الطفل العربي.. يتيم فكرياً

الطفل العربي.. يتيم فكرياً


21/11/2018

عثمان حسن

حددت الأمم المتحدة يوم 20 تشرين الثاني (نوفمبر) يوماً للاحتفال بالطفل، وهو ما يستدعي الخوض في موضوع ثقافة الطفل على المستوى العربي، الذي لا يزال يعد موضوعاً شائكاً، برغم كل الإيجابيات، التي حدثت في بعض الدول العربية، على صعيد تقديم ما هو قيم وعصري، ويحاكي المفاهيم التربوية والثقافية، التي تناسب طفل اليوم. هل نتحدث عن فقدان استراتيجية عربية واضحة إزاء ثقافة الطفل في عالم متغير ومتسارع ومتغير؟ وما شكل الثقافة الملائمة للطفولة في الوطن العربي؟ وما دور المفاهيم التربوية قديمها وجديدها في صياغة أفكار عصرية توجه نحو ثقافة جديدة للطفل؟ كلها أسئلة مشروعة وتحتاج إلى إجابات شافية، وبكل تأكيد فإننا بحاجة ماسة لأفكار تدعم محددات وآفاق الثقافة، التي نطمح أن تشكل عناصر فاعلة لمشروع ثقافة عربية ناجحة تناسب صغار السن.

عندما نعود بالزمن قليلاً، نلاحظ أن المناهج العربية استقت الكثير من المفاهيم، التي قدمها مفكرون تربويون معروفون ك "جون ديوي" وهو الفيلسوف وعالم النفس الأمريكي صاحب النزعة البراغماتية والدعوة إلى العلم والديموقراطية، التي أحدثت نظريته في ضرورة أن تعكس المدرسة مستوى التطور الاجتماعي، دورها في كثير من المجتمعات الغربية.

لكنّ تأثر الثقافة العربية، بمثل هذه الأفكار المتقدمة، بالإشارة إلى نظرية "جون ديوي" ظل متراجعاً لأسباب عدة ارتبطت بالمفاهيم الثقافية العربية؛ وهي مفاهيم تعرضت لارتدادات كثيرة؛ بعد اصطدامها بالطفرة التكنولوجية الهائلة، وهي الطفرة التي طرحت أسئلة أخرى ذات صلة بثقافة الطفل، في ظل بيئات عربية، لم تحدد استراتيجيات واضحة في التربية، لجهة تطوير المناهج الدراسية، ومعرفة مدى القدرة الاستيعابية عند الطفل، وتنامي مداركه الحسية، ودرجة واقعيته في التفكير.

صار البحث عن فلسفة موجهة للتربية، تدمج بين العقل والعاطفة كأمر مُلحٍ، خاصة وأن الطفل محكوم بحسب بيئته بواقع يحدد توجهات معرفته في المستقبل.

إن الاتفاق على استراتيجية عربية لثقافة الطفل، هو أمر مُلحٌ بالضرورة، وهو يستدعي من الخبراء والمثقفين ومنشطي الثقافة والتربية في البلدان العربية، أن يكونوا على وعي بحجم التحديات، التي تواجه طفل اليوم.

لقد حدثت تطورات كثيرة على مفاهيم الثقافة الموجهة للطفل العربي، على الأقل في نظر المؤسسات العربية الكبرى الفاعلة، ومنها على سبيل المثال المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، التي سعت في السنوات القليلة الماضية إلى تنمية ثقافة الطفل في البلدان العربية؛ إيماناً منها بالدور الذي تلعبه مرحلة الطفولة في تشكيل شخصية الإنسان، فالطفولة هي القوة الدافعة للمجتمعات إذا ما أُحسن توظيف قدراتها على الوجه الصحيح، وهي سبب ازدهار الأمم، والنشء بنظر المنظمة العربية يشكّلون النواة الحقيقية للتنمية البشرية في جميع المجالات على مرّ العصور.
دعت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، إلى الاهتمام بثقافة الطفل؛ من خلال أنشطة هادفة ودقيقة تساعده على تنمية قدراته الثقافية والعلمية والتربوية، وتغرس فيه قيم التسامح والوسطية.

مثل هذه الدعوات تلاقي أصداء واسعة عند بعض المشتغلين في الحقل الثقافي العربي؛ حيث حرصت بعض الحكومات العربية على تبني مبادرات متقدمة تشجع على تنمية وعي الطفولة، بالحث على القراءة والمطالعة.

غير أن التحديات ما زالت كبيرة، ومشوار ثقافة الطفل العربي مطلوب منه، أن يشكل مشروعاً بتوجهات متطورة، في تقاطعات ارتباط ثقافة الطفل العربي اليوم مع جوارها العالمي، فهل نتبنى في مؤسساتنا العربية المذهب الاجتماعي الواقعي، الذي يرى التربية وسيلة لإعداد "الجنتلمان" أي الرجل المتعلم المهذب والناجح اجتماعياً؟، أم نتبنى ما يعرف بحسب خبراء التربية ب "المذهب الحسي الواقعي"، الذي قدم بذوراً حقيقية للتربية الحديثة، وقام على احترام العلوم الطبيعية، واستخدام المناهج العلمية للمعرفة، هذا المذهب يعتمد الوسيلة الحسية في الإدراك، ويرى ضرورة تحقيق إنماء شامل للطفل، ومن رموز هذا المذهب المفكر فرانسيس بيكون الفيلسوف التجريبي، الذي آمن بهدف عملي للمعرفة، ورأى أن عدة عقبات تحول بين العقل البشري والمعرفة.

لقد قدمت المكتبة العربية، العديد من الكتب، التي رغم جودة ما تحمل من أفكار عصرية، فشلت في استدراج الطفل إلى القراءة؛ ولذلك أسبابه العديدة التي أشبعت بحثاً، ومن ضمنها أن الأسر العربية في معظمها ليست قارئة، أو هي منشغلة بهموم ذاتية ومعاشية محضة؛ وذلك وارد في أكثر إحصاءات معدلات ومؤشرات القراءة العربية.
وما يزيد من تفاقم المشكلة، افتقاد الكثير من المؤسسات التربوية العربية، لمحددات ومعايير واضحة، تشجع الطفل على القراءة، إما لرداءة المناهج التعليمية، وإما لأسباب لها علاقة بضعف هيئات التدريس؛ حيث إن هذه الهيئات هم بأنفسهم أبناء تلك البيئات الطاردة، التي لا تحفز على الوعي والابتكار، وهذه المشكلات وغيرها الكثير، تحتاج من الخبراء والموجهين وأصحاب الرأي، وكذلك الهيئات والمؤسسات الرسمية والأهلية العربية، أن يقفوا معاً لبلورة استراتيجيات واضحة تنهض بثقافة الطفل؛ لمعالجة الإشكاليات، التي تواجه مستقبل الطفل العربي. وهذه المشكلات يمكن حصرها في بنود كثيرة، أبرزها ما هو شكل الثقافة، التي نريدها في ظل مجتمع المعلومات، وفي مجالات الثقافة والعلوم المختلفة.

إن الحث على الإبداع، وتقديم ما هو عصري ومفيد وجاذب لعالم الطفولة، هو من التحديات، التي يجب أن تدرس في ضوء محددات العلاقة بين الثقافة العربية والعالمية؛ فالالتقاء على العناصر المشتركة في هذه الثقافات، أمر ملح يردم الفجوة بين الأنا والآخر في ضوء ثقافة سلمية تنبذ العنف والتطرف، وتدعو إلى السلم والإخاء والتفاهم.

عن صحيفة "الخليج" 

الصفحة الرئيسية