العونيون وحزب الله: توتر العلاقة بين حليفين

العونيون وحزب الله: توتر العلاقة بين حليفين

العونيون وحزب الله: توتر العلاقة بين حليفين


26/01/2023

ترجمة: محمد الدخاخني

لم يتغيّر شيء يُذكر في لبنان منذ خروج ميشال عون من الرّئاسة في نهاية تشرين الأوّل (أكتوبر). وحتّى الآن، لا يوجد اتّفاق بين القوى السّياسيّة في البلاد على خليفة له. يضرّ هذا الوضع بشكل خاصّ العلاقة بين حزب عون، «التّيار الوطنيّ الحرّ»، و«حزب الله».

وفقاً لمعظم الرّوايات، يودّ «حزب الله» لو يرى حليفاً مسيحيّاً مارونيّاً آخر، سليمان فرنجيّة، منتخباً، لكن لكي يحدث ذلك، يحتاج الأخير إلى الحصول على دعم كتلة برلمانيّة مسيحيّة رئيسة (البرلمان هو الذي ينتخب الرّؤساء في لبنان) لتأمين شرعيّة طائفيّة. لكن «التّيار الوطنيّ الحرّ»، الذي يقوده صهر عون، جبران باسيل، يرفض تأييد فرنجيّة، لأنّ باسيل لديه طموحاته الرّئاسيّة.

لطالما سعى باسيل إلى خلافة عون، وعلى مدار أعوام كان القوّة الكامنة وراء الرّئاسة، حتّى إنّه حظي بمكتب له في القصر الرّئاسيّ. ومع ذلك، مع تضاؤل احتماليّة انتخابه، ربما يُفكّر في خطّة بديلة: إحضار شخص ضعيف إلى السّلطة يمكنه فرض شروطه عليه مقابل دعم «التّيار الوطنيّ الحرّ»، على نحو يُتيح لباسيل الاحتفاظ بنفوذه على الرّئاسة.

باسيل القلِق

من المحتمل، أيضاً، أن يكون باسيل قَلِقاً من أنّه من دون وجود حموه لحمايته، ستجرف به الطّبقة السّياسيّة القائمة منذ عام 1990 والتي تسيطر على معظم أنحاء البلاد، والتي لطالما اعتبرته هو وعون دُخلاء. ويُعدّ فرنجيّة أحد الممثّلين الرّئيسين لهذه المجموعة، إلى جانب رئيس مجلس النّواب نبيه بري، والزّعيم الدّرزيّ وليد جنبلاط، وبدرجة أقل رئيس الوزراء السّابق سعد الحريريّ، المقيم خارج لبنان، وكذلك المُعينين لهم في النّظام السّياسيّ.

سليمان فرنجية، زعيم حركة المردة، حليف مسيحي ماروني لحزب الله

في هذا السّياق كان التّحالف مع «حزب الله» مهمّاً للغاية. التّحالف، الذي أُضفي عليه الطّابع الرّسميّ فيما عُرِف بـ«اتّفاق مار ميخائيل» عام 2006، ظلّ لفترة طويلة يخدم كلا الجانبين بشكل جيّد. وقد نجم عن هذا التّحاف فوز عون بدعم «حزب الله» للرّئاسة في عام 2016، والسّماح لـ«حزب الله» بفكّ عزلته بعد الانسحاب السّوريّ عام 2006، الذي تلاه انتصار انتخابيّ لقوى «14 آذار» المعارضة لسوريا.

لم يصادق "حزب الله" رسميّاً بعد على فرنجيّة، لأنّه لا يريد أن تتدهور علاقاته مع "التّيار الوطنيّ الحرّ". لكن في مرحلة ما سيتعيّن على الحزب اتّخاذ قرار

لكن بالنّسبة إلى عون، وكذلك باسيل، فإنّ العلاقات مع «حزب الله» تعلّقت دائماً وفي المقام الأوّل بالرّئاسة. ارتأى عون، بشكل صحيح، كما اتّضح فيما بعد، أنّه لن يُنتخَب إلّا إذا وقف الحزب وراءه، وأَمِلَ باسيل في الشّيء نفسه. ومع ذلك، عندما فشل «حزب الله» في دعم ترشيح باسيل هذا العام، تقلقلت العلاقة بين الجانبين.

حزب الله وفرنجية

اليوم، لم يصادق «حزب الله» رسميّاً بعد على فرنجيّة، لأنّه لا يريد أن تتدهور علاقاته مع «التّيار الوطنيّ الحرّ». لكن في مرحلة ما سيتعيّن على الحزب اتّخاذ قرار. موقف فرنجيّة غير مستقرّ بشكل متزايد لأنّ «حزب الله» لم يعلن نواياه بشكل رسميّ، بينما لن تدعم أيّ من الكتلتين المسيحيّتين الرّئيستين، «العونيّون» أو «حزب القوات اللبنانيّة» المنافس، فرنجيّة.

قال باسيل و«حزب الله» مرّات عديدة إنّهما يريدان الحِفَاظ على علاقتهما. لكن هذا لن يعني الكثير إذا استمرّ باسيل في عرقلة مساعي فرنجيّة ورأى «حزب الله» أنّ باسيل يعتمد بشكل كبير على الحزب بحيث يصعب القبول بشروطه.

لطالما سعى جبران باسيل إلى خلافة عون، وعلى مدار أعوام كان القوّة الكامنة وراء الرّئاسة. ومع ذلك، مع تضاؤل احتماليّة انتخابه، ربما يُفكّر في خطّة بديلة

في الواقع، كانت الأعوام السّتّة من ولاية عون بمثابة كارثة لـ«حزب الله»، وهو ما يوضّح سبب عدم رغبة الحزب في تكرار ذلك مع باسيل. اعتُبِرَ الحزب المدافع عن رئيسٍ فاقد للمصداقيّة وسط انهيار اقتصاديّ. علاوة على ذلك، كان باسيل يهاجِم بشكل روتينيّ حلفاء «حزب الله»، خاصّة برّي. كما أصبح باسيل مصدر إزعاج، حيث اصطدم بانتظام بالحريري ورئيس الوزراء الحاليّ، نجيب ميقاتي، من أجل تمهيد طريقه إلى الرّئاسة، بحيث عُرقِلَت الحكومة بشكل دائم.

لا حاجة لحليف مسيحي

كان لذلك تداعيات سلبيّة على «حزب الله»، لكنّ الحزب، اليوم، يرى الأمور بشكل مختلف. لم يعد بحاجة إلى حليف مسيحيّ بشكل حيويّ، كما كان الحال في عام 2006، لأنّه طوّر علاقات مع الطّائفتين السّنّيّة والدّرزيّة. وإذا كان باسيل يريد السّير في طريقه، فلن يدفع «حزب الله» ثمناً باهظاً لهذا، حتّى لو كان يفضّل تجنّب الأمر.

جبران باسيل، زعيم حزب التيار الوطني الحر في لبنان، 25 أكتوبر / تشرين الأول 2022 في منزله في مطيلب، لبنان

يدرك باسيل جيّداً أنّه في وضع غير مؤات. مجال حركته في الانفصال عن «حزب الله» محدود، إذا كان يريد الحفاظ على نفوذه السّياسيّ. لقد نفّر الجميع، وفقد، داخل طائفته، بل وداخل «التّيار الوطنيّ الحرّ»، أرضيّته بثبات، بحيث إنّ الانفصال عن الحزب قد يؤدّي إلى انعدام أهميّته السّياسيّة.

لكن لا يستطيع باسيل إحضار مرشّح رئاسيّ يأتمر بأمره وينتهي بنهيه. أعداؤه السّياسيّون لن يقبلوا أبداً أن يُسيطر خفية على الرّئاسة ولن يصوّتوا لمرشّحه. يحتاج باسيل إلى تغيير إستراتيجيّته تماماً والبدء في تكوين حلفاء جدد، وإلّا فإنّ الحفرة التي حفرها لنفسه ستزداد عُمقاً. ربما يغيّر مساره، لكن فات الأوان لإحداث فارق بشأن منصب الرّئيس هذا العام.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

مايكل يونغ، ذي ناشونال، كانون الثّاني (يناير) 2023



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية