها في موقع حساس دوليًا، لا تريد مواجهة مفتوحة في هذا التوقيت، وتسعى لإعادة ضبط التوترات الإقليمية دون التنازل عن أوراقها.

والضغط على الحوثيين كان أشبه بإشارة "تهدئة تكتيكية"، هدفها إظهار مرونة تفاوضية أمام الغرب، دون المساس بجوهر تحالفها مع الجماعة.

الرئيس الأمريكي: دونالد ترامب

أجواء التهدئة التي سادت فجأة تعزز فرضية وجود صفقة خلف الكواليس، والوساطة العُمانية، المعلنة بشكل جزئي، تشير إلى تنسيق غير مباشر بين طهران وواشنطن، قد لا يقتصر فقط على اليمن، بل يشمل أيضًا مسار المفاوضات النووية وتهدئة الجبهات الإقليمية.

في هذا السياق، يبدو إعلان ترامب عن "استسلام الحوثيين" كأنّه ترويج سياسي لانتصار داخلي، لكنّه في الواقع قد يخفي ترتيبات أكثر تعقيداً، بعضها يتعلق بالانتخابات الأمريكية المقبلة، وبعضها مرتبط برغبة إدارة ترامب في تقليص التورط العسكري في الشرق الأوسط.

ورغم الإعلان عن وقف الهجمات ضد السفن الأمريكية، إلا أنّ الحوثيين لم يعلنوا وقفًا شاملًا للتصعيد، بل أكدوا استمرار عملياتهم دعمًا لغزة، واستهدافهم لإسرائيل.

في خطوة أثارت أيضًا تساؤلات حول جدية التفاهمات المعلنة، أصدرت ميليشيات الحوثي مساء أمس بيانًا عسكريًا أعلنت فيه تنفيذ عمليات هجومية جديدة استهدفت قوات أمريكية وإسرائيلية، رغم إعلان واشنطن عن اتفاق تهدئة غير معلن بين الجانبين، تمّ بوساطة عُمانية.

بعد اتفاق التهدئة أصدرت ميليشيات الحوثي أمس بيانًا عسكريًا أعلنت فيه تنفيذ عمليات هجومية جديدة استهدفت قوات أمريكية وإسرائيلية.

وأوضح المتحدث العسكري باسم الجماعة، يحيى سريع، أنّ ما وصفه بـ "سلاح الجو المسيّر" نفذ هجمات بطائرات مسيّرة استهدفت مطار رامون ومنطقة يافا داخل إسرائيل، إضافة إلى عملية مشتركة مع ما يُسمّى بـ "القوات البحرية" استهدفت حاملة الطائرات الأمريكية "ترومان" في شمال البحر الأحمر باستخدام صاروخ باليستي وعدد من الطائرات المسيّرة، وفق ما نقلت قناة (المسيرة) التابعة للحوثيين.

بالمقابل جاء الإعلان الأمريكي مفاجئاً لإسرائيل، فقد أفاد مسؤول إسرائيلي كبير لموقع (أكسيوس) أنّ الولايات المتحدة لم تبلغهم بوقف إطلاق النار، وهذه ليست المرة الأولى التي يفاجئ فيها الرئيس الأمريكي حليف بلاده في الشرق الأوسط، فالشهر الماضي صُدم بنيامين نتنياهو بنيّة ترامب التفاوض مع طهران في شأن اتفاق نووي جديد، وذلك بعد أقل من (24) ساعة من لقائهما في البيت الأبيض، حين حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي دفع واشنطن إلى تبنّي الخيار العسكري ضد برنامج إيران النووي.

وعلنًا أوضح الحوثيون عبر عضو مكتبهم السياسي عبد الملك العجري لـ (وكالة الأنباء الفرنسية) أنّ "السفن الإسرائيلية عرضة للاستهداف، أمّا السفن الأمريكية وغيرها فتندرج ضمن الاتفاق"، وبناء على سلوك الجماعة خلال الأيام المقبلة سيتضح ما إذا كان هذا التصريح مجرد خطاب شعبوي للاستهلاك الإعلامي، أو أنّ الاتفاق مع واشنطن سيمثّل بالفعل نهاية هجماتهم في البحر الأحمر على مختلف السفن.

المتحدث العسكري باسم جماعة الحوثي: يحيى سريع

وفي هذا السياق يلفت الباحث الأمريكي في شؤون الشرق الأوسط فراس مقصد إلى أنّ الحوثيين توقفوا بالفعل عن مهاجمة السفن في البحر الأحمر حتى قبل الاتفاق، إذ لم تعبر أيّ سفن أمريكية أو إسرائيلية منذ أشهر، مشيراً إلى أنّ ترامب حقق ما يريد بذكاء بعد إيقاف العمليات العسكرية.

وكتب الأكاديمي في كلية القانون بجامعة (نيويورك) روب هاوز أنّه "كما أوضح وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي فإنّ الاتفاق يشمل ضمان حرية الملاحة وسلاسة تدفق الشحن التجاري الدولي"، مستفهماً: "ألا يتعارض ذلك مع مهاجمة سفن تحمل أعلام دول أخرى؟"، في إشارة إلى أنّ صيغة البيان العُماني توحي بأنّ مهاجمة أيّ سفن، أمريكية كانت أو غير أمريكية، تخلّ بالاتفاق.

وتواصلت (إندبندنت عربية) مع الخارجية الأمريكية للاستفسار عن شروط الاتفاق الأخير، وما إذا كانت الولايات المتحدة ستستأنف عملياتها العسكرية في حال أخلّ الحوثيون بالاتفاق أو استهدفوا سفناً إسرائيلية، لكنّ الوزارة أحالت الاستفسارات إلى مجلس الأمن القومي، ممّا يشير إلى أنّ هذا الملف يدار بصورة مباشرة في البيت الأبيض، كما انعكس في سرعة التوصل إلى الاتفاق.

"المجلس الأطلسي" يُحذر من أنّ الولايات المتحدة عالقة في "فخ استراتيجي" في البحر الأحمر، فهي تستخدم مواردها العسكرية لتأمين الملاحة بينما تستفيد الصين بهدوء من ذلك.

وأفادت تقارير بأنّ المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف قاد هذه المفاوضات مع الجانب العُماني خلال الأيام الماضية.

وفي سياق منفصل، نشر "المجلس الأطلسي" قبل أيام ورقة تحليلية يرجح أن تكون أحد الأسباب الرئيسية لوقف أمريكا الحرب ضد ميليشيات الحوثي الإرهابية، فقد حذّرت الورقة من أنّ الولايات المتحدة عالقة في "فخ استراتيجي" في البحر الأحمر، فهي تستخدم مواردها العسكرية لتأمين الملاحة بينما تستفيد الصين بهدوء من ذلك، من دون أن تتدخل عسكرياً، كما تشير الورقة إلى أنّ واشنطن بحاجة إلى العمل على إخراج الصين من مناطق استراتيجية مثل البحر الأحمر، مشددة على أنّ بكين دعمت الحوثيين ضمن سياسة مدروسة مكنتها من تحصين نفسها من تبعات الهجمات على سفنها في المنطقة، مع الاستمرار في جني المكاسب التجارية، واليوم يعمل الحوثيون بتكنولوجيا الأقمار الاصطناعية الصينية وينفذون هجماتهم باستخدام أنظمة توجيه مبنية على إلكترونيات صينية، في نموذج يعكس توظيف بكين أدواتها التكنولوجية لتعزيز نفوذها الإقليمي، مع الحفاظ على مسافة آمنة من المواجهة المباشرة، وفق (إندبندنت بالعربية).

وكانت القوات الأمريكية قد نفذت أكثر من (800) غارة جوية منذ بداية العام، بمتوسط (50) غارة أسبوعياً، وتجاوزت كلفة العملية في أقلّ من (3) أسابيع فقط قرابة مليار دولار، بحسب شبكة (سي إن إن)، لكنّ الاتفاق الأخير ينهي واحدة من أوسع العمليات العسكرية النادرة في عهد ترامب الذي يُعرف بمناهضته لدخول أمريكا في حروب طويلة ومكلفة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية