الطريق إلى الإليزيه... كيف انحرفت عنه لوبان؟

الطريق إلى الإليزيه... كيف انحرفت عنه لوبان؟


17/04/2022

الطريق إلى الإليزيه ليست معبّدة على ما يبدو أمام مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان التي وظفت "الحجاب" كورقة أساسية في حملتها الانتخابية للرئاسة الفرنسية، مهمشة العديد من القضايا المصيرية الأخرى كالاقتصاد والضرائب وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على بلادها.

 وفي تصريحات إذاعية الأسبوع الماضي، تحدثت لوبان عن عزمها حظر الحجاب في المناطق العامة، لتردّ عليها المذيعة قائلة: "هكذا ستكون فرنسا أول دولة تحظر الحجاب"، فقالت لوبان، في سقطة تاريخية: إنّ الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة كان "قد حظره في الجزائر".

 تصريحات لوبان، التي عكست الانحرافات الفكرية لمرشحة اليمين المتطرف، أثارت ردود فعل غاضبة بين المعتدلين من أبناء المجتمع الفرنسي والمجتمعات الإسلامية داخل وخارج فرنسا، فقد أصدر "مسجد باريس الكبير" و"تجمّع مسلمي فرنسا" دعوة للناخبين بعدم التصويت لها في الانتخابات المقررة نهاية الشهر الجاري.

  مسلمو فرنسا بين نارين

أصبح مسلمو فرنسا بين خيارين هما الأصعب، فإمّا التصويت لـ"لوبان"، وإمّا لماكرون الذي يتبنّى أيضاً موقفاً متشدداً تجاه الإسلام، فقد أثار الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته حفيظة العديد من الدول الإسلامية باستخدامه لفظ "الإرهاب الإسلامي" منذ تولّيه الحكم في أيار (مايو) 2017، حتى أنّ الأزهر الشريف انتقد استخدامه لهذا التعبير.

تحدثت لوبان عن عزمها حظر الحجاب في المناطق العامة

 وشهد الخطاب السابق للانتخابات الفرنسية تنافساً بين المرشحين الأكثر عداءً للإسلام والمسلمين، بين اليمين واليمين المتطرف وتيار الوسط الذي ينتمي إليه ماكرون.

 وقد دخل ماكرون أيضاً في جدال مع مسلمين وزعماء دول إسلامية بسبب موقفه المتشدد ممّا تصفه حكومته بالإسلام الراديكالي. وبعد سلسلة من الهجمات أواخر عام 2020 ألقي باللوم فيها على متطرفين، انتقد الرئيس ما سمّاه "الانفصالية الإسلامية" في فرنسا، وفرض سلسلة من الإجراءات للحدّ من انتشارها، غير أنّه من الواضح أنّ الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته يدرك جيداً أهمية أصوات (5) ملايين مسلم في فرنسا، الذين يُقدّر أنّهم يشكّلون ما يقرب من 9% من السكان، وفقاً لموقع "سي إن إيه" الآسيوي.

  نفي المسلمين

مدفوعاً بمخاوف الأوساط الإسلامية في فرنسا من وصول اليمين المتطرف إلى الحكم، دعا عميد "مسجد باريس الكبير" شمس الدين حفيظ، في بيان أول من أمس الجمعة، إلى التصويت لماكرون، قائلاً: "تدعو قوى حاقدة اليوم إلى نفي المسلمين، فلنصوّت لإيمانويل ماكرون."

 

أصبح مسلمو فرنسا بين خيارين هما الأصعب؛ فإمّا التصويت لمرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، وإمّا لماكرون الذي يتبنّى أيضاً موقفاً متشدداً تجاه الإسلام

 

 ووفقاً لاستطلاع أجراه مركز إيفوب، اختار 69% من الناخبين المسلمين في الجولة الأولى من الانتخابات المرشح اليساري جان لوك ميلانشون الذي حلّ في المركز الثالث، ويُنظر إلى كسب تأييد أنصار ميلانشون على أنّه أمر حاسم بالنسبة إلى ماكرون لضمان فوزه في الجولة الثانية.

 انقسام في جبهة لوبان

من حظر الحجاب إلى حظر جماعة الإخوان المسلمين والجماعات السلفية، حيث قالت لوبان، في تصريحات تلفزيونية نقلها موقع "أويس فرانس" الناطق بالفرنسية: "يجب علينا أيضاً إزالة جميع أشكال التمويل للجمعيات الإسلامية، ويجب أن نحظر دستورها، ويجب أن نحظر جماعة الإخوان المسلمين والسلفية، ويجب أن نغلق المساجد التي تروّج للإسلام الراديكالي".

دعا عميد "مسجد باريس الكبير" شمس الدين حفيظ، إلى التصويت لماكرون

 تسبب موقف لوبان من الحجاب وبناء جزء كبير من حملتها الانتخابية للعداء للمهاجرين وللإسلام بامتداد الجدل إلى داخل معسكرها، فقد اعتبر روبير مينار رئيس بلدية بيزيير وأحد داعمي لوبان في الجولة الثانية أنّ سياستها بشأن الحجاب "خطأ" و"لا يمكن تطبيقها"، حيث تدعو لوبان إلى حظر الحجاب في الشوارع الفرنسية، وتصفه بأنّه "زي موحد فرضه بمرور الوقت أشخاص لديهم رؤية متطرفة للإسلام"، وترى أنّ الحجاب بمثابة "رمز" للإيديولوجية الإسلامية التي تعتبرها بوّابة للتطرف، على حدّ وصفها.

 وحظرت فرنسا عام 2004 الحجاب في الفصول الدراسية، وفي عام 2010 حظرت النقاب في الشوارع، ممّا أثار العديد من الانتقادات من قبل مسلمي فرنسا ومنظمات حقوق الإنسان.

 

مدفوعاً بمخاوف الأوساط الإسلامية في فرنسا من وصول اليمين المتطرف إلى الحكم، دعا عميد "مسجد باريس الكبير" إلى التصويت لماكرون

 

 واستغل ماكرون خطة لوبان لحظر الحجاب ضدها قائلاً، خلال زيارة لمدينة لوهافر الساحلية الشمالية: "لا توجد دولة في العالم تحظر الحجاب في الأماكن العامة. تريد أن تكون أول من يفعل ذلك؟"، ووصف خطة لوبان بـ"الهراء" عندما سأل امرأة محجبة، خلال جولة انتخابية في مدينة ستراسبورغ شرق فرنسا الثلاثاء الماضي، عمّا إذا كانت ترتدي الحجاب كرهاً أم بقرار، فأجابت: "إنّه اختياري"، فقال: "إنّه أفضل ردٍّ على الهراء الذي سمعته"، وفقاً لصحيفة لوسائل إعلام فرنسية.

 كما استغلّ ماكرون موقف لوبان للقول: إنّ سياساتها لا تختلف عن سياسات الجبهة الوطنية المتشددة التي أسسها والدها جان ماري لوبان، مقدّماً نفسه على أنّه مدافع عن الحريات الدينية، مشدداً على أنّ حظر الحجاب سيعني دستورياً منع جميع الرموز الدينية بما في ذلك القلنسوة اليهودية والصليب.

سيناريو الفريكسيت

سيناريوهات كارثية في انتظار فرنسا حال وصول لوبان إلى الإليزيه، حيث نقلت صحيفة "لو أكسيبريس" الفرنسية عن المحللين نيكولا بوزو وأوليفييه بابو وإيمانويل كومب قولهم: إنّ لوبان تُعِدّ على ما يبدو لـ"فريكسيت"، وهو تعبير مجازي استخدمته بريطانيا ضمن حملة خروجها من الاتحاد الأوروبي "بريكسيت" وهو مشتق من الحروف الأولى لفرنسا بالإضافة إلى كلمة "EXIT" التي تعني خروج.

استغل ماكرون خطة لوبان لحظر الحجاب ضدها

 وفي تصريحات سابقة مطلع شباط (فبراير) الماضي، كشفت لوبان عن عزمها حلّ الاتحاد الأوروبي واستبداله بـ"تحالف أوروبي"، قائلة: "سنقوم بإصلاح الاتحاد الأوروبي واستبداله بتحالف الدول الأوروبية".

 وشارك آلاف المحتجين المناوئين لليمين المتطرف في مسيرات في (30) مدينة فرنسية أمس السبت، في وقت يسعى فيه معارضو مرشحة الرئاسة مارين لوبان لتشكيل جبهة موحدة لمنعها من الفوز على ماكرون في جولة الإعادة في 24 نيسان (أبريل) الجاري.

 

سيناريوهات كارثية في انتظار فرنسا إذا وصلت لوبان إلى الإليزيه، حيث قال محللون: إنّ لوبان تُعدّ على ما يبدو لـ"فريكسيت"

 

وفاز ماكرون، المؤيد للاتحاد الأوروبي والمنتمي لتيار الوسط، بالرئاسة في عام 2017 بعد انتصاره بسهولة على لوبان عندما احتشد الناخبون خلفه في جولة ثانية لإبقاء اليمين المتطرف بعيداً عن السلطة، وهذا العام مهدت الجولة الأولى من التصويت إلى المعركة ذاتها، لكنّ ماكرون يواجه تحدياً أشد هذه المرّة، وقد يخسر المعركة.

  فساد مالي

في مواجهة مخططاتها لحلّ الاتحاد الأوروبي، أصدر المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال تقريراً اتهم فيه لوبان ومقربين منها باختلاس نحو (600) ألف يورو من الأموال العامة الأوروبية خلال فترة ولايتهم في البرلمان الأوروبي، وفقاً لموقع "ميديابار" الفرنسي. ونقل الموقع عن المدعي العام الفرنسي أنّه تلقى في 11 آذار (مارس) الماضي التقرير ويجري تحليله.

  ووفقاً للتقرير، فإنّ تحقيق المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال مفتوح منذ عام 2016، وتمّ استجواب لوبان عن طريق البريد في آذار (مارس) 2021.

 يتعلق التقرير الجديد للمكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال، الذي نشر "ميديابار" مقتطفات منه، بالرسوم التي يمكن لأفراد المجموعات السياسية استخدامها في إطار تفويضهم بصفتهم أعضاء في البرلمان الأوروبي، والتي قد تكون مارين لوبن ومقربون منها استخدموها لأغراض سياسية وطنية أو لتغطية نفقات شخصية أو خدمات أخرى.

مواضيع ذات صلة:

اليمينية مارين لوبان تتحدث عن الحجاب وتثير الانتقادات .. ما علاقة بورقيبة والجزائر؟

الانتخابات الفرنسية.. هل ثمة تغيير في استراتيجية مواجهة الإسلام السياسي؟

فرنسا تواجه هذا السيناريو في حال فوز "لوبان" في انتخابات الرئاسة

الصفحة الرئيسية