الفن من منظور الإرهاب... كيف نرى القتل جميلاً؟

الفن من منظور الإرهاب... كيف نرى القتل جميلاً؟

الفن من منظور الإرهاب... كيف نرى القتل جميلاً؟


18/03/2025

يمكن للفن تجميل كل شيء، يمكنه خداعنا أحياناً، أو رسم صورة جميلة عن واقع مأساوي، والعكس أيضاً. ربما أدركت التنظيمات الإرهابية أهمية ذلك، وبدأت بتوظيفه لرسم صورة مغايرة عن حقيقتها وإغراء الأعضاء الجدد، وفي بعض الأحيان إظهار قوة مزيفة بأدوات تكاد تكون معروفة فقط لصناع الفنون. في هذا السياق تتناول دراسة حديثة صادرة عن مرصد الأزهر لمواجهة التطرف أبعاد وتداعيات توظيف الفنون في مجال الدعاية الإرهابية. 

بحسب الدراسة، كانت الآلة الإعلامية والدعاية المرئية هي أحد أهم الأسباب الرئيسة التي اختصت بها جماعة إرهابية عن أخرى في استقطاب الشباب وإقناعهم بفكرها المتطرف، وقد فطنت الجماعات الإرهابية والمتطرفة، وخاصة تنظيم داعش الإرهابي، إلى أهمية الفن ودوره، وخصوصاً الفنون المرئية، فقام التنظيم ببث عدد من المقاطع المصورة "فيديوهات" تأخذ في أغلبها شكل أفلام تسجيلية مصحوبة بأنشودات غنائية وصور مؤثرة، مستخدماً في ذلك أعلى التقنيات والتكنولوجيا الحديثة والإخراج عالي المستوى. 

الدعاية المرئية هي أحد أهم الأسباب الرئيسة التي اختصت بها جماعة إرهابية عن أخرى في استقطاب الشباب وإقناعهم بفكرها المتطرف

داعش وهوليود: الأدوات ذاتها 

نشرت صحيفة (التايمز) أنّ تنظيم داعش الإرهابي استخدم في فيديوهاته المؤثرات نفسها التي تُستخدم في هوليود، ومن ضمن التقنيات العالمية التي استخدمها تنظيم داعش تقنية (5D)، و(سلو موشن)، و(فاينال كت)، وهي تقنيات لا يستخدمها إلا محترفون على دراية تامة بصناعة الدعاية والتصوير. وفي السياق تشير الدراسة إلى أنّ الباحث في شؤون التنظيمات الإرهابية يرى بوضوح مركزية دور الدعاية والبروباغندا في استراتيجية التنظيم الذي يحوّل كل نشاط يقوم به إلى مخرجات إعلامية. ولا يخفى أنّ تنظيم داعش الإرهابي كان وما زال يستخدم خطاباً إعلاميّاً خبيثاً يدغدغ المشاعر، وينشر فيديوهات وأنشودات تحرض على القتال وتحث الشباب على الانضمام إليه. 

رصدت وحدة الرصد باللغة الإسبانية في الأزهر أنشودة غنائية تحريضية لتنظيم داعش الإرهابي يدعو التنظيم من خلالها أتباعه والمتعاطفين معه إلى شن هجمات ضد المدنيين. وتضمنت هذه الأنشودة عبارات مثل: "هم يريدون أن يُقتلوا، هم يريدون أن يُبادوا." و"الخلافة ستتقدم، ولن تتوقف أبداً"، "تأهبوا للقتال".   

وتشير الدراسة إلى أنّ الأمر ليس بالجديد على التنظيم، وتجدر الإشارة إلى أنّ التنظيم قد نشر أكثر من أنشودة بلغات مختلفة، على سبيل المثال أنشودة نشرها التنظيم في أحد أبواقه الناطقة باللغة التركية تحمل عنوان: "يا إسطنبول"، أراد التنظيم من خلالها إرسال رسالة تعبّر عن إيديولوجية التنظيم، مفادها أنّ مدينة إسطنبول لم تُفتح بعد، وأنّها لم تعد تؤوي الموحدين، وأنّ شوارعها قد امتلأت بالكفر والحرام، وأنّها بذلك استسلمت للكفار والطغاة، وينبغي عليها أن تخرج عن صمتها، صارخة  برفضها هذا الوضع، وأنّها سوف تنال الحرية عمّا قريب كما وُعدت بذلك. 

تقول الأنشودة: "يا إسطنبول! ستُفتحين بلا شك، وستنحني رأسك أمام التكبيرات، وستنالين الحرية بالتأكيد، حتى وإن ظللت قرناً كاملاً". فهنا دغدغة للمشاعر واستغلال مكانة مدينة إسطنبول وتاريخها عند الشعب التركي، وهو ما يؤكد أنّ التنظيم يعرف كيف يخاطب جمهوره المستهدف والطريقة التي يستطيع بها خداعه.  

تنظيم داعش الإرهابي استخدم في فيديوهاته المؤثرات نفسها التي تُستخدم في هوليود

كما لم تخلُ الأنشودة من خطاب تحريضي، إذ تقول: "يا إسطنبول! ازأري، اصرخي، انهضي الآن، يكفي هذا الصمت، لا تؤوي الظالمين فيك، دعي هذه الخيانة تنتهي". وهذا الأسلوب يُسمّى "خطاب الدمج" فالمخاطب هنا هم أهل إسطنبول وليست المدينة ذاتها، وهو أسلوب يعتمد على تحريض المتلقي وتحويله من رافض لوضع ما إلى متمردٍ عليه. ومع التطور التكنولوجي في عصرنا، وانتشار الذكاء الاصطناعي، قام التنظيم باستغلال تطبيقاته ليفرض وجوده على الساحة، حتى لو كان ذلك وجوداً افتراضيًاً في الفضاء الإلكتروني. 

الفن  في مواجهة الإرهاب

تقول الدراسة: "إذا كانت هذه التنظيمات تستطيع أن تستغل الفن هذا الاستغلال وهي على الباطل، واستطاعت أن تؤثر في عدد كبير من الشباب للانضمام إليها، فيمكن للفن أن يلعب دوراً فعالاً  في الرواية المضادة من خلال توعية المجتمعات ومحاربة الفكر المتطرف، خصوصاً في عصرنا الحالي الذي قلّت فيه القراءة، وكثرت فيه مشاهدة الشاشات. 

وتضيف: "كما أنّ الخبر المرئي أكثر تأثيراً من الخبر المكتوب ويستهدفُ قاعدة أكبر، فإنّ العمل الفني المرئي أكثر تأثيراً من المقال أو الخطاب أو حتى الكتاب، ويستطيع الوصول إلى عدد كبير من الناس لا يستطيع الكتاب الوصول إليهم. لذلك ينبغي أن يؤدي الفنانون دوراً أكبر في محاربة التطرف، وخصوصاً في الأعمال الدرامية التي تدخل البيوت وتشاهدها العائلات على غرار مسلسل "الاختيار" الذي كان له دور مهم في إبراز فساد فكر تنظيمات التطرف والإرهاب. 

وتؤكد الدراسة أنّ الدراما تستطيع أن تلعب دوراً توعوياً كبيراً في قضايا التطرف والإرهاب، إذا تم استثمارها الاستثمار الأمثل عن طريق كتابة نصوص درامية تسمو بالإنسان، وتهذب الوجدان، وتوعي الشباب، وتغرس الوطنية والانتماء في قلوبهم، وتعمق ثقافة السلام والحوار وتقبّل التعددية والاختلاف في إطارٍ من التسامح، وتكبح جماح العنف والإرهاب والتوحش، وتحارب الفكر المتطرف.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية