الفتنة الطائفيّة.. خطة الإخوان الأخيرة في بنغلاديش

الفتنة الطائفيّة.. خطة الإخوان الأخيرة في بنغلاديش


29/12/2021

شهدت بنغلاديش حالة من حالات المد والجزر، فيما يتعلق بصعود الجماعة الإسلاميّة، الذراع السياسي للإخوان المسلمين، قبل كانون الثاني (يناير) 2012، ثم تراجعها بعد أن نجحت حكومة الشيخة حسينة واجد، وحزب عوامي، في إلغاء المواد الدينيّة المؤدلجة، التي حفل بها الدستور؛ حيث قضت المحكمة العليا في دكا، بإعادة المبادئ المدنية للدستور، وإلغاء المواد المتشددة، التي سعت الجماعة الإسلاميّة، والحركات المتطرفة إلى تكريسها، على الرغم من أنّ دستور الاستقلال كان يقوم على مبادئ العلمانية والاشتراكية والديمقراطية.

كانت بنغلاديش على موعد مع اضطرابات طائفيّة حادة، إثر حادثة جرى تضخيمها وتوظيفها سياسيّاً من قِبل الجماعة الإسلاميّة

ومع كشف النقاب عن الجرائم التي ارتكبها قادة وزعماء الجماعة الإسلاميّة، إبان حرب الاستقلال، في العام 1971، بالتواطؤ مع الجيش الباكستاني، أصدرت محكمة جرائم الحرب الدوليّة ICT))، التي تشكلت في بنغلاديش في العام 2009، عدة أحكام، قضت بسجن وإعدام عدد من منتسبي الجماعة وقادتها، لتعمل الجماعة منذ ذلك الوقت، بالتنسيق مع الحركات المتطرفة في الداخل والخارج، من أجل الانقلاب على الحكومة القائمة، وتدبير المؤامرات والعمليات الإرهابيّة، وتفجير الشارع باستمرار، عبر رفع الشعارات الدينيّة، والمتاجرة بها، وتكريس الخطاب الطائفي تجاه الأقليّة الهندوسيّة، التي تشكل نحو 9% من عدد السكان.

تفجير الحالة الطائفيّة

في 13 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وبعد أشهر من ملاحقات أمنيّة، واعتقالات طالت قيادات الصف الأول في الجماعة الإسلاميّة، في أعقاب الكشف عن مؤامرة كبرى، خططت لها الجماعة الإخوانيّة، لتقويض أمن البلاد، من أجل إسقاط النظام الحاكم، كانت بنغلاديش على موعد مع اضطرابات طائفيّة حادة، إثر حادثة جرى تضخيمها وتوظيفها سياسيّاً من قِبل الجماعة الإسلاميّة، فبعد العثور عن نسخة من المصحف الشريف، عند تمثال في معبد هندوسي، في منطقة كوميلا الشرقية، حرّض الإخوان على تسيير مظاهرات حاشدة، على الرغم من انتشار فيروس كورونا في البلاد، وأصدر القائم بأعمال الأمين العام للجماعة الإسلامية، الشيخ أبو طاهر محمد معصوم، بياناً ثأريّاً، أخرج به الحادث عن نطاقه الفردي، وربما المختلق، قائلاً إنّ الهندوس"جعلوا قلوب المسلمين تنزف دماً، وأعينهم تقطر دمعاً، بهذا الفعل الشنيع الخسيس".

وعلى إثر الدعوات التحريضيّة، والتي تزامنت مع خروج أنصار الجماعة الإسلاميّة في تظاهرات حاشدة، في أعقاب صلاة الجمعة من مسجد بيت المكرم، أكبر مساجد العاصمة دكا، وهي التظاهرات التي شهدت أحداث عنف وتخريب، وسقوط قتلى وجرحى، شهدت أنحاء بنغلاديش أعمال تخريب واسعة، طالت معظم المعابد الهندوسيّة، بالإضافة إلى قتل اثنين من المصلين الهندوس، ما دفع نحو ألف مواطن هندوسي إلى التظاهر، احتجاجاً على استهدافهم من قبل أنصار الإخوان، والمتحالفين معهم من التيارات المتشددة.

استهداف ومناورة مكشوفة

على الرغم من تحذير رئيسة الوزراء الشيخة حسينة، للمتطرفين مؤكدة أنّه "لن يتم التسامح مع أيّ محاولة لتدمير البيئة السلمية والمتناغمة"، خرج أمير الجماعة الإسلاميّة، الشيخ شفيق الرحمن، ببيان ناري، اتهم فيه الشرطة بالتحيز للهندوس، زاعماً أنّ الحكومة فشلت في التعامل مع حادث تدنيس المصحف، لتجدد إثر ذلك أعمال العنف، والتي بلغت ذروتها في مدينة تشاندبور، ما دفع الشرطة إلى التعامل الخشن مع المخربين، ما أدى إلى سقوط أربعة قتلى، وعشرات الجرحى.

على إثر الدعوات التحريضيّة، والتي تزامنت مع خروج أنصار الجماعة الإسلاميّة في تظاهرات حاشدة، في أعقاب صلاة الجمعة من مسجد بيت المكرم، أكبر مساجد العاصمة دكا، وهي التظاهرات التي شهدت شهدت أحداث عنف وتخريب

وفي السابع عشر من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، حدث تحول مؤسف في الأحداث، حيث وجه أنصار الجماعة الإسلاميّة هجماتهم إلى منازل الهندوس، بعد استهداف كافة المعابد في أنحاء البلاد، وشهدت قرية كريم بور، مأساة إنسانيّة، حيث أضرم متطرفون النار في منازل وأكواخ الهندوس، ووقعت عشرات الإصابات، إثر التدافع هرباً من الموت، بينما التهمت النيران منازل الأقلية المنكوبة.

وفي مناورة مكشوفة، لتخفيف الضغط الأمني على الإخوان، قام الشيخ عبد الحليم، مساعد الأمين العام للجماعة الإسلاميّة، ووفد من الجماعة، ضمّ عضو مجلس العمل المركزي، وعضو فريق رانجبور-ديناجبور، محبوب الرحمن بلال، وأمير الجماعة الإسلاميّة لمدينة رنغبور، والرئيس السابق للمجلس البلدي، غلام رباني، وسكرتير الجماعة الإسلاميّة للمدينة، محمد إنعام الحق، وغيرهم من القيادة المحليين، بجولة ميدانية في 13 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، في قرية كريم بور، المنكوبة، حيث أعرب الشيخ عبد الحليم، عن تعاطفه العميق مع الهندوس، مقدماً مساعدات نقدية للمتضررين! زاعماً تألم أمير الجماعة الإسلاميّة، الشيخ شفيق الرحمن، عندما سمع عن الهجوم، الذي وصفه بــ "البربري"!

اقرأ أيضاً: الإخوان في مواجهة الدولة.. ما الذي يحدث في بنغلاديش؟.. وما علاقة طالبان؟

الدكتور عبد السلام القصاص، الباحث المصري في العلوم السياسيّة والتاريخ الحديث، خصّ "حفريات" بتصريحات، أكّد فيها أنّ الجناح الإخواني في بنغلاديش، والمتمثل في الجماعة الإسلاميّة، يسير دوماً عكس التيار، منذ الثورة وحرب الاستقلال، وحتى الأمس القريب؛ حيث شنت ميليشيات البدر الإخوانيّة حرب عصابات إجراميّة ضد الثوار البنغاليين، بالتواطؤ مع الجيش الباكستاني، وهو الأمر الذي ميّز هذا التيار المعادي للوطنيّة منذ وقت بعيد.

القصاص لفت كذلك إلى أنّ إشعال الحرب الطائفيّة، تخصص إخواني بامتياز؛ فالجماعة تعرضت لضربات أمنيّة قوية، كان آخرها منذ أيام؛ حيث جرى اعتقال الشيخ عبد الرزاق، أمير الجماعة الإسلاميّة لمدينة بغورا الغربية، لينضم إلى قائمة طويلة من القيادات الإخوانيّة التي جرى توقيفها مؤخراً، وعلى رأسها الأمين العام للجماعة الإسلاميّة، وبالتالي فإنّ تفجير الحالة الطائفيّة، ربما تكون الملاذ الأخير، لنشر الفوضى، والإفلات من العقاب.

الباحث المصري كشف كذلك عن خط مواز، تسير فيها الجماعة مؤخراً، وهو تفجير الإشكاليات الدستوريّة في وجه حكومة حزب عوامي الحاكم، حي أصدر أبو طاهر محمد معصوم، القائم بأعمال الأمين العام للجماعة الإسلاميّة، في 15 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، بياناً هاجم فيه تشكيل المفوضيّة العليا للانتخابات، مطالبا بتشكيل حكومة تصريف أعمال، ربما على مقاس جماعته، للإشراف على الانتخابات المقبلة، مدعيّاً أنّ بنغلاديش تحولت إلى دولة غير ديمقراطية.

جدير بالذكر أنّ الحكومة البنغاليّة ماضية في تطهير البلاد من الإرهاب، مع تعقب مثيري الفتن الطائفيّة، وهو ما دفع أبو طاهر محمد معصوم، القائم بأعمال الأمين العام للجماعة الإسلاميّة، إلى مواصلة مزاعمه، التي قال فيها إنّ "الأجهزة الأمنية تشن حملة اعتقالات جماعيّة، في صفوف منسوبي ونشطاء الجماعة الإسلاميّة، في أماكن متفرقة من البلاد، مستهدفين من وراء ذلك، عرقلة مسيرة الجماعة الإسلاميّة".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية