العراق: حكم بإعدام قاتل هشام الهاشمي. ماذا عمن أصدر أوامر الاغتيال؟

العراق: حكم بإعدام قاتل هشام الهاشمي. ماذا عمن أصدر أوامر الاغتيال؟

العراق: حكم بإعدام قاتل هشام الهاشمي. ماذا عمن أصدر أوامر الاغتيال؟


22/05/2023

محاكمة المتهم باغتيال الباحث العراقي هشام الهاشمي، تتجاوز اعتباراتها القانونية المباشرة، وتتخطى ذلك إلى نطاقات تتماس مع ضرورة تحقيق مبدأ العدالة الشاملة، الأمر الذي تضطلع به مؤسسات وأجهزة الدولة.

فاغتيال الهامشي، بالتزامن مع صعود مصطفى الكاظمي لرئاسة الحكومة والذي انتقل من منصبه الأمني في رئاسة جهاز المخابرات في لحظة تصعيد قصوى بين إيران والولايات المتحدة، كان رسالة مباشرة وخشنة من القوى الولائية التي تقف على النقيض من سياساته، بل استهدفته بخطاب عدائي بينما اتهمته بالتورط في اغتيال قائد فليق القدس، قاسم سليماني ومعه رئيس هيئة الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، الذي كان إحدى نتائج احتدام الصراع بين طهران وواشنطن في ظل إدارة دونالد ترامب.

وقد ذكر الكاظمي في حوار سابق مع صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، أنّ الباحث العراقي كان صديقاً له، فيما اعتبر هذا الاغتيال محاولة للتخويف وبث الرعب في الأطراف الموجودة حوله، مع الأخذ في الاعتبار أنّ رئيس الحكومة السابق قد تعرض إلى ثلاث محاولات اغتيال.

ورغم صدور حكم الإعدام، مؤخراً، بحق المتهم باغتيال الهاشمي، إلا أنّ مراقبين تحدثوا لـ"حفريات" أكدوا أنّ القضية أبعد من مجرد شخص أدين بقتل شخص آخر، إنّما القضية في خطاب الكراهية والتحريض الذي تمارسه التنظيمات المسلحة وتبعيتها لقوى خارجية تحقق لها مصالحها ونفوذها بالعراق.

الناشط المدني المستقل من حراك "تشرين" وسام الجبوري

محكمة جنايات الرصافة، في العراق، أصدرت حكماً بالإعدام شنقاً حتى الموت على المتهم بقتل هشام الهاشمي، قبل نحو أسبوع، بينما أعلن المركز الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى أنّ "محكمة جنايات الرصافة أصدرت حكمها بالإعدام بحق المجرم أحمد حمداوي عويد عن جريمة قتل الخبير الأمني هشام الهاشمي".

وإلى جانب ملابسات القضية التي شهدت ست مرات تأجيل لجلساتها، فضلاً عن إمكانية الاستئناف على حكم الإعدام وفق ما ذكر مصدر قضائي عراقي لـ"فرانس برس"، فإنّ الانتقادات تتزايد بخصوص محاولات التعتيم والتشويش على الحقائق المرتبطة بالقضية ومساراتها، وكذا اختزال المسألة في شخص من دون الإفصاح عن الجهة المنتمي لها ثم الاكتفاء بوصفها "خارجة عن القانون".

أسرة الهاشمي تقبل الحكم على مضض

إثر صدور الحكم بالإعدام، نقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية عن أحد أقارب الهاشمي (لم تفصح عن هويته) قوله إنّ "الذين أمروا بقتله ما زالوا طلقاء".

إذاً، شكل الإعلان عن إصدار المحكمة المختصة بقضايا الإرهاب حكمها بالإعدام على قاتل الخبير الأمني البارز هشام الهاشمي "مفاجأة للكثيرين من المراقبين، لا سيّما بعد أن استقر الاعتقاد بأنّ المتهم قد تم تهريبه إلى خارج البلاد، نظراً لتأجيل محاكمته لمرات عديدة بذريعة عدم إمكانية مثوله أمام المحكمة من دون إبداء أيّ أسباب"، حسبما يوضح الباحث العراقي المختص في الشؤون السياسية والأمنية، منتظر القيسي.

محاكمة المتهم باغتيال الباحث العراقي، هشام الهاشمي، تتجاوز اعتباراتها القانونية المباشرة، وتتخطى ذلك إلى نطاقات تتماس مع ضرورة تحقيق مبدأ العدالة الشاملة

ويقول القيسي لـ"حفريات" إنّ انتماء المتهم المعروف إلى ميليشيات كتائب حزب الله العراقية، الفصيل الولائي "الأكثر خطورة ونفوذاً" بين أشقائه الآخرين "جعل الآمال تتباعد حول إمكانية تحقيق العدالة للضحية". موضحاً: "برغم أنّ الحكم ليس نهائياً ويتطلب المصادقة عليه من قبل محكمة التمييز التي تحال لها الأحكام تلقائياً ومن دون طلب وكلاء المتهمين، إلا أنّ إصدار الحكم الابتدائي، في حد ذاته وفي هذا التوقيت، الذي انفردت فيه الفصائل والأحزاب الشيعية الموالية لإيران بالقرار في بغداد، يطرح جملة من التساؤلات عن أسباب التخلي عن القاتل وتركه لمواجهة مصيره".

ووفق الباحث العراقي المختص بالشأن السياسي والأمني، فإنّ الآراء حول دوافع هذا القرار تتباين بشكل حاد؛ إذ يرى البعض في ذلك مجرد "تضحية بكبش فداء من أجل إغلاق الملف نهائياً، وعدم ترك ذيول لها قد تقود مستقبلاً إلى البحث عن أسماء القيادات الكتائبية التي أمرت بقتل الهاشمي، ومن ثم استدعاء أيّ منهم، مثلما جرى مع قاتل الصحفي أحمد عبد الصمد، أو مع قتلة الدكتورة رهام يعقوب وبقية الناشطين الذين جرى اغتيالهم في البصرة".

ما الذي يخبرنا عنه صراع الفصائل؟

إعادة النظر في ملابسات الجريمة، والظروف المحيطة بها، وشخص الضحية الذي دخل في أواخر أيامه في صراع "كسر عظام إعلامية"، يضعف هذا الرأي لصالح رأي آخر، وفق القيسي، حيث يرجح أنّ الحكم ما هو إلا مجرد "مؤشر على حدة الصراع الذي احتدم بين الفصائل الولائية مع بعضها البعض، وبينها وبين نوري المالكي من جهة أخرى، على السلطة والنفوذ، الأمر الذي يبدو معه أنّ رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يعمل على تغذيته من أجل إضعافهم جميعاً لصالح تدعيم موقفه، وتدعيم سلطته داخل مفاصل الدولة الحساسة، تحديداً جهاز المخابرات الذي احتفظ برئاسته لنفسه حتى اليوم، وذلك بالرغم الضغوط الشديدة التي تمارسها كل من كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق للاستيلاء والسيطرة عليه من خلال عناصرهم الأمنية".

وفي نظر القيسي "لا يزال الوقت مبكراً للحكم على خلفيات الحكم وتداعياته، لا سيّما في ظل حالة الشك والريبة في إمكانية تنفيذ حكم الإعدام في المدى المنظور، واحتمالية الإبقاء عليه معلقاً لسنوات أسوة بالآلاف من الأحكام التي مضى أكثر من عقد على إصدار الكثير منها".

عائلة الهاشمي، بحسب تقرير صحيفة "واشنطن بوست"، لم تبد ثمة اعتراضات على الحكم. غير أنّها شددت على ضرورة مثول من أعطى الأوامر باغتيال الهاشمي للعدالة جنباً إلى جنب مع الطرف الذي شرع في التنفيذ. وأكد أحد أقارب الهاشمي أنّ الأسرة لم تصل لمعلومة بشأن الجهة التي منحت الأوامر بقتل الهاشمي أو دعمت هذه التصفية الدموية.

الباحث العراقي منتظر القيسي لـ"حفريات": انتماء المتهم المعروف إلى ميليشيات كتائب حزب الله العراقية، جعل الآمال تتباعد حول إمكانية تحقيق العدالة للضحية

وتابع التقرير الأمريكي أنّه بعد صدور الحكم ستتم إحالة القضية إلى محكمة النقض للنظر في الحكم، "لكن ومع وجود العديد من أفراد الحكومة والأمن لديهم ارتباطات بالميليشيات القوية المتنافسة التي تتمتع بدرجات متفاوتة من الاندماج في الدولة العراقية، فإنّ ذلك قد يقوض إمكانية تنفيذ حكم الإعدام، عن طريق النقض. عمليات اغتيال النشطاء والأصوات الأخرى المنتقدة أصبحت منتشرة، في العراق، خلال حملة القمع التي طالت الحركة الاحتجاجية في العام 2019. كثيرون حملوا الميليشيات المدعومة من إيران، المسؤولية عن ذلك".

وفي حديثه لـ"حفريات" يوضح الناشط المدني المستقل من حراك "تشرين"، وسام الجبوري، أنّ قرار الحكم بالإعدام الصادر بحق قاتل هشام الهاشمي "غير كافٍ" بل أعتبره "قراراً ناقصاً؛ لأنّه لم يفضح "الجهات التي تقف وراء المجرم وكذا الدوافع الحقيقية للجريمة".

وقال الجبوري إنّ الجميع "يعلم أنّ الجريمة لم تكن جنائية بل كانت تصفية سياسية للأصوات القوية المعارضة لقوى السلاح المتفلت، وكذا الأصوات الطائفية، ودعاة الفتن. فكان الهاشمي ضمن الشخصيات التي كانت تتصدى بحسم لهذه العناصر الهمجية والعدوانية".

مواضيع ذات صلة:

نار الخلاف تستعر داخل المكوّن المسيحي في العراق.. ما علاقة الحشد الشعبي؟

العراق: اتهامات لسياسيين بدعم النزاعات العشائرية على حساب سلطة الدولة... كيف ولماذا؟

هل يتدخل المجتمع الدولي لحل أزمة المياه بين العراق وإيران وتركيا؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية