الاحتلال الثقافي الإيراني يتفاقم: تعليم الأطفال في سوريا اللغة الفارسية

الاحتلال الثقافي الإيراني يتفاقم: تعليم الأطفال في سوريا اللغة الفارسية


08/06/2021

"في معظم الصراعات والحروب، وكذلك الغزو والاحتلالات، تعتمد الدول على تثبيت أركانها بعدة نقاط وإجراءات، فهي تعرف أنّ الاحتلال العسكري سيأتي يوم ويزول، لذلك تعمد إلى التغيير الفكري والثقافي، وهذا لا يتأتى إلا من خلال اللغة، فالأخيرة تُغرس في نفوس أبناء البلد المُحتل، خاصة الأجيال الناشئة، لغتها وثقافتها وتاريخها الذي تريده هي".

هكذا يعلق الكاتب والمحلل السياسي السوري، حسام نجار، على إعلان "المركز الثقافي الإيراني"، نهاية  أيار (مايو) ومطلع الشهر الحالي، افتتاحه دورة تعليم اللغة الفارسية للأطفال، تحت مسمى "براعم الفرات"، في مدينة الميادين التابعة لمحافظة دير الزور، شمال شرق سوريا، والتي تعدّ الثانية من نوعها، حيث كانت الأولى في أيلول (سبتمبر) 2020.

اقرأ أيضاً: دير الزور بين التشييع الإيراني الممنهج وسوء الوضع الاقتصادي

وبحسب نشطاء المرصد السوري لحقوق الإنسان؛ فإنّ المركز الثقافي الإيراني "رَصَدَ جائزة قدرها مليون ليرة سورية (ما يعادل 500 دولار) لمن يتجاوز اختبار اللغة الفارسية في نهاية الدورة بمعدل ممتاز، وهو ما فعلته سابقاً في المرة الأولى، كما شهدت الدورة الجديدة، التي انطلقت اليوم، إقبالاً كبيراً من قبل الأطفال، الذين توجّه العشرات منهم إلى المركز".

منافسة روسية إيرانية

ومن الواضح أنّ هناك منافسة روسية إيرانية على فرض كلّ منهما لغته في سوريا، إذ كانت روسيا هي السباقة، من ناحية فرض تعليم اللغة الروسية في المدارس السورية كبديل للغة الفرنسية، التي كانت تعدّ لغة ثانية للتعليم، كما أقيمت أول امتحانات اللغة الروسية في المدارس الثانوية السورية العام الماضي.

الكاتب والمحلل السياسي السوري، حسام نجار

إلا أنّ إيران حاولت أن تضغط بدورها من خلال فرض اللغة الفارسية على المدراس السورية؛ فقد وقّعت العام الماضي اتفاقاً يشمل إعادة إعمار المدارس في سوريا، كما صرَّح وزير التعليم الإيراني، محسن حاج ميرزائي، في وقت سابق، بـ "أهمية إدخال اللغة الفارسية في نظام التعليم السوري".

ونقلاً عن تقرير لصحيفة "الواشنطن بوست" الأمريكية، نُشر جزء منه في موقع قناة "العربية. نت"، أفاد بأنّ إيران "أدخلت دورات اللغة الفارسية في بعض المدارس التي ساهمت في إصلاحها أو بنائها، لا سيما في محافظتي الرقة ودير الزور، حيث أضافت بالفعل صفوفاً باللغة الفارسية إلى مناهج المدارس الابتدائية والمتوسطة".

مهمة الإيرانيين ليست سهلة، فمن يتابع تجربتهم في تجنيد أبناء العوائل السورية في دير الزور ضمن ميليشياتهم، يعلم أنّ السوريين هناك أدركوا حجم الخراب

كما أشار التقرير إلى أنّ "العديد من السوريين يتخوفون من أن يحدث الشيء نفسه في حلب، حيث أعلنت إيران، الشهر الماضي، أنّها تخطط لفتح قنصلية".

ويعكس ذلك الهيمنة الروسية والإيرانية، وفرض وجودهما على الأراضي السورية ليس فقط كدولتين محتلتين، بل كدولتين لديهما طموحات استعمارية طويلة الأمد في سوريا، سواء كان ذلك على الصعيد العسكري أو الثقافي أو الاقتصادي.

كما يعكس هذا المشهد إلى أيّ مدى كانت الانتخابات الرئاسية التي أقامها النظام السوري، وفوز بشار الأسد في الانتخابات، كاريكتورية، وأثارت سخرية السوريين والعالم أجمع، وخاصة أنه تم توصيف الانتخابات السورية من قبل إعلام النظام بـ"الانتخابات الديمقراطية"، إذ كيف تجري انتخابات رئاسية وديمقراطية، مع وجود ديكتاتور يداه ملطخة بدماء شعبه، وعلى أرضه دول محتلة ومستعمرة؟ 

تعليم اللغة الفارسية واللطم والتشيع

يقول الكاتب حسام نجار لـ"حفريات": إنّ ما تقوم به روسيا وإيران في سوريا شبيه بما قامت به كل من إسبانيا والبرتغال في أمريكا الجنوبية، وما قامت به فرنسا وبريطانيا في البلاد العربية وأفريقيا".

ويرى نجار أنّ هذا السعي الحثيث الذي تقوم به إيران في البلاد التي احتلتها، كالعراق وسوريا، تبدو ملامحه في سوريا أكثر وضوحاً؛ فبعد أن كانت المستشارية الثقافية الإيرانية في دمشق تعمد إلى أسلوب الترغيب وإقامة دورات تعليمية وتثقيفية، باتت الآن تفرض اللغة الفارسية على المنطقة التي تحتلها، وتهيمن عليها.

 مناهج تربوية شيعية يضاف لها تعليم طريقة اللطم والتشيع وغرس هذه المفاهيم لأطفال المدارس

وأضاف: "تقوم إيران، خاصة في المنطقة الشرقية في المناطق التي تنتشر قواتها فيها بفرض تعليم لغتها الفارسية، وتضع قيوداً صارمة حول هذا الأمر، من خلال مناهج تربوية شيعية يضاف لها تعليم طريقة اللطم والتشيع وغرس هذه المفاهيم لأطفال المدارس، وتتخذ من بعض الجهلة أو المنتفعين أعواناً لها في تنفيذ مخططتها، كما تقوم بجلب المدرسين من مدينة قم، من العرب الشيعة والإيرانيين الذين يتقنون اللغة العربية كي يتم التواصل مع الطلاب بسهولة ويسر".

ويتابع نجار: تقوم إيران أيضاً بإرسال المدرسين السوريين بدورات تعليمية تدريبية إلى إيران، كما تحضر العديد من المستشارين اللغويين لإقامة دورات لكبار السنّ والمدرسين داخل سوريا.

المحلل السوري مالك الحافظ لـ"حفريات": هيمنة إيران وطغيان نفوذها ليس ممكناً، فالضغوط السياسية على الوجود الإيراني لن يحقق راحة التمركز في أي منطقة من سوريا

الخطورة ليست في تعلم اللغة الفارسية بحدّ ذاتها، إنما في "الخزعبلات" التي تريد تثبيتها في عقول الناشئة، وتزييف التاريخ الإسلامي الحقيقي وفقاً لأهوائها، وبحسب زعمها، كلّ هذا يتم ولا أحد يمنع أو يحاول إيقاف هذا الغزو". لذلك يعتقد حسام؛ أنّ ما يحدث قد يؤدي إلى نشوء قاعدة ثقافية دينية تفعل مستقبلاً ما تطلبه إيران منها، وتكون خلايا نائمة تحمل من الشرّ الشيء الكثير، ومن الخرافة الشيء الأكثر.

مهمة إيران في سوريا ليست سهلة

أما الكاتب والصحفي السوري، مالك الحافظ، فقال لـ "حفريات" إنّ مساعي إيران في المجال الثقافي ليست حديثة العهد، سواء في عموم سوريا أو بدير الزور، وقد كانت ناشئة أيضاً ما قبل الحرب، لكنّ الظروف الحالية تفيد المشروع الإيراني أكثر من أيّ وقت مضى.

وأضاف: "من ناحية، تسعى إيران إلى تثبيت نفوذها في الشرق السوري، الذي يعدّ لهم نقطة تمركز إستراتيجية على طريق طهران بيروت؛ لذا فإنّ الإيرانيين مضطرون لأن يكسبوا قاعدة شعبية في مناطق ذات مصلحة كبيرة لهم، فضلاً عن ذلك؛ فإنّه، وإلى جانب تلك المساعي الإيرانية، يبرز ضعف الأوضاع الاقتصادية للسوريين هناك، ما يسهّل المهمة نوعاً ما عليهم في إغراء بعض العوائل السورية لإلحاق أبنائها بالبرامج الثقافية واتباع المخطط الإيراني، واعتباره الأصلح لهم كونهم بعيدين فيه عن أيّ جانب عسكري أو أمني".

الكاتب والصحفي السوري، مالك الحافظ

 لكنّ الحافظ يرى أنّ مهمة الإيرانيين ليست سهلة، فمن يتابع تجربتهم في تجنيد أبناء العوائل السورية في دير الزور ضمن ميليشياتهم، يعلم أنّ السوريين هناك أدركوا حجم الخراب الذي يمكن أن يلحقه الطرف الإيراني بمحافظتهم على وجه التحديد، وامتداداً إلى كلّ مناطق نفوذه في سوريا.

 هناك تململ لدى أبناء العشائر في محافظة دير الزور من الوجود الإيراني، ولا أعتقد أنّ النسبة الغالبة التي ترفض ذلك الوجود العسكري هناك ستقبل بتمدّد إيراني على الصعيد الثقافي.

اقرأ أيضاً: تشييع إفريقيا.. التغلغل الناعم للولي الفقيه

ويتابع المحلل السوري: "هيمنة إيران بمعنى طغيان نفوذها لا أراها ممكنة، فمن جهة الضغوط السياسية على الوجود الإيراني لن يمنح إيران راحة التمركز في أي منطقة من سوريا، رغم أنّ التمدد الثقافي حاصل، لكنّ ذلك لا يعني بالضرورة أن يطغى الوجود الإيراني ويغيّر من شكل المنطقة وانتمائها الفكري والثقافي والعقائدي، أو أن يغيّر من جغرافية المنطقة، ويفصلها هوياتياً عن الوطن السوري".

ويردف أنّ الوجود الإيراني، وبالأخص في الشرق السوري، بات في مرحلة حساسة تتأثر بالمفاوضات مع واشنطن، وكذلك بالموقف الروسي وردة الفعل الإسرائيلية؛ لذلك يرى مالك الحافظ أنّه لا يمكن التعويل على التواجد الثقافي وتأثيره كثيراً في المجتمع السوري، طالما تم إبعاد أو تحجيم النفوذ العسكري، ومن ثم تقديم حل سياسي واقتصادي جذري لكامل البلاد، ينقذ منطقة الشرق تحديداً من براثن الإيرانيين، ويعوضهم اقتصادياً، ويقويهم اجتماعياً.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية