الغزو الثقافي الإيراني لسوريا... الأدوات والطرق

الغزو الثقافي الإيراني لسوريا... الأدوات والطرق

الغزو الثقافي الإيراني لسوريا... الأدوات والطرق


10/02/2024

تُحكم إيران سيطرتها على النظام السوري منذ ما يقارب (11) عاماً، عبر الدعم المالي والعسكري واللوجستي. في المقابل فتح النظام أبواباً كثيرة أمام نظام الملالي لنشر ثقافته الطائفية، أهمها السلك التعليمي، عبر قوانين أجازت لسلطات طهران إنشاء حوزات دينية (حسينيات) في أنحاء سوريا، ومدارس وجامعات ومراكز لبث أفكار ولاية الفقيه.

بدأت إيران "غزوها الثقافي" عبر البحث عن منافذ تسرّب من خلالها هيمنتها. فوجدت في النشء الجديد مجالاً واسعاً يعتمد على "غسل الأدمغة" وزرع أفكار وإيديولوجيات عفى عليها الزمن، وبذلك تضمن تجذّرها في المجتمع السوري.

استغلت إيران مشكلة تدمير المدارس في سوريا بسبب الصراع، ودخلت من باب التعليم الأساسي، وفرضت على وزارة الأوقاف السورية منذ عام 2014 المذهب الجعفري كأحد المذاهب الواجب تدريسها في المدارس السورية بهدف تشييع الأجيال الجديدة، وفق ما نقلته صحيفة "الإندبندنت بالعربية".

وكان الرئيس السوري بشار الأسد قد أصدر مرسوماً في تشرين الأول (أكتوبر) 2014 يقضي بتدريس المذهب الشيعي الاثني عشري في المدارس السورية إلى جانب السنّي، إضافة إلى افتتاح أول مدرسة شيعية حكومية في البلاد تحت اسم "الرسول الكبير" في العام نفسه، ولها فروع في مدن سورية عدة.

ست جامعات إيرانية تحصل على ترخيص رسمي من الحكومة السورية للعمل في البلاد وفق نظام ولاية الفقيه الإيراني الشيعي

ومع بدء عام 2020 وقّع البلدان اتفاقية تعاون على صعيد التعليم وبناء وترميم المدارس، وصولاً إلى توقيع اتفاقية بين المؤسسة العامة للسينما السورية، والمنظمة السينمائية السمعية والبصرية في إيران.

وأوردت وكالة الأنباء الرسمية السورية "سانا" بتاريخ 22 كانون الثاني (يناير) 2020، ما يلي: "عقدت في العاصمة السورية دمشق مباحثات برئاسة وزير التربية عماد العزب ووزير التربية والتعليم الإيراني (آنذاك) محسن حاجي ميرزائي ركزت على سبل تطوير التعاون بين سوريا وإيران في المجال التربوي، لا سيّما ترميم المدارس وطباعة الكتب وتطوير ودعم التعليم المهني والتقني".

إيران استغلت مشكلة تدمير المدارس في سوريا، ودخلت من باب التعليم الأساسي، وفرضت المذهب الجعفري كأحد المذاهب الواجب تدريسها في المدارس

 

وبحسب الموقع الرسمي للحكومة الإيرانية، قال رضا كريمي رئيس مركز الشؤون الدولية والمدارس في الخارج: "ميرزاني اقترح على العزب أن تقوم إيران بتعديل وطباعة المناهج الدراسية السورية، إضافة إلى نقل إيران تجاربها في مجالات التخطيط التربوي والمعدات التعليمية والكتب المدرسية والمحتوى التعليمي"، مشيراً إلى التقدم الجيد لإيران في بناء المدارس وإعادة تأهيلها.

واقترح ميرزاني على حكومة النظام السوري بناء إيران مجمعاً للعلوم والتكنولوجيا في سوريا، واعتبار اللغة الفارسية لغة ثانية واختيارية في الثانويات السورية، وإقامة دورات تأهيل للمعلمين السوريين في إيران وإجراء دورات تدريبية في مجال التخطيط والتقييم الأكاديمي.

وبالفعل، تكفلت إيران من خلال هذه الاتفاقية بترميم ما يقارب الـ (250) مدرسة بتكلفة (12) مليار ليرة سورية (أي ما يعادل (3) ملايين دولار تقريباً) في ظل عجز الحكومة السورية عن إعادة تأهيل تلك المدارس.

 

اتفاقيات إيرانية سورية لتطوير التعاون بين البلدين في المجال التربوي، لا سيّما ترميم المدارس وطباعة الكتب وتطوير ودعم التعليم المهني والتقني

 

وبحسب موقع "Iranwire" قبل الثورة السورية، كانت هناك أكثر من (40) مدرسة إيرانية خاصة في دمشق وحدها، منتشرة في مناطق التجمعات الشيعية، وشملت هذه المدارس حوالي (10) مدارس ثانوية تابعة لوزارة الأوقاف الدينية معترف بها من قبل وزارة التربية والتعليم في دمشق وحلب واللاذقية وإدلب ودير الزور، وكانت تقوم المدرسة بوعظ الطلاب السنّة وتوفر التسهيلات المالية لأولئك الذين يتحولون إلى المذهب الشيعي.

قبل الثورة السورية، كانت هناك أكثر من (40) مدرسة إيرانية خاصة في دمشق وحدها

وتقوم الهيئة الاستشارية الثقافية الإيرانية في دمشق وفروعها في باقي المدن السورية بنشاط كبير في تعليم اللغة الفارسية، فقد بلغ عدد دورات اللغة الفارسية في مقر الهيئة في دمشق (100) دورة، وفي مركز اللاذقية (52) دورة.

استهداف الأطفال

وفي محاولة للسيطرة على تفكير الطلاب والأطفال، تم إنشاء كشافة المهدي في 2014، وهي تابعة لجمعية الإمام المهدي في مدينة السيدة زينب، وتتركز أغلب مبادئها على غرس المفاهيم الثقافية والدينية وعبارات الثورة الإيرانية في أذهان الأطفال.

وأكد الموقع الإيراني المعارض أنّ هذه الكشافة يتم تمويلها من قبل المركز الاستشاري الثقافي في دمشق، الذي يمتلك بدوره جمعية الفرات للسلام والوئام الاجتماعي.

وفي الإطار ذاته، تقوم الميليشيات الموالية لإيران بنشر الثقافة الإيرانية وطقوس الطائفة الشيعية، حيث قامت ميليشيا "أبو الفضل العباس" بالنصف الثاني من العام 2021، بتكليف  نساء من عوائل عناصر الميليشيا في الميادين، بالتواصل مع الفتيات والنساء في المناطق وإقناعهن باعتناق المذهب الشيعي والخضوع لدورات عقائدية وتعريفية حول المذهب ضمن المراكز الثقافية، وسط تقديم مساعدات غذائية لهنّ.

 

عدد دورات اللغة الفارسية التي تقدمها الهيئة الاستشارية الثقافية الإيرانية في دمشق (100) دورة، وفي مركز اللاذقية (52) دورة

 

وأعلنت الميليشيات التابعة لإيران في الربع الأخير من العام عن حاجتها لممرضات وآنسات للعمل ضمن المستشفيات والروضات الخاضعة لسيطرتها، براتب مغرٍ يصل إلى (300) ألف ليرة سورية شهرياً، بعد إخضاع النساء لدورات تدريبية ممولة بشكل كامل من قِبل إيران، حسبما أوردت وكالة "إيران إنترناشيونال" في نشرات سابقة.

في حين تستقطب الميليشيات الإيرانية الأطفال بطرق مختلفة، عبر النشاطات الدعوية والثقافية والترفيهية التي يقوم بها المركز الثقافي الإيراني والمراكز الدعوية للميليشيات التي تنشط في المدارس الابتدائية والإعدادية والحدائق العامة والأسواق وأماكن الرحلات الترفيهية التي تقوم بها العوائل.

أمّا بما يتعلق بالحوزة والحسينيات، فإنّه مع اندلاع الحرب عام 2011 زادت إيران من نشاطها الديني مستغلة ظروف الحرب وتواجد ميليشياتها على الأرض، فارتفع عدد الحوزات إلى (69) حوزة في عموم سوريا، إضافة إلى نحو (500) حسينية حتى منتصف عام 2019، وبتبعيتها لإيران فإنّ معظم الحوزات الشيعية غير مسجلة لدى وزارة الأوقاف السورية، وتتجاهل إدارتها القرارات التي أصدرتها الوزارة لإلزامها بذلك.

جامعات إيرانية في سوريا

أمّا على صعيد التعليم العالي، فقد انضمت جامعة "بيان نور" إلى سلسلة الجامعات الإيرانية التي حصلت على ترخيص رسمي للعمل في سوريا، في خطوة من شأنها أن تزيد الشكوك في الغايات التي تسعى إليها إيران من وراء افتتاح هذا العدد الكبير من الجامعات في بلد لم يخرج بعد من دائرة الحرب المستمرة منذ عام 2011.

وبعد مباحثات لم تستغرق وقتاً طويلاً، نجحت إدارة جامعة "بيان نور" في انتزاع رخصة لافتتاح فروع لها في سوريا من وزارة التعليم العالي السورية التي وافقت في السابق على افتتاح فروع لـ(5) جامعات إيرانية أخرى، وفق ما نقلت صحيفة "النهار العربي".

 

ميليشيا "أبو الفضل العباس" تكلف نساء من عوائل، بالتواصل مع الفتيات لإقناعهن باعتناق المذهب الشيعي، والخضوع لدورات عقائدية وتعريفية

 

ويأتي منح ترخيص جديد لجامعة إيرانية أخرى في إطار مساعي إيران إلى توسيع توغلها في سوريا، تحت غطاء علمي وثقافي.

وتُعتبر جامعة "بيان نور" من أكبر الجامعات في إيران، وتأسست عام 1988، وتتبع لوزارة العلوم والبحوث والتكنولوجيا، وتوصف بأنّها تحمل طابعاً إيرانياً شيعياً.

وتنقسم الجامعات الإيرانية في سوريا إلى نوعين: الأول جامعات ذات طابع ديني تدرّس المناهج باللغة العربية، وتختص بالعقيدة الشيعية، والثانية حكومية هدفها المعلن تدريس المناهج العلمية كالفيزياء والرياضيات، ولكنّها بدأت أخيراً تدريس ما يُسمّى "الفلسفة الفارسية".

وفي سابقة من نوعها، أعلنت جامعة حماة عام 2018 عن توقيع اتفاقيات تعاون علمي مع (3) جامعات إيرانية هي "جامعة فردوسي" في مدينة مشهد، و"جامعة أمير كبير" التقنية، إضافة إلى توقيع اتفاق نوعي مع "جامعة الزهراء" للإناث، وفق ما ذكرت مواقع إعلامية سورية معارضة.

وعملت إيران خلال الأعوام الماضية على تكثيف جهودها للاستحواذ على حصة وازنة من سوق الجامعات السورية، بذريعة "التعاون بين الجامعات الإيرانية والسورية في مجال البحث والإنتاج والمشاريع العلمية والمعرفية، وربطها بالمشاريع التنموية والصناعية والإنتاجية في البلدين"، وزادت في هذا السياق عدد المنح الدراسية للجانب السوري، وأقامت مشاريع بحثية مشتركة.

وفي منتصف عام 2021، وقّعت جامعتا دمشق وطهران مذكرة تفاهم تضمن الأسس الأولية لجميع الاتفاقيات اللاحقة بين الطرفين في مجال الاختصاصات الدراسية. وسبق ذلك في مطلع عام 2020 توقيع مذكرة تفاهم بين وزارتي التربية في كل من دمشق وطهران، تتضمن تبادل الخبرات والتجارب في المجالات العلمية والتعليمية والتربوية، وتقديم الخدمات الفنية والهندسية وترميم المدارس.

وتحت عنوان "تأثير تربوي" قال تقرير لمعهد واشنطن: إنّ "ثمة تطوراً يشير إلى هدف إيران المتمثل بضمان وجود متعدد الأجيال في سوريا، وهو ما يعكسه القرار الرسمي السوري بافتتاح أقسام اللغة الفارسية في العديد من المؤسسات التعليمية، بما فيها جامعات دمشق وحمص واللاذقية"، وفق الدراسة التي نشرها المعهد في وقت سابق.

 

الميليشيات الإيرانية تستقطب الأطفال بطرق مختلفة، عبر النشاطات الدعوية والثقافية والترفيهية التي يقوم بها المركز الثقافي الإيراني والمراكز الدعوية للميليشيات

 

وفي الوقت الذي يموت فيه الشعب الإيراني من الجوع والفقر، تسعى الحكومة الإيرانية إلى مد يد العون للنظام السوري لضمان بقائه.

وكشفت دراسة أجراها "المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية" البريطاني، شباط (فبراير)  2020، تحت عنوان "شبكات التسلل الإيرانية في الشرق الأوسط"، أنّ حجم إنفاق إيران على أنشطة ميليشياتها في سوريا والعراق واليمن حوالي (16) مليار دولار سنوياً، بينما ينفق النظام الإيراني حوالي (700) مليون دولار سنوياً على ميليشيات "حزب الله" في لبنان. ووفقاً لمسؤولين إيرانيين، أنفقت طهران مبالغ هائلة في سوريا، تصل إلى أكثر من (48) مليار دولار، وفقاً لموقع ومجلة السياسة الخارجية.

وكشفت جيسي شاهين، المتحدثة باسم المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، أنّ تقديرات الأمم المتحدة بشأن متوسط الإنفاق الإيراني في سوريا يبلغ (6) مليارات دولار سنوياً.

مواضيع ذات صلة:

الشعوب غير الفارسية في إيران وأزمة الهوية الوطنية

الاحتلال الثقافي الإيراني يتفاقم: تعليم الأطفال في سوريا اللغة الفارسية

إيران تبحث عن جذورها الفارسية في العراق... ما القصة؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية