الصومال في خطاب داعش الإعلامي

الصومال في خطاب داعش الإعلامي

الصومال في خطاب داعش الإعلامي


18/02/2024

حمادة إسماعيل شعبان

مشاكل كثيرة تعاني منها دولة الصومال العربية الإفريقية، كان آخرها بدأ مرحلة جديدة من الصراع التاريخي مع "إثيوبيا" بسبب توقيع الأخيرة اتفاقًا مع إقليم "أرض الصومال" التابع للدولة الصومالية يضمن لإثيوبيا منفذًا بحريًا في الأراضي الصومالية، في خطوة اعتبرتها حكومة الصومال اعتداءً على أراضيها في حين وصفتها الحكومة الإثيوبية بالخطوة التاريخية. وقد أعادت هذه المشكلة "الصومال" إلى الواجهة في عالمنا العربي وإعلامه، سواء على المستوى السياسي أو بين الشباب والمثقفين على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما بعد إعلان الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" موقف مصر القوي في هذه القضية. 

من جهة أخرى شهدت "الصومال" خلال الفترة الماضية مرحلة أخرى من الصراع القديم الجديد بين تنظيم داعش وحركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة، خصص على إثرها تنظيم داعش جزءا كبير من العدد رقم (428) من صحيفتها"النبأ" الأسبوعية للحديث عن الصومال بصفة عامة والصراع مع حركة الشباب وغيرها من الفصائل هناك. 

افتتاحية العدد 

ذكرت افتتاحية العدد سالف الذكر والتي جاءت بعنوان "فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به" أن التنظيم حاول تلاشي المعارك مع حركة الشباب الصومالية، وابتعد عنها بمسافات شاسعة إلا أن الحركة أبت إلا المواجهة، وأن التنظيم فعل ما يجب عليه فعله تجاه هذا الأمر، وقدم وما زال يقدم النصح للحركة وأفرادها حتى في أثناء المواجهة العسكرية معهم. كما تطرق التنظيم في افتتاحيته إلى مشكلة "الصومال" مع "إثيوبيا" ذاكرًا أن الصومال صارت مطمعًا للدول شرقًا وغربًا، وأن أهلها يعيشون في فقرٍ مدقع رغم خيراتها وموقعها الاستراتيجي في القرن الإفريقي. 

دلالات الخطاب الداعشي الأخير الخاص بالصومال

 إن المدقق في افتتاحية داعش وتوقيتها يرى أن هناك عدة أهداف ورسائل يريد التنظيم إيصالها من وراء هذه الافتتاحية، ويمكن إيجازها على النحو الآتي: 

أولًا: يريد التنظيم تبرئة ساحته من المشكلات العامة التي تعم "الصومال" منذ عقود في جميع المجالات تقريبًا، وساهمت في تدهور أحواله معيشيًا وسياسيًا نتيجة أسباب كثيرة من أهمها انتشار الإرهاب وتنظيماته التي جعلت البلاد في أحيان كثيرة تتصدر مؤشر الإرهاب العالمي. ولعل السبب في رغبة التنظيم هذه هو الظهور أمام أتباعه بأنه متابع لكافة الأحداث التي تهم العالم العربي والإسلام، لا سيما أن "الصومال" في الفترة الأخيرة ومنذ اندلاع الأزمة الحالية مع "إثيوبيا"، نال اهتمامًا واسعًا في وسائل الإعلام في عالمنا العربي، وسُلط الضوء على أراضيه وشعبه وجغرافيته وتاريخه وعلاقاته مع دول الجوار، ومكانته في جامعة الدول العربية. كذلك تناول النشطاء والمثقفون وأصحاب الحسابات المشهورة على مواقع التواصل الاجتماعي "الصومال" بصورة واسعة، وشاهد مقاطعَهم المرئية ملايينُ الشباب العربي على الهواتف، وتعرفوا على حقيقة "الصومال" بعد أن ظل سنوات طوال عالق في الذهنية العربية والعالمية باعتباره موطنًا لحركة الشباب والصراع بينها وبين الحكومة أو بين داعش أو أي من الفصائل والتنظيمات المتقاتلة الأخرى. فمع هذه التناول الإعلامي الواسع أراد التنظيم تبرئة ساحته من التدهور الذي عم البلاد التي تمتلك كل مقومات التطور والنهوض، وفي الوقت ذاته حاول أن يدلي بدلوه في القضية حتى لا يترك لأتباعه فرصة متابعة الأخبار من منصاتٍ أخرى.

ثانيًا: لا نستطيع أن نتناول قضية الصومال في الخطاب الإعلامي لداعش بعيدًا أو بمعزلٍ عن التطورات الموجودة في المنطقة بصفة عامة، لا سيما أحداث غزة، فالتنظيم في خطابه الإعلامي المتعلق بالقضايا الخاصة بالشعوب، يحاول الاستفادة الذاتية لنفسه، وليس إفادة الشعب المضطهد أو المظلوم، فعلى سبيل المثال في خطابه الخاص بأحداث غزة الأخيرة، رسم التنظيم خارطة طريق لتحرير فلسطين، مفادها ترك الكيان الصهيوني والقيام بعمليات ضد حلفائه في الشرق والغرب... في أوروبا وفي الدول العربية وإيران وتركيا بل وفي فلسطين ذاتها، بل وفي غزة ذاتها، بل ومن يدقق جيدًا في خطاب التنظيم يشعر أن المقاومة الفلسطينية ذاتها ربما من وجهة نظر داعش هي ضمن حلفاء الكيان الصهيوني... حتى لا يتبقى للكيان سوى الحجر والشجر ــ وفقًا للتنظيم ــ، حينها تبدأ معركة التحرير ضده، وهذا ما يفسر لنا أن معارك التنظيم في دول إفريقيا يعتبرها داعش تحريرًا لفلسطين. 

الأمر ذاته يمارسه التنظيم فيما يخص "الصومال"، حيث حاول التنظيم إلقاء اللوم على جميع الفصائل المتقاتلة معه، واصفًا إياها بالمغرر به، التي تسببت في تسلط الأعداء على بلادها، وأنه قدم لها النصح مرارًا وتكرارًا، ونصحها بأن "الصومال" تسلط عليه الطواغيت وأفسدوا حياة شعبه، وأن ما يحدث هناك هو نتيجة طمع الصليبين والمرتدين ــ على حد تعبير كاتب الافتتاحية سالفة الذكر ــ مبرءا ساحة التنظيم من أي شبهة في تدهور البلاد وأطماع جيرانها في مواردها وموقعها الاستراتيجي. وهذا ما يريد التنظيم تقديمه لقواعده وداعميه الافتراضيين الذين من المتوقع أن يتأثروا بما يتابعونه من أخبار عن "الصومال" والاعتداءات على سيادتها من قبل دول الجوار الأفريقي، والتحليلات السياسية والاستراتيجية والأمنية التي تؤكد أن التنظيمات الإرهابية كانت هي أحد أهم أسباب التدهور الذي أصاب البلاد، واستنزف قواها في مكافحته، وكبدها كثيرًا من الخسائر  البشرية والاقتصادية، وجعل منها واحدة من أخطر الدول، والتي ينأى عنها المستثمرون. 

ثالثًا: إن من يتأمل في الافتتاحية سالفة الذكر يلحظ الخطاب الاستقطابي الذي يبغي داعش من ورائه استقطاب أفراد الفصائل الأخرى في الصومال، وهذا من سمات الخطاب الداعشي الذي يقدمه التنظيم للفصائل الأخرى، لا سيما من ينتمى منها إلى تنظيم القاعدة، حيث نرى بين السطور تحريضًا داعشيًا لتلك الفصائل على ترك القاعدة والانضمام إليه معللًا ذلك بأن تنظيمهم بايع حركة "طالبان"، وهي وفقًا للتنظيم حركة مرتدة، ومن ثم ينبغي على من بايعها مراجعة نفسه، والانضمام إلى داعش. 

خلاصة القول، إن خطاب داعش الخاص بالصومال لا يختلف عن خطابه الخاص بغزة، الهدف منه استقطاب مزيد من الأفراد، وتنفيذ عمليات باسم التنظيم في أماكن بعينها، وتبرئة ساحة التنظيم مما أصاب الشعوب في هذه الأماكن، ورسم خرائط وخطط هدفها تحقيق استفادة ذاتية للتنظيم، وتصويرها على إنها إفادة للشعوب المقهورة. حفظ الله بلادنا وشعوبنا من كل سوء.  

عن "البوابة نيوز"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية