الغنّوشي.. والحوار الصحفي "القاتل"

الغنّوشي.. والحوار الصحفي "القاتل"


08/08/2022

الهاشمي نويرة

كثُر في الأشهر الأخيرة تردّد قيادات من حركة النهضة التونسية على قضاة التحقيق لأسباب مختلفة ومتنوّعة، ولكن كلّها تتعلّق بقضايا لم يكن من الممكن إثارتها خلال عشرية حُكْمِ الحركة الإخوانية، أو أنّها أثيرت وتمّ طيّها بسرعة كبيرة، إمّا نتيجة ضغوطات أو لخوف أو لتواطؤ ما من بعض من باع ذمّته لحزب النهضة الإخوانية التي كان الاعتقاد يسود بأنّ وجودها في السلطة دائم، وبأنّها أحكمت نهائياً سيطرتها على منظومة الحُكْم، وذلك بفضل دستور 2014 الذي أشفى غليل «الديمقراطيين» و«الحقوقيين» كواجهة ديمقراطية تُخفي منظومة حُكْمٍ من شأنها أن تؤبّد سلطة النهضة الإخوانية، وتؤمّن لها عملية التمكين واختراق الدولة والسيطرة على كلّ مفاصل الإدارة.

وكان لا بدّ أن يقوم الرئيس التونسي قيس سعيّد بحركة سياسية صادمة للبعض، ولكنّها ضرورية من أجل وضع حدّ لهذه المنظومة وشلّ حركة البرلمان أوّلاً، ومنه تغيير الدستور من أجل القطع النهائي مع القديم وإرساء منظومة حُكْمٍ جديدة.

ويسود الاعتقاد بأنّ الملاحقات القضائية لجماعة النهضة الإخوانية هي نتيجة مباشرة لرفع الحماية عنهم كنتيجة مباشرة لإزاحتهم عن الحُكْمِ، وكذلك بسبب غياب أيّ احتجاج شعبي أو مواطني أو حتّى من شرائح واسعة من مساندي الحركة الإخوانية وقياداتها ضدّ هذه الملاحقات القضائية التي طالت الدائرة المقرّبة لرئيسها راشد الغنّوشي وعائلته.

وقد تعدّدت الخرجات الإعلامية للغنّوشي، والتي كانت موجّهة بالأساس إلى الخارج التونسي في محاولة للضغط والتأثير على السير العادي للتحقيق.

وآخر هذه الحوارات تمّ إجراؤها مع قناة فرنسية وكشفت مدى الإرباك والإحراج الذي كان عليه رئيس إخوان تونس راشد الغنّوشي، وكذلك حالة اليأس التي يعاني منها الرجل، ما دفع الملاحظين إلى اعتبار أنّ هذا الحوار أنهى فعلياً الوجود السياسي للغنّوشي.

وبدا رئيس حركة النهضة الإخوانية خلال هذا الحوار في قطيعة وإنكار تامّين للواقع التونسي الفعلي، إذْ برهن أنّه لا زال يعيش في «واقع» لا يوجد سوى في ذهنه وخياله، وهو «واقع» جعله يتوهّم أنّه وحركته الإخوانية لا يزالان في قلب العملية السياسية، لأنّ وجودهم في تقديره هو «شرط استمرار الديمقراطية».

وبالطبع فإنّ مثل هذا الخطاب لا يقنع حتّى أنصاره وإخوانه داخل التنظيم، والذين كثر خلافهم معه، ما دفع العديد منهم إلى الانشقاق والدخول في تجارب حزبية وسياسية أخرى، وتركوا له الحزب الذي حوّله الغنّوشي إلى فضاء عائلي لا يسع آخرين غير طيف الانتهازيين ومن أتت بهم الزبونية.

ولعلّ قمّة إنكار الواقع تكمن في دفاعه المستميت عن عشرية حُكْمٍ كانت بشهادة جميع الأطراف، عشرية دمار، وأدّت إلى انتفاضة مجتمعية ضدّها.

وأمّا المظهر الثاني لانفصال الغنّوشي عن الواقع فهو نفيه المتكرّر لوجود أزمة داخلية في حزبه، وتأكيده بأنّ حزبه مدرسة في الديمقراطية، في حين أنّ الواقع الفعلي للحركة الإخوانية يدلّل على أنّ العامل الرئيسي الذي دفع العديد من القيادات إلى الانسحاب من الحزب وإعلان انتقاداتهم وخلافاتهم مع «زعيمهم» هو غياب التسيير الديمقراطي للحزب، وتحويل هياكله إلى مؤسّسات هامشية وشكلية وغائبة عن دائرة القرار، واختزال الحزب في شخصه وفي دائرة العائلة وبعض المنتفعين من حوله إلّا استثناء.

حديث راشد الغنّوشي إلى إحدى القنوات التلفزيونية الفرنسية كشف أيضاً أنّ التحالفات التي يقوم بها الحزب الإخواني هي من باب الالتقاء الوقتي لتجاوز أزمة أو لتحقيق منفعة مادية أو سلطوية، وهو لذلك لم يتعرّض مطلقاً في حديثه الصحفي لـ«جبهة الخلاص» التي يفترض أنّها تقود معركة استرجاع الحُكْمِ بانتحال صفة المدافعين عن الديمقراطية، واكتفى بالحديث عن دور حزبه «المتفرّد في تعبئة الشارع وخوضه معركة الديمقراطية».

إنّ حالة الارتباك والنرفزة التي كان عليها رئيس حركة النهضة الإخوانية خلال حواره التلفزيوني الأخير، وكذلك تهرّبه من الإجابة عن بعض الأسئلة يدفع إلى القول بأنّ الرجل على مشارف الهاوية السياسية.

وإنّ حالة إنكار الواقع الفعلي لتونس وواقع الأزمة في حزبه والإصرار على العيش في «واقع» وهمي يدلّل على أنّ الغنّوشي قد يكون دخل في غيبوبة سياسية.

وإنّ الإصرار على الإيهام بأنّه «المدافع الشرس» عن الديمقراطية والحرية يؤكّد أنّ الرجل بلغ حتفه السياسي.

إنّه الحوار الذي ما كان على الغنّوشي أن يقوم به مطلقاً؛ لأنّه إعلان رقم واحد عن موته السياسي.

عن "البيان" الإماراتية

الصفحة الرئيسية