منذ قيام دولة إسرائيل واصلت كتب التدريس الصهيونية مهاجمة الفلسطينيين، وتصوير العرب على أنّهم بدائيون ولصوص ومجرمون، لتشكيل وعي الطلاب الإسرائيليين في سنوات مبكرة من أعمارهم بالطريقة التي تضمن الحفاظ على روح العداء للعرب، وتشويه صورتهم؛ كي تصبح عقيدة لا يمكن التخلي عنها.
وتمرّر الرواية الصهيونية للطالب الفلسطيني، كما الطالب الإسرائيلي، في مناهج التدريس داخل المدارس الفلسطينية في القدس المحتلة والأراضي المحتلة، عام 1948م، حيث يجبر الطلبة الفلسطينيين على حفظ النشيد الإسرائيلي، وتلقي مناهج تعليمية تشوّه الفلسطينيين، وتحقق الهدف الصهيوني الأول، وهو إقامة الدولة اليهودية على أرض إسرائيل الكبرى.
إسرائيل تهدف لنشر المفاهيم الرامية لتشويه صورة الفلسطيني، وكذلك تزوير التاريخ والجغرافيا، من خلال تصوير الفلسطينيّ بأنّه شخص غير متحضّر وإرهابي وقاتل
ولعسكرة المدارس الصهيونية؛ موّلت وزارة التعليم الإسرائيلية مشروع "تسافا" الذي يهدف إلى تأهيل الضباط المتقاعدين من الجيش والمخابرات للانخراط في سلك التعليم، عبر تولي كبار ضباط الجيش في الاحتياط، مناصب إدارية مهمّة في جهاز التعليم وإدارة المؤسسات التعليمية.
ووفق اتفاقيّة أوسلو، سيطرت السلطة الفلسطينيّة على المنهاج وسيطرت إسرائيل على إدارة المدارس، إلا أنّ إسرائيل تشترط منح الخدمات العامة والامتيازات لمدارس القدس التي تتّبع المنهاج الإسرائيلي، فتوضع المدارس في مفترق طرق بين وطنيّتها ومحاربتها، وبين تطوير المدرسة وإحقاق حقوق طلابها.
اقرأ أيضاً: لماذا تزوّد إسرائيل المستوطنين بطائرات مسيّرة؟
وقدم الباحث اليهودي "إيلي بوديه"، في كتابه "الصراع الإسرائيلي في كتب التاريخ المدرسية الإسرائيلية"؛ أنّ كتب التاريخ والكتب المدرسية طيلة نصف قرن، بين عامَي 1948-2000م، سعت لـ "شيطنة" العرب، وتجريدهم من إنسانيتهم، ما أدّى لترسيخ صورة نمطية لدى الإسرائيليين، الذين ظهروا دائماً بصورة الغربيين المتحضرين صانعي السلام، مقابل صورة العرب "الخونة العدوانيين المتخلفين المجرمين الخاطفين القذرين المبادرين دوماً نحو التدمير".
اقرأ أيضاً: عجلة القدس: مشروع إسرائيلي لخنق المدينة المقدسة وتهويدها
وفي دراسة أجراها البرفسور إدير كوهين، عام 2016، على شريحة عمرية لتلامذة إسرائيليين بلغ عددهم 250 شخصاً، وتتراوح أعمارهم بين 10 و13 عاماً، لمعرفة انعكاسات شخصية العربي لديهم، يظهر أنّ أكثر من 75% من التلاميذ أفادوا بأنّ العربي خاطف للأطفال ومخرّب ومجرم، بينما 80% وصفوه بأنّ له ذيلاً وشعره أخضر وله ندبة بوجهه ويلبس الكوفية، ويعيش بالصحراء ويرعى البقر، ويتضح أنّ 90% من الأطفال يرون أنّ لا حقّ للعربي في البلاد، ويجب قتلهم وترحيلهم عنها، والغالبية ترى أنّ أسباب الصراع ترجع إلى إقدام العرب على قتل اليهود ورميهم بالبحر.
ويؤكد المؤلّف، خالد أبو عصبة، في كتابه "جهاز التعليم في إسرائيل"؛ أنّ جهاز التربية والتعليم في إسرائيل ما يزال الوسيلة الأولى والأهم لتحقيق أهداف الصهاينة، ومساهمته في خدمة الاستيطان والاحتلال، بل إنّ هذا الجهاز عزّز تنمية النزعة القومية اليمينية لدى الطلبة، لمصلحة المشروع السياسي الصهيوني.
مفاهيم سلبية وخاطئة
بدورها، ترى مدير عام وحدة شؤون القدس في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، ديمة السمان؛ أنّ "قطاع التعليم يعدّ من أكبر القطاعات وأكثرها أهمية لعلاقته المباشرة بالتأثير على عقول الطلبة والوصول إلى وعيهم وأفكارهم وثقافتهم بشكل مباشر، لزرع المفاهيم المزيفة والسلبية والخاطئة لديهم، من خلال المناهج والأنشطة المختلفة التي تهدف إلى وصف العربي بالقذر واللصّ والمتخلّف، وترسيخ تلك الأفكار في عقول الأطفال الإسرائيليين منذ طفولتهم".
وبيّنت السمّان، خلال حديثها لـ "حفريات"؛ أنّ "هناك بعض المفاهيم التي تزرعها المدارس الصهيونية في عقول الطلبة، والتي لا يتمّ اقتصارها على الكتاب المدرسي، ويتمّ إيصالها من خلال قصص الأطفال التي تبين قذارة الإنسان العربي، ومن بينها قصّة أنّ امرأة قامت بإنجاب ستة من الأطفال دون أن يلمس جسدها الماء، وأنّ العربي يبصق في فنجان القهوة قبل أن يقوم بتقديمه لضيوفه، وغيرها من الأفكار السلبية التي يتم غرسها في عقول الطلاب الإسرائيليين والفلسطينيين والذين يلتحق بعضهم بالمدارس التي تتبع وزارة المعارف الإسرائيلية بالقدس".
عضو الكنيست الإسرائيلي جابر عساقلة لـ "حفريات": المناهج الإسرائيلية تهدف إلى التغذية السلبية لعقول اليهود عبر تدريسهم بمناهج تجهيلية تقوم على شيطنة الفلسطينيين
وأوضحت أنّ "4% من طلبة القدس يلتحقون في المدارس التابعة لوزارة المعارف الإسرائيلية، والعدد الآخر يلتحق في المدارس التابعة لوكالة الغوث، والمدارس الأهلية والخاصة، والتابعة لوزارة الأوقاف الإسلامية"، موضحة أنّ "هناك أكثر من 90 ألف طالب وطالبة في مدينة القدس، كما تشهد المدارس التي تدرس بالمنهاج الفلسطيني عجزاً بأكثر من 2461 غرفة صفية".
فرض المناهج الإسرائيليّة
وأكّدت السمان أنّ "إسرائيل سعت لفرض المناهج الإسرائيلية على كافة مدارس القدس، منذ عام 1967، إلّا أنّها فشلت بعد الوقفات الجادة التي قام بها أولياء الأمور، ومؤسسات المجتمع المدني ضدّ القرار الصهيوني، ليستمر التدريس بالمنهاج الأردني حتى العام 2000م، ومن ثم انتقلت المدارس التي تتبع وزارة التربية والتعليم الفلسطينية للتدريس بالمنهاج الفلسطيني بعد ذلك العام"، مبينة أنّ "الاحتلال ما يزال يصرّ على فرض المناهج الإسرائيلية لكافة الطلبة بالقدس، عبر طرق وأساليب مختلفة بشكل تدريجي عام بعد عام".
وتابعت السمان؛ بأنّ "المنظومة الإسرائيلية تسعى إلى خلق الإنسان والطالب الفلسطيني الخاضع والمغيب الهوية، وذلك من خلال استغلال الطلبة الفلسطينيين الضعيفين أكاديمياً، للالتحاق بالمدارس الصهيونية التي تتّسم بضعف مناهجها التعليمية، لدراسة المناهج التي تتناسب وتنسجم مع الرؤية الصهيونية فقط، بغرض إجراء تحوّل وازدواجية في شخصية وعقل وفكر الطالب الفلسطيني، إضافة إلى زجّ الطلاب الفلسطينيين في المدارس التابعة للاحتلال، والتي تشهد حالة من عمليات التسرّب المدرسي لإسقاطهم في وحل المخدرات والرذيلة".
اقرأ أيضاً: لماذا تمنع إسرائيل لقاح كورونا عن الأسرى الفلسطينيّين؟
من جهته، يقول عضو الكنيست الإسرائيلي عن القائمة العربية المشتركة، جابر عساقلة، خلال حديثه لـ "حفريات": إنّ "إسرائيل تهدف من برامجها التعليمية لنشر القيم والمفاهيم التي تهدف إلى تشويه صورة الفلسطيني، وكذلك تزوير التاريخ والجغرافيا، من خلال تصوير الفلسطينيّ بأنّه شخص غير متحضّر وإرهابي وقاتل، وهي أفكار تتجاهل بشكل تام وجود أيّ شعب آخر".
ولفت إلى "تعمّد مناهج التعليم الصهيونية عدم ذكر الفلسطينيين في داخل كتبها ومقرراتها، ويتم الاقتصار فقط على ذكر كلمة "الأقلية العربية"، وذلك لتتماشى مع الرواية الصهيونية، التي تهدف إلى التغذية السلبية لعقول اليهود عبر تدريسهم بمناهج تجهيلية تقوم على شيطنة الفلسطينيين، وطمس الهوية العربية، وتزييف التاريخ الفلسطيني".
وتابع عساقلة: "المناهج الإسرائيلية التي يتم فرضها على الطلبة الفلسطينيين في الداخل المحتل، هي محاولة صهيونية مدروسة لتجزئة الفلسطينيين والتسبّب بحالة من الانفصال عن التاريخ، وتقسيم العرب داخل إسرائيل إلى فئات مختلفة؛ لتكون هناك مناهج مخصصة للطلبة الدروز، وأخرى للبدو، ومناهج لباقي الطلبة العرب".
فصل عنصريّ
وأكّد أنّ "دولة إسرائيل لا تريد أيّ اندماج حقيقي للعرب داخلها، وهي تتجه نحو إجراء عملية فصل عنصري "أبرتاهايد" بحقّهم، كالذي يجري حالياً في الضفة الغربية والقدس، ليتمّ التعامل مع العرب في الأراضي المحتلة عام 1948م، على أساس عنصري وقوانين تكرّس عدم المساواة، وتركّز على يهودية الدولة، وأنّ إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي فقط".
اقرأ أيضاً: هل يعود "حلّ الدّولتين" للحياة من جديد؟
وبيّن عضو الكنيست الإسرائيلي؛ أنّ "المطلوب حالياً هو تفعيل ظاهرة التعليم اللامنهجي للطلبة العرب خارج أسوار التعليم المدرسي، للحفاظ على الهوية القومية العربية، وكذلك ضرورة العمل من قبل كافة المؤسسات على استصدار مناهج مستقلة للعرب يقودها رجال ونساء عرب ينتمون إلى وطنهم لتغيير بنية التعليم الحالية، التي تنسجم مع المخططات الإسرائيلية، وهو أمر يتطلّب وقفات جادّة ونضالاً جماهيرياً واسعاً من قبل كافة الجماهير العربية بالداخل المحتل".