سلطت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى إفريقيا هذا الأسبوع، الضوء على سياسة أنقرة في القارة مرة أخرى، حيث تقدم تركيا نفسها كحليف بديل للدول الأفريقية.
كانت الزيارة جزءًا من اطروحة يتداولها الاعلام التركي واوساط الحكومة التركية وهي محاولة تركيا لكسر الهيمنة الاقتصادية للقوى الاستعمارية السابقة مثل فرنسا، وموازاة النفوذ المتزايد للصين في القارة الأفريقية.
كانت رحلة أردوغان إلى أنغولا ونيجيريا وتوغو فرصة للرئيس التركي للبناء على رغبة أنقرة في شراكة مع الاقتصادات الأفريقية.
كما أعطته فرصة لتسليط الضوء على مظالم إخفاقات اللاعبين التقليديين في التعامل مع إفريقيا.
في العاصمة الأنغولية، لواندا، شدد أردوغان على مظالم ما بعد الاستعمار في خطاب إلى البرلمان الأنغولي قائلا: "لا يمكن، ولا ينبغي، أن يترك مصير البشرية لرحمة حفنة من البلدان التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية".
وأوضح الرئيس التركي مع المشرعين في أنغولا ما كان معروضا: "بصفتنا تركيا، نرفض التوجهات الاستشراقية المتمحورة حول الغرب تجاه القارة الأفريقية. نحن نحتضن شعوب القارة الأفريقية دون تمييز".
توقفت الطموحات التركية في إفريقيا منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية والتركيز اللاحق للبلاد على أوروبا في أعقاب الحرب العالمية الأولى.
لم يغب عن ذلك الرئيس التركي الذي يصف تركيا بأنها "دولة أفرو-أوراسية".
قبل زياراته العديدة لإفريقيا، يبذل مساعدو إردوغان الكثير من الوقت والجهد للتأكيد على الروابط التاريخية القوية بين الأتراك العثمانيين والممالك والإمارات والمجتمعات الأفريقية.
عندما وصل حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى السلطة في عام 2002، كان ذلك إيذانًا بفتح فصل جديد في العلاقات الأفرو-تركية، حيث أعلنت أنقرة عام 2005 "عام إفريقيا".
خلال عقدين من حكم أردوغان كرئيس وزراء لتركيا، زار بالفعل 30 دولة أفريقية - أكثر من أي زعيم غير أفريقي.
في الوقت الذي تهدف فيه تركيا إلى تأكيد مكانتها دوليًا، لم تمر مناورات أنقرة متعددة الأوجه مرور الكرام.
تحاول الدبلوماسية المتنافسة ما بين فرنسا وتركيا إعادة مقاربة المشهد السياسي ومنه الافريقي وخاصة بعد ما يقرب من خمس سنوات من الخلاف السياسي والشخصي بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وأردوغان.
يبقى أن نتابع رد الفعل الفرنسي حول انتشار النفوذ التركي في غرب إفريقيا.
في السنوات العشر الماضية، زادت التجارة بين السنغال وتركيا 16 ضعفًا، حيث غيرت مشاريع البنية التحتية الضخمة أفق داكار.
وقعت النيجر هذا الصيف اتفاقية تعاون تكتيكي تمنح تركيا وجودًا عسكريًا في البلاد، بينما كانت زيارة هذا الأسبوع إلى توغو الناطقة بالفرنسية تدور حول التعاون في مجال الدفاع.
زعمت باريس أن ترويج أنقرة لعلامة "النموذج التركي" يتم على حساب العلاقات الفرنسية في غرب إفريقيا من خلال اللعب على استياء من مرحلة ما بعد الاستعمار. لكن هذا "الدولار المستاء" يقطع شوطا طويلا، لا سيما في فرنسا.
في خطاباته التي ركز عليها مؤخرًا كانت عبارة "عالم أكثر عدلاً " هي الاكثر تداولا، يقول أردوغان لجمهوره: "نحن بحاجة إلى التكاتف من أجل عالم عادل. يجب ألا نخاف. إذا كنا نخشى ، فإن الاضطهاد سيحاصر أفريقيا".
ومع ذلك ، فهنالك أكثر من ذلك، انها مخاوف أردوغان التي التي دفعته الى حملة "القوة الناعمة" في القارة الأفريقية.
منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016، سحق أردوغان أي شخص يشتبه في صلاته العسكرية أو الفكرية بفتح الله غولن، الذي يشيع أردوغان أنه كان وراء المؤامرة.
حتى عام 2014، كان لتنظيم غولن حضور لا مثيل له من خلال المنظمات غير الحكومية والمدارس وشبكات الأعمال وكانت شبكاته تلك هي الوسيط الرئيسي بين القارة الأفريقية وتركيا.
منذ عام 2016، ضغط أردوغان على القادة الأفارقة لتفكيك جميع الروابط مع مؤسسات غولن وجعل السيطرة للحكومة التركية بشكل غير مباشر تحت رعاية مؤسسة معارف، التي تدير أيضًا معاهد يونس إمرة – التي تكافئ المراكز الثقافية الفرنسية من حول العالم وكأنها منافسة غير معلنة بين الطرفين.
تقول نور ساغمان، التي كانت من كبار المسؤولين عن الشؤون الافريقية بوزارة الخارجية التركية وشغلت للمدة من عام 2015 إلى عام 2018، منصب سفيرة لدولة غينيا الواقعة في غرب إفريقيا.
وعندما سئلت عن الاهتمام المتزايد بإفريقيا بشكل عام، قالت إنها سعيدة لأن أهمية القارة "أصبحت مفهومة أخيرًا" ، لكنها شددت على أن تركيا "كانت على علم بذلك دائمًا".
وقالت إن إفريقيا ليست قارة المستقبل فحسب، بل قارة اليوم ايضا وأوضحت أن "لدى هذه القارة كل أنواع الإمكانات التي تصبو اليها تركيا من حيث الموارد البشرية والطبيعية إنها قارة غنية للغاية من جميع النواحي".
وقالت إن الاتصالات والتعاون بين تركيا وأفريقيا ينمو بشكل متصاعد "وسيدرك الجميع يومًا ما أنه بدون إفريقيا، لا يمكن أن يكون هناك عالم مزدهر. لهذا السبب نحتاج جميعًا إلى المضي قدمًا، جنبًا إلى جنب مع إفريقيا."
وقالت سغمان إن رئيسي بوركينا فاسو وليبيريا سافرا أيضًا إلى توغو لمقابلة أردوغان، وأضافت أنه تم إصدار إعلان مشترك بعد القمة المصغرة.
في السنوات الأخيرة ، شددت تركيا على أهمية العلاقات مع الدول الأفريقية، حيث زار أردوغان 30 دولة من أصل 54 دولة في القارة، إلى جانب البعثات الدبلوماسية التركية النشطة والمؤسسات والمنظمات في القارة، بما في ذلك الوكالة التركية للتعاون الدولي والتنمية (تيكا).
ولدى تركيا 43 سفارة في أفريقيا، بعدما كان عددها 12 سفارة فقط في عام 2002، وفقا لأرقام الوزارة.
وبحسب سغمان فقد تخلت تركيا عن نهجها أحادي البعد في السياسة الخارجية الذي اتبعته لعقود من الزمن، والذي شكلته علاقاتها مع الغرب، غيرت تركيا اتجاهها واتبعت سياسة خارجية أكثر تنوعًا وتعددًا واستقلالية منذ نهاية الحرب الباردة.
لقد انفتحت تركيا على إفريقيا، نابعة من خطة عمل تم تبنيها في عام 1998 والتي تشكلت في عام 2005، والتي أعلنتها أنقرة "عام إفريقيا".
عن "أحوال" تركية