رضوان السيد
انعقد مجلس الوزراء اللبناني الجديد يوم الخميس الماضي، وقد سبقته دعواتٌ ومبادراتٌ للتركيز على الهمّ الواحد والوحيد: النهوض الاقتصادي بعد الانتكاسات المتوالية قبل الانتخابات وبعدها، وأنّ الأمل في حكومة «إلى العمل» يتمثل في الإقبال على إنفاذ مقررات مؤتمر «سيدر» الباريسي لإنقاذ المالية العامة، وتنشيط القطاعات الاقتصادية كافة. بيد أنّ الجلسة الأولى للمجلس ما شهدت شيئاً من ذلك. بل انصبّ الاهتمام على جدول الأعمال العادي، وعلى الجدال في زيارة وزير شؤون النازحين لسوريا. وغاب من جدول الأعمال، ومن هموم أعضاء المجلس، كل ما يؤدي إلى العمل بالفعل. ثم فضَّ رئيس الجمهورية المجلس غاضباً، ومضى كلٌّ إلى حال سبيله.
وفي سورية، انصبَّ الاهتمام على مصائر أعضاء «داعش» ومن بقي منهم، وسط رفض أكثر الدول الغربية لاستعادة مواطنيها من الدواعش لمحاسبتهم، واستقبال النساء والأطفال منهم. أما المصير السوري الكبير فلا وفاق حوله من أي نوع، لاسيما من جانب الثلاثي الروسي الإيراني التركي الذي عهد لنفسه بمهمة إحلال السلام في البلاد!
وفي ليبيا يشتد الانقسام بين حكومة غرب البلاد، وبرلمان وحكومة شرق البلاد، ويطوف بينهما المبعوث الدولي غسان سلامه بدون نتيجةٍ حتى الآن.
وفي اليمن تستمر مماحكات الحوثيين بشأن إنفاذ اتفاق استوكهولم القاضي بإخلاء الحديدة والموانئ المجاورة، والعمل على تبادُل الأسرى، وتسهيل العمليات الإنسانية الرامية لإنقاذ البلاد من المجاعة.
وفي الجزائر يجري التماحُكُ مجدداً بشأن منح ولاية رئاسية خامسة للرئيس بوتفليقة، وسط غياب المرشحين الأقوياء لخلافته.
وفي السودان تتطاول المظاهرات ويزداد عدد القتلى والجرحى، ليأتي الرد الغامض بحل الحكومة وإعلان حالة الطوارئ.
الواضحَ أنّ العالم تعب منا، مثلما تعبنا منه. وهو ينتظر مبادرةً ولو متواضعة ليتركنا وشأننا أو نتركه وشأنه. الأميركيون هم الأكثر إظهاراً للتعب والزهد. وكذلك الروس الذين يبحثون عن أطراف لديها الاستعداد لصفقةٍ من نوعٍ ما. لكننا سلعةٌ مزهودٌ فيها حتى الآن، لذلك لا يجد الروس شريكاً غنياً أو مُغْنياً.
ويبقى الأتراك والإيرانيون. الأتراك عجزوا عن تحقيق أي شيء في سوريا والعراق، وهم يتبادلون المشارطات والاستحكامات مع حلفائهم الروس، الذين عادوا للتفكير في الحملات الحربية. الأتراك غير مؤهلين لإجراء صفقة حول الشرق السوري، بينما فشل الروس في إيجاد الشريك البديل. والأطراف الثلاثة الروسية والتركية والإيرانية تتهم الأميركيين بتفشيل الحلّ، مرةً لأنهم موجودون بعساكرهم إلى جانب الأكراد، ومرةً لأنهم يريدون الانسحاب من المشهد كله! الرئيس ترامب متحمسٌ للخروج من سوريا بأي شكل. ولو تأملْنا المشهد لوجدنا أنّ العراق أكثر إزعاجاً لهم من سوريا، لكنهم لا يستطيعون قَول ذلك، لأنهم يعرفون ماذا حصل عندما انسحبوا من العراق في المرة الأولى (2010 و2011). كان الأميركيون يركزون على مكافحة «داعش»، وهم يصرحون الآن بإرادتهم مصارعة طهران، ويعتبرون أنّ وجودهم العسكري هو الأشد إزعاجاً للإيرانيين.
لماذا يحصل هذا كله؟ ولماذا يستمر هذا المشهد المأساوي الذي يتضرر منه ملايين العرب الأشدّ حاجةً والأكثر عجزاً وبُعْداً عن المشاركة في مصائر أوطانهم؟
حصلت هذه المأساة كلُّها بسبب الغياب العربي، وهي مستمرةٌ بسببه. ولم يعد يستفيد من هذا الغياب غير الإيرانيين والإسرائيليين. يستفيد الإيرانيون من الوجود المتجذر بواسطة الميليشيات المتأيرنة في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغزة. ورغم الانقسامات الداخلية، فإنّ العامل الأكبر في غياب التسويات المحلية المدعومة من العرب، هو السلاح الإيراني، والعصبية المذهبية الإيرانية. وعندما يجد العرب أنهم في موقع الدفاع في كل ناحية، فإنّ فريقاً منهم ينكمش ويتمسك باستقراره الداخلي، بينما يقول فريقٌ آخر: إنّ الإسرائيليين وحدهم هم الذين يقاتلون التمركز الإيراني على الأراضي السورية واللبنانية والعراقية. وبالطبع فإنّ الإسرائيليين لا يهمهم الاستقرار والسلام في سوريا ولبنان، وإنما يهمهم أن هذا التمركز يهدد أمنهم.
نحن بحاجةٍ إلى المبادرة بالفعل، وإن لم تؤدّ المبادرات السابقة إلى نتائج كبيرة. لأننا بذلك لا نعملُ على استعادة الاستقرار إلى تلك البلدان المضطربة وحسْب، بل ونحفظ استقرارنا بعامة. فاستعادةُ الاستقرار باليمن يحفظ أمن المملكة وسائر دول الخليج في البر والبحر. واستعادةُ الاستقرار بليبيا وغزة والسودان يحفظ أمن مصر. واستعادة الاستقرار في سوريا يصون لبنان وسوريا والأردن، ويخلّصنا من شرور التمدد الإيراني في سائر الأنحاء.
عن "الاتحاد" الإماراتية